أمير تبوك يستقبل مدير الخدمات الصحية بوزارة الدفاع    الآسيوي يوقف لابورت ويحيى وكانتي وحمدالله    هيئة العقار: بدء استقبال طلبات ترخيص المشاريع على الخارطة    انطلاق أعمال مؤتمر المنظمة الدولية للدفاع المدني 2024 بالرياض    اعتبارا من 2 يونيو.. تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    انخفاض مبيعات النفط يهبط بأرباح أرامكو 14%    إطلاق خدمة "أجير الحج" للعمل الموسمي    انعقاد الطاولة المستديرة الثالثة ضمن الحوار الإستراتيجي الثاني للتنمية والمساعدات الإنسانية بين المملكة وبريطانيا    العُلا تنعش سوق السفر العربي بشراكات وإعلانات    روشن 31.. الهلال "الحسم أمام الحزم" واشتعال صراع البقاء    مطار الملك خالد الدولي يدشّن مسارا جويا مباشرا إلى بكين بواقع 3 رحلات أسبوعية    "ملتقى التشجير" يختتم فعالياته بتوقيع 10 مذكرات تفاهم وعقود استثمار في القطاع البيئي    أمير الرياض يقلد مدير جوازات المنطقة رتبته الجديدة    الرحيل الثقيل لرائد الشعر الحداثي    4.7 ألف طالب ينضمون ل"فصول موهبة"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.789 شهيداً    نائب أمير الشرقية : صعود القادسية سيضيف لرياضة المنطقة المزيد من الإثارة    أمير الشرقية يستقبل ضيوف الاثنينية و يدشن مقر الجمعية التعاونية الاستهلاكية    تطوير المدينة تستعرض مواقع التاريخ الإسلامي في معرض سوق السفر 2024    اهتمام عالمي بصعود القادسية إلى دوري روشن السعودي    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    الجبيل الصناعية تستضيف دوري FIRST2024 بمشاركة 260 طالب وطالبة    تعليم الطائف يحقق المركز الأول في دوري الفيرست ليغو 2024    المملكة توزع 6.500 سلة غذائية للمتضررين شرق خان يونس    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المصلى المتنقل خلال مهرجان الحريد    الأرصاد: لاتزال الفرصة مهيأة لهطول الأمطار بعدد من المناطق    "آيفون 15 برو ماكس" يحتل صدارة الأكثر مبيعاً    الهلال يحسم الكلاسيكو على حساب الأهلي    مالكوم: حققنا فوزاً ثميناً.. وجمهور الهلال "مُلهم"    حظر ممارسة النقل البري الدولي بدون بطاقة التشغيل    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    ولي العهد يعزي رئيس الامارات بوفاة الشيخ طحنون    لصان يسرقان مجوهرات امرأة بالتنويم المغناطيسي    استقبل أمين عام مجلس جازان.. أمير تبوك: المرأة السعودية شاركت في دفع عجلة التنمية    المملكة وتوحيد الصف العربي    عقوبات مالية على منشآت بقطاع المياه    «ستاندرد آند بورز»: الاقتصاد السعودي سينمو 5 % في 2025    مؤتمر لمجمع الملك سلمان في كوريا حول «العربية وآدابها»    «أحلام العصر».. في مهرجان أفلام السعودية    «الدون» في صدارة الهدافين    هل تتلاشى فعالية لقاح الحصبة ؟    اختبار يجعل اكتشاف السرطان عملية سريعة وسهلة    وزير الحرس الوطني يستقبل قائد القطاع الأوسط بالوزارة    اختتام "ميدياثون الحج والعمرة" وتكريم المشروعات الفائزة والجهات الشريكة    أبو الغيط يحذّر من «نوايا إسرائيل السيئة» تجاه قطاع غزة    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. باريس يستقبل دورتموند وعينه على المباراة الختامية    افتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي.. الصمعاني: ولي العهد يقود التطور التشريعي لترسيخ العدالة والشفافية    اكتشاف الرابط بين النظام الغذائي والسرطان    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    بكتيريا التهابات الفم تنتقل عبر الدم .. إستشاري: أمراض اللثة بوابة للإصابة بالروماتويد    جواز السفر.. المدة وعدد الصفحات !    الحرب على غزة.. محدودية الاحتواء واحتمالات الاتساع    أكذوبة «الزمن الجميل» و«جيل الطيبين»..!    السعودية وبريطانيا تبرمان اتفاقية لإنقاذ جوعى الصومال    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقيد الرواية العربية في عيون المثقفين السعوديين
نشر في الجزيرة يوم 01 - 09 - 2006

شكّل رحيل الأديب الكبير نجيب محفوظ فاجعة كبيرة وأحدث حزناً عميقاً لدى المثقفين والكتاب والأدباء في شرق الوطن العربي وغربه، بل العالم أجمع، حيث يجمع الجميع على ريادته وأنه من أفضل من كتب الرواية وقد استحق جائزة نوبل عن جدارة.
تصويره لقضايا مجتمعه المصري التي تمثل قضايا الوطن العربي كانت مربط الفرس في إبداعه محلياً ومن ثم بروزه إلى العالمية، إنه بحق رواية في حد ذاته، رواية مليئة بالفصول والمشاهد. الأدباء والمثقفون عبّروا عن حزنهم العميق لفقد هذا الرمز عبر الجزيرة:
* بداية تحدث الكاتب والأديب الأستاذ عبد الله الجفري عن الراحل تحت عنوان (نجيب محفوظ.. صانع البطل!!)
من أهم مكاسب عقد الثمانينيات للأمة العربية: حصول الروائي العربي المصري الكبير نجيب محفوظ على جائزة نوبل العالمية، ليكون منح هذه الجائزة لأديب عربي: دلالة وشهادة على الدخول في العصر العربي!!
إن نجيب محفوظ هو: أب الرواية العربية، وقد حمل هذه المسؤولية بعد وصف النقاد له، وتتويجه أباً للرواية.. وبعد أن تمكن من تأصيل (البانورامية) في أعماله الروائية العظيمة.
إن (نجيب محفوظ) هو مصور شعبي استطاع بالكلمة أن يسبر أغوار الحارة المصرية، ويجسد سلوكيات ابن البلد العريق، بإيجابياتها وسلبياتها.
وإذا كان بعض نقاد الحداثة المتأخرة عن الغرب قد وضع نجيب محفوظ في دائرة الاتهام بالبرجوازية في ثلاثيته التي حققت له الحصول على جائزة نوبل، وذلك من خلال شخصية (سي السيد)، فإن نجيب محفوظ ابن بلد عريق منقوع في معاناة الشعب المصري وفي انتمائه المتجذر في قاع المجتمع.. مؤكداً ذلك في رواياته العديدة مثل: زقاق المدق، أولاد حارتنا، خان الخليلي، بداية ونهاية، ثرثرة على النيل، القاهرة الجديدة، وغيرها!!
غير أن هناك أسئلة ملحة تبلورت بعد منح جائزة (نوبل) في تلك الفترة بالذات، ومنها:
- لماذا صار اتجاه منح جائزة نوبل للعالم الثالث؟!
- هل هو رد اعتبار، أمام الكثير من الصفعات التي باشرتها الدول القوية ضد تنمية وتقدم هذا العالم الثالث؟!
- هل هي عقدة الذنب بالإصرار على بقاء العالم الثالث في دائرة الهيمنة، وتسلط القوى الكبرى، وتقطير التنمية؟!
- هل هي جولة في لعبة الأمم لترطيب أعصاب العرب التي أهاجتها أو هيجتها المشكلات المتلاحقة والعصيبة؟!
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى تأمل أبعادها وخلفياتها قبل الإجابة عليها!
إن (نجيب محفوظ) عبر عن تواضعه الجم، وعن تلك اللحمة من الحب التي توثق العلاقة بين الأدباء وأهلهم، فقال بعد إعلان فوزه بالجائزة:
- هي حظوظ.. أن ينزل عملاق مثل الحكيم، ثم يجيء من بعده من لا يتوقع أن يحصل على الجائزة ليحصل عليها بالفعل!
وهذا التواضع الذي أبداه نجيب محفوظ هو - بشكل آخر - اعتزاز وعرفان بأساتذة ورواد شقوا الطريق قبله وعبدوه!
ولعل أجمل ما قيل من تعليقات على هذا الحدث الثقافي العربي العالمي الكبير هو إجماع أدباء تونس يومها على أن منح الجائزة للكاتب نجيب محفوظ: يشكل صحوة في ضمير الفكر الإنساني الذي تعمد التعتيم على المفكرين والمبدعين العرب.
ويمكننا أن نقول اليوم بعد رحيل الروائي العربي الكبير، في مراوحة الانتفاضة الفلسطينية، واستقواء أمريكا بأسلحتها المتطورة في احتلالها للعراق، وفي دعم الحرب الصهيونية ضد لبنان:
- إن الانتفاضة الفلسطينية قدمت انتصارا عربيا آخر في ميدان يبتعد عن السياسة، والحروب، ولكنه ليس بعيدا ولا غريبا عن روح النضال ودور الكلمة في تصوير معاناة شعب.. وهو ميدان الأدب.
لماذا؟!!
لأن الانتفاضة التي ولدت في عقد الثمانينيات.. كانت من أسباب الالتفات إلى حقيقة ما يجري وما يتمخض في العالم العربي!
لكن هذا التصور.. لا ينفي عن الروائي الكبير جدارته بالاستحقاق لهذه الجائزة، واعتزاز كل عربي بأدبه.
ولقد تحدثنا على مدى سنوات متواصلة عن (القيمة) الفعلية لجائزة (نوبل) بعد منحها للسفاح اليهودي، الصهيوني / بيجن وبعد تسييسها صهيونياً.
إن منح جائزة (نوبل) لأديب عربي مبدع لا بد أن يدفع بالأجهزة المسؤولة عن الثقافة والأدب في العالم العربي.. لتكثف جهودها، ودعمها، وتشجيعها لكل مبدع، وللأنشطة الثقافية.. لتبرز الأعمال الإبداعية الجديدة، التي تتفق مع التقدير العالمي لنهضة الأدب العربي الحديث.
ولكن.. أين هي وزارات الثقافة العربية والمؤسسات الثقافية؟!
إن نجيب محفوظ قد صور المجتمع الذي غاص في أعماقه، وانتمى إليه، بأنه يعاني من هيمنة زمرة.. أو شلة.. ابتداء من مرحلة الاستعمار البريطاني التي دامت حوالي سبعين عاما، ومخاضا لتجارب متلاحقة.. عبرت عنها ثورة يوليو، وما أعقبها من انحرافات في السلطة والتطبيق، ثم حركة الرئيس السادات، التي أسماها: تصحيحية!
ذلك.. لأن نجيب محفوظ أراد أن يصور ما حدث بعد الهزة الاجتماعية، وبعد الاضطراب الاقتصادي والسياسي.. وأراد - أيضا - أن يصور بالأعمال الروائية: تحكم الزمرة التي خربت الاقتصاد وجلبت المعاناة والفوضى السياسية لذلك المجتمع!!
لكن نجيب محفوظ في أحد أحاديثه الصحفية، تحدث عن مشوار حياته وكان يتوقف ويصغي عند بعض المراحل.. فيقول:
(عادل كامل، وزكي مخلوف، وأنا كنا نعاني من أزمة نفسية غريبة جدا، طابعها التشاؤم الشديد، والإحساس بعدم قيمة أي شيء في الدنيا. كنا كأبطال - كامي - قبل أن يكتبهم، ولعل منشأ هذه الحالة راجع إلى تبلور كل هذه الصفات في حياتنا السياسية وقتذاك.. فكدنا ننتهي إلى أن كل جهد يبذل ضائع تماما، ولا قيمة له)!!
ويمتعنا هذا الأديب (النوبلي) عندما يتحدث عن حياته، وعن الناس من حوله، وعن إبداع الفنان في أعماقه، كأنه يبحث عن استقرار إنساني في جحيم مداد قلق اللون، فيقول:
(الالتزام بالحقيقة: مطلب خطير، ومغامرة جنونية، وبخاصة أنني عايشت فترة زمنية مر بها هذا الجيل على امتداد العالم، وفي زحام الكرة الأرضية، فكانت فترة انتقال طويلة تخلخلت فيها القيم، وغلب الزيف، وانقسم فيها كل فرد إلى اثنين)!!
وتوقفت عند هذه الصورة التي رسمها نجيب محفوظ بالكلمة، وقسم فيها الفرد إلى اثنين حتى انغمرت موغلا في أصدافي وأصدائي.. أتفرج على مداخل الإنسان الذي يملك قلبا وعقلا.. بسمة ودمعة.. إشراقا وانطفاء.. وأبحث عن مدينة عذراء، لم يكور بطنها فرح فحل، يجوب كل التضاريس ويرحل في الحدود ولا ينثني!!
إذن فقد كان هاجس نجيب محفوظ الذي يصبه في إبداعاته هو:
- التركيز الإصراري على وجود البطل في رواياته.. وذلك بسبب شعوره بانعدام البطل في الواقع الذي يشكل سمات العصر!!
وفي رواية (ثرثرة فوق النيل) كان البطل المرموز إليه هو: النيل الذي يستقبل ويصغي ويفيض ويشاهد تلك المراحل، والمخاضات والعبور من فوقه وحوله!
وفي رواية (القاهرة الجديدة) كان البطل، هو التغيير أو الانقلاب الاجتماعي السطحي.. بما يشبه الطفو، ولا يتشبث بالأصول!
وقد أرجع ذلك لأسباب عديدة.. أسهم الاستعمار بنصيب الأسد فيها، حتى دخل إلى عمق المجتمع، ونبش في تربته وجذوره، وجذبته التجمعات الشعبية في زقاق المدق، والقاهرة القديمة وبداية ونهاية وخان الخليلي والثلاثية.. فكان البطل هو الإنسان المصري، أو المجتمع بوحدته، وبتراثه وبتقاليده وبمعاناته.
وحين نتجه إلى الروايات ذات المعالجات السياسية، مثل: الكرنك، وثرثرة على النيل، واللص والكلاب، والحرافيش.. فقد بلور نجيب محفوظ شخصية البطل من منظومة التجربة الشعبية لحكم الطبقة الاستعمارية والطبقة العسكرية والطبقة الحزبية والطبقة المنتفعة.
وليس أدل من ذلك التجسيد المؤلم، كتصويره في رواية (السراب) لشخصيات تطورات أساليبها فيما بعد في الكرنك وفي اللص والكلاب.
ونعني بذلك كله: أن نجيب محفوظ قد اهتم بالناحية السلوكية المؤثرة في عمق المجتمع وهي التي تنضج شخصية ومقومات البطل، ولا تنسفهما!
وقد ركز على هذه الناحية حتى يكاد أن يكون السلوك ذاته هو البطل في أغلب رواياته، وبالذات في رواية ثرثرة على النيل!
ويرجع الدكتور عبد المحسن طه بدر، في كتابه (الرؤية والأداة) ذلك كله في أعمال نجيب محفوظ إلى ما وجده في هذا الروائي في فلسفة (برجسون) القائلة: إن الشعور والمادة صورتان من الوجود، مختلفتان اختلافا أساسيا ومتعارضتان، وهما تتعايشان!!
لقد قدم نجيب محفوظ عصارة فكره وعمره ليرفع اسم بلده، واسم العرب إلى مواقع النجوم والضوء!!
من جانبه عبّر د. عبد الله مناع - الكاتب المعروف عن حزنه العميق لفقد الراحل معتبراً أن هذا العمر الطويل كان عمرا مليئا بالإنجازات، فكانت شجرة نجيب محفوظ شجرة مثمرة ومليئة ومتنوعة، ويعتبره المناع رائداً في كتابة الرواية العربية، استحق جائزة نوبل عن جدارة، وأعماله كثيرة ورائعة، أما روايته (أولاد حارتنا) التي أحدثت ضجيجاً فيعتبرها رواية جميلة لا تستحق كل ما قيل عنها، ويعتبر المناع أن الغموض كان يشكل مرحلة من حياته.
الأستاذ/ محمد علي قدس - القاص المعروف - وأمين سر نادي جدة الأدبي الأسبق قال: إن نجيب محفوظ رمز من رموز الإبداع العربي، استطاع على مدى سنوات عمره الطويلة أن يحقق إنجازات في مجال الرواية العربية، وضع لنفسه بهذه الإنجازات مدرسة إبداعية ومشروعات أدبية لقيت البحث والاهتمام من الكثيرين، ويعتبر قُدس أن معظم الأدباء والمبدعين في عالمنا العربي الذين لهم إنجازاتهم الروائية والقصصية تتلمذوا أو تأثروا بإبداع نجيب محفوظ.
ويرى قدس أن الراحل حظي بشهرة واسعة قل أن نجد لها مثيلا بين الأدباء العرب حتى قبل أن ينال جائزة نوبل العالمية بأعماله الخالدة كالثلاثية المشهورة والحرافيش والكرنك وميرامار وثرثرة فوق النيل، فهي أعمال تركت بصمة واضحة في الإبداع العربي، وقد نال شهرته ومجده بما حققه من إنجازات، وما ترك قبل أن يعتزل الحياة ويعزله الموت حيث انتهى من مشواره اليومي على ضفاف النيل وخلى مقعده، ولكن يبقى اسما خالداً في ذاكرة وتاريخ الأدب العربي.
الروائي/ عصام خوقير يعتبر نفسه تلميذاً لهذا الرمز تلميذ كتاباته، مشيراً بخدمته للثقافة، أما رواياته فقد قرأ معظمها وهي كاللآلئ.
ويضيف خوقير أننا فقدنا رمزاً كبيراً، فقد كان يدخل في رواياته إلى الأماكن الشعبية بحيث ينقلها مجسمة إلى القارئ، وهذه ربطتنا بالكثير منها.
أما الكاتب المعروف/ عبد الله خياط فيوضح أنه أحد المعجبين بما قدم للساحة الأدبية، وأنه أحد الذين يعتز العالم العربي كله بهم، وترك آثاراً ستبقيه أنموذجاً للأدب الرائع الذي خدم مجتمعه والعالم، وهو الأديب الوحيد الذي ترجمت أعماله إلى ثلاثين لغة.
القاص فهد المصبح وصف الراحل بأنه شيخ السرد حيث رحل بعد عمر يناهز المائة عام. المصبح قال: إني هنا لا أنعى ولا أرثي ولا أضفي عليه مديحا فهو من رموزنا الكبار مهما اتفقنا أو اختلفنا معه، متذكرا أياما جمعته به في القاهرة في منتداه حيث كانت إجابته عندما سأله عن شؤون وشجون الأدب والقصص وسؤاله: أين الحقيقة؟ فكانت إجابته أن الحقيقة تصل إليها بنفسك ولن يوصلك إليها أحد، قلت: وأنتم؟ قال: نحن حرافيش لسنا حزبا ولسنا نقابة ولسنا أفضل الناس.
البداية يعتبرها المصبح من (همس الجنون) كأول مجموعة قصصية حيث يرى أن أول قصة فيها (قبيل الرحيل) من أفضل الإبداعات القصصية القصيرة مهما تحدث النقاد عن ضعفها، واستمر يكتب ويكتب من (كفاح طيبة) وهي رواية تاريخية إلى مشهورته الثلاثية ويوم قتل الزعيم رواية (أولا حارتنا) صدرت عام 1965م وحبست ثلاثين عاما وأخرجت 1995م ولم يتكلم ولم يتصادم مع السلطة ولم يعتقل، وظل يكتب وإبداعه هو الذي يتحدث، ولم يؤثر فيه المديح ولم يكتب للمديح حتى عندما نال جائزة نوبل أرسل ابنتيه لاستلامها.
ويختم المصبح بفخره وكل الأدباء بهذا الرمز، وتمنى أن لا نخزله وأن نتحلى بأخلاقياته.
الأستاذ/ عبد المؤمن القين- مدير إدارة الصحافة الخارجية بوزارة الإعلام سابقا والكاتب المعروف قال: إننا نشأنا على قراءة روايات هذا العلم عندما لم تكن هنالك ما يشغلنا ونحن طلاب، ونقرأ ليحيى حقي ومحمود تيمور ومحمد حسين وهيكل وغيرهم من كتاب الرواية حيث كانت متعة لنا، وكنا نتناقش كل أسبوع حول رواية من هذه الروايات خاصة حينما تكون معروضة في السينما العربية.
القين يفخر بأنه قرأ جميع رواياته إلا الأخيرة منها ويصف فكره بأنه يحمل نقلة نوعية، ويضيف أنه عندما تخصص في اللغة العربية درس جانبا من رواياته معتبرا أن المحلية هي التي أوصلته للعالمية.
أما قضية الانتماء فلم تظهر في أدبه، ولكنه دافع عن نفسه بقوله أنا ملتزم بمبادئ الثورة، ولكني أختلف مع الذين طبقوها، ويعتبر القين أن الطبقة البرجوازية التي صورها نجيب محفوظ هي الفئة السائدة لأبطال رواياته، وتمتاز هذه الروايات بتحليل الشخصيات كل على حدة، ثم الربط بينها وبين البعض الآخر في نسق فني جميل، والعقدة في هذه الروايات (أو نقطة التأزم) تمتاز بالهدوء وليس العصف الفكري، ثم يأتي الحل في نهاية الرواية، ويترك نجيب محفوظ القارئ لتفسيره الخاص لهذه النتيجة، وتظهر هذه الميزة في (بنك القلق) الذي يعتبر نقلة نوعية في أدبه التي تفرق بين أدبه وأدب توفيق الحكيم بتأثره بالغرب حيث نجد نجيب محفوظ يميل إلى ركيزته التراثية ويأخذ من الغرب بحذر بينما نجد توفيق الحكيم سريع التأثر بمدارس الغرب.
من جانبه قال د. محيي الدين محسب، عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود: سيصبح من باب القول المكرور أن نقول إن الثقافة العربية بل الثقافة الإنسانية تودع اليوم أحد أعلامها ورموزها الكبار.
أعتقد أن الأمر الحيوي في هذه اللحظات أن نأخذ من الموت ما لا يأخذه الموت معه.
الموت لا يأخذ أحلام من عاشوا لتجسيد حياة أكبر وأعمق وأغنى من محدودية أعمارهم القصيرة مهما امتدت. الموت يبعث الحياة أكثر فيما يترك، ها هو يريد منا أن ننتبه أكثر وأن ننظر أعمق فيما تركه نجيب محفوظ.
الموت يلكزنا لنمسح غبش الدمعة عن أحداق بصائرنا ومرايا وعينا للنظر بإمعان في سطور هذا النص الكبير، وفي دلالات هذا الخطاب الثري.
موت نجيب محفوظ الشخص بطاقة دعوة شخصية لحياتنا الفكرية والأدبية لتغير السير في رحلة الاتجاه المضاد للرحيل.. دعوة لانبثاق الأسئلة وإذكاء المساءلة الولود حول مشروع الرجل الإبداعي الذي كان بحق شاهدا على الحياة والحلم والرغبة والفكر في حراك قرن كامل من زماننا العربي الحديث.
مع كل خطوة في هذه الرحلة البهية سيعود النبض الحي إلى أحد شرايين الرجل، وستصقل من جديد إحدى مراياه الرائعات، وسوف تدب حياة مستعادة في عشق حاراته الرامزات، وستخرج من نصوصه كل هذه الشخصيات التي شكلها بخياله وتجربته لنشكلها نحن من جديد لتحرير تأويلاتنا، وتجريد أفهامنا، ساعتها ستكون أكثر حكمة وأثرى عقلا وجمالا وإبداعا.
د. ظافر الشهري - أستاذ الدراسات العليا - ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة الملك فيصل وصف الراحل بأنه قامة كبيرة في أدبنا الحديث وبخاصة في مجال النثر فهو من الروائيين الذين شرق وغرب ذكرهم، وقد نال جائزة نوبل عن جدارة واستحقاق، وهو رائد من رواد النهضة الأدبية في العصر الحديث بغض النظر عن من يتفق أو يختلف معه ولو كانت أعماله الأدبية متواضعة أو غير جديرة بالدراسة والنقد لما قامت حولها إشكالات واختلافات بين كثير من النقاد وكبار الأدباء في العصر الحديث، وختم د. الشهري بعزائه لمعشر الأدباء معتبراً أننا بفقده فقدنا مدرسة أدبية في مجال الرواية.
الأستاذ فاروق باسلامة
الكاتب المعروف قال
في جوِّ من التفكير وسعة من التأمل أجدني لا أرفض كلية ما ألفه الأستاذ نجيب محفوظ وما أنتجه من الروايات والقصص، فالرجل أديب وكاتب وإنسان مثقف، وعلى درجات من التذوق الفني للحياة والناس والجو الثقافي من خلال الروايات والقصص.
هذه الصورة لنجيب محفوظ يرسمها واقعه الأدبي، ونسقه الثقافي وتكاد هذه الصورة ماثلة على رواياته التي تشكل جوانب حياتية من بيئته وبلده وأبطال أعماله القصصية والروائية، والعجيب واقعية كتابته هذه كما في ثلاثيته (قصر الشوق) و(بين القصرين) و (السكرية) وسواها من الأعمال التي أدرجها خياله مثل: (أولاد حارتنا) وهي الرواية التي حاز بها جائزة نوبل في الأدب، وقوبلت بانتقادات لاذعة، وكتاب الشيخ عبدالحميد كشك (كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا) وهو أكثر الردود دينية ومباشرة لأن نجيب محفوظ قوبل عمله هذا وغيره من الأعمال الأدبية بإعجاب وقبول غريبين، بل بإقبال كاسح وخاصة الأعمال الروائية التي عرضت على الشاشة الفضية والسينمائية ووسائل الإعلام الأخرى حتى في قرى وبلدات البلدان العربية والأجنبية التي وصلتها تلك الوسائل عبر الأقمار الاصطناعية، وغدا نجيب محفوظ سيد الموقف الروائي في هذه البلدان خاصة بعد غياب توفيق الحكيم، وسوف ادريس، وإحسان عبدالقدوس، وأمين يوسف غراب وعبدالحميد جودة السحار وعلي أحمد باكثير، هؤلاء الروائيون بمثابة أساتذة لنجيب محفوظ وبعضهم زملاء له وقد ظهر محفوظ مع أستاذه وزميله باكثير في أكثر من موقف يتلقى عنه أفكاراً وصوراً، وذلك في سياق التلقي العفوي والعمل الأدبي والانسياق والتروي والأخذ من زميل له وهو موقف يسجل كتاريخ أدبي بين رجال من أمثال باكثير ومحفوظ، كما هو ظاهرة معروفة بين الأدباء ورجال الفكر والثقافة حيث يأخذ بعضهم عن البعض الآخر ليس في ذلك عيب أو حرج البتة، بل أسلوب تعاطي وتعامل وأدب، وهذا الموقف يظهر نجيب محفوظ مع توفيق الحكيم ومع جودة السحار في نفس المعنى الذي سقناه.
ويضيف باسلامة: إن نجيب محفوظ استقل بعد ذلك في عالمه الادبي واستطاع أن يحوز بجدارة عدة جوائز وبخاصة جائزة نوبل التي رفعته عالمياً في سماء العالمية، ويصفه بأنه أصبح ظاهرة أدبية حتى قبل نوبل وأن عمله مثل رواية (السراب) كان أجدر أن يؤهله للجوائز سواء نوبل أو غيرها.
د. محمود زيني - عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى أوضح أننا بفقد هذا الرمز فقدنا أديباً شهيداً وقاصاً وروائيا من كبار الروائيين نفخر بما أبدع وقدم للعالم العربي.
من هذه الروايات والقصص التي نال بها إعجاب النقاد لمهاراته في إعطاء صورة عن المجتمع العربي المعاصر وعن ثقافته وأفراد هذا المجتمع، وبهذا استحق أن ينال إعجاب الغربيين، ونال جائزة نوبل في هذا المجال ومع اختلاف بعض النقاد معه إلا أننا نترحم عليه ونقدره حق التقدير، كما قدرنا باكثير وكلاهما أبدعا ونالا إعجاب الكثير وعملت رسائل عالمية فيها، وبفقده فقدنا روائياً كبيراً. وتمنى أن ينهض من أبناء الأمة من يسد هذه الفجوة التي تركها الراحل من الكتاب الذين تصل شهرتهم إلى العالمية.
د. عبدالله المعيقل - عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بقسم اللغة العربية أوضح أن نجيب محفوظ ظاهرة كراوئي عربي وروائي عالمي وهو أول أديب عربي يحصل على جائزة الأدب، والمثير في تجربته هو استمرارية الكتابة وكثرة الإنتاج ومواكبته لمراحل في روايته حياة لأجيال ولمراحل.
د. المعيقل يرى أن بداياته كانت بالرواية التاريخية في وقت مبكر وبعدها جاءت مرحلة الواقعية، وبعد الثورة تنامى الفساد السياسي والاجتماعي فظهرت علينا الروايات التي فيها الرمز مثل (ثرثرة فوق النيل) و (أولاد حارتنا) ويضيف د. المعيقل أنك إن تقرأ نجيب محفوظ فإنك تقرأ مراحل وحياة مليئة بالتنوع الروائي، وقد كرس حياته كلها للرواية. ويضيف د. المعيقل أن نجيب محفوظ ظاهرة لا تتكرر وإذا كان هناك ظواهر ربما تأتي بشكل مختلف وأكد التغير الاجتماعي، فبعد البدايات جاءت فترة فيها تحول في المجتمع العربي. نجيب رصده في مرحلة سيرته، ومسيرته لن تتكرر بسهولة، ولن تتكر في قرن رجل عالمي من خلال ما كتب في واقعه الذي يعكس الواقع العربي.
القاص والصحفي وعضو اللجنة الإعلامية بنادي الرياض الأدبي الأستاذ علي بن حسين الزهراني أبدى حزنه العميق لفقد هذا الرمز العربي ووصف بأنه ملك القلوب الذي ملأ الآفاق مشيداً بمسيرته العلمية والإبداعية وبحاله في الرواية واضح للعيان واصفاً أسلوبه بالقريب من الناس مما أكسبه شعبية واسعة.
الأستاذ أشرف السيد سالم الباحث بهيئة الإغاثة الإسلامية والكاتب المعروف قال: عندما تتأمل في أحوال الحرافيش في أدب الراحل نجيب محفوظ، تتذكر الصعاليك في تراث الأدب العربي، فكلا الفريقين بسطاء مهمشون وربما منبوذون، ولكنهم نبلاء حالمون يسعون لإحقاق الحق وتكريس قيم العدالة في مجتمعاتهم، ولكن بتصورهم ومن منطلقاتهم.
وهكذا كان كبيرهم (نجيب محفوظ) فهو خليط من الأديب والمؤرخ والفيلسوف، وبين حي الجمالية الذي شهد ولادته وحي العجوزة الذي لفظ به أنفاسه الأخيرة، عاش حياته عاشقاً للقاهرة متيماً بحواريها ومقاهيها وجعل لكل رصيف فيها حكاية، لذا كان غزير الإنتاج.
مثل محفوظ انتقاله في تاريخ الرواية العربية، حيث كان الفارق بينه وبين جيل الرواد أن معظمهم إن لم يكن كلهم عاشوا حقبة من حياتهم في أوروبا وخاصة فرنسا، فتأثروا ببيئتها ولغتها وآدابها، أما هو فكان كالقطن المصري طويل التيلة الذي لم يشرب سوى من ماء النيل، فجاء نتاجه الأدبي مصرياً خالصاً، بل يرجح النقاد أن إغراقه في المحلية كان طريقه للعالمية، وحتى عند حصوله على جائزة نوبل وهي أقصى ما يطمح إليه أديب لم تبهره أضواء أوسلو واستوكهولم واكتفى بمشاهدة ابنتيه على الشاشة، وهما يتسلمان الجائزة نيابة عنه، وهو على مقعده في القاهرة.
موهبة في خضم الأحداث
لقد كان محفوظ -رحمه الله- نجيباً موهوباً خدمته الظروف المحيطة، فقد كان شاهدا على عصر ماج بالأحداث الجسام، مما وفر له كراصد حاذق منجماً خصباً ثرياً من الأحداث والمواقف، استطاع أن ينهل منها وينتج أروع إبداعاته، فقد كانت فترة ما بين الثورتين في مصر (19-52) فترة عجيبة غريبة شهدت الديمقراطية والتعددية والوطنية والتنوير ومحاولات التحرر والنهضة والسجال السياسي والحراك الثقافي والتفاعل القوي مع الآخر، وقد تواكبت هذه الفترة مع أحداث دولية موازية حيث كانت فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية بانعكاساتها على المجتمع المصري، فاستطاع محفوظ بذكائه أن يوظف هذه الأحداث وتداعياتها، ويرسم بريشته الروائية المتمكنة لوحات متميزة فقد رصد التحولات الاجتماعية في (القاهرة الجديدة) و (خان الخليلي) وأشار على أثارها في (زقاق المدق) و (بداية ونهاية) وأرخ للحقبة برمتها في الثلاثية.
نجيب والسلطة والسياسة
وعلى المستوى السياسي جمع نجيب محفوظ بين متناقضين، فقد كان ليبرالي التوجه، ولكنه كان حكومي المواقف، وقد سئل عن ذلك صراحة في عصر السادات، فقالوا له أنت تؤيد الحكومة في مقالاتك، فأجاب بصراحة أكبر: نعم أؤيدها في مقالاتي وأعارضها في رواياتي، ومقولته هذه لا تخلو من صدق، فقد وجهت رواياته العديد من سهام النقد للعهد الناصري وتداعيات السياسة الثورية والطبقة الانتهازية التي قطفت ثمار التطبيق الاشتراكي: مثل (السمان والخريف) و (اللص والكلاب) و (ميرامار) و (الكرنك) وانتقد آثار سياسة الانفتاح في (أهل القمة) و (الحب فوق هضبة الهرم) ورغم ما عرف عنه من مهادنة للسلطات وإيثار السلامة نجد في نتاجه بعض أكثر الأعمال جرأة في نقدها للسلطة والمثقفين، بل وللمجتمع برمته مثل (ثرثرة فوق النيل) و (المذنبون).
نجيب والفكر الإسلامي
ويؤخذ على نجيب محفوظ موقفه السلبي من الفكر الإسلامي، والعداء مع هذا التيار الذي بادله بنفس القدر فاشتركوا مع اليساريين في إفساد فرحته بنوبل حين أشاروا إلى الأصابع الصهيونية في كواليس الجائزة وأسباب منحها إياه، بل سعى أحد المتطرفين على قطع يمينه التي يرى أنه كرسها للتطاول على العقيدة: والكتابة عن الغانيات وبنات الهوى اللائي كان لهن في إنتاجه الأدبي حظ وافر، ويعترف نجيب محفوظ بهذا الموقف السلبي من التيار الإسلامي، فيقول: كان عبدالحميد جودة السحار صديقي، وكان مواظباً على حضور دروس الشيخ (حسن البنا) وكثيراً ما كان يدعوني لمشاركته الحضور بل وللقاء الشيخ بعد المحاضرة، ورغم أن الشيخ البنا كان معروفاً بأنه خطيب مفوَّه يأسر لباب القلوب، وكانت دعوته آنذاك تنتشر في مصر انتشار النار في الهشيم، ولكنني رفضت تماماً أن أخوض هذه التجربة، لأن هذا الفكر يتناقض مع قناعاتي، إلا أن نجيب محفوظ كان من الذكاء بحيث لم يصطدم بعنف مع هذا التيار، مثلما تورط بعض غلاة العلمانيين من الأدباء.
أخيراً.. فإن نجيب محفوظ وقد أصبح بين يدي الله وأفضى إلى ما قدم، فلا يملك منصف إلا أن يقر بأنه قمة أدبية متميزة وموهبة إبداعية نادرة، ومفكر نختلف معه ونتفق: {وَلِكُل وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(148) سورة البقرة.
د. يوسف العارف عضو مجلس إدارة نادي جدة الأدبي والأديب المعروف عبر عن حزنه العيمق لفقد هذا الرمز وقال:
لقد حظي الأدب العربي في عصوره الحديثة بكثير من الرموز الأدبية التي سطرت أمجادها وتاريخها في سفر التشكل الكتابي وأصبح صداها العربي والعالمي مثار المثاقفة والتحاور والتحدي والاستجابة ومن هذه الرموز الأدبية الأديب الكبير نجيب محفوظ الذي وصل بأدبه ورواياته إلى مرحلة العالمية، ونال على أثرها جائزة نوبل، ورغم ما قيل عن حيثيات هذا الوصول العالمي والاعتراف الدولي بأديبنا العربي على يد هذا الرمز إلا أنه يظل علامة فارقة في تاريخ أدبنا وموئلاً لأجيال كثيرة تتلمذت على أدبه وفنه ومفخرة نناجز بها الأدب العالمي.
إن نجيب محفوظ قامة ثقافية فارعة،تجذر في المجال الأدبي، وازدهرت على يديه وقلمه وفكره القصة والرواية، وسجل السرد العربي له مكانة ومكاناً لا يليق إلا بالكبار أمثاله.
إن أطروحاته المختلفة كانت وما زالت مثال حوار ومثاقفة من جيل الأدباء الجدد فكأنه يقول لنا ما قاله المتنبي ذات شعر:
أنام ملء عيوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصموا
ومهما اختلفنا مع بعض ما كتب وما انتج إلا أنه يظل العربي الخالص والأديب المعتق، والكاتب الناضج والمارد الأجمل، يتباهى القارئ مع طروحاته وأدبه فيعجب بجزالة اللفظ وشاعرية المعنى، وصيد الأفكار والجزئيات المجتمعية التي يعجز عنها كثير من حاملي الحرف والكلمة، لكنه يتعايش مع المجتمع، ويستمد منه أفكاره وشخوصه ونصوصه، فكان المعبر الصادق عن نبض المجتمع وحياته المليئة بالتناقض فيصوغ منها أدباً رائعاً ولغة راقية وصوراً بين الخيال والواقعية تتثاقف معها فتعجب وتسخر وتتألم وتغضب وتختلف لكننا في النهاية نجزم بأدبية أدبه وسحر لغته وجرأة طرحه.
ورغم كل هذا.. فإن شيخوخة نجيب محفوظ وتوقفه عن العطاء الأدبي لا يعنى تصحراً في عالم الأدب، فلقد تتلمذ على يديه وأدبه الكثيرون ومنتجو الأدب والفن القصصي السردي كُثْر ولهم تمايزات، ولكل منهم سماته وتشكلاته. فالأمة العربية ولود في كل مجال، وإن توقف أحد ظهر في عالم الكتابة والمجد آحاد كثر ستورق بهم شجرة الأدب إن شاء الله.
لكن يظل نجيب محفوظ في ذاكرة التاريخ والأدب اسماً وعلماً يسعى لمماثلته أو تجاوزه الكثير والكثير- إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.