إن اليوم الوطني للمملكة يعني ذكرى يوم توحيد وطن التوحيد بالتوحيد، فمنه أضاء نور وحدة المملكة العربية السعودية بالتوحيد الذي هو حق الله على العبيد توحيد الأحد الصمد بالعبادة له وحده، لأنه هو الذي يستحقها، ولا ندَّ له في ذلك، ولقد أنزل الله جبريل عليه السلام على خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بالوحي الإلهي فنبأه باقرأ وأرسله بالمدثر ينذر عن الشرك ويبشر بالتوحيد وإفراد الله بالعبادة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة وقد استجاب للنبي صلى الله عليه وسلم من أراد الله هدايته وشرح صدره للإسلام من أمته وتوحدوا على ذلك بعد فرقتهم واجتمعوا على كلمة التوحيد (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ورفعوا رايتها خفاقة، وكانت كلمة الله على أيديهم هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى بحول الله وقته وحكمه الذي لامبدل له، ولا معقب ثم حصل بعض الافتراق في الأهواء وأصلح الله بين المفترقين بالحسن بن علي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا على أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه عام 40ه فسمي ذلك العام عام الجماعة. ثم توالت المحدثات والأهواء حتى تفرقت الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعمت الفتنة، وضرب الإرهاب بها في طول البلاد وعرضها وألغيت الخلافة التركية، وصار أهل الشر والإرهاب يتربصون بأهل الإسلام ويدبرون لهم المكائد ويفاجئونهم بالبوائق ويمزقون أوصالهم بالحروب وسفك الدماء والإخافة والتدمير والإبادة، وأصبحت الفتنة عامة طامة بفقد الجماعة بالمفهوم بالمراد شرعاً، وهو: جماعة المسلمين الذين اجتمعوا على أمير منهم بايعوه بيعة شرعية على الكتاب والسنة بالسمع والطاعة بالمعروف في المنشط والمكره حسب القدرة والاستطاعة (حيث لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة) ثم منّ الله على بلادنا بوحدة المملكة العربية السعودية على يد عبدالعزيز - طيب الله ثراه - قيضه الله إماماً راشداً، وملكاً عادلاً بويع بيعة شرعية ملكاً للمملكة العربية السعودية قبل ستة وسبعين عاماً فأقام للمسلمين جماعتهم بهذه الوحدة المباركة التي تقام فيها الحدود الشرعية ويرفع شعارها لا إله إلا الله محمد رسول الله علم التوحيد النبوي ورمز العقيدة الإسلامية من قلب الحجاز ومركز القبلة وحولها بعد أن كادت تتحول إلى مسبعة تزار فيها الضواري كل يوم وساعة خصوصاً في مواسم الحج والأشهر الحرم فحولها عبدالعزيز إلى مهد أمان وقرارة اطمئنان ينام قاصدوا البيت الحرام في طريقهم إلى البيت الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في البراري والقفار ملء أجفانهم آمنين لا يخشون سطوة لص عاد ولا غارة حاضر ولا باد، وكأن أولئك الذين روعوا الحجيج عدة قرون وأحقاب لم يكونوا في الدنيا ولا في الوجود وكما قال أمير البيان شكيب أرسلان (لو شاءت الفتاة البكر الآن أن تذهب من مكة إلى المدينة أو من المدينة إلى مكة أو إلى أي جهة من المملكة السعودية وهي حاملة الذهب والألماس والياقوت والزمرد ما تجرأ أحد أن يسألها عن ما معها وما من يوم إلا وتحمل إلى دوائر الشرطة لقط متعددة ويؤتى بضوال فقدها أصحابها في الطرق، وأكثر من يأتي بها الأعراب أنفسهم خدمة للأمن العام وإبعاداً للشبه عنهم وعن ذويهم، فسبحان محول الأحوال ومقلب القلوب، ووالله لا يوجد في هذا العصر أمن يفوق أمن الحجاز، لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في أرووبا ولا في أمريكا، وقد تمنى المستر كراين الأمريكي ذلك في وطنه ثم يستطرد أمير البيان فيقول: (كل من سكن أوروبا وعرف الحجاز في هذه الأيام - أيام عبدالعزيز يحكم بأن الأمن على الأرواح والأعراض والأموال في البقاع المقدسة هي أكمل وأشمل ووثق أوتاداً وأشد أطناباً منها في الممالك الأوربية والأمريكية) إلى أن قال: (فها هو ذا ابن سعود قد ضبطها بأجمعها في مملكته الواسعة، ومحا أثر الغارات والثارات بين القبائل وأصبح كل إنسان يقدر أن يجوب الصحاري وهو أعزل، ويدخل أرض كل قبيلة دون أن يعترضه معترض، أو يسأله سائل إلى أين هو غاد أو رائح؟ ولو قيل لبشر أن بلاداً كان ذلك شأنها من الفزع والهول وسفك الدماء وقطع الطرق، قد مرد أهلها على هذا البغي وهذا العدوان، من سالف الأزمان وأن يليها ابن سعود فلا تمضي على ولايته سنة واحدة حتى يطهرها تطهيراً ويملأها أمناً وطمأنينة، لظن السامع أنه يسمع أحلاماً وخرافات، أو اتهم القائل في صحة عقله ولكن هذا قد صار حقيقة كلية، وقضية واقعية في وقت قصير، وما أوجده إلا همة عالية وعزيمة صادقة وإيمان بالله، وثقة بالنفس وعلم بأن الله تعالى مؤيد من أيده وناصر من نصره يحث على العمل ويكافئ العامل، ويكره اليأس ويقول لعباده: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} وقد سرت بشرى الأمان الذي شمل البلاد المقدسة الحجازية فعمت أقطار الإسلام، وأثلجت صدور أبنائه وارتفعت عن الحجاز معرةُ تلك المعرة التي طالما وجم لها المسلمون وذلك بقوة إرادة الملك عبدالعزيز بن سعود والتزامه حدود الشرع). نعم أقام عبدالعزيز - رحمه الله - دولة العقيدة ومعقد جماعة المسلمين وقدوتهم الرائدة في تطبيق الشريعة الإسلامية ونواة وحدتهم العظمى ومركز مرجعيتهم الدينية علماً وعملاً حتى أصبحت المملكة ولله الحمد تحتل من العالم الإسلامي بل العالم كله مكان القلب من الجسد في توطيد أركان الأمن ودحض إرهاب الفئة الضالة التي تريد تفريق الجماعة، وتمزيق وحدة الطاعة، والعودة إلى الفتنة والتفريق وسفك الدماء البريئة، ولكن بتوفيق من الله وفضله صمدت وحدة المملكة على التوحيد قوية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز ولا زالت تزداد قوة ورسوخاً وبناءً على أيدي أبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - وإلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز عهد الثبات على الحق والفضل والإحسان والعفو عن مقدرة وقوة بالله تعالى، حفظهم الله وأمدهم بعونه وتوفيقه وأيدهم بنصره وأعزهم بالإسلام وأعز الإسلام بهم. ولذا فإننا نرى أن اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية هو ذكرى ليوم توحيد وطن التوحيد بالتوحيد وبالتالي هو يوم الجماعة في هذا الزمان ولئن سمي عام الأربعين من الهجرة النبوية عام الجماعة، فإنه يحق لنا أن نسمي اليوم الوطني للمملكة يوم إيجاد مبدأ الجماعة بالمراد الشرعي بعد أن فقد بإلغاء الخلافة فعاد الله على المسلمين بوحدة المملكة العربية السعودية وجماعتها: ولذا فالواجب على جميع المواطنين بل على جميع المسلمين أن يكونوا صفاً واحداً مع ولاة الأمر وبناة المجد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وولي عهده الأمين وحكومتهم الرشيدة في وجه الهجمات الشرسة من الشبهات والشهوات والعدوان والبغي التي يتعرض لها وطننا وطن التوحيد والسنة والجماعة والله المستعان.