تظل جائزة نوبل للآداب حلمًا يداعب خيال الشعراء العرب، ويظل الظفر بها منتهى غايتهم التي يبذلون لأجلها جهدهم؛ طمعًا في تلك الجائزة العالمية. في المقابل تظل الجائزة تتمنع -في فرعها الأدبي- عن الشعراء وحدهم، لكنها لا تُمانع أن تحط رحلها عند نظرائهم في الإبداع الأدبي (السردي) كالروائيين والفنانين وغيرهم. ومع هذا فإذا ما دققنا في الأمر فسنجد أن الجائزة (ربما) تقبل يومًا ما بأن تُمنح لفئة من الشعراء العرب وهم (النثريون) وتظل متمنعة عن الفئة الأخرى وهم (العموديون). ولتوضيح المسألة فينبغي ألا يغيب عن أفهامنا أن اللجنة القائمة على فرع (جائزة الآداب) أفرادها غير عرب، وهذا لا يعني أنهم لا يجيدون اللغة العربية؛ فبحسب ويكيبيديا فإن الأعضاء يجيدون (13) لغة، ولا أظن العربية إلا إحدى هذه اللغات. لكن، هل تخوِّل إجادةُ أفراد اللجنة للغات ال(13) الحُكمَ على الأعمال (الأدبية خاصة)؟ خصوصًا وهي ذات لغة عميقة، لها إيقاعها الخاص، وتحتاج إلى طاقة جبارة من المحكِّمين لكي يصلوا إلى نقطة هي الأقرب إلى المعنى الحقيقي لمفردات العمل الأدبي، مع التسليم بأنهم لم ولن يصلوا إلى حد المطابقة في الترجمة، وبأن الترجمة تظل كما يُقال خيانة للنص الأصلي، هذا إذا كان النص سردًا، فكيف إذا كان شعرًا؟! ترجمة الشعر هي الأكثر صعوبة من غيرها؛ كون الشعر كما يذكر المترجم إلياس فركوخ في صحيفة الغد الأردنية «يعتمد على إيقاع وصورة وشفافية تملك خصوصيتها في لغته الأولى». إذا ما اتفقنا على هذا فننتقل للنقطة الأعمق ممثلة في أن الشعر العربي له اليوم أشكال ثلاثة (عمودي، تفعيلة، قصيدة نثر)، ولجنة التحكيم في جائزة نوبل بوصف أفرادها ليسوا عربًا فهم أقرب وجدانيًّا وذائقةً، وأكثر احتكاكًا بقصيدة النثر ذات المنشأ الغربي -ولذا رأينا كيف هرول بعض الشعراء العرب وبعضهم تحول كليًّا إلى قصيدة النثر؛ ربما طمعًا في الفوز بالجائزة- أما شعر التفعيلة فلا أظن بينهم وبينه تلك القواطع المتينة، أما الشعر العمودي الموزون فأظن أن اللجنة في حالة عدم وفاق معه لأسباب منها: أن الترجمة من العربية إلى الأجنبية عمومًا تركز على السرد أولاً؛ وذلك لسهولته، وفي مجال الترجمة للإبداع الأدبي تركز على الأقرب للسرد وهو قصيدة النثر، بمعنى أن القصيدة العمودية الموزونة ربما ليس لها حظ وافر في الترجمة للغات الأجنبية؛ لانحياز الترجمة للسرد وما يتماس معه أدبيًّا كقصيدة النثر. ولأن العمودية الموزونة تغدو أكثر صعوبة على المترجمِين؛ نظرًا للغتها البلاغية الرفيعة ولموسيقاها وقواعدها التي تتطلب الترجمةُ لها الحفاظَ عليها، وهنا مكمن الصعوبة، ولذا نرى المترجم سيد جودة يؤكد -في موقع دار ندوة- من خلال تجربته الخاصة على «أن ترجمة قصيدة النثر أسهل بلا شك من ترجمة القصيدة الموزونة المعاصرة التي تعطيها موسيقاها وأساليبها البلاغية أثرًا وسحرًا تعجز الترجمة مهما كانت جميلة وصحيحة عن نقله». ولأن أي عمل كتابي -ومنه الإبداعي- لن يتمكن -بحسب تغريدة سعد البازعي- من الفوز بجائزة نوبل ما لم يكن مترجمًا، وقد عرفنا آنفًا أن ترجمة القصيدة العمودية الموزونة فيها صعوبة، وعلى هذا تندر ترجمتها. وآخر الأسباب أن الذائقة العربية -فطريًّا- تطرب للقصيدة العمودية الموزونة خلاف الذائقة الغربية للمحكمِين التي لا تتماس كثيرًا مع طربية القصيدة العربية العمودية الموزونة، حتى ولو كانوا مجيدِين للغة العربية، ما يعني عدم تقديرهم لقيمتها. من هنا يترجح لديَّ أن القصيدة العمودية الموزونة لن تحظى بجائزة نوبل؛ وهذا يعود لصعوبة ترجمتها، ولندرة المترجَم منها، ولأن أفراد لجنة التحكيم تحكمهم ذائقتهم المغايرة التي لا تتلاءم مع طربية القصيدة العمودية.