تمثل حضرموت أحد مخاليف اليمن؛ بلاد الأحقاف، وأمة عاد الأولى ونبيها المرسل هود عليه الصلاة والسلام أول نبي عربي مرسل، وتعد من المناطق المهمة في شبه جزيرة العرب لتميزها الحضاري الموغل في القدم، وقد وصفت من فوق سبع سماوات ب {عَادًا الْأُولَى}و {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (8)سورة الفجر. ولم تذكر الأحقاف ولا نبيها هود في التوراة وغيرها من الكتب السماوية، وانفراد القرآن العظيم بذكرها وجه من وجوه الإعجاز التاريخي، بحيث لا تجد مصدراً لهذه الأخبار إلا في القرآن العظيم. وتثبت مصادر التاريخ أن الحضارات الأولى في العالم نشأت من ذلك المثلث الحضاري الذي يشمل عمان والأحقاف باليمن وكذا أرض الرافدين وحوض النيل. وبأرض الأحقاف استيقظ التاريخ أمماً وشعوباً وحروباً وفنوناً وعلوماً منذ أقدم الأزمنة، إذ منها انتشر الجنس السامي. ولا شك أن الدور الذي قامت به القبائل الحضرمية المختلفة في نشر الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي يعود الفضل فيه إلى هجرات جماعية لتلك القبائل الحضرمية أعقاب الفتح الإسلامي إلى أنحاء مختلفة من العالم كمصرف العراق والأندلس.. إلخ، ثم هجراتها وعودة بعض منها مع قبائل أخرى إلى حضرموت في القرن ال 3 و4 ه ثم هجرات تلك القبائل من حضرموت إلى بلدان العالم الإسلامي جنوب شرق آسيا وشرق إفريقية والحبشة والصومال في تلك الفترة. وأكثر تلك القبائل التي عادت إلى حضرموت أو نزحت إليها ثم هاجرت من حضرموت لنشر الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي أكثرها نزوحاً إلى حضرموت كان من بلاد الرافدين، وبالذات من البصرة والكوفة، فقد جعلوا منها وطناً ثانياً لهم في هجرتهم إليها. ولانتشار الحضارم وتوليهم القضاء والشرطة وغيرها في تلك البلدان، قال الشاعر: لقد ولي القضاء بكل أرض من الغر الحضارمة الكرام رجالاً ليس مثلهموا رجال من الصيد الحجاجحة الضخام حضرموت التسمية والمنشأ حضرموت من اليمن، نسبة إلى حضرموت بن حمير الأصغر، فغلب عليها اسم ساكنها. كما يقول ذلك المؤرخ اليمني الحسن الهمداني. وجاء في دائرة المعارف للبستاني أنها نسبت إلى عامر بن قحطان الذي لقب بحضر موت. لأنه كان إذا حضر حرباً أكثر من القتل، فصاروا يقولون عند حضوره حضر موت، ثم صاروا يقولون للأرض التي كانت بها قبيلته هذه أرض حضرموت، ثم أطلق على البلاد نفسها. وقد ورد اسم حضرموت (هزرماوت) (حزرماوت) في التوراة على أنها الابن الثالث لأبناء (يقطان)، كما ورد اسم حضرموت في المصادر اليونانية بمعنى (وادي الموت). وقد ذكروا اسم حضرموت في كتبهم، ولكن سجلوه بشيء من التحريف. هذا وقد شهدت حضرموت استيطاناً مبكراً، وكانت واحدة من المناطق التي ظهر فيها أول أشكال التجمعات البشرية وتطورها. وقد عثر فيها على آثار تعود إلى أقدم المراحل الزمنية المعروفة للعلماء. وتعد حضرموت من مناطق نشوء الحضارات الأولى، فقد ساعدت الظروف الطبيعية الملائمة التي كانت سائدة فيها الإنسان على الاستقرار، فبعض الجيولوجيين يعتقدون أن وادي حضرموت الجاف حالياً يعود إلى ما قبل 25.000 سنة الماضية نهراً يتدفق نحو الشرق، تصب فيه روافد لا حصر لها هي تلك الوديان الصغيرة التي تؤدي إلى وادي حضرموت. إن هذا الوادي كان من أنسب مناطق الجزيرة العربية للاستيطان خلال العصر البرونزي. وإن اتساعه، وقرب مخزون المياه من سطحه فضلاً عن تربته الغرينية أتاحت لساكنيه زراعة المحصولات الجيدة. وأنه من المحتمل أن يكون ذلك الوادي عرف الحياة البشرية قبل أن تعرفها المناطق الغربية من اليمن التي تفتقد ميزاته. وكانت حضرموت إحدى الدويلات اليمنية القديمة التي ساهمت في بناء الحضارة اليمنية. وكانت أحياناً تتحد مع بعض الممالك اليمنية، وأحياناً أخرى تنفصل. فقد اتحدت مع مملكة معين ثم بعد ذلك انفصلت، كما اتحدت مع مملكة سبأ حقبة من الزمن ثم انفصلت. ولم تخضع حضرموت للاحتلال الحبشي أو الفارسي. لقد كانت حضرموت بلاد البخور، يقول عنها وندل فلبس: (مملكة مترامية الأطراف تتوسط بلاد العرب وتمتد إلى ظفار أعظم المناطق المنتجة للبخور)، وأصبحت حضرموت جزءاً من الدولة العربية الإسلامية، وساهم الحضارمة في الفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام. وعندما ضعفت الدولة المركزية في بغداد، انفصلت حضرموت، وأصبحت حيناً تابعة للدولة اليمنية المستقلة عن دولة الخلافة، وحيناً آخر مستقلة عنها، وفي أحيان أخرى تسود الفوضى وعدم الاستقرار السياسي. وتناوبت على حضرموت عدة دول: دولة آل راشد، ودولة آل دغار، ودولة آل إقبال، ودولة آل يماني، والدولة الكثيرية في القرن الثامن الهجري، وكان أعظم سلاطينها بدر بن عبدالله بن علي الكثيري المعروف بأبي طويرق الذي استطاع أن يوحد حضرموت في فترة وجيزة. وفي عهده هاجم البرتغاليون سواحل حضرموت، عام 942ه - 1535م، واستطاع الشعب في حضرموت التصدي للبرتغاليين وهزيمتهم. وقد أعلن السلطان أبو طويرق ولاءه للدولة العثمانية مقابل دعم العثمانيين للسلطان بدر ضد البرتغاليين وتمرد القبائل المحلية. وأصبح أبو طويرق والياً على حضرموت بموجب (الفرمان) الذي أصدره السلطان العثماني، وكان يدفع ضريبة سنوية للعثمانيين. وبعد وفاة السلطان بدر أبو طويرق انقسم آل كثير على أنفسهم ودخلوا في صراع فيما بينهم، فانقسمت الدولة وأصبحت في يد العشائر اليافعية التي دخلت هي الأخرى في صراع فيما بينها ما أوجد ذريعة لبريطانيا للتدخل في شؤون حضرموت الداخلية، وفرض حمايتها عليها. ولأسباب اقتصادية وسياسية وبدافع الدعوة إلى الله، هاجر عدد كبير من الحضارمة إلى مناطق مختلفة من العالم، من أهمها: الساحل الشرقي لإفريقية، وجزر القمر ومدغشقر، وزنجبار، وجنوب شرقي آسيا في المنطقة الممتدة من الهند إلى الفلبين. لقد كان للحضارمة وجود مؤثر وصلات تجارية على طول الساحل الشرقي لإفريقية من الصومال إلى موزمبيق قبل وصول الأوربيين. كما كان لهم وجود مؤثر في مدغشقر. وحكم علويون حضارمة جزر القمر عدة قرون. لقد كانت لحضرموت اتصالات قديمة بالهند، واتسع نطاق تلك الاتصالات بعد الإسلام. وكان السادة والمتصوفة في طليعة المهاجرين الحضارمة إلى الهند في العصور الوسطى، إذ استقروا في المراكز التجارية والسياسية الكبرى في إقليم (قوجرات) مثل (أحمد آباد) و (بارودا) و (بهاروشر) و(سارت). وأصبح للعلماء الحضارمة مكانة مهمة في بلاطات السلاطين المسلمين في الهند. وفي العصر الحديث اتجه الحضارمة إلى حيدر أباد لينتظم الكثير منهم في سلك الجندية عند حكومة النظام، إذ يتألف جيش عربي هناك معظمه من عرب حضرموت وما جاورها. وقد استمرت أعدادهم في تزايد مطرد، فقد زاد عددهم في عام 1849م إلى خمسة آلاف في الجيش وحده، ومنه تغلغلوا في مجالات الحياة الأخرى في (حيدر أباد)، إذ ازداد اشتغالهم بالتجارة وامتلاك العقارات وتسليف الأموال. وفي جنوب شرقي آسيا، يرجح بعض المؤرخين وصول الحضارمة إلى هذه المنطقة إلى ما قبل القرن الثالث عشر الميلادي. فقد ساهموا في نشر الإسلام وكونوا لهم نفوذاً اقتصادياً وسياسياً. ونجحوا في تأسيس سلطنات في بعض المناطق من الفلبين، وسومطرة، وجاوة، وسنغافورة، وماليزيا. وساهموا في مواجهة الغزو الأوربي الاستعماري للمنطقة، ومقاومة الاستعمار الهولندي منذ القرن السادس عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين اتسع نطاق الهجرة من حضرموت إلى تلك المناطق. فبلغ عددهم في عام 1895م (24410). وازداد هذا العدد في عام 1930م فبلغ (71335). وقد مارس هؤلاء المهاجرون أعمالاً مختلفة أهمها التجارة، وكونوا لهم ثروات ضخمة. وأصبحت الأموال المرسلة من هذه المهاجر إلى حضرموت سبباً في استمرار الحروب والصراعات السياسية والقبلية، وأسهمت في إقامة إمارات، وسلطنات.. ومن أولئك الذين أسسوا إمارات بأموال وتمويل من جنوب شرقي آسيا الثري عمر بن جعفر بن عيسى بن بدر الكثيري الذي عاد من جاوة عام 1815م وأسس له إمارة في شبام عام 1818م. كما أقام عمر بن عبدالله بن مقيص إمارة بأمواله التي جلبها من جاوة وبدعم من أثرياء السادة العلويين 1828م. وأبرز محاولة لتأسيس دولة ذات شأن بتمويل من جنوب شرقي آسيا، ما قامت به عائلة بن عبدات الثرية بتأسيس دولة لها في مدينة الغرفة بين عامي (1924- 1945م ). كما أنشئت في المهجر عدة جمعيات أسهمت في زيادة الوعي السياسي والاجتماعي في حضرموت، إذ امتد نشاطها إلى أرض الوطن فأنشؤوا المدارس والجمعيات الخيرية والثقافية.