فيصل بن فرحان: الوضع في غزة كارثي    أمير الرياض: المملكة تدعو لدعم «الإسلامي للتنمية» تلبية لتطلعات الشعوب    لتحديد الأولويات وصقل الرؤى.. انطلاق ملتقى مستقبل السياحة الصحية    عباس يدعو إلى حل يجمع غزة والضفة والقدس في دولة فلسطينية    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    ولي العهد يستعرض تطوير العلاقات مع أمير الكويت ورئيس وزراء العراق    بدء العمل بالدليل التنظيمي الجديد للتعليم.. الأربعاء    عبدالله خالد الحاتم.. أول من أصدر مجلة كويتية ساخرة    «جلطة» تنقل الصلال إلى المستشفى وحالته مستقرة    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    «رابطة العالم الإسلامي» تُعرِب عن قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي في مطار الملك خالد    اللجنة الوزارية العربية تبحث تنفيذ حل الدولتين    " ميلانو" تعتزم حظر البيتزا بعد منتصف الليل    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    الفيحاء يتوّج بدوري الدرجة الأولى للشباب    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    النصر والنهضة والعدالة أبطال الجولة الماسية للمبارزة    تتضمن ضم " باريوس" مقابل "فيجا".. صفقة تبادلية منتظرة بين الأهلي وأتلتيكو مدريد    منتدى الرياض يناقش الاستدامة.. السعودية تتفوق في الأمن المائي رغم الندرة    الأرصاد تنصح بتأجيل السفر برّا لغير الضرورة    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    آل طيب وآل ولي يحتفلون بزفاف أحمد    اللواء الزهراني يحتفل بزفاف نجله صلاح الدين    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    دشن أسبوع البيئة بالمنطقة.. أمير الباحة يؤكد أهمية الغطاء النباتي    يعرض حالياً على قناة ديسكفري العالمية.. فيلم وثائقي عن الشعب المرجانية في البحر الأحمر    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    النقد وعصبية المسؤول    مهنة مستباحة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    محمية الإمام عبدالعزيز تشارك في معرض أسبوع البيئة    ميتروفيتش ومالكوم يشاركان في التدريبات    اكتمال جاهزية كانتي.. وبنزيما انتظار    شوبير: صلاح يقترب من الدوري السعودي    د. اليامي: إهتمام القيادة بتنمية مهارات الشباب يخفض معدل البطالة    جامعة «نورة» تفتتح منافسات الدورة الرياضية لطالبات الجامعات الخليجية    أمير المدينة المنورة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب في دورته ال 12    منجزات البلدية خلال الربع الأول بحاضرة الدمام    تعليق الدراسة اليوم الاثنين بالمدينة المنورة    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    صحن طائر بسماء نيويورك    جائزة الأميرة صيتة تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    أول صورة للحطام الفضائي في العالم    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    المسلسل    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في منابر المساجد : أجندة جديدة تتجاوز قدسية المكان !

تلاحظ في الفترة الأخيرة قيام بعض أئمة المساجد، وبالذات خطباء الجمعة بتناول قضايا فكرية من على منابرهم، حيث يعلقون على سجالات فكرية تدور بين بعض العلماء حول قضايا خلافية، فيقطعون بصحة هذا وخطأ ذاك، علمًا بأن الأمر لا زال محط نقاش وجدل، وأن المرجعيات العلمية الدينية مثل هيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية لم تقطع فيها برأي موحد. ولم يكتف بعضهم بذلك ولم يتوقفوا عند مجرد إطلاق حكمهم على هذا بأنه على الطريق الصحيح، وعلى ذاك بأنه مخطئ، بل تعدى الأمر هذه الحدود ووصل حد الهجوم الشخصي بألفاظ جارحة، وإطلاق أوصاف متجاوزة بحق المخالفين، واتهامهم بالضلال والخروج عن الجادة، والانحراف، إلى غير ذلك من الأوصاف التي لا يجوز إطلاقها من هذه المنابر. كما انضم لهذه الظاهرة بعض أئمة الحرمين الشريفين، الذين خاضوا في هذا الغمار وانضموا إلى زمرة المتحيزين إلى فئة دون الأخرى. وفات على هؤلاء أن الفضائيات باتت تنقل هذه الخطب إلى جميع أنحاء الأرض، وأن كثيرًا من المسلمين باتوا ينتظرون خطبة الجمعة أسبوعيًا ويعدونها من مصادر تعليمهم وتثقيفهم. كما لم يدرك هؤلاء أن المصلين في الحرمين الشريفين ينحدرون من سائر دول العالم، وأنهم أتوا إلى هذه البلاد للتعبد وقضاء النسك، وليس للدخول في قضايا فكرية وفقهية، كما أن قدرًا كبيرًا منهم لا يتقن اللغة العربية وبالتالي لا يستفيد من هذه المساجلات. “الرسالة” توجهت نحو ثلة من العلماء والفقهاء واستطلعت آراءهم وسألتهم: أليست منابر الجمعة ذات قدسية وتتمتع باحترام المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبالتالي يتوجب إبعادها عن مواطن الخلاف وأن تكون محلًا للجدل؟ ألم يستقر العلماء والفقهاء على أن مهمة خطبة الجمعة ووظيفتها هي تعليم الناس أصول دينهم، عباداتهم ومناسكهم كما كان يفعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ ألا يدخل الحديث عن شخص غائب وتسفيه رأيه وعدم منحه الفرصة للرد ضمن باب الغيبة والنميمة؟ أليست منابر الحرمين الشريفين من اشرف الأماكن على وجه الأرض وينبغي تعظيمهما والنأي بهما عن أن يكونا مكانًا لتصفية الحسابات؟ ألا يفترض بخطيب المسجد الحرام أو المسجد النبوي أن يكون شخصية توفيقية يجمع الآخرين حوله ولا يفرقهم؟ فتباينت ردودهم، واختلفت إجاباتهم على النحو الذي نراه بين ثنايا التحقيق التالي:

علماء وفقهاء حذروا من استخدامها لتصفية الحسابات .. وإبراز المهارات البلاغية في منابر المساجد : أجندة جديدة تتجاوز قدسية المكان ! شروط وضوابط بداية يقول الدكتور صالح بن غانم السدلان عضو هيئة كبار العلماء سابقًا وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: منابر الحرمين الشريفين وغيرهما من مساجد المسلمين منابر دعوة وإرشاد وتوجيه وبيان وموعظة وتذكير للناس بما يلزمهم نحو دينهم ونحو عقيدتهم ونحو أمورهم العامة والخاصة، ولكن هي في الأصل لمن يحضر في المسجد ويستمع فهي دعوة لهؤلاء جميعًا وللسامعين لصوت الإمام وهي أصبحت شاملة لكل من يصله صوت الإمام، وفي عصرنا الحالي أصبحت منابر الحرمين الشريفين لكل العالم وفي أي موقع بهذه المعمورة، فهذه المنابر دعوة للتوحيد والاستقامة وترك البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على ثوابت الإسلام والأخلاق الجميلة والصفات الحميدة والأفعال الحسنة، وتذكير الإنسان بمآله ومصيره ليستعد له وليعرف منزلته في هذه الحياة ومكانته ومصيره المحتوم الذي سيصير إليه كما قال تعالى: “فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”. ونوَّه السدلان إلى الشروط والضوابط الواجب توفرها في من يتولى الإمامة والخطابة والأذان وقال: في بلادنا أبانت وزارة الشؤون الإسلامية الضوابط التي يجب توفرها عند تعيين الإمام والخطيب، وهؤلاء لا بد لهم أن يخضعوا لهذه الشروط وألا يتحدثوا بما شاءوا وعليهم التحرك تحت أطر عامة، وإن خرجوا عن هذا الإطار فإنهم سيحاسبون عاجلًا أم آجلًا، لذلك ينبغي أن يعاتبوا على خروجهم عن المسار المحدد وأن يجازوا ويخضعوا للتحقيق، فلا يجوز لأحد أن يستغل المنبر لإثارة الخلاف والبلبلة والأفكار التي تحدث أمورًا خطيرة وسيئة في المجتمع. الاستمساك بالقيم وفي الإطار ذاته يوضح الدكتور عبدالوهاب الطريري الداعية الإسلامي المعروف أن الأصل في خطبة الجمعة أنها خطبة وعظ وتعزيز لقيم وأصول الدين والأخلاق، ويقول: الهدف الأساسي لهذه الخطبة هو تعزيز الاستمساك بالقيم وأخلاق الدين وهداه، وبالتالي فإن الخطيب هنا يكون في مقام المربي والمعزز لهذه القيم، ومنابر المساجد ليست حلقات نقاش أو قاعات دروس يُعرض فيها خلاف ينتهي إلى ترجيح، فهذا مكانه حلق العلم وقاعات الدرس، فالخطيب إذا كان يتبنى رأيًا معينًا في مسألة محددة ثم عرضه بطريقة حاسمة؛ فإنه بذلك يكون قد صادر رأي الطرف الآخر، ووسائل الخلاف التي تتنازع في أوجه الاستدلال لا يمكن عرضها بطريقة قاطعة من قبل الخطيب لأن للرأي الآخر منزعه ومأخذه، فلا يصح ذلك. إذا أخذنا مثلًا قضية زكاة الحلي وهي قضية خلافية فإنه لا ينبغي للخطيب القول بوجوب إخراجها، ولكن يمكنه أن يتحدث عن قضية وجوب الزكاة بشكل عام والأمر بإعطائها والتحذير من الشح بها، فخطيب الجمعة ينبغي ألا يكون منحازًا لأحد الفريقين وإنما هو معزز للقدر المتفق عليه والمساحة المشتركة بين الآراء. مسائل اجتهادية وبدوره يوضح عضو مجلس الشورى الدكتور عابد السفياني أن توجيه الخطيب للحديث سواء في الحرمين الشريفين أو في بقية المساجد عن أشخاص معينين هو أمر لا يجوز، وقال: أرى أن من الأولى على الخطباء عدم توجيه الحديث عن أشخاص بعينهم من خلال منبر الجمعة، وعليهم عدم الرد على الآراء بل عليهم الاهتمام بمعالجة المشاكل التي تتعلق بعقائد الناس وأخلاقهم وصفاتهم، وعلى الخطيب أن يعلم المصلين أمور دينهم، فعليه التكلم في مسائل عامة وإبانة أحكام الشريعة فيها من الكتاب والسنة. ويرى السفياني أن حديث خطيب الجمعة عن رأي فلان أو غيره هو أمر غير مناسب، فعلى الخطيب ألا يتعرض لهذه الآراء، فهذه مسائل اجتهادية تخص العلماء أو المخالفين ومن المفترض عدم طرح القضية في هذه المنابر، وإذا أفتى أحد بفتوى غير صحيحة أو حلَّل حراما أو حرَّم حلالًا فعلى الخطيب أن يتحدث على المسألة بشكل عام وعدم التحدث عن الشخص الذي أفتى بالمسألة في هذه المنابر. وختم السفياني بالقول: من حق خطباء الحرمين وبقية المساجد أن يدلوا بدلوهم في القضايا التي تكون محل خلاف وجدال بين العلماء، ما دام الخلاف في النطاق الشرعي ولهم أن يبينوا للناس هذه المسألة، وإيضاح أصل الأدلة من الكتاب والسنة دون تجريح للآخرين أو أن يفصلوا في الأمر أو أن يذكروا اسم من قال الفتوى. خلفاء النبي وعلى ذات النسق يسير الأستاذ محمد أبوالبشر رفيع الدين الباحث الشرعي بإدارة الدراسات برابطة العالم الإسلامي، معددًا المهام الجسيمة الملقاة على عاتق الخطيب بقوله: خطبة الجمعة منبر تعليمي استنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعليم المسلمين أمور دينهم، وكان من أدبه صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى منكرًا من أحد أصحابه لم يوجه إليه الحديث، بل كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا، أو ما شابه ذلك من طرق الكلام حتى لا يجرحه ولا يشهِّر به. وكذلك سار خلفاؤه الراشدون من بعده فلم يعرف عن أحدهم أنه استغل خطبة الجمعة للحديث في أمور خلافية أو محل نزاع وجدل. لذلك لا يجوز استغلال منبر الخطبة للحديث في غير ما خصص له، وعلى الأئمة والخطباء –لاسيما في الحرمين الشريفين- أن يراعوا الله في ما يقولونه، وأن ينأوا بأنفسهم عن إثارة القضايا الخلافية التي يمكن أن تسبب فتنة بين الناس. ويستطرد رفيع الدين بالقول: بلغ من عظم أمر خطبة الجمعة أن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أمر المسلمين بالإنصات التام لما يقوله الخطيب، وعدم الانشغال عن ذلك بأي شيء، لدرجة أن مس حصا المسجد بيديه أثناء الخطبة فقد لغا كما قال نبينا الكريم. فهل الاشتغال بأمور المساجلات الفكرية والخلافات الدينية مما يمكِّن المصلين من الإنصات والخشوع؟ ومضى بالقول: الحرمان الشريفان هما عنوان الأمة الإسلامية وأطهر مكان يرنو المسلمون بأبصارهم نحوه، فعلينا أن نحافظ على مكانتهما لدى المسلمين، وأن تكون خطبة الجمعة في المساجد عامة -وفيهما خاصة- جرعة تثقيفية وتعليمية تحتاجها الأمة، لا سيما في ظل كثرة المستجدات والنوازل وانتشار الفضائيات المنحرفة التي لا هم لها سوى صرف المسلمين عن دينهم وتحويلهم إلى أماكن الفساد وتعليمهم ما يناقض عقيدتهم. وختم بالقول: أدعو كل خطبائنا الأجلاء للتخلي عن أمورهم الشخصية، ونسيان خلافاتهم الذاتية، وليتذكروا أن هذه المنابر قد وقف عليها خير الخلق صلى الله عليه وسلم معلمًا لأصحابه وهاديًا لهم، وعليهم أن يكونوا خير خلف لخير سلف. حصاد الأسبوع من جانب آخر يقول الدكتور حامد الرفاعي رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار فقد بيّن أن خطبة الجمعة حدث أسبوعي مهم ويقول: هي مثل حصاد الأسبوع الذي نشاهده في القنوات التلفزيونية، وعلى الخطيب أن يحدث المصلين عن أهم مشكلات وهموم الناس في هذا الأسبوع، وليس عليه أن يحدثهم عما حدث في القرن السابع عشر أو الثامن عشر. فعليه أن يتحدث في الأسبوع عن أحد هذه الأحداث التي تمر بشكل أسبوعي وعليه أن يخبر الناس بالذي مر عليهم قبل ثلاثة أو أربعة أيام قبل الخطبة وعن رأي الإسلام فيه سواء أكان موضوعًا أمنيًا أو غذائيًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا، فهذه هي خطبة الجمعة وهي إجابة لتساؤلات الأمة في ما واجهته في هذا الأسبوع. ووظيفة خطبة الجمعة ورسالتها أن تجيب عن هموم الناس في هذا الأسبوع، فإن لم يكن به أي مشاكل فعليه الصعود للمنبر ويحمد الله أن الأسبوع مر على خير ويدعو الله أن تمر هذه الأيام كلها على خير، ومن ثم ينزل ويسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب بعشر أو خمس دقائق وأحيانا يخطب بآية. ويرى الرفاعي أن التحدث في موضوعات هي في محل خلاف وجدل بين العلماء في منابر الحرمين الشريفين أو بقية المساجد نوع من الخطأ، ويقول: هذا ليس من رسالة خطبة الجمعة والذي ثار قبل فترة بسيطة حول الغناء والموسيقى هو أمر طبيعي، والدولة رعاها الله تسوس الناس حسب دينهم وهي دولة دستورها الكتاب والسنة، فإذا أردنا مناقشة مثل هذه الموضوعات فهناك قنوات يمارس فيها هذا الحديث. ونحن ولله الحمد لدينا هيئة كبار العلماء التي يؤمن الجميع بمرجعيتها الدينية، وإن سكتت هذه الهيئة عن أمر فهو حلال ولا يصح لأحد أن يثير هذه القضية. أما أن يتم تناول هذه الأمور في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام فهذا خطأ جسيم، لأنه لا يصح الحديث في الحرام عن آراء شخصية، فالمسجد الحرام منبر الأمة الإسلامية ومنبر العالم كله، وتطرح الهموم الإسلامية ولا ينبغي طرح مشكلات خاصة، فهذا يدل على عدم فهم المغزى من خطبة الجمعة، فهذه أمور خلافية والجميع متفقون على ذلك. التوفيق لا التنفير ومن جانبه قال إمام وخطيب جامع الملك سعود بقصر خزام بجدة الشيخ سعيد القرني: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوجب خطب الجمعة لتكون درسًا أسبوعيًا للناس يعلمهم أمور دينهم ويثقفهم ويدرسهم الشريعة والعلوم الدينية، وقال: منابر المساجد والحرمين لها خصوصياتها واحترامها ولا يصح أن يتبادل العلماء والمشايخ التهم على المنابر، فالخطبة إنما جعلت لتكون موعظة للناس وتثقيفًا لهم وتعليمهم أمور دينهم. لذلك ينبغي احترام هذا المنبر وعدم استغلاله لاتهام الآخرين وتصفية الحسابات على هذه المنابر. وأضاف القرني: على أئمة المساجد والحرمين أن يكونوا شخصيات توفيقية وليست تنفيرية، بل عليهم أن يجمعوا بين المسلمين ولا يفرقوهم، فالإمام له دور كبير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن للإمام أجر المصلين وذلك لدوره العظيم، فالإمام لا يصلي بالناس فقط، بل عليه أن يثقفهم ويعلمهم أمور دينهم ويدرسهم ويصلح فيما بينهم ويسعى في أمورهم وقضاء حاجاتهم. فتنة وتشهير أما الداعية علي حريصي فقد بيَّن أن منابر الجمعة عامة ومنابر الحرمين بصورة خاصة ليست مكانًا للتراشق الديني بين العلماء، ويقول: هذه الأماكن مخصصة لموعظة الناس ونصحهم وإرشادهم وإن تكلم أي خطيب عن أي شخص وذكر اسمه فإن هذا من الفتنة والتشهير الذي لا يحمد عقباه، منوهًا إلى أن السكوت على هذه الامور بحد ذاته فتنة، فعلى العلماء والمشايخ وأئمة المساجد والحرمين إن سمعوا ببعض الفتاوى الغريبة ألا يتحدثوا عن قائلها، لأن هذه الأمور تولِّد فتنة أكبر وتصنع المشاكل بين العلماء والناس، ولكن يجب عليهم أن يتحدثوا في الأماكن المناسبة عن هذه الفتوى وعدم تركها هملًا لكي لا نرى أيضا فتنة أخرى ويسير عليها الناس، فخطب الجمعة شرعت أولًا وأخيرًا لنصح الناس وتعليمهم أمور دينهم، لكنها ليست مخصصة للتنافس الحاد ومقارعة من يخالف رأي الخطيب في الفتوى أو الموضوع، وعلى جميع الناس والخطباء أن يتكلموا في أي فتوى غريبة قد تحدث فتنة ويبينوا حكمها بأدلة قوية وكذلك يعلموا عامة الناس أن الفتوى الأخرى هي من أحاديث شاذة. فالخطيب الذي يريد التحدث عن شخص معين ممن أفتوا بفتاوى غريبة أن يتحدثوا فقط عن هذه الفتاوى وليس عن القائل، فالأمر هنا لدفع فتنة وليس لخلق فتنة أكبر من الأولى. لا للقذف والتشهير أما الشيخ هزاع الحربي فيرى أن منبر الجمعة من أهم المنابر وأعظمها وأهمها في إيصال الدعوة لكن على من يعتلونها أن يتقوا الله فيها، وقال: هذه المنابر إنما جعلت لنصح الناس وتعليمهم وليس لنقد أشخاص معينين يتحدثون في أمور تحتمل أن يبدي كل شخص بوجهة نظره ورأيه فيها، لذلك لا ينبغي تبادل التهم فيها والتشهير والقذف والسب. ومضى الحربي قائلًا: لو جعلت هذه الخطب مكانًا لقول الآراء الشخصية فيها لفسد الأمر، ولم تعد خطبة جمعة لأنها أصبحت مكانًا لاتهام الآخرين وليست أماكن لتعليم الناس أمور دينهم وحياتهم وما ينفعهم، فعلى جميع الخطباء والعلماء إن رأوا أيًا من الفتاوى الغريبة أن يتحدثوا عنها في القنوات المخصَّصة للنقاش الفكري بعد أن يقوموا بجمع الأدلة القوية الصحيحة، لكي لا يوجد مجال للتراشق والجدال، وعلى العلماء التروي في قول أي شيء من شأنه أن يأتي بمصيبة أكبر. عالمية الخطب ويؤكد الداعية عبدالله العلي أن الحرمين الشريفين مخصصان للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وليس من اللائق الحديث فيهما عن أمور خلافية. وقال: لا يفترض لخطباء الحرمين أن يتحدثوا في خطب الجمعة عن أمور محلية أو قضايا خلافية، فالحرمان الشريفان جعلا للناس كافة في أنحاء العالم، ونرى جميع القنوات تتسابق في نقل شعائر
الصلوات مباشرة منها ويصل البث لكل دول العالم، فمن المفترض أن يتحدث الإمام عن مسائل تنفع الناس في أمور دينهم ودنياهم وتبين لهم أحكامهم، فالذين يستمعون لخطبة الحرمين من خارج المملكة أكثر بكثير ممن هم في الداخل، وذلك لأن هذه الخطب تنقل للعالم بأسره، ومن حق المسلمين في عموم أرجاء المعمورة أن يسمعوا ما يفيدهم في دينهم ودنياهم، ومن المفترض عدم التحدث على هذه المنابر، وبالذات يوم الجمعة عن فتوى غريبة محل خلاف وجدل كثير من العلماء.
-------------------------
دعا لتناول الأمور الخلافية في الأوساط العلمية
السيف: الخطبة ليست ميدانًا لإظهار البلاغة.. والحديث عن الآخرين غيبة
وبدوره يبين الدكتور صالح السيف رئيس قسم المناهج بكلية التربية بجامعة أم القرى أن خطب الجمعة هي بلا شك للتذكير للتحذير والتنبيه في الأمور العامة التي تعود فائدتها على الناس والأمة، وقال: دارت في الوسط المحلي بعض الفتاوى التي أطلقها أصحابها سواء أكانت مبنية على أساس بحثي أو آراء فردية ولا يفترض أن نعرضها أمام الحضور في مساجدنا، وأحد الأخوة حينما أراد أن يرد على هذه الفتاوى اختار منبر المسجد فهذا لا يصح، لأن نصف المصلين في المسجد ممن لا يتقنون اللغة العربية، فلا ينبغي مناقشة مثل هذه الأمور في خطب الجمعة. وعلى هذا الخطيب أن يناقش هذا الموضوع مع صاحب الأمر. ومضى السيف بالقول: خطبة الجمعة ليست ميدان لإظهار قوة الخطيب العلمية وتحجير قوة الآخر العلمية، فعلى الخطباء أن يناقشوا الموضوعات العامة وقضايا الأمة المسلمين، ومعالجة القضايا التي يمر بها المسلمون، لكن أن يتحدث المرء عن أمور شخصية للآخرين، فالعرف لا يعطيه الحق فيما يقول وكذلك الشرع لا يعطيه الحق في التحدث في هذا الموضوع، وأي شيء يقوله الخطيب قد يكون اتهامًا لغائب غير موجود بحيث لا يستطيع الدفاع عن نفسه وهذا نوع من الغيبة بسبب تحدثه عن أشخاص الآخرين. وأضاف السيف: خطبة الجمعة في الحرم ليست مجالًا لأي نقاش أو حوار، فهذه ليست فرصة لطرح هذه القضايا أمام الحضور، فكثير منهم لا يعرفون العربية ومعظمهم لم يتابعوا الموضوع ومن المفترض عدم طرحه في هذا المكان، فأنا شخصيا لا أرى أن يطرح الإمام أي قضية في أي وسط، ما دام بها خلاف فكري، فعليه أن يطرحها في الوسط الفكري وعلى من يهتمون بهذا الخلاف الفكري، شريطة وجود صاحب الشأن.
------------------------
طالب بمراعاة أدب الاختلاف في الإسلام
إبريز: الحديث في الخطبة عن أمور شخصية خطأ جسيم ومخالفة عظيمة
من جانبه يقول الشيخ تهامي إبريز رئيس اتحادات المنظمات الإسلامية في فرنسا: إن الخلافات بين العلماء والفقهاء شأن طبيعي لا ينبغي الانزعاج منه، ويرد هذه الخلافات إلى طبيعة الدين الإسلامي التي تراعي الذوق والعرف واختلاف المكان والزمان، ويقول: من عظمة ديننا الحنيف وآياته البليغة أنه صالح لكل المجتمعات، وأنه يراعي اختلاف الأعراف، فما يكون حرامًا في بلد ما قد يكون حلالًا في غيره، وهو ما اصطلح عليه فقهاؤنا الأفاضل بأن الفتوى (تختلف باختلاف المكان والزمان). لكن مما يؤسف له أن البعض يأخذ هذه الخلافات على محمل غير محملها، فيتصورون أنها نهاية المطاف، وأن من اختلف معك يكون بالضرورة ضدك، وبالتالي ينظرون إلى الأمر من زاوية شخصية. ويمضي إبريز بالقول: يحفل التاريخ الإسلامي بكثير من قصص الاختلاف الرائعة بين أئمتنا الأعلام، فرغم إصرار كل منهم على رأيه وتمسكه به، إلا أنهم لم ينتقصوا الآخرين أقدارهم، ولم يسفهوا آراءهم، ولم ينزلوهم من مكانتهم، وإمامنا الشافعي رحمة الله عليه قال جملته التي ينبغي أن تسطر بمداد الذهب: (قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب). أما أن يستغل بعض الأئمة أوضاعهم كخطباء للمساجد، ويمتطون منابر الجمعة للترويج لآرائهم وتسفيه مخالفيهم، والانتصار للرأي الذي يميلون إليه، فهذا خطأ جسيم ومخالفة عظيمة لأدب الاختلاف في الإسلام، وينبغي على هؤلاء أن يدركوا أن خطبة الجمعة كانت أهم قنوات العلم الشرعي في العهد النبوي الكريم، ومثلت منارة إشعاع علمي وفكري، وقامت بدور كبير في توحيد المسلمين، واستغلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعليم أصحابه أمور دينهم، وألَّف من خلالها بين قلوبهم. وختم إبريز قائلًا: خطبة الجمعة من الحرمين الشريفين لم تعد موجهة للمصلين داخل الحرمين فقط، بل يترقبهما كل العالم الإسلامي، وبلغ بنا الأمر في فرنسا أن صرنا نسجل هذه الخطب ونقوم بترجمتها للفرنسية ونوزعها على المراكز الإسلامية والثقافية، كنشرات توعوية وتعليمية، كما أن كثيرًا من أئمة المساجد في أوروبا يعيدون تقديم هذه الخطبة من منابرهم، ويكون إقبال الناس عليها وعلى العمل بما جاء فيها عظيمًا جدًا.
----------------------

رئيس “هيئات” مكة يدعو إلى إحسان الظن في أهل الاجتهاد
الغامدي: خطبة الجمعة ليست محلًا للاستغلال السيئ وتصفية الحسابات!!
قال رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة الشيخ الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي: يجب إحسان الظن في أهل الاجتهاد، وألا يعتقد أنهم تعمدوا ترك الحق عند المخالف لهم فقد يكون هو المخطئ، ويلتمس لهم العذر فيما اعتقد خطأهم فيه، وأنهم على أجر أو أجرين لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “كثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وفي الصحيح قال: (قد فعلت)”.
قال يحيى بن سعيد الأنصاري: “ما برح أولو الفتوى يختلفون، فيحل هذا ويحرم هذا، فلا يرى المحرّم أن المحل هلك لتحليله، ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه”. فالواجب ألا يؤدي الخلاف إلى جفوة وفتنة بين المختلفين، وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، وهذا لا يمنع من تحري الحق، والمحاورة والمناظرة بين أهل العلم للوصول إلى مراد الشرع في المسألة ولأجل هذا دونت الكتب والمسائل. وقال شيخ الإسلام: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة” الفتاوى. وفي الحوار ينبغي على المسلم أن يتواضع لإخوانه، وأن يلتزم طلب الحق في حواره معهم كما علمنا الله بقوله في مجادلتنا للكافرين (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ).
وينبغي أن يكون الجدال بالتي هي أحسن فقد قال الله في جدال أهل الكتاب (وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ)، وقال في حق غيرهم (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا)، قال القرطبي: “وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينًا، ووجهه منبسطًا طلقًا مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه.
ومن الأهمية بمكان أن يعلم أن خطبة الجمعة ليس من السنة الإطالة فيها وأنها ليست محلًا للفصل في المسائل الاجتهادية التي وقع الاختلاف فيها بين اهل العلم، فضلًا عن أن تجعل محلًا للتندر والازدراء والنيل والثلب لمن نختلف معهم في تلك المسائل الاجتهادية فإن ذلك لا يولد إلا الخلل في مفاهيم العامة ويورث الفساد والكراهية والتنازع بين الناس وفيه تضييع للفائدة عليهم فيفوت ذلك تعليمهم مهمات دينهم بجوامع من الكلم والوعظ الحسن بعيدًا عما فيه ذكر لاختلافات أهل العلم وتعظم المسؤولية حين يكون ذلك المنبر يهم عموم المسلمين، أو يكون ذا منزلة، بحيث يظن أنه يعبر عن الإسلام كمنبر الحرمين لما له من وجاهة وواجهة، وقد يصطدم ما يعلن على هذه المنابر من رأي في بعض مسائل الاجتهاد بعض الناس ممن يأخذ بأقوال أخرى لبعض العلماء في أنحاء المعمورة، وهذا ليس من الدعوة بالحكمة المأمور بها، وقد يفسر بأنه استغلال سيئ لتصفية الحساب بين المختلفين مع بعضهم البعض، وكان الواجب توقير بعضهم لبعض وكل هذا بلا شك أمر غير مشروع، لما فيه من إساءة المسلمين بعضهم لبعض، وبث الشحناء والفرقة والبغي وتضييع للفائدة من خطبة الجمعة التي متى قصرت وحسنت إقامتها ترغيبًا وترهيبًا لما ليس فيه اختلاف في الدين كان أثرها عظيمًا على الناس في حياتهم وأفكارهم وأعمالهم وأخلاقهم.

----------------------

-استنكر استغلالها للتشهير وسب الآخرين
العبيكان: على الدولة مراقبة الخطب.. ومن يتجاوز الحدود يعزل فورًا
ومن جانب آخر يوضح الشيخ عبدالمحسن العبيكان المستشار بالديوان الملكي أن منابر جميع المساجد، ومن ضمنها الحرمين الشريفين موجهة لدعوة الناس للتمسك بالدين والعقيدة الصحيحة والوعظ والإرشاد والتوجيه وليست منبرًا للمناوشات وتصفية الحسابات والسب والشتم والتعرض للفتاوى، وقال: المنبر ليس محلًا لمناقشة الفتاوى فهذه لها فقهاؤها وعلماؤها الذين يناقشونها فيما بينهم مع الأدب التام والاحترام، وكل يبدي دليله ولا يتعدى على الآخر، واستغلال المنبر بطريقة أو أخرى للنيل من الآخرين والسب والشتم والانتقاص نعتبره جريمة من الجرائم في حق الدين لأن هذا المكان للتوجيه والوعظ والإرشاد ولهذا كانت خطب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الجمعة للتوجيه والإرشاد ودعوة الناس إلى الحق وإخلاص العبادة.
وأبان العبيكان أن الحرمين الشريفين بعد الوسائل التقنية التي تنقل الخطبة إلى أصقاع الأرض أصبحا ذوي دور أكبر وأعظم، وقال: المسلمون جميعهم يتابعون الخطب والبرامج التي تنقل على التلفاز أو على وسائل النقل المسموعة، فهنا أصبحت لهذه المنابر مكانة عالمية يجب أن تستغل في توجيه الناس إلى الخير وليس لبحث مسألة منطقية وإقليمية، وإنما يجب أن يكون ما يقال على هذين المنبرين خاصة هو ما يتعلق بدعوة الناس إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة وتوجيه الناس إلى الآداب التي أمر بها الشرع وتعاليمه وليس لتوجيه الكلام إلى شخص معين أو أشخاص يكون بينها وبين الخطيب سوء فهم ونحو ذلك، فتستغل هذه المنابر للتشهير والنيل وتصفية الحسابات، فهذه جريمة من الجرائم. فالتحدث في هذه المنابر عن أحد الأشخاص هو من أسباب حدوث الفتن وإثارتها.
واختتم العبيكان حديثه قائلًا: على المسؤولين زيادة الرقابة وتشديدها على الخطب، سواءً على الحرمين الشريفين أو بقية المساجد، حتى لا يسمح لأي خطيب بأن يخرج عن حدود الشرع وأن تكون خطبته عبارة عن توجيه للناس، فيما يجب عليهم نحو دينهم من تمسك بالعقيدة وأركانها والبعد عن المحرمات، والوعظ والإرشاد ومن خرج هذا الإطار؛ فينبغي أن يعزل في الحال عن هذا المنبر ولا يصح أبدًا أن يبقى على المنبر من يستغله لأغراضه الشخصية.

--------------------

رفض تحويل المنابر لأبواق للدعاية الذاتية
باناعمة: للخطيب أن يتحدث بما يشاء ما دام ملتزماً الموضوعية والتأدب
من جانبه يقول الدكتور عادل باناعمة عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى: على خطيب الجمعة ابتداءً أن يعلم أنه لا يمثّل نفسه بل هو في مقام الدعوة والتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقتضي منه أن يتحرّى الحق والعدل والموضوعية، وألا يحول المنبر إلى بوق دعائي لذاتِهِ أو مواقفه أو آرائه الشخصية، ولا يعني هذا ألا يعبِّر عن اجتهاداته التي يراها ديناً وحقاً، شريطة عدم توظيف المنبر لدعاية شخصية أو لتصفية خصومات. ومضى باناعمة قائلاً: من المعلوم أن من أهم ما ينبغي أن يتناوله الخطيب كليات الدين وأصوله ومعاقده التي عليها اجتماع الأمةِ، ولكن هذا لا ينفي أبداً أن يتحدثَ عما يهم سامعيه في دينهم ودنياهم، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتحدثَ في الخطبة عما يعرضُ للناسِ، ويجدُّ في حياتهم. وعليه فإنّ مهمة منابر المساجد أن تعالج مشكلات الحيّ وقضاياه إضافة إلى الكليات التي أشرت إليها. أما مسألة حديث المنابر عن المسائل الخلافية. فإنه يجب علينا ونحن نحاول الفرار من إشكالية الأحادية والإقصاء ألا نقعَ في النقيضِ المرذول أيضاً وهو منع الناس من الإدلاء بآرائهم بحجةِ عدم مصادرة الآخرين! فنتحول من إقصاء إلى إقصاء، فالحديث عن قضايا الخلاف وطرحها للنقاش على منابر الجمعة لا إشكال فيه إذا كان مصحوباً بالموضوعية والتأدُّبِ مع المخالِفِ، والاعتراف بأحقية الرأي الآخر في الوجودِ وذلك شاملٌ لمنبر الحرمين ولغيرهما، ومع ذلك لا ريب أن لمنبر الحرمين خصوصية ً ليست لغيره، لاسيما مع وسائل البث المعاصرة التي تجعل كلمته تبلغ الآفاق، وكذلك مركزيته الدينية، وهذا يقتضي من خطيب الحرمِ أن يكون أكثر حذراً وتأنياً وأقل اندفاعاً وحماسةً، وأن يستحضر دائماً أن كلامه يطبق الآفاق، ويقتضي منه أيضاً أن يكون أكثر اتساعاً وتقبلاً للخلاف الذي انطوت القرون ولم ينطوِ، وتتابع عليه الأئمةُ. ولكنني أؤكد أن هذا لا يعني منعه من الحديث عن قضايا الخلاف، ومنعه من تبيان ما يراه صواباً ما دام يلتزم الموضوعية والتأدّب ويتجنب المصادرة والتشنيع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.