لن يكون منصفاً من يقول إن على وزارة التربية والتعليم ألا تضع الإجراءات الكفيلة بضمان سير العملية التربوية، ومحاولة التقليل من الغياب، ومواجهة الحالات والاحتمالات التي تواجه سير العمل في المدارس مما يقضي على الفوضى والارتجالية، وحالات الغياب المفاجئ الذي قد يؤثر في تحصيل الطلاب أو الطالبات. أما أن تقلل من الثقة في المعلم أو المعلمة، فهذا مما يستلزم معه التوقف كثيراً! إننا نرسل أبناءنا إلى المدارس فيقضي الطالب أو الطالبة وقتاً ليس بقليلٍ في التعامل مع من يحملون الرسالة التربوية النبيلة فكم من طالبٍ وطالبة تعلم الكثير من الصفات النبيلة من معلمه أو معلمتها وكم من معلم أو معلمة أصبحوا مرشدين وموجهين تربويين للطلاب في ظل غياب توجيه الأسرة وغفلتها فأصبحت المدرسة هي الصرح التربوي لمن يفتقدون ذلك في أسرهم! ألا يستحقون هؤلاء أن نمنحهم الثقة على دورهم التربوي النبيل. إن المعلم يمارس دوره ورسالته النبيلة يومياً كأب أو أم حنونة بالنسبة للمعلمة، فيتعلم الطالب من معلمه الكثير وتتعلم الطالبة من معلمتها الكثير، ولكن ماذا لو فقدنا الثقة في المعلمة مثلاً وتعاملنا معها بالتعاميم والقرارات المستمرة ليطبق عليها ما يطبق على الطالبات اللائي مازلن في مرحلة التعليم والتوجيه؟! هل ستكون المعلمة بنفس القدر من الحماس والإخلاص؟ هل ستشعر بالمتعة وهي تؤدي رسالتها التربوية النبيلة؟ إن وزارة التربية والتعليم ممثلة في إدارة تعليم البنات تكلف المئات من المعلمات في آخر العام في مدة تصل إلى أسبوعين بتصحيح اختبارات الثانوية العامة فيتركن أسرهن وأبناءهن لمدة تصل إلى أسبوعين من الساعة السابعة صباحاً وحتى بعد العصر ولا تدفع لهن قرشاً واحداً، بل يتم التعويض بأسبوع في فترة عودة المعلمات التي تكون فيها المدرسة فارغة!! ولا يعاملن في المميزات كلجان التصحيح في إدارة التعليم ألا يعد هذا جهداً من المعلمة تستحق عليه التقدير؟! إن الكثير من المعلمات يقمن بشراء الكثير من المستلزمات المكتبية ووسائل الشرح والإيضاح من حسابهن الخاص، لكي يظهرن أعمالهن بالمظهر اللائق وحتى لا يؤثر ذلك على الطالبات وعلى تحصيلهن العلمي! وآلاف المعلمات يرفضن البقاء في بيوتهن، حتى لو كان أحد أطفالهن مريضاً، حتى لا يؤثر ذلك على المنهج وتتأخر الطالبات في التحصيل! والكثير من المعلمات يغبن عن مدارسهن وعلى الرغم من هذا يحضرن إجازات تصل إلى شهر وشهرين من مستشفى حكومي مصدق!! آلاف المعلمات في شهر رمضان يعدن من المدرسة بعد يوم دراسي متعب وهن صائمات فيبدأن في إعداد الفطور لأسرهن وأبنائهن، بعد يوم مضنٍ من التعب تصل درجة الحرارة إلى أكثر من 45 درجة فهل فكرت وزارة التربية والتعليم في التسهيل على المعلمة وخصوصاً في شهر رمضان المبارك للتقليل من الحصص أو غير ذلك من الإجراءات؟ ماذا قدمت إدارة تعليم البنات للمعلمة غير التعاميم؟! هل وفرت وزارة التربية والتعليم كل متطلبات العملية التربوية كمستلزمات مكتبية وتعليمية للمعلمة لكي تطالبها بمزيدٍ من الإنتاج والانضباط كما هو الحال في تعاميم إدارة تعليم البنات؟! مشكلة شؤون تعليم البنات إصدارها التعاميم الكثيرة وأكاد أجزم أن شؤون تعليم البنات قد تنضم إلى كتاب الأرقام القياسية في عدد التعاميم المرسلة أسبوعياً أو شهرياً إلى المدارس، فيما لو طلبت ذلك! آخر هذه التعاميم (الغريبة العجيبة) التي أجزم أيضاً أنها آخر اختراعات واقتراحات المشرفات التربويات اللاتي هن أشد على المعلمات من إدارة تعليم البنات منع إجازات المرافقة للمعلمة، إلا من مستشفى كبير، أما المستوصفات وعيادات الأطباء الخاصة فلا تقبل إجازات منهم وأما المستشفيات الكبيرة حتى لو كانت أهلية وكان التحايل لا يمكن أن يصدر من مستشفى حكومي أو مستشفى كبير وخاص للدرجة التي لجأ فيها بعض المستشفيات الخاصة إلى عدم منح الإجازة إلا بعد نوم ليلة في المستشفى بمبلغ يصل إلى 700 ريال! هذا التعميم الذي اعتقدت شؤون تعليم البنات بأنه سيحد من غياب المعلمات جاء بأثر عكسي وقلل من الثقة في المعلمة التي من المفترض ان تكون قدوة للآخرين لأنها تقدم رسالة تربوية من المفترض أن تعتمد على الصدق فاضطرت الكثير من المعلمات إلى الكذب والتحايل.. تصوروا معلمة تضطرها المشرفة التربوية إلى الكذب؟! هذا التعميم الذي اعتقدت شؤون تعليم البنات بأنه حل ناجع لغياب بعض المعلمات إصابهن بالإحباط فالمعلمة التي اعتادت على الغياب والكذب - وهن قلة قليلة جداً - لم يمنعها هذا التعميم من الحصول على إجازة لمرافقة ابنها المريض في البيت فيقال إن أحد المستشفيات الكبيرة الذي كان يعاني من عدم الإقبال وكانت عياداته فارغة من المرضى امتلأ مؤخراً بالمرضى من المعلمات بسبب أنه أعطى تعليمات للأطباء في منح إجازة المرافقة للمعلمات!! بعض المعلمات اضطرت إلى المراوغة والكذب بسبب هذه التعليمات (الغريبة وغير المنطقية) فإذا حدث أن مرض أحد أبنائها مما يستلزم البقاء معه في المنزل، طلبت من الدكتور أن يمنحها الإجازة المرضية، بدلاً من ابنها. أنا أعلم أن هذه المقالة سيطلع عليها بعض المشرفات التربويات أو المسؤولات في مكاتب الإشراف فبدلاً من أن يحاولن البحث عما يحقق المزيد من الاستقرار النفسي للمعلمة سيحاولن البحث عن المستشفى الذي ذكرت والتدقيق في الإجازات الممنوحة للمعلمات وفرض مزيدٍ من الشروط على المعلمة المسكينة! وأجزم أيضاً بأن معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله العبيد الذي أعرف معاليه عن قرب عندما كان أحد أعضاء مجلس الشورى، لن يرضى أبداً بأن يرى بناته المعلمات يتعرضن إلى هذا الأسلوب من التعامل وهذا الأسلوب من التعامل القاسي! لا أدري لماذا تنعدم الثقة في المعلمة لكي تطالب بألا تحضر إجازة إلا من مستشفى حكومي، صحيح أن اللائحة الصحية أوردت ذلك، ولكن لماذا يظهر كل يوم تعميم ضد راحة المعلمة واستقرارها النفسي! إنني أوجه سؤالاً إلى المسؤولين في إدارة تعليم البنات.. هناك عشرات من المعلمات ان لم تكن مئات المعلمات تستطيع أي منهن أن تحضر إجازة مرضية من مستشفى حكومي وهي لا تعاني من أي مرض وتستطيع أن تحصل على ذلك بشكل نظامي جداً فقد يحضره لها زوجها أو أحد أقربائها أو أصدقاء زوجها أو أخوها ممن يعملون في هذه المستشفيات، ولكن مئات وآلاف المعلمات يرفضن ذلك لأنه غير نظامي وما تتقاضاه من راتب سيكون راتباً حراماً. إذن لماذا تضيق على المعلمة إذا قلنا إن من تريد التلاعب فإنها قادرة على التلاعب والتحايل على تعاميم إدارة التعليم أو مكاتب الإشراف الذي لا يعرف غير إصدار التعاميم والتعاميم التي تقف ضد المعلمة لا في صالحها! إن المعلمة قد تكون زوجة ولها أبناء قد يمرضون ولها زوج قد يمرض أيضاً فهي تغيب عن العمل إذا تعب أحد أبنائها لرعايته في مقابل ذهاب الأب لعمله وهي تغيب أيضاً إذا مرضت والدتها أو والدها أو مرضت هي.. إنها مسؤولة عن الأسرة ان التزاماتها كثيرة يا مكاتب الإشراف فراعوا هذه المسؤولية فمن لا يَرحم لا يُرحم ورشدوا من تعاميمكم فلا تدري المعلمة ماذا تطبق وما لا تطبق من عشرات التعاميم التي امتلأت بها الرفوف وأشغلت النفوس والعقول فأصابت المعلمة بالملل.