في العام المنصرم، تعرّض عدد من الزملاء لوعكات صحية أقعدتهم مؤقتاً عن حياتهم المعتادة. غير أنّ المرض لم يستطع أن ينتزع منهم روح الحياة. بعضهم أخفى ألمه احتراماً لخصوصيته. لكن حين زرتهم في المستشفيات، أو جلست معهم في منازلهم، أو حادثتهم عبر الهاتف. رأيت كيف يواصلون التمسك بالأمل والدعاء والإرادة، وكأن كلمات مارتن لوثر كينغ تتجسد فيهم: إن لم تستطع أن تطير فاركض .. وإن لم تستطع أن تركض فامشِ .. وإن لم تستطع أن تمشي فازحف … المهم أن تتابع الطريق وتواصل التقدم الي الامام . كانت هذه العبارة أشبه بمرآة تعكس صمودهم .. وتؤكد أن الإنسان قد يضعف جسده .. لكنه لا يفقد قدرته على التقدم .. تذكرتُ أيضاً روح زوربا .. تلك الفلسفة التي تدعو إلى أن نعيش في قلب الحياة .. لا على هامشها .. وأن نحافظ على شعلة الفرح حتى في أحلك الظروف. وقد وجدتها في وجوههم حين تحدثوا عن الغد بثقة .. وفي ابتساماتهم التي تسبق خطوات الشفاء . رأيت ذلك في حديثي الأخير مع الأستاذ عبدالحميد الجحدلي .. وهو يصف شغفه باليوم الذي يعود فيه إلى حياته الطبيعية. صوته كان ثابتاً .. وكأنه يرفض أن يمنح المرض أكثر مما يستحق. كما رأيت هذه الروح في زيارة الأمس للأستاذ حسن الطيب .. الذي استقبلنا بابتسامة تفيض إيماناً بأنه سيستعيد قدرته على الحركة بعد برنامج علاجي مكثف وأن العودة إلى الضوء قريبة مهما طال الطريق . هذه اللقاءات أكدت لي أن المرض ليس مجرد حالة جسدية .. بل تجربة تعري معدن الإنسان وتكشف قوته الداخلية. هؤلاء الزملاء لم يرفعوا راية الاستسلام .. بل عاشوا الألم بكرامة وصمت .. وتطلعوا الى المستقبل بإصرار هادئ. لقد تعلمت منهم أن الأمل ليس فكرة شاعرية .. بل ممارسة يومية .. وأن الشجاعة ليست في تجاهل الوجع بل في مواجهته بقلب مطمئن .. خرجت من كل زيارة وأنا أشعر أنّني أنا الذي ازددت شفاءً . فقد ذكّروني بأن الحياة .. رغم قسوتها .. تمنحنا دائماً فرصة لننهض .. وأن الإنسان يبقى أكبر من محنه ما دام يملك روحاً تصر على النور. كانت كلمات لوثر كينغ تلمع في أعينهم، وكانت موسيقى زوربا تتردد في ابتساماتهم .. نسأل الله لهم الشفاء والعافية .. وأن يعودوا إلى أيامهم وهم أكثر قوة وإشراقاً .. فقد أثبتوا لنا أن العيش في قلب الحياة ليس شعاراً .. بل فعلٌ يوميّ يليق بمن يعرف قيمة أن ينهض .. ولو بحركة صغيرة .. نحو مستقبل أفضل.