الذهب قرب أدنى مستوى له في أسبوع    ولي العهد السعودي ووزير الدفاع يلتقيان وزير الخارجية الإيراني في جدة    انطلاق معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب.    استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    المؤسسة العامة للري: موافقة مجلس الوزراء على تنظيم المؤسسة تُجسّد اهتمام القيادة وتُعدّ نقلة نوعية في مسيرتها    25 مليون مسافر عبر مطار المؤسس خلال نصف عام    وصفت بأنها الأقسى منذ اندلاع حرب أوكرانيا.. أوروبا تستعد لفرض حزمة عقوبات على روسيا    وسط صمت دولي وتمسك الدبيبة بالسلطة.. تحركات لتشكيل حكومة ليبية جديدة    خسائر بشرية وبيئية وتحذيرات دولية.. هجوم حوثي يضرب الملاحة الدولية قبالة الحديدة    34 % زيادة سجلات الذكاء الاصطناعي    في ثاني مواجهات نصف نهائي كأس العالم للأندية.. قمة مرتقبة تجمع ريال مدريد مع باريس سان جيرمان    تغطية إعلامية غير مسبوقة من قلب الرياض| كأس العالم للرياضات الإلكترونية يبث إلى 140 دولة حول العالم    الهلال يبهر العالم    11 مليون"تبليغ" إلكتروني لأطراف القضايا في 2025    إقرار تنظيم المؤسسة العامة للري.. مجلس الوزراء: الموافقة على نظام تملك غير السعوديين للعقار    عمليات أمنية ب 4 مناطق تستهدف "تجار السموم"    السعودية تحلق عالمياً    عباقرة سعوديون ينافسون 90 دولة في أولمبياد الكيمياء    القراءة والغرور    فن الحديث في النقاط الملتهبة داخل الأقسام العلمية    دراسات حديثة: الكركديه ليس آمناً للجميع    لقاء "حديث الإعلاميين" بجازان يستضيف المعشي ومهاب    الذكاء الاصطناعي بين الأغنياء والفقراء    فهد بن محمد يقلّد مدير «شرطة الخرج» رتبته الجديدة    هلال مكة الأحمر: تقديم 30 ألف ساعة تطوعية    «الشورى» يطالب بمعالجة تأخر تصريح إقامة الجمع وتعيين الأئمة    السياحة في الباحة.. إقبال متزايد    نائب أمير الرياض يستقبل السفير البريطاني    خالد بن سلمان وعراقجي يبحثان تطورات الأوضاع في المنطقة    فهد بن سلطان يثمن دعم القيادة للقطاع الصحي    مذكرة تفاهم تجمع جمعية حوكمة الذكاء الاصطناعي وجمعية الذكاء الاصطناعي للأشياء بالكويت    جيلنا وشغف الابتكار والإبداع    «الريزن».. حرفة تحاكي حائل ومعالمها    فيصل بن مشعل: الرس تحظى بمشروعات تنموية وخدمية    إطلاق مبادرة "إثراء قاصدينا عِزُّ لمنسوبينا"    الحباك الذهبي.. مهندس الأعشاش    مستشفى الملك فهد الجامعي يدشّن "صوت المستفيد"    أخضر السلة يدشن البطولة الخليجية بفوز كبير على الإمارات    أخضر الناشئات يواصل استعداداته في معسكر البوسنة استعداداً لتصفيات آسيا    ولي العهد يلتقي وزير خارجية إيران    نائب أمير مكة يستقبل نائب وزير الحج    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة الريث    الشؤون الإسلامية في جازان تختتم الحملة الترشيدية لاستهلاك المياه    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق قافلة "صيف بصحة" في الخرج    تركي آل الشيخ يعلن "The Ring IV" بنزالات عالمية في "موسم الرياض" على أربعة ألقاب كبرى    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة الريث    357 ألف موعد في عيادات "سعود الطبية" خلال 6 أشهر    بلدية محافظة أبانات توقع عقدًا لصيانة الإسفلت بأكثر من 3 ملايين ريال    أكثر من 88 ألف مستفيد من خدمات "المودة" خلال النصف الأول من العام 2025    أمير تبوك يطلع على التقرير الاحصائي لمديرية مكافحة المخدرات بالمنطقة    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    الجراحات النسائية التجميلية (3)    لسان المدير بين التوجيه والتجريح.. أثر الشخصية القيادية في بيئة العمل    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة.. عنوان خطبة الجمعة المقبلة    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    الرياض تستضيف مجلس "التخطيط العمراني" في ديسمبر    ألف اتصال في يوم واحد.. ل"مركز911"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنة البرد
نشر في المدينة يوم 03 - 11 - 2010

أيام كثيرة تواترت وحملت وتعاقبت في نقل أحداث وذكريات الأولين من الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد من جيل لجيل، ولعلي هنا ابتغي أن ألقي الضوء على بعض الأحداث التي كان وما زال يرددها بعض كبارنا على أن كثيرًا منها يجبرك بشيء من الشوق واللهفة والإثارة للإصغاء لما يدلون به من أحاديث عن أيام زمان وما كان، ففي إحدى تلك السنوات الخوالي وقبل ما يزيد على ستين عامًا كانت مكة المكرمة زادها الله تشريفًا وتعظيمًا وأمنًا ورفعة ورزقها ورزق أهلها من واسع منِّه وفضله وكرمه؛ كانت تعيش عصرًا بسيطًا في كل شيء، فالناس وحياتهم وقلوبهم ومأكلهم ومشربهم وروحاتهم وغدواتهم وكل ما يصدر عنهم في غاية الشفافية والصدق والأمانة والمحبة والإخلاص، فبيوتهم متجاورة متلاصقة وعلاقاتهم كانت تصدر من قلوب متحابة متآخية يسودها الوئام والترابط والجماعية الكل في داخله العزة والشجاعة والكرامة والنخوة. وأهل مكة يوسمون (من موسم) في موسمي الحج والعمرة فكان زائروها ومريدوها ووافدوها في حج أو عمرة يأتون إليها يبتغون فضلًا من الله ورضوان، وحتى يؤدوا مناسك الحج كانوا يمرون بصعاب وأهوال وانقطاع وربما كانوا يواجهون الموت غرقًا أو عطشًا أو جوعًا ولكن ما إن يصلوا ويتوهدوا في مكة المكرمة فتخفف عن كواهلهم وطأة ما مروا به وشاهدوه وعانوا منه. في تلك الأيام كانت وسائل النقل نادرة وغير موجودة أو ميسرة إلا لقلة من الناس أو ندرة منهم لعدمها في أغلب الأحيان، وفي هذا الموسم تنمو وتزدهر حركة التجارة وتبلغ اوجها وقوتها في مكة والمدينة المنورة، وكان القادمون إلى الحج يأتي كل منهم بمؤونته التي يحتاجها في طريقه واثناء سفره إلى الديار المقدسة وهي عبارة عما خف حمله من مواد غذائية وكماليات ولكن الناصحين منهم والمتنورة عقولهم كانوا يجلبون معهم فائضًا من الأرزاق (المواد الغذائية والكماليات مثل الأرز والشاي وسكر القند والقهوة والكاكو والزيوت والنارجين والحلويات من أشهرها الحلاوة (ديبا) والبسكويتات حلو ومالح والكربو والبلنجو والفلافل والبهارات أغلاها الزعفران والمستكة والدهانات والسبح واللبان والغرنفل والهيل، هذه مؤونة نوعيات من الحجاج من أهل الهند وجاوة والملايو وإيران والترك والشوام وأهل مصر والعمانية والمغاربة والأفارقة وغيرهم يجلبونها في سحاحير (جمع سحارة) أي صناديق خشبية أو كوابر (جمع كوبر) أي صندوق من المعدن وهذا حال الميسورين، أما الباقون فيضعون أمتعتهم وحاجياتهم ولوازمهم في قفف (جمع قفة) وهي سلال كبيرة من قماش متين (قلع) أو من الخوص أو من شبك مترابط من الحبال القوية المتينة تسمى (القمبار). ويقوم الحجاج ببيع بعض ما جلبوه ويتكسبون وينفقون على أنفسهم وما يلزمه حجهم وفترة بقائهم ومكوثهم في مكة المكرمة أو المدينة المنورة، والفائض مما كسبوه يشترون بثمنه هدايا وتذكار لاهلهم وذويهم قرب عودتهم إلى ديارهم.
وفي أحد مواسم الحج وتحديدًا في أواخر الستينيات تقريبًا سنة 1368ه وفي اليوم الثامن من الشهر ذي الحجة (سنة البرد) بدأ الحجاج التوجه إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية والمبيت فيها ثم الانتقال إلى عرفة في صبيحة يوم التاسع وذلك لقلة منهم بالسيارات أو بالمراكيب الجمال والحمير أو مشاية (يعني مشي على الأقدام من أول الحج وحتى نهايته، وركوب الجمال أكثرها جمالًا فكانت توضع أو تركب على الجمال الهوادج من (هودج) ومنها ما هو مخصص للنساء وهذا النوع يستر من جميع نواحي الهودج تحجب رؤيتهم، وهناك ما هو مخصص لحمل الرجال والمستلزمات من زاد ومتاع (يوضع في “المخلة” وهي عبارة عن أكياس قماشية كبيرة ومتينة. وما إن بزغ فجر يوم الوقفة حتى هب الحجاج مستعينين بالله للتوجه إلى عرفات الله، وكان ذلك يوم جمعة، وكان الفصل فصل شتاء والجو باردًا وجافًا، نتيجة لأن عرفات منطقة صحراوية، ومنذ وصول الحجاج إلى عرفات بدأت السماء تتلبد بالغيوم وترعد وتبرق وتنذر بهطول المطر، ثم هبت الرياح وشيئًا فشيئًا اشتدت، وأذّن المؤذن للصلاة صلاة الظهر، وما إن قضيت الصلاة عند الساعة الثامنة ظهرًا بالتوقيت الزوالي آنذاك حتى بدت في الأفق من ناحية الشمال الشرقي لعرفات وأقبلت سحابة داكنة سوداء أظلم على إثرها الجو حتى تراءى للحجاج أن الوقت ليل، وازدادت سرعة الريح كثيرًا بحيث كانت أيضًا باردة قوية جعلت الخيام تتمايل وتتمايل واهتزت وتساقطت واقتلعت من مكانها وطار جلها، وانطفأت القناديل والمسارج والفوانيس والأتاريك التي كانت تضيء تلك العتمة، وتبعثرت القدور والأواني وانقلب أكلهم وطبيخهم على التراب، ودب الخوف والهلع والفزع والذعر في نفوس الحجاج وما زاد الطين بلّة أن السماء بدأت تمطر (بردًا) وشيئًا فشيئًا بدأ حجم حبات البرد المتساقط من السماء يكبر ويزداد بحجم حبة الليمون البنزهير. أي أن السماء أمطرت كورًا من الثلج أقطارها لا تقل عن خمسة سنتيمترات، وهذا الأمر أخذ من الناس مأخذًا جعلهم يشعرون بالخطر على أنفسهم ونسائهم وأطفالهم وركوبهم، وقد تأذّى كثير منهم مما سقط على رؤوسهم وأجسادهم من ذلك البرد، واستمر هذا الحال مدة تزيد على نصف ساعة وكان الحدث فريدًا لم يحصل من ذي قبل ويتذكره الكثيرون وأطلقوا على ذلك العام (سنة البرد)، وكم من الحجاج في ذلك العام أوذي من ذلك البرد الذي ترك في رؤوسهم وأبدانهم أضرارًا بقيت (كفقشة سال على إثرها دمهم أو شج في جبين أو انعقاد الدم في بعض أجزاء أجسامهم كالكدمات وصارت علامات وندبات، بعد ذلك البرد وبدأ المطر ينهمر ويهطل هطولًا شديدًا فابتلت مؤونتهم وترجغت أي أصاب الشيء وغمره وابتل بللًا شديدًا وتبلبلت طراريحهم ومخداتهم وشراشفهم ودقاديقهم وملابسهم من كرت (فساتين) ومحارم ومدورات ومسافع ولحق بزادهم ما لحق بكل شيء وكان منظر كل شيء ينبئ عن أن كل ما يملكون أصبح وكأنه (مرقد أو منقوع ومبيت) في الماء، وانطلق الحجاج وهرعوا إلى الأماكن العالية كجبل عرفات وربوة الجاوة وغيرها لأن الأرض سيلت، وملأ شعور شديد من الخوف قلوب الحجاج من أن تجرهم وتجرفهم السيول لو بقوا في أماكنهم المنبسطة وهذا يبين لنا كيف كان الناس المسلمون يتكبدون المشاق ويتحملون الصعاب ويواجهونها في سبيل أداء شعائر الحج والعمرة في سبيل ابتغاء مرضاة الله.
(*) مستشار إعلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.