الزميل سعود العتيبي في ذمة الله    مستجدات فسخ عقد لودي مع الهلال    وزير الخارجية القطري يلتقي قائد القيادة المركزية الأمريكية    مركز الدرعية لفنون المستقبل يفتتح "استمرارية 25"    أمير القصيم يتسلم ميدالية الإنجاز من مركز التكامل والثقافة في منظمة شنغهاي    «الزعيم» يتعثر بالتعادل أمام القادسية    جيسوس يستعين بالعمري    ترحيب واسع باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار «حل الدولتين»    المملكة ودعم الشعوب.. مساعدات لا تتوقف    بيان سعودي مصري إماراتي أميركي: إنهاء الدعم العسكري الخارجي ضرورة لحل النزاع في السودان    إمام المسجد النبوي: الفوز الأبدي يأتي بتحقيق العبودية لله    القوات الجوية تستعد للتألق في اليوم الوطني    الجيش اللبناني يتسلم الأسلحة من عين الحلوة    مفاوضات إيرانية جدية مع الأوروبيين    صفقات استثمارية في "سيريدو 2025"    المملكة مركز لابتكارات المجوهرات    الأمير عبدالعزيز بن سعود: مضامين الخطاب الملكي أكّدت اعتزاز المملكة بالمبادئ الراسخة التي قامت عليها    30 هدفًا في افتتاح دوري يلو.. والعلا يتصدر    إنزاغي يُبرر تأخر التغييرات أمام القادسية    قطبا مانشستر لمداواة جراحهما.. وليفربول يواجه بيرنلي    الخليج يتغلب على الفيحاء بثلاثية    الجواد "فاله زين" بطلاً لكأس نادي سباقات الخيل للسرعة    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الزامل    أشاد بالمرونة والتنوع.. صندوق النقد: الاقتصاد السعودي يتقدم بثبات في مسار رؤية 2030    دغيس مديراً لفرع البيئة    النجوم الكويتية تكرم الحربي وقادة كشافة بمكة    أجيال تكرم نوال السعد    ماسك يقلب الطاولة على موظفيه    شغف الموروث    إعادة النظر في أزمة منتصف العمر    أسعار مرتفعة تعيق شغف فتيات جدة بتعلم الموسيقى    مثقفون وإعلاميون يحتفون بالسريحي وبروايته الجداوية    احتفل باليوم العالمي ..«الأحمر»: رفع الوعي بالإسعافات ينقذ الأرواح    ترشيح المشاريع المتميزة للمراحل التنافسية.. «موهبة» تمدد التسجيل في أولمبياد إبداع    بيض ديناصور بعمر 86 مليونا    باراسيتامول دواء شائع بمخاطر خفية    الأرق يهدد كبار السن    ألزهايمر يهاجم في الثلاثينيات    دراسة: شرب الماء وقوفاً يضر القلب    إجراء عملية جراحية ناجحة باستخدام تقنية الروبوت الجراحي بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز    تداول يخسر 1.58% في أسبوع    غرامة 5000 ريال لصيد «الكروان» دون ترخيص    ليلة من «أحلام» الفن الجميل تصدح في موسم جدة    القبض على (4) إثيوبيين في جازان لتهريبهم (260) كجم "قات"    من عمارة الصحراء إلى آفاق الفضاء    السعودية.. قصّة مجد    الاستقرار والازدهار.. الخطاب الملكي يعزز ثقة العالم بالمملكة    3.2% زيادة بمتوسط أجور القطاع الخاص    60 جهة مشاركة في معرض التوظيف بجامعة البترول    نائب أمير منطقة مكة يقدم التعازي للفريق محمد الحربي في وفاة والدته    المرء أسير الإحسان    في رثاء عبدالعزيز أبو ملحه    العناية بشؤون الحرمين: 121 دقيقة متوسط زمن أداء العمرة    الإرث بين الحق والتحدي    تحميل الركاب وتوصيل الطلبات    المعلمون والمعلمات بين حضوري وتحديات العام الدراسي الجديد    هبات تورث خصاماً صامتاً    مجلس الشورى.. منبر الحكمة وتاريخ مضيء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسبوع من فوضى التذبذب تجتاح السوق
بعد تكرار الانقطاع الكهربائي والأعطال الفنية والمضاربات العشوائية
نشر في الجزيرة يوم 28 - 07 - 2006

اجتاحت سوق الأسهم هذا الأسبوع حالة من الفوضى العارمة: انقطاع للتيار الكهربي، وأعطال فنية متكررة داخل صالات وهواتف وشبكات البنوك، فضلاً عن تكرار حالات البطء الشديد في شبكة الإنترنت للموقع الخاص ب(تداول)، فضلاً عن ذلك كله مضاربات عشوائية قوية وحادة وقاسية لا تخضع لأية معايير سوقية ولا مالية ولا حتى تنساق للتحليلات الفنية المفترضة، لدرجة أن كافة المحللين الفنيين أصبحوا ينهون تحليلاتهم بعبارة: (مع الأخذ في الاعتبار أن المضاربين غالباً ما يخالفون التحليل الفني)، فما الذي يحدث؟ وكيف؟ ولماذا يحدث؟ ولماذا لا يمكن منع حدوث ذلك؟ وهل واقع السوق خلال الفترة القليلة الماضية قد أضرَّ بالفعل بمفهوم الأسهم القيادية في السوق إلى الدرجة التي لم يعد هناك أسهم تقود السوق؟ وهل انتفاء وجود الأسهم القيادية يؤكِّد نظرية أن السوق للمضاربة وليس للاستثمار، بدليل أن أقوى أسهم الاستثمار القيادية لم تعد قيادية ولم تعد أسهماً للعوائد، وأن أسهماً مضاربية أكثر منها خسارة احتلت مكانة الصدارة كأسهم عوائد؟ وإذا كان السوق لا يمتلك القوة القيادية التي يمكن أن تحميه من التذبذب اليومي الحاد (التذبذب بين الاحمرار والاخضرار الكامل بشكل سريع وقوي ومتسارع) فهل أصبح بالفعل السوق يعاني تذبذباً مزمناً؟!
حركة المؤشر هذا الأسبوع
هذا الأسبوع تحرك المؤشر العام للسوق في نطاق تذبذب ضيق ما بين نزول طفيف وخسائر ليست كبيرة، ثم تعويض، ثم نزول، وهكذا، حيث تباين الأداء اليومي للسوق من أخضر إلى أحمر والعكس. فعلى رغم افتتاح المؤشر على مكاسب يوم السبت الماضي، حيث أحرز المؤشر صعوداً بنسبة 2.8%، وأيضاً إحرازه صعوداً آخر يوم الأحد بنسبة 2.14% ليغلق على 11009 نقاط، فقد بدأ يأخذ المسار الهابط بداية من الاثنين الماضي، حيث انخفض بنسبة 2.9%، تلاه هبوط آخر يوم الثلاثاء بنسبة 2.95% ليغلق على 10375 نقطة، وأخيراً الأربعاء مسار ضيق استطاع من خلاله الإغلاق على اخضرار طفيف بنسبة 0.2% بإغلاقه على 10393 نقطة.
أما على مستوى القطاعات، فعلى رغم تباين الأداء القطاعي إلا أن جميع القطاعات غلبت عليها الخسائر، حيث أحرزت الزراعة أعلى خسائر، تلتها الخدمات، فالصناعة. ومن حيث حجم السيولة المتداولة قطاعياً فقد جاءت الصناعة، فالخدمات، ثم الزراعة. وجدير بالملاحظة انحسار حجم السيولة النقدية في القطاع البنكي هذا الأسبوع إلى مستوى 4%.
بالتحديد، بإغلاق المؤشر على مستوى 10393 نقطة يكون قد خسر نحو 92 نقطة هابطاً بنسبة 1% تقريباً عن الأسبوع الماضي. ومن جانب آخر، لا يزال انحدار السيولة المتداولة متواصلاً، حيث انحدرت من مستوى 159.2 مليار ريال في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي إلى نحو 64.3 مليار ريال هذا الأسبوع. وعلى رغم طرح الاكتتابات الجديدة إلا أنه لا يمكن تبرير هذا الانخفاض الكبير وربما المتعمَّد في السيولة، فما الذي حدث؟ وكيف وصل السوق إلى هذا الحد؟!
مفهوم (المنطقة العادلة) وتأثيرها على أسعار الأسهم القيادية
تعرف (المنطقة العادلة) بتلك المنطقة التي تكون فيها الأسعار السوقية للأسهم المدرجة عند مستويات تعبر عن الأداء الحقيقي لشركاتها؛ أي أن تكون مكررات ربحية تلك الأسهم عند مستويات جذابة ومقبولة أو أقل من 20 أو 15 مرة، ومن ثم يكون مكرر ربحية السوق عند مستوى أقل من 20 مرة أيضاً. ومن خلال قراءة الماضي للسبعين يوماً الماضية يتضح أن حدود (المنطقة العادلة) تتمثل في تلك المنطقة أعلى 10 آلاف نقطة وأقل من 13500 نقطة. وقد يسأل سائل: إذا كان النزول يمثل مشكلة؛ أي أنه من الضروري تحديد حد أدنى لهذه المنطقة، فلماذا السقف الأعلى تحت اعتبار أن صعود المؤشر أمر مرغوب فيه من الجميع؟! هذا منطق خاطئ أو على الأقل قاصر، فإذا كان النزول غير مرغوب فيه، ويمثل مشكلة كبرى، فإن الصعود أيضاً قد يمثل مشكلة أكبر، وبخاصة إذا أدى إلى وصول المؤشر إلى مستويات كبيرة ومبالغ فيها ولا تعبر عن الأداء الحقيقي للسوق والشركات المدرجة فيه، فكل نزول يمثل كارثة، إلا أنه في الأصل يعتبر فرصة؛ لأن المفترض أن كل نزول مبالغ فيه سيعقبه صعود ولو بنسب صغيرة، إلا أن الصعود هو ما يمثل ربما الكارثة الأكبر، حيث إن الصعود لمستويات مبالغ فيها يعني أنه من المؤكد أن تصحيحاً سيحدث، وفي الغالب وفي مثل السوق السعودي يكون التصحيح كارثياً من خلال النزول الحاد والقاسي الذي يحدث في الغالب على مدى فترة زمنية قصيرة، وهو ما يسبب نوعاً من الفوضى وافتقاد الثقة.
لذلك، وفي ظل استقرار المؤشر نسبياً داخل حدود المنطقة ما بين 10000 إلى 13500 نقطة، وفي ظل تحرُّك المؤشر سريعاً لأعلى حال النزول عن 10 آلاف، وأيضاً تحرُّكه لأسفل سريعاً عند ملامسة ال13500 نقطة، بات واضحاً أن السوق يأخذ ويتمسك بمفهوم (المنطقة العادلة) التي تركِّز أداءها على إبقاء المؤشر في نطاقها، لكن ما الثمن؟
الأسهم القيادية لم تعد قيادية!!
قراءة الماضي أيضاً تشير إلى أن ضغوطاً كثيفة شرائية تارة وبيعية تارة أخرى على الأسهم القيادية الرئيسة (سابك والراجحي والكهرباء والاتصالات) تكاد تكون الوسيلة الرئيسة (ربما بجانب وسائل أخرى) في ضبط إيقاع المؤشر داخل حدود (المنطقة العادلة)، إلا أن تلك الضغوط في ظل ما يعانيه المؤشر من ضعف وتفضيل للانحدار لأسفل باتت ضغوطاً بيعية أكثر منها شرائية على مدى السبعين يوماً الماضية منذ 13 مايو الماضي. بالتحديد، أضعفت هذه الممارسات القوة القيادية لهذه الأسهم الرئيسة بشكل لم تَعُدْ معه قيادية.
الأسهم القيادية تتأرجح: عوائد أم استثمار؟!
على سبيل المثال تلك الضغوط البيعية الكثيفة والمستمرة والمتواصلة منذ منتصف مايو الماضي التي برزت على سهم سابك أكثر من غيره تسبَّبت في الكثير من الجمود له ولأقرانه من الأسهم القيادية؛ فحركة كل سهم قيادي أصبحت ضعيفة مثلها مثل الرجل المريض الذي لا يكاد يشفى من سقم حتى يصاب بآخر. فعلى سبيل المثال سعر إغلاق سابك في الأربعاء الماضي هو 129.75 ريالاً، وهو سعر يقل عن مستواه في يوم 11 مايو الماضي الذي كان يبلغ 132 ريالاً؛ أي أن السهم على مدى ال75 يوماً الماضية أحرز إخفاقاً بنسبة 2% تقريباً، فهل يُعقل أن يكون السهم القيادي الأول الذي يمتلك القيمة السوقية الأعلى (أكثر من 21% من قيمة رسملة السوق) لم يتمكن من إحراز أي تغير إيجابي يُذكر على مدى ثلاثة أشهر تقريباً، وأن عائده سلبي؟! أي أن تلك الأسهم القيادية قد افتقدت بجانب قيادتها للسوق افتقدت أيضاً مقدرتها على تحقيق العائد المجزئ لراغب الاستثمار من المتداولين، الأمر الذي أصبح يرسخ مفهوم عدم وجود أسهم للعوائد في السوق، فإذا كانت أكثر الشركات جاذبية وأعلاها قوة لم تتمكن من إحراز عوائد فماذا يُنتظر من الأسهم الخاسرة؟!
هل السوق وصل إلى حد النضوج لدرجة أنه لا يحتاج إلى دعم الأسهم القيادية؟
ولكن إذا كان السوق بلا أسهم قيادية اليوم، وإذا كانت الأسهم القيادية هي نفسها تحتاج إلى من يحميها من هجمات المضاربين، فكيف وإلى أين يسير السوق؟ هل أصبح السوق في مهب الريح؟ وهل بات يتحرك عشوائياً بشكل كامل، أم أنه وصل إلى حد النضوج لكي يتحرك في هذا المسلك العشوائي الحر؟ لقد تعوَّدنا أن نشهد أسواقاً مالية عديدة تُقيم كفاءتها من خلال سلوكها العشوائي الحر، إلا أن هذه الأسواق تمتلك مرتكزات ذاتية وقوية تستطيع أن تمكِّنها من النجاح والرسوخ في مواجهة المضاربات العاتية ربما من دون تدخُّل من الجهات الرسمية، فهل وصل السوق المحلي إلى تلك الدرجة التي يسير فيها في عشوائية مع تحرُّكات المضاربين بلا قيادة، بلا أسهم استثمارية؟ بالطبع هذا يمثل وضعاً سلبياً تماماً للسوق الذي لا يزال لم يَصِلْ إلى حد النضوج بعدُ. البعض يعتبر أن القوة الرأسمالية الهائلة التي يمتلكها السوق السعودي من حيث إنه يمتلك أكبر قدر من السيولة النقدية والقيمة السوقية على مستوى كافة أسواق ليس الدول العربية فحسب ولكن أسواق منطقة الشرق الأوسط ربما عامةً.. لا توجد علاقة بين ضخامة السيولة وبين نضج السوق. إن السوق المحلي لا يزال ناشئاً، ولا يزال يعاني من مشكلات مؤسسية وهيكلية، بل كافة أسواق الدول العربية بما فيها البالغة القدم؛ مثل السوق المصري، لا تزال في طور النشأة، وتُسمَّى أسواقاً صاعدة.
هل يمكن لأسهم المضاربة أن تقود السوق؟
في ظل انتفاء القيادة الحقيقية للسوق من أسهم العوائد وأسهم الثقل المالي أصبحنا نشهد من يوم لآخر أسهماً مضاربية بحتة، وربما تكون خاسرة، تحتل مكانة الأسهم الأعلى ربحية في المضاربة في السوق، لدرجة أن كثيراً من المستثمرين اليوم أصبح يراقب تحركات هذه الأسهم تحت اعتبار أنها تعبر عن حالة الربح والخسارة للسوق ككل. ويذهب بعض المحللين الفنيين إلى أبعد من ذلك، إلى القول: إن بعضاً من هذه الأسهم أصبح يُسيِّر المؤشر ككل، حيث استنتج هؤلاء المحللون نوعاً من التطابق بين حركة المؤشر وحركة بعض أسهم المضاربة، بالتحديد انصبَّت هذه الفكرة على سهم المواشي أكثر من غيره من أسهم المضاربة.
وهناك تطابقاً بين حركة سهم المواشي وحركة المؤشر، لدرجة أنه يمكن القول: إن المؤشر أصبح ينساق وراء سهم المواشي كقائد له، ومن ثم للسوق ككل. ولعل العديد من المؤشرات تدلِّل على صحة هذه الفرضية، فسهم المواشي على رغم خفة وزنه وصغر قيمته السوقية نسبياً التي لا تتجاوز 3.4 مليارات ريال أصبح خلال الأسابيع الأخيرة يستحوذ على العديد من مؤشرات النشاط العالي؛ مثل الأعلى نشاطاً حسب الكمية، بل وحسب القيمة أيضاً، وأصبح يستحوذ في أيام عديدة على مكانة السهم الأعلى ربحية. والصورة الأكثر غرابة هي تلك التي تدلِّل على علاقة قوية ومعنوية بين تحرُّكات المؤشر العام للسوق وبين تحرُّكات مؤشر القطاع الزراعي .
والتساؤل الأكثر أهمية هو: هل سهم المواشي بجانب بعض أسهم المضاربة الأخرى (القطاع الزراعي تحديداً) بالفعل أصبحت تقود المؤشر، أم أن المؤشر في حدِّ ذاته بات يعبر عن تحركات أسهم المضاربة نتيجة لجمود أسهم العوائد؟
وإذا كان السوق قد نجح في إبقاء المؤشر في (المنطقة العادلة) فلماذا لم يتمكن من الحد من المضاربات العشوائية القاسية بالسوق؟ وبالتالي لماذا لم تحدّ من التذبذبات الكبيرة التي يعاني منها المؤشر؟
عندئذ نتذكر إحدى الجمل الشهيرة لمحافظ هيئة السوق المالية السابق الذي أصاب فيها، وهي أن السوق يعاني من اختلافات هيكلية وسلوكية، وأرى أنها ليست اختلافات ولكنها اختلالات إذا أردنا الدقة. وعلى رغم قلة وندرة الدراسات العلمية التي تعرَّضت لتحليل كفاءة سوق الأسهم السعودية إلا أن هذه الدراسات القليلة توصَّلت إلى أنه يوجد هناك العديد من العوامل المؤسسية في السوق تساهم في ضعف مستوى الكفاءة التشغيلية للسوق، تتمثل هذه العوامل في تباطؤ وتأخر عمليات التداول، وضعف القدرة على تسييل الأسهم، وغياب صانعي السوق الرسميين. ونضيف ونبسِّط أن السوق بالفعل أصبح واضحاً، إنه يعاني من اختلالات هيكلية تتمثل في معضلتين رئيستين بجانب أخرى أقل أهمية، هما: معضلة محدودية عمق السوق وضخامة السيولة النقدية، ومعضلة احتكار القلة والفوارق الصارخة في حجم المحافظ الاستثمارية.
فعلى سبيل المثال، يستحوذ السوق السعودي على 53.9% من قيمة أسواق المال العربية، ولكنه في نفس الوقت لا يمتلك سوى 4.9% من إجمالي الشركات المتداولة في الدول العربية؛ يعني سوق صغير وسيولة ضخمة.
ومن جانب آخر، يعاني السوق من الفوارق الصارخة بين أحجام المحافظ الاستثمارية تقريباً، ولا توجد إحصاءات رسمية لحجم المحافظ، إلا أن العديد من الدلائل يمكن أن نستنبط منها أن نحو 0.001% من إجمالي عدد المستثمرين في السوق يمتلكون أكثر من 60% من إجمالي قيمة رسملة السوق، فعدد المحافظ الاستثمارية الكبيرة والمتوسطة التي تفوق ال50 أو 100 مليون تقريباً لا يتجاوز عددها 2500 محفظة؛ أي أن 2500 محفظة من إجمالي 3 ملايين محفظة (فرضاً) تمتلك النسبة الكبرى من رسملة السوق.. ماذا ننتظر؟! احتكار قلة، ومن ثم سيطرة وقوة وتحكُّم.. ليس ذلك فحسب، ولكن أضف إلى ذلك: كيف يكون الوضع إذا اتَّحد بعض هؤلاء المستثمرون أو شكَّلوا تكتلات مع بعضهم البعض؟
وللحيادية، فإن الهيئة يبدو أنها تعي كافة هذه الاختلالات جيداً، وبالفعل لا بدَّ أن نعترف أن الطريق الأمثل لعلاجها أو على الأقل علاج الاختلالات الجوهرية منها هو زيادة عمق السوق، وذلك من خلال السرعة في طرح المزيد من الشركات الجديدة، وهو ما تنفِّذه الهيئة على قدم وساق من خلال الاكتتابات المتتالية.
كيف تمكَّن كبار المضاربين من تفعيل دورهم في السوق؟
بجانب القوة الرأسمالية الهائلة التي يمتلكها كبار المضاربين، لدرجة أن حجم المحافظ الاستثمارية لكثير منهم تفوق القيمة السوقية للعديد من الشركات المدرجة في السوق، ومن ثَمَّ فقد يكون من السهل عليهم حتى في ظل القيود على الاستحواذ على أسهم شركة معينة السيطرة على أسهم منفردة، وبنوع من التحالف يمكن أن يمتلكون القدرة على السيطرة على المؤشر والسوق ككل. وهنا نرغب في إبراز جانبين: الأول هو القرارات التي التفَّت عليها تلك النزعة الاحتكارية لكبار المضاربين، والثاني هو الاستراتيجيات الذكية لكبار المضاربين للسيطرة على السوق.
أولاً: كيف تم ذلك؟
لسوء الحظ فإن العديد من القرارات التي صدرت خلال الآونة الأخيرة حاول المضاربون الالتفاف عليها. ومن أهم تلك القرارات ما يلي:
1- قرار عدم السماح للشركات بتملُّك أو الاستثمار بأسهمها: هذا القرار قلَّص دور الشركات وعزَّز دور المضاربين في الاستحواذ والتملُّك. طبعاً لدينا نصوص تمنع تملك المستثمر الواحد لحجم أو نسبة معينة من أسهم شركة معينة، ولكن مَن يضمن ذلك؟
2- تخفيض العمولات: على رغم أنه خفض مجمل التكاليف التي يتحملها المستثمر لتنفيذ عمليات البيع والشراء بنحو 20% إلا أنه انطوى على بنود تفصيلية تمكن الشخص المرخص له الاتفاق مع عملائه على تحصيل عمولة أقل من النسبة المحددة أعلاه بالاتفاق بينهم (خصم العمولة)، بما يقود إلى تمييز وتباين في التعاملات بين الأشخاص المرخص لهم وبين المتداولين، وبالطبع لصالح كبار المضاربين ذوي المحافظ الاستثمارية الضخمة. المثال التمييزي الأخطر الذي يمكن أن يخلقه هذا القرار يتمثل في أن عمليتي بيع لمتداولين مختلفين لنفس السهم وبنفس حجم الصفقة وبنسبة السعر وفي ذات الوقت يمكن أن يكون ناتجهما ربحاً لأحدهما وخسارة للآخر، وذلك لا لسبب منطقي سوى لتباين حجم العمولة المفروضة عليه. وهذا المثال التمييزي قد يحدث في يوم التداول الواحد آلاف المرات، بل إن تخفيض العمولات في حد ذاته خلق وعزَّز عمليات التدوير، وربما دعم المضاربات العشوائية التي لا تعتمد سوى على خفض العمولة.
ثانياً: الاستراتيجيات الذكية للمضاربين للسيطرة على السوق
اتخذت هذه السيطرة عدة أشكال تكاملت معاً لسد كافة الثغرات التي يمكن لأي من عوام المستثمرين اختراقها، كيف؟ وما هي؟
1- توزيع كبار المضاربين رؤوس أموالهم على العديد وربما العشرات من المحافظ الاستثمارية، بما يضع قيوداً كبيرة للرقابة عليها أو على الأوامر المنفذة منها. مثلاً: مستثمر معين يمتلك مليار ريال، يقوم بفتح محافظ بأسماء أصدقاء أو أقارب أو حتى العاملين في شركته، ويقوم بالتنسيق للتأثير على السوق دونما يتمكن أحد من رقابته أو القول: إنه ينفذ عمليات وهمية تخلُّ باستقرار السوق أو غيره. هنا تصبح الرقابة عملية صعبة، فكيف تثبت الهيئة هذه الصلة؟ وكيف تثبت أن هذه المحافظ المتشابكة تصبُّ في وعاء استثماري واحد؟
2- التحول من مضارب منفرد إلى تحالفات مضاربين: تكتلات بين المضاربين.
3- تقسيم السوق إلى أسهم ومجاورات: يعني سريان نوع من التنظيم البروتوكولي فيما بين المضاربين، هذا التقسيم على ما يبدو محترم جداً بينهم.
4- أجنحة المضارب: كل مضارب له أجنحة، هذه الأجنحة تمثل الشعرات من صغار المستثمرين أو من ذوي المحافظ المتوسطة الذين يساعدون على نشر أو تأكيد أو دحض شائعات أو أخبار معينة. هذه الأجنحة هي من تنشر الفزع أو التفاؤل أو الإيحاءات المطلوبة لتهيئة بيئة صغار المستثمرين (بيئة القطيع) لعمليات كبار المضاربين، وفي نفس الوقت تحقق هذه الأجنحة مكاسب ربما كبيرة من جراء المعلومات التي تحصل عليها من المضاربين الرئيسين عن اتجاهات تحرك السوق.
بكل ما سبق تمكن كبار المضاربين، وهم قلة على ما يبدو، من السيطرة على المؤشر وتحريكه في مسارات عشوائية غير مفهومة، لا تخضع لأية معايير فنية، فقط بما يحقق لهم الربح والثراء الكبير، بلا وازع ولا رحمة.. فهل يأتي اليوم الذي يستعصي فيه المؤشر عليهم ويمتنع فيه السوق؛ لكي لا يصبح سوقاً للقلة، ولكن سوقاً للجميع؟!
* محلل اقتصادي ومالي
*****


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.