أيام الانهيار وبوادر الانتعاش بعد عشرين يوماً من الانهيار الحاد والمتواصل، أعادت الإجراءات العاجلة التي جاءت في ضوء خطة الإنقاذ التي أعدها المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، أعادت الحياة للمؤشر العام للأسهم. فقد لحقت خسائر كبيرة بالسوق على مدى الخمسة أيام الأولى منذ بداية الأسبوع المنصرف، والتي أدت في مجملها إلى فقدانه لنحو 3025 نقطة، وبنسبة 16.9%، ولتبلغ مجمل خسائره منذ عشرين يوماً ما يفوق 800 مليار ريال. وقد استمر هذا الوضع المتردي حتى نهاية تداولات الفترة الصباحية من يوم الأربعاء الماضي، حيث شهدت كافة الأسهم تراجعات حادة في أسعارها، بما أدى إلى انخفاض أسهم حوالي 78 شركة في مقابل ارتفاع واحدة فقط، وكانت العروض حينها تقدّر بمئات الملايين من الريالات.. إلا إنه بمجرد الإعلان عن التوجيهات السامية لخادم الحرمين الشريفين بتخفيض القيمة الاسمية وتجزئة الأسهم والسماح للمقيمين بالاستثمار في السوق، تم سحب هذه العروض فوراً وبسرعة تفاعلت المحافظ الاستثمارية مع الأنباء التي في مجملها تضخ سيولة جديدة وإضافية وكبيرة إلى السوق. سيطرت الأصفار على عروض أسهم الشركات، فبعد الإعلان عن الأخبار الجديدة مباشرة، بدأ المؤشر يأخذ طريقاً عكسياً لحركته ليصعد إلى مستوى 15606 نقطة، وليعوض حوالي 706 نقطة من خسائره، أي أنه ارتفع بنسبة 4.74%، بمعنى أنه حقق مكاسب بالنسبة القصوى المسموح بها تقريباص. ومع افتتاح تداولات الخميس ومع انتشار الأخبار بشكل أكبر، تغير مكان الأصفار التي كانت تظهر في خانات الطلبات لتتحول إلى خانات العروض، وساد اللون الأخضر معظم أسهم الشركات باستثناء 17 شركة، وتمكن المؤشر من تعويض نحو 4.8% من خسائره السابقة ليغلق عند مستوى 16356 نقطة، بمعنى أن المؤشر قد عوض نحو 1456 نقطة من خسائره السابقة في يوم ونصف تداول، بل إنه لولا نسبة التذبذب المفروضة لشهدنا صعوداً أعلى من الحادث. القيمة السوقية بدأت تتزايد فقد السوق ما يزيد عن 800 مليار ريال من قيمته على مدى العشرين يوماً الماضية، وحتى نهاية تداولات الفترة الصباحية من يوم الأربعاء، حيث انخفضت قيمته من نحو 2.91 تريليون ريال في نهاية فبراير إلى حوالي 2.21 تريليون ريال في يوم الثلاثاء الماضي، إلا إنه بدأ يعوض قدّر من هذه الخسائر يقدّر بحوالي 300 مليار ريال منذ الإعلان عن المحفزات الجديدة للسيولة، فوصلت القيمة السوقية لجميع الأسهم المتداولة في السوق إلى حوالي 2.43 تريليون ريال مع نهاية أسبوع التداول. مكررات الأرباح لكثير من الشركات وصلت لحد الجاذبية على الرغم من التحسن الكبير الذي طرأ على مكرر أرباح السوق ككل، حيث انخفض من مستوى 418 في بداية مارس إلى حوالي 218 في نهاية تداولات الخميس الماضي، إلا إن جاذبية العديد من الشركات القيادية بات أمرا لافتا للانتباه. فكافة أسهم البنوك بمتوسط مكرر ربحية (30.8)، وأيضا أسهم شركات الأسمنت بمتوسط (32.7)، وأيضا العديد من أسهم الشركات القيادية داخل القطاع الصناعي تبرز مكرراتها فرصة مغرية للشراء لأن أسعارها السوقية باتت تعبر عن أقل من أدائها الحقيقي، فضلا عن بعض الأسهم الأخرى مثل الاتصالات والنقل البحري وجرير وغيرها. العودة لقطاعات الأداء الجيد بعد فترات طويلة من الأداء الخادع لقطاعات لطالما لم يكن أداؤها جيدا، أعاد التصحيح الدور القيادي لقطاعات معينة من السوق، فالبنوك وقطاع الأسمنت والاتصالات بدأت تحتل مكانتها الحقيقية في قيادة السوق، محققة مكاسب كبيرة منذ الوهلة الأولى لصدور أخبار تعزيز السوق. في المقابل تراجعت قطاعات أخرى كالزراعة بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بالكثير من أسهم شركاتها حتى بعد صعود المؤشر وتحسن حالة السيولة في السوق خلال اليومين الأخيرين للتداول، فقد سجل القطاع الزراعي خسائر بنحو 16.3% على مدى الأسبوع الماضي. أداء الشركات لقد برزت أسهم شركات معينة خلال الفترة الماضية كأسهم للأداء القوى وبخاصة في ظل وصولها إلى مستويات القاع، بالتحديد بعض الأسهم مثل الراجحي والاتصالات والكهرباء وسابك من المتوقع أن تشهد خلال الفترة القليلة القادمة انطلاقة كبيرة ربما للعودة إلى مستوياتها الطبيعية وبخاصة بعد النزول الكبير الذي شهدته، ووصول مكررات أرباحها إلى مستويات مغرية. هل الارتداد حقيقي أم مجرد انفعال نفسي!! بمعنى هل هذا الارتداد قائم على محفزات حقيقية تدعم السوق بالفعل، أم أنه ارتداد وهمي خادع ومفتعل من جانب صناع السوق حتى يتمكنوا من التصريف بأسعار جيدة وجني أرباح، ثم الخروج من السوق وزيادة سقف التعليق لصغار المستثمرين، أم أنه ارتداد نفسي يعود إلى نوع من الانفعال والاستجابة السريعة وغير المدروسة للقرارات المعلن عنها أخيرا، سرعان ما تزول. للإجابة على هذا التساؤل ينبغي معرفة هل القرارات تنطوي بالفعل على محفزات حقيقية أم أنها مجرد تهدئة للسوق؟ محفزات السوق الجديدة أولاً: تخفيض القيمة الاسمية وتجزئة الأسهم: يشير مفهوم تجزئة الأسهم إلى تقسيم الأسهم على 10 فمن يمتلك عشرة أسهم يصبح يمتلك 100 سهم، ويصبح سعر السهم معادلا لسعره القديم مقسوما على عشرة أيضا. ويمكن ذلك من توسيع قاعدة الملكية وتمكين صغار المستثمرين من تداول أسهم الشركات الكبيرة والقيادية وعالية القيمة. ثانياً: السماح للمقيمين بالاستثمار في السوق: يبلغ عدد المقيمين الأجانب بالمملكة نحو 6.1 ملايين فرد، ويبلغ حجم مدخراتهم (مقدراً بحجم تحويلاتهم للخارج) حوالي 94.5 مليار ريال سنويا، وهو حجم يعدّ جيدا وكافيا لضخ سيولة جديدة وإضافية تنعش الطلب في السوق. ثالثاً: مبادرات فردية منعشة: منذ صدور التوجيهات السامية وتتوالى الأخبار عن مبادرات لشركات ورجال أعمال بتعزيز حجم السيولة في السوق لدعم المؤشر، فقد أعلن الأمير الوليد بن طلال عن أنه سيضخ من 5 إلى 10 مليارات ريال خلال الأيام القادمة. كما أعلن الأستاذ سليمان الراجحي عن عزمه على ضخ ملياري ريال أيضاً خلال أيام قليلة. فضلا عن تواتر أخبار متعددة عن رجال أعمال آخرين وغيرهم لضخ سيولة إضافية لدعم السوق. من هنا، يتضح أن المحفزات ليس وهما وليست مجرد قرارات وإنما سيولة حقيقية في طريقها للسوق، حيث تبلغ حجم السيولة المتداولة خلال اليوم ونصف تداول في نهاية الأسبوع المنصرف بحوالي 24 مليار ريال. وإذ نقدّر حجم السيولة الجديدة المحتمل ضخها في السوق حتى نهاية العام الجاري بما يفوق ال300 مليار ريال كحد أدنى. كيف يمكن للسياسة الائتمانية للبنوك أن تعزز من الأداء الإيجابي للسوق؟ تعزيزاً للسيولة النقدية في السوق وبالتالي لحجم الطلب ينبغي أن تلعب البنوك دوراص إيجابياً بشكل أكبر من حيث ضبط سياستها الإقراضية، لا نقول بتقديم تسهيلات جديدة أو إضافية، ولكن من خلال الموازنة بين التسهيلات المقدمة للعملاء القدامى وبين التسهيلات الإقراضية الجديدة، فسحب التسهيلات المقدمة للعملاء القدامى (بالتحديد سحب الأرصدة الإضافية التي كانت تقدم للمحافظ الاستثمارية كنوع من التسهيلات للعملاء) كان له تأثير سلبي على حجم السيولة المتداولة يوميا على مدى الأيام الماضية، وبخاصة في ظل تحول قيم كثير من المحافظ من عشرات الملايين إلى الصفر فجأة، فعلى سبيل المثال أحد المحافظ الاستثمارية ذات قيمة 10 ملايين ريال حصلت على تسهيلات بنكية بتمويل إضافي يعادل 10 ملايين ريال أيضا، وأصبحت تتداول ما قيمته 20 مليون ريال، ومع الانهيار الحاد وصلت قيمة المحفظة إلى 12 مليون ريال، وبقيام البنك بسحب وإلغاء التمويل الإضافي وصلت قيمة المحفظة إلى مليوني ريال، إن مثل هذا التصرف قد أضر بكثير من المستثمرين، بل وبحجم السيولة المتداولة في السوق. هل انتهى التصحيح تماما؟ وما هي السياسة المثلى للتداول لصغار المستثمرين؟ على الرغم من أن محفزات السوق باتت أمرا حقيقيا، وأن الارتداد أصبح واقعا، إلا إنه ينبغي على صغار المستثمرين أن يعوا الدرس جيدا بعدم التسرع في الدخول إلى السوق بتفاؤل كبير، فيفضل أن يقتصر الدخول خلال الأيام الأولى للارتداد على التعامل في الشركات الكبيرة والقيادية فقط، ذات الجدوى الاستثمارية والتي تتصف بمكررات أرباح معقولة، والابتعاد جذريا عن شركات المضاربة الخاسرة على الأقل خلال الأيام الأولى للارتداد وحتى يسترد السوق عافيته بشكل كامل. وإذا كنا نوصي بعدم التسرع بشراء إلا الأسهم القيادية، فإننا لا نوصي بالعرض أو البيع حالياً سواء للقيادية أو غير القيادية، والانتظار حتى يتم الارتداد والعودة لمستويات الثلث الأخير من شهر فبراير. ولكن يبقى السؤال: هل انتهى التصحيح تماما؟ رغم أن الإجابة بنعم، إلا إنها مشروطة بشروط معينة، حيث إن الصعود لو حدث واستمر لمستويات جنونية مرة أخرى كما حدث خلال يناير وفبراير من هذا العام، فقد يكون التصحيح التالي انهيارا كاملا وبشكل أكثر خسارة. وهنا يأتي دور الهيئة في الحفاظ على أداء السوق قبل أن يصل إلى مستوى كارثي مرة ثانية. بمعنى أن التصحيح انتهى ولكنه يمكن أن يعود حال حدوث الصعود العشوائي بعيدا عن أسس التحليل المالي ومعطيات أداء الشركات.