يمثل التعداد العام للسكان والمساكن بما ينتجه من بيانات متطلبًا “أساسيًا” لوضع خطط وبرامج التنمية باستخدام قاعدة معلومات حديثة وشاملة وموثوقة بكل ما يتعلق بحجم وتركيب وخصائص السكان الذين هم أهم عناصر وأهداف التنمية، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات شاملة عن المباني والمساكن والمنشآت والحيازات الزراعية، التي تستخدم كإطار إحصائي للعديد من التعدادات الأخرى والمسوح بالعينة، كما تبرر أهمية التعداد أيضًا في إعداد التقديرات السكانية للفترة ما بين التعدادات. طبعًا ما سبق هو التعريف العام للسكان والمساكن، الذي بناء عليه بذلت وزارة الاقتصاد والتخطيط ممثلة في مصلحة الإحصاءات العامة الجهد والطاقات البشرية والأموال؛ لكي تحقق ما تصبو إليه حكومتنا الرشيدة؛ لينعم المواطن بشتى أنواع الراحة والاطمئنان. لكن تعالوا نطلع سويًا على بعض المواقف العجيبة بل والمضحكة، وإن شئت قل المبكية لبعض موظفي التعداد مع بعض المواطنين. فقد قام أحد موظفي التعداد في إحدى المدن بإضافة سؤال غير موجود بالاستمارة، وبدأ يطرحه على المستهدفين بالتعداد، فبعد أن يسأل عن أجهزة الحاسب الآلي التي تستخدم بالمنزل، وعن عدد مستخدمي الإنترنت يطرح سؤاله الذي يقول بالنص: “كم عدد الذين يدخلون منتداهم الخاص -يقصد أسرته- وكم معدل دخولهم للمنتدى وما إلى ذلك؟! ومواطن آخر يعرض على موظف التعداد ابنته للزواج منها حيث أعجبه خلق وأدب الموظف، وآخر يطلب منه أن يبحث له عن زوجة، وآخر يطلب منه أن يجد وظيفة لابنه الجامعي، الذي أكمل عدة سنوات ليس له عمل، وآخر ينصح موظف التعداد بأن يكون على خلق ودين؛ لأن الدنيا لا تستحق منا هذا التعب، وآخر يغلق الباب في وجه موظف التعداد ويوبخه؛ لأنه طرق الباب في وقت غير مناسب وقد يكون نائمًا، بل إن أحدهم وبخه؛ لأنه سأل عن أسماء وعدد بناته، وهذا يعتبر في عرفهم عيبًا ولا يستحق التوقف عنده، وآخر أصر أن لا يدلي بكلمة واحدة لموظف التعداد حتى يشرب عنده فنجان القهوة، وأحدهم رفض أن يعطي العدد الحقيقي لأفراد أسرته خشية العين والحسد. لكن ذلك كله مهما بلغ فهو لا يخرج عن مواقف وطرائف يقوم موظف التعداد بسردها لتكون نوعًا من الذكريات الجميلة، إلا أن موقفًا حصل لأحد موظفي التعداد في إحدى مدن منطقة القصيم جدير بأن نتوقف عنده طويلا لا سيما وأنه يتجاوز الطرافة والدعابة والنكتة إلى واقع ملموس، وفي نفس الوقت يدل على محدودية الثقافة، بل وربما عكس الحقائق، حيث يقول موظف التعداد لي شخصيًا بأنه طرق ذات يوم بابًا في أحد الأحياء في مدينة كبيرة من مدن منطقة القصيم، وهو يؤدي عمله اليومي بكل همة ونشاط، لكنه تفاجأ أن في المنزل أصواتًا يسمعها بكل وضوح لكن لا يجيبه أحد، وبعد مدة طويلة فتح الباب له رجل في الأربعين من عمره، بل واتضح فيما بعد أنه أستاذ في الجامعة، ولما سلم الموظف عليه وعرفه بنفسه لم يرد السلام، بل وقفل الباب وتركه في حال سبيله، لكنه أصر على أخذ المعلومات كما يمليه عليه الواجب، ففتح الرجل ثانية ونهره، فقال له: يا أخي مهما تعاملت معي فلن أبرح الباب حتى تعطيني المعلومات المطلوبة، وأمام إصرار الموظف أعطاه الأستاذ الجامعي اسمه وعائلته على عجل وإحدى زوجتيه واثنين من أبنائه، وقال له: إن هؤلاء هم أسرتي، ولكن موظف التعداد يسمع أن في البيت أكثر من ذلك وواجبه يحتم عليه أن يستقصي الحقيقة، فصلى في المسجد القريب منه، وسأل إمام المسجد عنه، فقال: إن له زوجتين في نفس المنزل، وعنده أسرة كبيرة تتجاوز الخمسة عشر فردًا، فاضطر أن يعود إليه بعد الصلاة ويوضح له الحقيقة، ويؤكد له أنه سيرفع ذلك للمشرف، وقد يصل للجهات الأمنية حسب المتبع، فقال له الأستاذ الجامعي بالحرف الواحد: “إنني أعرف ذلك لكني سأذهب يوم الأربعاء لبلدتي ومسقط رأسي، وقد نسقت مع الجماعة -يقصد جماعة بلدته- أن يتم إحصاؤنا في بلدتنا مع الجماعة، بدلًا من هذه المدينة؛ لأني لست من أهلها، فأبلغ الموظف الجهات المعنية وتم معالجة الأمر. وقد حرصت على نقل مثل هذه الصورة للعلم والإحاطة.. أسعد الله أوقاتكم.