شهد سوق الأسهم خلال الأسبوع الماضي تذبذبا شديدا، حيث انحدر المؤشر منذ اليوم الأول للتداول إلى مستوى 13117 نقطة، تلاه نزول حاد في يوم الأحد الموافق 23 أبريل إلى مستوى قياسي عند 12077 نقطة، وهو المستوى الذي غادره منذ أكثر من تسعة أشهر تقريبا. الأمر الذي تسبب في سيادة روح سلبية أدت إلى تدافع كثيف من معظم المتداولين في السوق لتصفية محافظهم والخروج ربما نهائيا من السوق. الأمر الذي أدى إلى تدخل مجلس الوزراء بإصدار قرار يوجه باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بانتظام السوق وحسن أدائه، والتعامل مع كافة العوامل المؤثرة فيه. وبمجرد انتشار خبر صدور هذا القرار تغير حال السوق كلية، حيث ارتد المؤشر ليحقق صعودا بنسبة 4.43% خلال اليوم التالي مباشرة لصدور توجيهات مجلس الوزراء، ثم واصل الصعود في اليوم التالي بنسبة 8.13%، ليحقق مستوى 13637 نقطة، ثم صعد بنسبة أقل في يوم الأربعاء بنسبة 1.33%، إلا انه انخفض يوم الخميس بنسبة 1.72% ليغلق عند مستوى 13581 نقطة. بالتحديد على مدى الأسبوع الماضي أغلق المؤشر على نسبة صعود بحوالي 2.4%. وعلى الرغم من هبوط المؤشر مع نهاية تداولات الخميس، إلا ان ارتفاع حجم السيولة المتداولة خلال ساعتي التداول إلى مستوى 8.9 مليار ريال (وهو مستوى يفوق نظيره خلال كامل يوم تداول الأحد الماضي) يدعو إلى الطمأنينة بأن السوق بخير. ويمكن تفسير نزول يوم الخميس باشتداد حركة المضاربة التي برز أنها اتجهت مرة ثانية إلى أسهم الأداء الضعيف. السوق يعوض 222 مليار ريال من خسائره تمكن السوق خلال الأربعة أيام الأخيرة أن يعوض جزءا هاما من خسائره التي تجاوزت 900 مليار ريال منذ بداية مارس الماضي، حيث ارتفع من المستوى المنحدر الذي وصل إليه في يوم الأحد الماضي (1.778 تريليون ريال) إلى مستوى 2.006 تريليون ريال في نهاية تداولات الأسبوع، ليعوض حوالي 222 مليار ريال من خسائره. السيولة..استثمار أم مضاربة؟ شهدت تحركات السيولة خلال الأسبوع الماضي أيضا تذبذبا حادا، يمكن تفسيره بالحالة النفسية للمضاربين، فبعد النزول الحاد للسيولة يوم الأحد الماضي (8.3 مليار ريال)، عاودت السيولة التحرك التدريجي تفاعلا مع توجيهات مجلس الوزراء، حتى وصلت إلى مستوى 19.6 مليار ريال في يوم الثلاثاء الماضي. واستمرت تتحرك عند مستوى مقارب خلال الأيام التالية. ويمكن تفسير تحركات السيولة من جانبين رئيسيين، هما توجه كثير من المستثمرين إلى استغلال فرصة ارتداد المؤشر بعد طول انتظار في تعديل أوضاع محافظهم الاستثمارية، وفك التعليقة التي استمرت للكثير منهم أكثر من 60 يوما. فضلا عن سعي كثير من المستثمرين ? وبخاصة الخاسرين خلال الستين يوما الماضية- للإقبال على أسهم المضاربة. الجدول (1) الأسهم الأعلى مساهمة في السيولة المتداولة السهم % سابك 9.3 الراجحي 7.4 مجموعة صافولا 6.6 الاتصالات 6.0 ويوضح الجدول (1) أن قدر هاما من السيولة المتداولة اتجه إلى الأسهم القيادية، فقد حازت سابك وحدها على حوالي 9.3% من إجمالي السيولة المتداولة خلال الأسبوع الماضي. في حين حاز الراجحي وصافولا والاتصالات على 7.4% و6.6% و6% على التوالي. بمعنى أن حوالي 29.3% من إجمالي السيولة اتجه إلى هذه الأسهم الأربعة. ولكن إلى أين اتجهت النسبة المتبقية من السيولة (70.7%)؟ ارتداد المؤشر والعودة إلى عمليات المضاربة في أسهم الأداء الضعيف على الرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بمئات الآلاف من صغار المتداولين في السوق خلال الأزمة التي كاد تعافى منها السوق منذ أيام قليلة، إلا ان عودة سريعة ومكثفة ظهرت من جانب الكثير من المستثمرين، سعيا واملا في تعويض سريع للخسائر السابقة. ولكن تجارب الماضي والحاضر ?وبخاصة تداولات الخميس- تؤكد أن كثافة عمليات المضاربة في أسهم الأداء الضعيف تقود إلى خسارة طرفين، خسارة صغار المستثمرين وهبوط المؤشر، في مقابل أرباح هائلة لكبار المتداولين. فتداولات الخميس وهبوط المؤشر، بل انخفاض حوالي 63 سهما تؤكد أن دورة مضاربية قد اكتملت رحاها، ولا نحتاج للسؤال عن الرابح فيها. إننا لا ندافع عن كبار المستثمرين في السوق، ولكن نبرز مدى الانخفاض في درجة الوعي الاستثماري لدى صغار المستثمرين. فهم لم يتخلصوا من مرارة الخسارة في الأيام الماضية، والتي بلغت مداها خلال يوم الأحد الماضي، لكي يتجهوا إلى أسهم المضاربة التي لا أداء ولا أصول ولا يوجد أي دليل على أن الاستثمار فيها يمكن أن يكون مجديا. وهنا تثار التساؤلات: * من يتحمل أخطاء صغار المستثمرين؟ * وهل الهيئة تتحمل أخطاء مستثمرين يتجهون لأسهم المضاربة باختيارهم؟ * وهل كبار المتداولين مسؤولون عن ذلك؟ كيف ولماذا وصل صغار المستثمرين إلى حال البحث عن الخسارة اختياريا؟ في كثير من الأحيان برزت تلاعبات واضحة من جانب محافظ استثمارية كبيرة، فعمليات البيع والشراء الوهمية، وبخاصة قبل افتتاح المؤشر لا ينكر أحد مدى ما تتسبب فيه من تغيرات سلوكية في تداولات صغار المستثمرين ليس إلا من خلال الوهم والخداع. ولكن في المقابل برزت حالة تفضيلية لدى الكثير من صغار المستثمرين بحب الجلوس في المصايد. فهل لنا أن نتصور بالطائر الذي يبحث عن أماكن تواجد الصيادين. وهنا نسأل المستثمر الصغير.... فأنت كمستثمر يمتلك محفظة استثمارية ليست كبيرة، وغير قادر على قراءة كافة معطيات السوق بشكل دقيق، ولا تمتلك المقدرة أيضا على قراءة دقيقة لأوضاع الكثير من شركات المضاربة، وفي غالب الأحيان أنت غير متفرغ لتداول الأسهم، لماذا التفكير في أسهم أنت لا تستطيع التأثير في أسعارها السوقية، هذه الأسهم تعاني من مشكلات هيكلية كبيرة في الواقع العملي، هل تعتقد أنك قادر على تحقيق الربح من وراء المضاربة عليها؟ لسوء الحظ أن معظم صغار المستثمرين إن حققوا الربح من وراء المضاربة على أسهم الأداء الضعيف، استبشروا وحدثوا بمهاراتهم وحرفيتهم الفائقة، ولكن إن خسروا هللوا وعابوا على كبار المتداولين الذين اصطادوهم، ومن ثم انتقدوا هيئة السوق المالية التي لم تحميهم. وهنا نتساءل.. كيف يمكن لهيئة السوق المالية أن تحمي صغار المستثمرين الذي يستثمرون باختيارهم في أسهم المضاربة؟ هل يقبل صغار المستثمرين في تحديد الهيئة لأسهم معينة، لنقل الأسهم الاستثمارية فقط التي يسمح لصغار المستثمرين بتداولها؟ إني أقولها بصراحة إن حدث ذلك، سوف نتهم الهيئة بالتمييز الذي يعمل في صالح كبار المتداولين وضد صغارهم. شماعةخسائر صغار المستثمرين؟ كثر الحديث منذ صدور التوجيهات الموقرة من مجلس الوزراء حول الإجراءات المطلوب اتخاذها لتعزيز انتظام السوق وحسن أدائه، وسعت معظم التحليلات لإلقاء اللوم على كبار المتداولين في إفساد السوق والسعي لتحقيق الربح على حساب صغار المستثمرين. إلا ان الكثير منهم نسي أو تجاهل أن الحديث عن سوق، وبالطبع سوق منظم، ولكنه في النهاية سوق. من المفترض أن لا يدخله إلا من يمتلك القدرة على التعامل فيه، ولا يتعامل فيه إلا من يستطيع. السوق عرض وطلب، وسعر توازني يتحدد عند تلاقيهما. ولا يستطيع متعامل معين أن يجبر المتعاملين الآخرين على البيع أو الشراء سوى بإرادتهم. فإذا كان الوضع كذلك، فلماذا دائما نخرج عن نطاق قواعد العرض والطلب لنلق باللوم على كبار المتداولين أو حتى هيئة السوق. نعم هناك بعض التلاعبات وهناك بيع وشراء وهمي في كثير من الأحيان، وتعاملت معها هيئة السوق المالية بكل حزم لدرجة أنها ألقي عليها اللوم في إيقاف بعض المتلاعبين، ومن ثم انحدار مستوى السيولة نتيجة خروج أو تصفية بعض كبار المحافظ الاستثمارية. ومع تركيز صغار المستثمرين أنفسهم والمتخصصين في السوق على شماعة كبار المتداولين في خسارة صغار المستثمرين، بات واضحا أن هؤلاء الصغار لا يستفيدون حتى من تجارب خسارتهم في الماضي، حيث ان تعديل المحافظ الاستثمارية للآلاف من صغار المستثمرين تم لفك التعليقة فقط، ومعاودة الاتجاه إلى أسهم المضاربة. فهل نلوم كبار المتداولين؟. فقط مطلوب الرقابة والمتابعة الدقيقة، وإيجاد الحلول الجذرية ليس لحماية صغار المستثمرين، ولكن لتوعيتهم وزيادة مستوى حرفيتهم في التعامل مع سوق الأسهم. والجدير بالقول.. ان النجاح في أي تجارة أو صناعة في السوق لا يمكن أن يبنى عليها إمكانية النجاح في سوق الأسهم الذي يختلف شكلا ومضمونا عن كافة أنواع المتاجرات الأخرى. من المتسبب في التذبذب الحاد؟ هذا التذبذب الحادث الأسبوع الماضي والمتوقع أن يستمر الأسبوع المقبل يعتبر مسؤولية مشتركة بين صغار المستثمرين وكبار المتداولين الذين ركزوا على أسهم المضاربة. ولكن إذا كان كبار المتداولين قادرون على تعويض ما قد يلحق بهم من خسائر من جراء الأرباح الهائلة التي يحققونها من حين لآخر، فهل صغار المستثمرين كذلك؟ بالطبع.. لا.. ما هي الإجراءات الملحة لانتظام أداء السوق ؟ إن توعية عوام المستثمرين من حائزي المحافظ الصغيرة ? الذين تقدر نسبتهم بأكثر من 80% من إجمالي المستثمرين في السوق- يمثل المفتاح الذهبي لعلاج أوجه القصور في سوق الأسهم ككل. يليه ضبط إيقاع حركة التداول ?أو بالأحرى ضبط تداولات كبار المستثمرين- ولا بديل عن صندوق صانع السوق. أنا لا ألوم كبار المستثمرين على شراء سهم كذا أو بيع سهم كذا بكميات صغيرة أو كبيرة، ولكن اللوم على الإبقاء على الفروقات الصارخة بين حجم وقيم المحافظ الاستثمارية في السوق بدون إيجاد صانع سوق رسمي يحمي ويضبط حركة التداول. فمتى نرى وعي المستثمر الصغير ناميا، وصندوق صانع السوق مكتملا؟!. د. حسن أمين الشقطي