وزير النقل يقف على الاستعدادات لاستقبال الحجاج في المدينة المنورة    تنفيذ 12 مشروعًا مائيًا وبيئيًا بقيمة 1.5 مليار ريال بالمنطقة الشرقية    «سلمان للإغاثة» ينفذ 3 مشاريع طبية تطوعية في محافظة عدن    الفيضانات تغرق مدينة بالبرازيل    سعود بن مشعل يكرم متميزي مبادرة منافس    وكيل محافظة محايل يقف على حريق المفروشات    محمد بن ناصر يكرم 20 متميزا ومتميزة    فيليب موريس إنترناشيونال تعلن نتائج الربع الأول من عام 2024.. وتحدّث الدليل الإرشادي لكامل العام    مركز التحكيم التجاري الخليجي يطلق مبادرة "الأسبوع الخليجي الدولي للتحكيم والقانون"    القبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر بالمنطقة الشرقية    محمد بن ناصر يقلّد اللواء الحواس رتبته الجديدة    هواوي تُعيد تأكيد التزامها بالإبداع والموضة في حدث إطلاق المنتجات المبتكرة الذي شمل الأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة والمزيد    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    إثراء" يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عام عبر "متحف حكاية المهرجان"    «استرازينيكا» تسحب لقاحها ضد كوفيد-19 بسبب «تراجع الطلب»    صالات مخصصة ل"طريق مكة" في 11 مطاراً ب7 دول    فيصل بن نواف يدشّن حساب جمعية "رحمة" الأسرية على منصة X    سجن مواطن 15 عامًا لترويجه وحيازته الإمفيتامين    «أبشر»: تحديثات مجدولة للأنظمة يوم الجمعة.. لمدة 12 ساعة    أنباء متضاربة عل حول «صفقة الهدنة»    وزير التجارة يزور تايلند لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين    مختص يحذر من الاحتراق الوظيفي ويشدد على أهمية توفير وحدات لقياسه داخل بيئات العمل    بدر بن عبدالمحسن: أمير الشعراء وصوت البسطاء    ارتفاع المخزونات الأمريكية يهبط بالنفط    أول مصنع لإنتاج القهوة في جازان    توطين وتخطيط.. أدوار الهيئة السعودية للمياه    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    مهما طلّ.. مالكوم «مالو حلّ»    الهلال على أعتاب لقب الدوري (19)    أمير الشرقية ونائبه يتلقيان تهاني الرزيزاء بتأهل القادسية لدوري روشن    محمد عبده اقتربت رحلة تعافيه من السرطان    4 أمور تجبرك على تجنب البطاطا المقلية    وزير الخارجية الأردني ونظيره الأمريكي يبحثان الأوضاع في غزة    بدء أعمال ملتقي تبوك الدولي الأول لتعزيز الصحة    أمير المدينة يرعى حفل تخريج الدفعة ال60 من طلاب الجامعة الإسلامية    أمين الرياض يحضر حفل سفارة هولندا    الشورى يدعو لتحديث كود البناء السعودي    بيئةٌ خصبة وتنوّعٌ نباتي واسع في محمية الملك سلمان    «التواصل الحضاري» يعزز الهوية الوطنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    استقبل مواطنين ومسؤولين.. أمير تبوك ينوه بدور المستشفيات العسكرية    الاتحاد يطرح تذاكر مواجهة الاتفاق .. في الجولة 31 من دوري روشن    الأول بارك يحتضن مواجهة الأخضر أمام الأردن    بدر الحروف    بونو: لن نكتفي بنقطة.. سنفوز بالمباريات المتبقية    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    ديميرال: اكتفينا ب«ساعة» أمام الهلال    اختتام دور المجموعات للدوري السعودي الممتاز لكرة قدم الصالات في "الخبر"    انتهاك الإنسانية    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    الاحتلال يتجاهل التحذيرات ويسيطر على معبر رفح    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المصلى المتنقل خلال مهرجان الحريد    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    ريادة إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في وداع العالم الموسوعي ..
نشر في المدينة يوم 03 - 03 - 2010


فجعنا قبل أيام قليلة ، بالحادث الجلل ، في وفاة العالِم العَلم ، والمؤرخ الثبت ، والباحث الموسوعي الشيخ الدكتور ( عاتق بن غيث البلادي ) ، الذي وافته منيته في مكة المكرمة ، العاصمة المقدسة ، التي تربى فيها منذ الصغر ، فأحبها وأحبته ، وأوقف جل جهده ووقته ، في بحث تاريخها ، وبعث مكنوزها ، وتوثيق معالمها ، وتقديم أعلامها ، فحوت مكتبته البحثية ، معاجم وموسوعات عن مكة وحدها ، أو تنطلق منها لغيرها ، فمما كتب وألف في هذا المجال : ( معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ) ، فمعظم مفردات هذا المعجم المتفرد ، هي من مكة المكرمة . ثم كتابه : ( فضائل مكة وحرمة البيت العتيق ) ، وكتابه : ( معالم مكة التاريخية والأثرية ) ، وكتابه : ( بين مكة وحضرموت ) ، وكتابه : ( بين مكة واليمن ) ، وكتابه : ( أودية مكة ) ، وكتابه : ( هديل الحمام في تاريخ البلد الحرام ) ، وكتابه : ( بين مكة وبرك الغماد ) ، ثم كتابه البديع : ( نشر الرياحين في تاريخ البلد الأمين ) في جزءين كبيرين ، الذي هو عبارة عن تراجم لمؤرخي مكة وجغرافييها على مر العصور ، هذا العمل الذي لم يُسبق إليه من قبل . من أجل هذا ، راحت بعض الأقلام التي رثته بعد وفاته ، تصفه بمؤرخ مكة ، وهو كذلك كما وصفته رحمه الله ، مؤرخ مكة ومجغرفها ، ومؤرخ الحجاز ومجغرفها ، ومؤرخ الجزيرة العربية ومجغرفها ، بل هو فوق ذلك ؛ مؤرخ ومجغرف ونسابة وأديب ولغوي ، لمكة المكرمة ، وللجزيرة العربية ، وللبلاد السعودية كافة ، فله إلى جانب معجميه الكبيرين : ( معجم معالم الحجاز ) ، و( معجم قبائل الحجاز ) ، كتب كثيرة ، منها ما هو في الشعر فصيحه ونبطه ، مثل كتابه : ( أمثال الشعر العربي ) ، وكتابه : ( الأدب الشعبي في الحجاز ) ، وكذلك : ( طرائف وأمثال شعبية ) ، و( أخلاق البدو ) ، و( معجم الكلمات العجمية والغربية في التاريخ الإسلامي ) ، إلى غير ذلك مما يناهز الخمسين كتاباً ، تركها البلادي من بعده ، شاهدة على مثابرة ومجاهدة ، لرجل وهب حياته للعلم ، وأعطى جهده للبحث ، وثابر وصابر ، حتى أثرى المكتبة العربية ، بهذا الكم الهائل من الدراسات الجادة ، والبحوث الثبتة . ثم إن الفقيد رحمه الله ، تميز وتفرد بأدب الرحلات ، فكان شغوفاً بالوقوف على المعالم الجغرافية ، والأمكنة التاريخية والأثرية ، والكتابة عنها بعين من رأى لا عين من سمع ، فقد جاب الجزيرة العربية من شمالها إلى جنوبها ، ومن شرقها إلى غربها ، وقدم للمكتبة العربية خلاصة مشاهداته ومرئياته ومساجلاته ومباحثاته ، في عدد من كتب الرحلات التي تذكرنا بالرحالة القدامى ورحلاتهم الشهيرة في التاريخ العربي ، خاصة ما كان منها إلى الحجاز ومكة والمدينة ، مثل ابن بطوطة ، وابن جبير ، والبتنوني ، وغيرهم ، فقد ارتحل إلى اليمن انطلاقاً من مكة ، وقدم كتابه : ( بين مكة واليمن ) ، وارتحل من مكة إلى حضرموت فجاء كتابه : ( بين مكة وحضرموت ) ، وارتحل منها إلى نجد فقدم : ( الرحلة النجدية ) ، وآخر : ( على ربى نجد ) ، وتتبع الرحلة النبوية إلى يثرب ، فجاء كتابه : ( على طريق الهجرة ) . ولعل الدارسين لآثار الشيخ البلادي رحمه الله بعد وفاته ، يلحظون حرصه على أن تكون مكة ، هي محور أعماله البحثية التاريخية والجغرافية والأدبية أيضاً ، فمكة هي ( قلب الحجاز ) ، كما سمى أحد كتبه بذلك ، وهي منطلق رحلاته البحثية إلى أصقاع وبقاع في الجزيرة العربية كافة . رحم الله أبا غيث ، الصديق الصادق ، والأستاذ الأديب . إنا لم نفق بعد من صدمة فقد مؤرخ وعالم كبير هو الدكتور ( ناصر الحارثي ) رحمه الله ، حتى صدمنا بفقد علم بارز آخر ، وعالم جليل هو الشيخ الدكتور ( عاتق بين غيث البلادي ) ، الذي أسميته قبل سنوات مضت في مقال لي عنه ب ( ابن بطوطة الجزيرة العربية ) ، لأنه صاحب رحلات بحثية شهيرة ، وصاحب موسوعات تاريخية رصينة ، وصاحب معاجم جغرافية كبيرة . والعالمان الجليلان : ( البلادي والحارثي ) ، بينهما مشتركات كثيرة وجميلة ، فهما رغم أنهما من بادية مكة والطائف ، إلا أنهما سكنا مكة ، وهما في طليعة الذين اهتموا بمكة ، فكتبوا في تاريخها ، وفي معالمها وأعلامها وأدبها وحياتها . رحمهما الله رحمة واسعة . لقد عرفت الشيخ البلادي رحمه الله ، منذ زمن طويل وأنا على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة ، فقد كنت مغرماً بقراءة الكتب التاريخية والبلدانية ، فوقعت مرة على معجمه الكبير : ( معجم معالم الحجاز ) في عشرة مجلدات ، ثم قرأت فيما بعد معجمه : ( معجم قبائل الحجاز ) ، وكنت كلما أردت الانتقال إلى موقع للكتابة عنه ، أعود قبل ذلك إلى البلادي ومعجميه الرصينين ، وأشير إليهما فيما أكتب من مقالات أو بحوث كانت تنشر لي في صحيفة الندوة ، وفي مجلة المنهل . ثم إني مكثت على معرفة بهذا الباحث الكبير ، من خلال كتبه فقط ، إلى ما قبل ثلاثين عاماً تقريباً ، عندما قررت البحث عنه ولقاءه وجهاً لوجه ، فقد وصلت إلى البيبان في مكة ، واتجهت إلى داره العامرة هناك ، فرأيت بداية عند الباب ، سيارة جيب خاصة بالرحلات البرية ، وفي صندوقها الخلفي كافة مستلزمات التنقل البرية ، من فُرش وأغطية وأدوات طبخ ، وأدوات مساحية وغيرها ، ولما اجتمعت بالشيخ في مكتبته التي يقضي فيها معظم وقته ، ويستقبل فيها ضيوفه ، لأنهم غالباً من الباحثين أمثاله ، شعرت أني أعرف هذا الرجل منذ سنوات طويلة ، وفعلاً كنت أعرفه من خلال أدبه وإنتاجه الغزير ، وتقربت إليه أكثر ، لأني لمست فيه روح الأبوة الحانية ، وطيبة النفس ، والسماحة والتواضع ، والأدب الجم الذي هو طبع فيه ، وليس تطبعاً أو تصنعاً منه . درج رحمه الله ، على الاصطياف في الطائف المأنوس ، فقد اختار السكن في لُقيم – وادي القيم حالياً – وهو الحد الذي يمثل مدخل الطائف من شماليه ، والذي دخل منه الأصمعي إلى الطائف فقال : ( وصلنا الطائف ، فكأني كنت أبشَّر ، وكأن قلبي ينضح بالسرور ، ولا أجد لذلك سبباً ، إلا انفساح حدها ، وطيب نسمتها ) . وكأن البلادي كان يتقفى آثار الأصمعي على ما يبدو ، في اختياره لهذه البقعة الجميلة من الطائف ، فما زرته يوماً في داره بالقيم ، إلا وأجده يجلس في الهواء الطلق ، قرب الباب الخارجي . وكنت أحرص على عيادته وزيارته سواء في الطائف أو في مكة ، وهو كذلك أكرمني بأكثر من زيارة لداري ومكتبتي في حي المثناة ، وقبل وفاته بأيام خمسة ، هاتفته أدعوه لزيارة النادي الأدبي ، والتحدث فيه من خلال منبر برنامج الخيمة العكاظية ، فأفهمني أنه يعاني من مرض عضال ، وأنه سوف يلبي رغبتي ورغبة أعضاء مجلس الإدارة ، إذا وصل الطائف في مطلع الصيف . رحمك الله يا أبا غيث .. أتذكّرك الآن جيداً ، وأتذكر لطفك في الحديث ، وسؤالك لي عن محبيك وأصدقائك بالطائف .. أتذكر عزة نفسك وإبائك ، وأتذكر نظافة يدك ولسانك ، وأتذكر صديقك الشاعر المكي الكبير حسين سرحان رحمه الله ، الذي قال لنا من قبل ، وهو في مكة غير بعيد عنك : تذكّر الناسَ .. أين الناس .. أينهم ؟ مضوا مع الموت .. فوق المركب الخشنِ كم تحت الثرى من سيّدٍ لبقٍ ومن مسود .. ومن غِرٍّ .. ومن فطن أقول لك في نهاية المطاف ؛ أيها السيد اللبق : ( عاتق بين غيث البلادي ) ، بعد أن ودعتك صوتياً في الهاتف ، وكنت أظن أنا سوف نلتقي في الطائف كما وعدتني : لأودِّعنَّك .. ثم تدمع مقلتي إن الدموع هي الوداع الثاني . * رئيس نادي الطائف الأدبي

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.