تتأثر حياتنا غالباً بمن نقابل ونعرف من الناس، وكما قال الأديب المصري عباس محمود العقاد في كتابه (رجال عرفتهم): «بعض من نعرف قد يخط سطوراً في عقولنا وأرواحنا وذكرياتنا والبعض الآخر لا يترك ثمة آثر».. انتهي كلامه. تعرفت على الكثير من البشر خلال مسيرتي التعليمية والعملية ومن بين الرجال الأعلام ممن عرفت صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام، كان ذلك إبان منحي الثقة من خادم الحرمين الشريفين لإدارة جامعة أم القرى في العام 1431. في بداية تسلمي إدارة الجامعة كان فضيلته عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية وقتها ولم تكن لي علاقة بفضيلته ولم أقابله قبل ذلك التاريخ، وكمدير للجامعة لابد من أن أتعرف على منسوبي الجامعة من وكلاء وعمداء وأعضاء هيئة التدريس والإداريين. بدأت معرفتي بفضيلته عند زيارتي لكلية الشريعة، وكانت فترة عمادته على نهايتها، وعند طلبي منه أن أجدد له فترة ثانية رفض وقدم لي مجموعة من أسماء أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة التدريس في الكلية لكي أرفع بترشيح أحدهم. وبعد إلحاح مني وافق مشكوراً على أن تكون الأخيرة. لم يكن فضيلته راغباً في منصب وهذا أقوله والله يشهد على ذلك، كان دمث الخلق طيب المعشر على درجة عالية من التواضع ونكران الذات، ومن بعدها قويت العلاقة بيني وبينه رغم أنه قلَّما يزورني في المكتب، وكانت زيارته لي فقط في الأعياد. لا أذكر يوماً أن تكلم بسوء عن أي زميل له أمامي في غيابه، كريم الطبع أديب وشاعر له مكانة كبيرة بين زملائه في الجامعة. كان دائماً ممن أستشيرهم عند رغبتي في تعيين أحد عمداء الكليات والمعاهد الشرعية، فكان نعم المستشار، كان في أغلب الأحيان يعطي الرأي الصائب أو يقول: استشر غيري، عندما لا يكون لديه معرفة بمن طلبت رأيه فيه. بعد الموافقة على إنشاء كلية الدراسات القضائية والأنظمة كان فضيلته أول عميد لها، وقد ارتقي فضيلته بالكلية على الرغم من فترتها الزمنية القصيرة منذ إنشائها. كان فضيلته ذا رأي سديد في اجتماعات مجلس الجامعة، وفي كثير من الحالات تكون مداخلاته فاصلة، ويشهد على ذلك محاضر الاجتماعات والتي كانت موافقاتها بالإجماع ولله الحمد. بعد انتهاء فترتي زارني في داري للسلام وفي أثناء جلوسنا في الصالون وعند تقديمي الشاي والحلوى لفضيلته أصر على أن يقوم هو بتقديم الشاي لإثبات أنه يشعر وكما أنه في بيته، وعندها قلب صحن الحلاوة وكما يقال في العامية (لخبط الدنيا). بعدها بيوم أرسل فضيلته لي معتذراً هذه الأبيات: ومن فرط حرصي للجلوس بقربه.. أدرت له صحن الحلاوة أرقب ولكن سوء الحظ بالحرص خانني.. فبعثرت كعكاً في البلاط يكبكب قال الشاعر أبو الفتح البستي: نصحتك لا تصحب سوى كل فاضل.. خليق السجايا بالتعفف والظرف ولا تعتمد غير الكرام فواحد.. من الناس إن حصلت خير من الألف.