مرت بنا، مرور الكرام، الذكرى الأولى لكارثة سيول جدة، هل صرّح أحد عمّا تم إصلاحه لضمان عدم تكرار الأخطاء أو التقصير سواء هنا في جدة، أو في أي من مدننا الأخرى؟ هل أجاب أحد عن اللجان التي شُكّلت وأفاد عمّا توصلت إليه أعمالها؟ هل صدر قرار من هيئة التحقيق والادّعاء، أو المباحث الإدارية، أو أية سلطة قضائية، قرار بإدانة أحدٍ.. ولتقصيري لم أطّلع عليه؟ لم نسمع من إدارة الدفاع المدني، أو أمانة جدة، أو مرورها، أو حتى مجلسها البلدي، ما يطمئن السكان، ويهدّئ روعهم مع عودة فصل الشتاء، وتجدد موسم الأمطار! حتى الإعلام صمت، وكنتُ أظنه سيحيي المناسبة بفتح صفحات الفساد الذي أدّى إلى حدوث الكارثة، ألا يثبت هذا أن النسيان آفة، وليس نعمة بعض الأحيان، بالخصوص ما يتعلّق بهدر حق مواطن، أو تقصير في الشأن العام؟ أمانة جدة اكتشفت، وبعد مرور عام كامل على الكارثة، استمرار وجود مساكن على مجارى السيول فأنذرت، دفعًا للحرج، أصحابها بالإخلاء، تُرى مَن أعطى الإذن بالبناء؟ وعلى مَن يقع واجب توفير البديل؟ اكتشفت الأمانة أيضًا، وبعد مرور عام كامل، وجود نقص في سدود جدة، وأعلنت قبيل بدء موسم الأمطار عدم تسلم بعض اعتماداتها المالية، وَيْحَكُمْ!، حتى لو كانت السدود جاهزة للشراء من الحراج، فلن يمكنكم تركيبها وقد دهم الوقت. وَيْحَكُمْ! ألم يكُ ممكنًا طوال هذا العام تدبير تمويلها من بنود التأسيس، والسيارات، والانتدابات، والرواتب الخيالية لخبراء لم يفيدونا بشيء. وبرغم كل هذه النواقص، وبرغم التصريح بهذه الاكتشافات يُعلن معالي أمين جدة اكتمال الأعمال الاحترازية، وعن وجود خطة إستراتيجية لمواجهة الطوارئ، فمَن نصدّق: الأمانة، أم أمينها؟ آخرًا وليس أخيرًا، فجعبة المرارة مليئة، مازالت أمانة جدة، وأمانات مدن أخرى، تتحدّث عن تصريف السيول، لم أسمع خبيرًا لهم يتحدّث عن إمكانية الاستفادة منها بتخزينها في بلد يعتبر فقيرًا مائيًّا. قُدماؤنا -وإلى قبل نصف قرن أو يزيد- كانوا يحفرون لها آبارًا تحت الأرض، أو يخزنوها بعقوم فوقها، فلا تذهب هدرًا، بل تُستخدم لري المزارع، يوم كنا نأكل ممّا نزرع. وأمّا الدفاع المدني فقد فرحنا بخبر انتداب بعض رجاله إلى فرنسا للاطّلاع على مستجدات وتقنيات التعامل مع الكوارث، لكنّا لم نقرأ عمّا أضافته الزيارة، لم يعلن عن معدات جديدة أُضيفت، أو تجارب ميدانية أُجريت سوى تلك اليتيمة التي أثبتت استمرار رداءة التنسيق بين قطاعات عدة أَلِفت العمل كل على حدة. مصلحة الصرف الصحي، ماذا عن شبكتها وبنيتها التحتية التي لم تكتمل منذ ثلاثين عامًا؟ علمًا أن مجموع ما صُرف عليها يكفي لبناء شبكة تغطي قارة إفريقيا. أمّا إدارتا المرور والشرطة فحدّث ولا حرج، فأفرادهما يختفون عند أدنى تلبّك مروري، ويحضرون متأخرين لأي حادث مروري، كزملائهم في الدفاع المدني، والهلال الأحمر. ويبدو أن إدارة المرور فرحت باختراع «نظام ساهر» واكتفت به، رغم ثبات أنه نظام جباية، فهو يرصد خمس سيارات خلف السيارة المخالفة، وخمس أخرى أمامها، ولا أدري سر تسميته بساهر؛ كأن المخالفات لا تتم إلاّ في الليل فيسهر لها، وأقترح عليهم تغيير اسمه إلى راصد علّه يفلح في رصد المخالف فقط، فطول سهره مقروح العين أدّى لذلك الخلط. المجلس البلدي مازال يركض للحصول على صلاحياته المختلف عليها، كان المؤمل من رجاله «المنتخبين» أن يحاربوا في سبيل مَن منحهم الثقة، ووضع على أكتافهم الأمل. مازالت المجالس البلدية تطالب بحضور اجتماعات المشاريع، وفتح المظاريف، ومراقبة مراحل التنفيذ، هل منعهم أحد؟ كيف يطالبون بما هو حق لهم؟ طلاب السنة الأولى بكليات الإدارة يعرفون أن الصلاحيات تُؤخذ ولا تُعطى، فضلاً عن أن تُمنح. أمّا مصلحة الأرصاد وحماية البيئة فقد أراحت دماغها من كامل المشكلة، وأعلنت على رؤوس الأشهاد، وفي عز موسم الحج عدم تمكّنها من التنبؤ بحالة الطقس لأكثر من ست ساعات، جدّتي -يرحمها الله- كانت تتنبأ بقدوم المطر قبل هطوله بيوم كامل، وجدي -رحمه الله- كان يشم الريح، فيخبرنا إن كانت ستمطر قبل أسبوع من هطولها، ومصلحة أرصادنا، بكل مراصدها، وقرون استشعارها، وتقنيتها العالية، التي كلّفت الدولة الكثير، تعجز عن التنبؤ لأسبوع واحد، وهو ما تفعله مراصد العالم المماثلة، وتبثه محطات التلفاز المختلفة، فلعلّهم يستعيرون تنبؤات غيرهم، ويوفرون لنا بعض الأموال لعمل ملاجئ لضحايا أخطاء توقعاتهم. مَن بقي لنسأله الرفق بنا، وطمأنتنا أننا في أيدٍ أمينة؟ لم يبقَ سوى الإمارة والمحافظة، فيا أمير منطقتنا الموقر، ويا أمير محافظتنا الكريم: ماذا تم بشأن اللجان التي شُكِّلت لتقصّي الحقائق؟ وماذا حدث بعد اتّضاح الحقائق؟ يا أميرينا الفاضلين نلجأ إليكما، بعد الله سبحانه وتعالى، لنسأل: هل نال المذنب عقابه، ووجد المقصّر مَن يُحاسبه ردعًا لأمثاله؟ فإن كان.. هلّا طمأنتمونا بإعلان العقاب، والأسماء؛ لنضمن عدم تكرار التقصير. هناك أرواح أُزهقت (132 غريقًا)، وبيوت هدمت (12 ألف أسرة شُرّدت)، وسيارات دُمّرت (11 ألف مركبة).. هل تم تعويض الجميع؟ فإن كان.. فهلّا أُعلن حتى تهدأ النفوس، وتعلم أن العدل قد أخذ مجراه. أميرينا الكريمين: تحدّث أكثر من مسؤول عن تحسينات وتطويرات لأجهزتهم الخدمية، فإن كان صحيحًا ما يدَّعون ليتهم يشرحونه ميدانيًّا، قبل أن يكذّبهم المطر مجددًا. وسؤال أخير إذا أذنتما: هل هناك مخطط شامل لمدننا الرئيسة، يبيّن حدود عمرانها، وخدماتها، وبنيتها التحتية؟ هل هناك خطط طوارئ ضد الكوارث؟ وهل توجد خطط لبناء ملاجئ؟! [email protected]