18 شهيدًا في غزة من منتظري المساعدات    أمطار غزيرة وسيول متوقعة جنوب وغرب المملكة    ورشة في معرض المدينة تحذر من الضجيج المعرفي    أمانة الطائف تكثِّف جهودها بالتزامن مع الحالة المطرية التي تشهدها المحافظة وضواحيها    ارتفاع أسعار الذهب    مهرجان كأس العالم للرياضات الإلكترونية يعلن عن إقامة مباريات استعراضية للألعاب    خطوة تفصل موليكا عن مغادرة الخلود    الفريق الفتحاوي يستأنف تدريباته ويرفع مستوى جاهزيته        رمزية «القائد» تلهم السعوديين    الخليج يواصل تحضيراته    جامعة الإمام تمنح الباحثة البحرينية أسماء خالد درجة الدكتوراه بامتياز    كأس العالم للرياضات الإلكترونية.. فريق Team Liquid يواجه SRG.OG في نهائي بطولة ML:BB MSC    الأهلي يجدد عقد أيمن فلاتة حتى 2029    شراكة بين جمعيتي "سقيا جازان" و "بر أبوعريش" لدعم العمل الخيري بجازان    مدرب الهلال يمنح نيفيز راحة إضافية لمدة 3 أيام    ليون الفرنسي يمدد تعاقده مع تاجليافيكو حتى 2027    ضبط شخص في جدة لترويجه (54) كجم "حشيش"    المملكة توزّع (290) سلة غذائية للنازحين من السويداء إلى درعا    "الهلال": القحطاني يلتحق بمعسكر الفريق الخميس المقبل    فرنسا : المملكة لعبت دوراً مهماً في إنجاح مؤتمر حل الدولتين    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي    الدكتور علي آل زهير يحتفل بزواج ابنه الدكتور عبدالله    البحث عن مصطفى سعيد بحث عن المعنى ورواية يقتحمها مؤلفها ليصبح واحدا من شخصياتها    الشيخ الدوسري: المملكة نموذج يُحتذى في التقدّم التقني دون تفريط بالقيم    الحذيفي: تقوى الله طريق النجاة والصراط أعظم ساعة كرب    الذهب يستقر ويتجه لتكبد خسارة أسبوعية    العادات الدخيلة على مجتمعنا    محافظ الدرعية يجتمع مع مدير إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    أمير المدينة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    تنوع أحيائي فريد وحياة فطرية مزدهرة    صناعة الرياضة السعودية: من استضافة البطولات إلى بناء الاقتصاد    الغرق.. أسبابه والحاجة لزيادة الوعي    اكتشاف جديد يمهد لعلاج التوحد    مدارس الرياض.. خمسة عقود من التميز والعطاء    أحمد الصانع.. الكفاءة والاقتدار    نائب امير منطقة مكة يكرم رعاة الحملة الوطنية الإعلامية لتوعية ضيوف الرحمن (الحج عبادة وسلوك)    أمير منطقة المدينة المنورة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    في معرض المدينة الدولي للكتاب مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث والحِرَفِ اليدويّة    السعودية ترحب بإعلان حكومة البرتغال عن بدئها بالإجراءات التي تمهد لاعترافها بالدولة الفلسطينية    السعودية: لا اشتراطات جديدة على معتمري الخارج    محافظ الطائف يوجه بإغلاق منتجع شهد سقوط إحدى الألعاب والتحقيق في ملابسات الحادثة    تكريم "التخصصي" لدوره في تعزيز الصحة المجتمعية بالمدينة المنورة    مؤتمر حل الدولتين: إطار زمني لإقامة دولة فلسطينية خلال 15 شهرا    هجوم روسي على منشآت تدريب أوكرانية    14 قتيلاً برصاص الاحتلال في غزة.. نزيف مستمر قرب مراكز المساعدات    مؤتمر نيويورك يعيد الزخم لتحقيق سلام عادل.. رؤية سعودية حاسمة تقود «حل الدولتين»    موجز    أول جهة حكومية تنال شهادات (CREST) العالمية.. سدايا تحقق التميز في الأداء الحكومي ورفع الإنتاجية    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    ضبط 12 مروجاً ومهرباً و380 كجم من المخدرات    9 مليارات ريال كفالات تمويلية    التجارة تستدعي 96 طقم أكواب زجاجية للأطفال    توثيق أصوات مؤذني مساجد وجوامع الأحساء    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأمُّلات في (ذهنية محطِّمي الأفكار) (1)
نشر في الجزيرة يوم 06 - 05 - 2006

البعض من الناس في عصرنا الحاضر وجميع العصور، يتجسَّدون بصور سلبيّة تهكُّمية على درجة كبيرة من الميل للعنف الجسدي والحسِّي بسبب مرضهم الفكري المزمن، فيهجَّمون على كلِّ فكرة إبداعية أو إنجاز علمي، فكلُّ ذلك يدلُّ على انعدام العلم لديهم، وكم من حادث (فكرة، اختراع، اكتشاف) وقع وعرف البشر حكمته بعد ردح من الزمن، فتلك الأفكار والإنجازات تحتاج إلى جهود كبيرة لمناقشتها وبيان أثرها، لكننا نفاجأ بقدر كبير من الاعتراض والرفض من قِبل بعض الشرائح لبعض الأفكار دون أن يعتمدوا في ذلك على منهج علمي سليم، وهذا الموقف الرافض والمتشكّك تجاه كلِّ جديد يمكننا تسميته (ذهنيّة محطِّمي الأفكار)، وفي هذه المقالة سوف نوجِّه اهتمامنا صوب تلك الذهنية السلبية ونورد بعض النماذج الحيّة، وبالذات عندما تكون تلك الأفكار عبارة عن إنجازات علمية، اقتصادية، ثقافية اجتماعية أو علماء بذواتهم، لأنّ تلك المعلومات التي انطلقت على أساس علمي وموضوعي، تعارض مصالح تلك الفئة أو أفقهم المحدود المشبعة بالظّنون أو الحسد الذي انطوت عليه أنفسهم المريضة، فمن صفاتهم أنّهم لا يبتكرون شيئاً، ولا يأتون بجديد، إنّهم فقط يدفعون بالأمور إلى حدِّها العنيف بواسطة الارتياب والشك، وعبر التوسُّع الافتراضي الأُفقي الذي يعمِّمونه ويزرعونه في كلِّ مكان، فيجدون من المرضى من يحسن استنباتها بصوره سلبية في مجتمعنا، أومن خلال المواقع المشبوهة في الإنترنت، لنظل نعيش على هامش العالم ما لم نبدع في إيجاد الحلول لتلك الفئة المستعصية.
وعن البعد التاريخي لهذا المنهج والفكر السلبي (ذهنية محطِّمي الأفكار)، هناك العديد من الأمثلة لا يسع المجال إلى ذكرها، لكنني سأورد بعضاً منها، فمن ناحية الإنجازات العلمية ومحاربة العلماء، فقد أدانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية سنة 1633م العالم الفيزيائي غاليليو لأنّ الذي يعلمه ويؤمن به يعارض تعاليم الكتاب المقدس - الموجود لديهم في ذلك الزمان - بعد أن تبيَّن له من التجارب والقياس ثبات الشمس في مركز الكون وأنّ الأرض تسبح حولها، ولمّا كان الدين في أوروبا آنذاك يعارض أبجديات العلم، فقد أوجد ردّة فعل عنيفة لدى العلماء ومن ذلك أنّ غاليليو دعا إلى عدم وجوب الخلط فيما بين العلم والدين ومع تحدِّيه السلطة الروحية، فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله بقية عمره، بعد أن أجبر على القسم ببطلان أفكاره العلمية ومعتقداته أمام الناس في محكمة في روما، وقد اعترفت الكنيسة بإنجازات العالم غاليليو بعد قرنين من الزمن.
ومن الناحية الاقتصادية فقد لاقى المشروع الأول للسكك الحديدية معارضة كبيرة جداً لا من عامة الناس فحسب، بل من الوسط العلمي أيضاً، فعندما اقترح مخترع القاطرة الحديدية المهندس الإنجليزي George Stephenson ذلك المشروع، تعرّض لهجوم شديد، واعتبره الناس مجنوناً، وتطوَّع المهندسون من (محطِّمي الأفكار) لكتابة الرّدود المطوّلة لإثبات أنّ العجلات ستدور على نفسها ولن تسير على القضبان، وكذلك أنّ جمود المادة وصلابة المعادن ومقاومة الهواء تسبب في بطلانه، وحذَّروا من المضيِّ قُدُماً في هذا المشروع، حتى أنّه وُصف بأنّه (أعظم لغو طاف برأس رجل)، فتكاثرت الاعتراضات على صاحب المشروع حتى تمنّى لو أنّه لم يطرحه، ولا ننسى أستاذ الطب الإيطالي Luigi Galvani صاحب المقولة المشهور (لقد توصلت إلى اكتشاف عظيم، الكهرباء الحيوانية، المصدر الأول للحياة)، وعلى أثر هذا الإعلان سخر منه (محطِّمو الأفكار) ولقبُّوه بأستاذ رقص الضفادع، فكتب يقول سنة 1792م (لقد هوجمت بطائفتين متعارضتين من العلماء والجهلاء، كلتا الطائفتين تهزآن بي وتسمِّياني أستاذ رقص الضفادع، ومع هذا فإنّي متحقِّق من أنِّي قد اكتشفت إحدى القوى الطبيعية) والتي أدّت بالنهاية إلى اكتشاف الكهرباء، وقد أحرق العمال في إنجلترا أول آلة لجز الصوف، لأنّهم فقدوا بسببها أعمالهم، وفي مطلع القرن التاسع عشر قامت المقاطعات الصناعية بإنجلترا بحركة واسعة سُمِّيت حركة (محطِّمي الآلات) وكانت موجَّهة ضد أنواع آلات النسيج البخارية، وقد احتاجت الطبقة العاملة لكثير من الوقت والخبرة والوعي لتدرك أنّ ما تلقاه من اضطهاد وبؤس لا يرجع إلى الآلات، بل يرجع إلى من استخدموها استخداماً رأسمالياً، وهناك من المسلمين من أصبح إنكار المنكرات لديه من الأمور المنسية، فقد ذكر بعض المؤرِّخين أنّ رجلاً نصرانياً وقف في شارع عام في قرطبة أيام ابن عبد الجبار، وشتم النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ نابية، فلم يكلِّمه أحد من المسلمين بكلمة!، وقد تحرّكت غيرة أحد المسلمين، فقال مستنهضاً لمن حوله ألا تنكرون ما تسمعون؟ أما أنتم مسلمون؟ فقال جماعة منهم من (محطِّمي الغيرة الدينية) امض لشغلك.! لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك فعصرنا لا يخلو من هذه الذهنية المحطّمة في مجتمعنا، فبعض الناس مثلاً يبدون عدم قناعتهم بدوران الأرض، وفي هذا الاتجاه يقول الدكتور مسلم شلتوت أستاذ بحوث الشمس والفضاء بمصر: (لقد هالني .. بل أزعجني أنّ دوران الأرض ما زال الشغل الشاغل لبعض المسلمين بين مؤيِّد لدورانها بأدلّة قرآنية واعية، وآخر معارض ... بتفسيرات ساذجة تم فيها ليْ أعناق آيات كتاب الله لتخدم جهله ... وأنّ هناك إشارات قرآنية معجزة لما يمكن أن نكتشفه في المستقبل والكون وجميع مجالات العلوم، ولن نتحدث هنا عن محاولات علمية لإثبات أنّ الأرض تدور حول نفسها .. فهذه مسلّمة علمية لا تخفى عن أي إنسان لديه بصيص من العلم والعقل).
وخلاصة مقالتنا ألاّ نصدر الحكم جزافاً كما يفعل الكثير مما ترسّخت فيه (ذهنية محطِّمي الأفكار) بتفنيدهم أقوال العلماء والمسؤولين، بالإضافة إلى ذلك يتم تشويه صورهم وتجريحهم، والكثير من القرارات والإنجازات التي تصدر من قِبل الوزارات أو الجهات المعنية في المملكة، فكثير منها لم تظهر إلى النور إلى بعد تمحيص دقيق لواقع مجتمعنا وما يعانيه، ومع ذلك نرى قدراً كبيراً من الاعتراض من قِبل محطِّمي الأفكار، وهذا يؤكِّد على أهمية تحليل ماذا يقولون ولماذا؟ وما نشاهده من بعض الرعاع في مجتمعنا، وما نلمسه في مواقع الإنترنت لهو خير دليل على تلك الذهنية المريضة ... (يتبع).
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.