أعترف أنني فشلت في إيصال صوت الكثير من المعلمين والمعلمات إلى وزارة التربية والتعليم، فقد تناولت العديد من الموضوعات والعقبات التي يعاني منها العاملون في المجال التربوي، إلا أنها لم تجد آذاناً مصغية من المسؤولين في الوزارة. وأذكر أنني في كل مرة أعزم فيها على الكتابة عن بعض الملاحظات التي يعاني منها العاملون في المدارس أو العاملات من المعلمات ينصحني بعض المعلمين بألاَّ أفعل؛ لأنني لو فعلت سينطبق عليَّ المثل الشعبي: (ينفخ في قربة مشقوقة)؛ لأن الملاحظات لن تجد صدى ولن تتفاعل الوزارة كما هو الحال مع ما يكتب كل يوم عن الوزارة!. وفي كل مرة كنت أكتب فيها لم أتناول مسؤولية وزارة التربية والتعليم في تعيين المعلمات خارج مقر إقامتهن، وما تتعرض له المعلمات من أخطار الطريق؛ لأنني أعرف أن الموظفة للوظيفة تذهب لها حيث كانت ولا يجب أن تأتي لها حيث تكون، وأعلم أن الوزارة لا تتحمل مسؤولية ذلك. إن أداء العمل اليومي المتكرر دون التركيز على الأبحاث والدراسات أدى إلى التأثير على مستوى الأداء في المؤسسات التربوية، حيث تبدو واضحة الارتجالية والفردية في إصدار الكثير من التعاميم والقرارات الصادرة إلى المدارس، وخصوصاً مدارس البنات، التي لا يتفق بعضها مع الأنظمة واللوائح التنظيمية، وبخاصة الممارسات الارتجالية التي تتخذها مدارس البنات في عدم قبول الإجازات المرضية الصادرة من المستوصفات الخاصة والمراكز الصحية، واشتراط تصديق الإجازات من المديرية العامة للشؤون الصحية؛ مما يشكل أعباء إضافية على ولي أمر المعلمة. الغريب في الأمر أن تعليمات بعض المدارس تنص على منع المعلمة من أن تمرض فترة الاختبارات، ولن يقبل تقريرها الطبي في تلك الفترة؛ أي أن المعلمة يجب ألا تمرض إلا في الإجازة الصيفية الطويلة!!. كان الله في عون المعلمة المسكينة؛ فهي تدفع قيمة طباعة أسئلة الامتحانات الشهرية في المكتبات ومراكز خدمة الطالب على حسابها الخاص على رغم أن هذا يمكن أن يتم من قبل الإداريات في المدرسة؛ حفاظاً على عدم تسرب الأسئلة، كما أن المكاتب الجديدة التي تزود بها المعلمات تتكسر بعد مضي الأسبوع الأول من استخدامها لرداءتها؛ مما يدفع المعلمة لشراء مكتب لها على حسابها الخاص، كما أن المعلمة أيضاً تشتري دفاتر التحضير ووسائل الإيضاح على حسابها الخاص، كما تقضي نحو أسبوعين متتاليين لتصحيح شهادة الثانوية العامة، ولا تتقاضى مقابل ذلك إلا تعويض عن أسبوع إجازة في فترة عودة المعلمات والمدرسة فارغة من الطالبات على رغم أن العاملين في الإدارة العامة للاختبارات يتقاضون مزايا تفوق ذلك ومنها المزايا المادية. إن المعلمات لا يطالبن الرئاسة بمزايا مادية مقابل غيابهن عن أبنائهن أكثر من نصف يوم على مدار أسبوعين في فترة التصحيح، ولا يطالبن بالتعويض عما يدفعنه من تكاليف لوسائل الإيضاح ودفاتر التحضير وتكلفة طباعة أسئلة الاختبارات الشهرية وقيمة شهادات التقدير التي تقدم للطالبات المتفوقات وقيمة الحاسبات الآلية التي يتشاركن في شرائها للمدرسة، بل يطلبن أن يعاملن كمربيات أجيال ومنحهن مزيداً من الثقة في التعامل، لا أن يعاملن كأطفال لا يقدِّرن المسؤولية، وخصوصاً ما يتعلق بالإجازات المرضية التي تطبق في مدارس البنات بشكل يخالف ما هو وارد في اللائحة الخاصة بمنح الإجازات المرضية، فالمعلمة التي في نيتها التحايل وإحضار تقارير طبية غير حقيقية لن تمنعها تعليمات بعض المدارس الغريبة العجيبة التي لا تهدف إلا إلى إحباط المعلمة فقط، وبإمكان أي معلمة - إذا كانت لا تخاف الله - وتريد راتباً على أيام لم تعملها إحضار التقرير تلو التقرير إذا كانت عازمة على الخداع والتحايل على الأنظمة. وقد تحدثت مرة مع أحد المسؤولين في الشؤون الصحية وأبلغني أنه منذ أن التحق بالعمل في الشؤون الصحية لم تأتِهِ مشكلة تتعلق بالتقارير الطبية من أي من مؤسسات القطاع الخاص، ولم يطلب أحد من المؤسسات أو البنوك تصديق تلك التقارير كما هو الحال مع مدارس البنات، علماً بأن هناك المئات من النساء العاملات في القطاع الخاص الذي يحرص على الالتزام في الدوام أكثر من الإدارات الحكومية. مشكلة وزارة التربية والتعليم أنها تتعامل مع المعلمات كما تتعامل مع المعلمين حتى في المقارنة بنسبة الغياب التي لا عدل فيها عندما تظهر الإحصائيات الارتفاع الملحوظ لنسبة غياب المعلمات مقارنة بالمعلمين؛ مما جعل مدارس البنات تتخذ العديد من الخطوات الإجرائية التعسفية للحد من هذا الغياب، متناسين أن هذه ظاهرة طبيعية تحدث مع جميع النساء في العالم، وقد قلنا أكثر من مرة: إن المرأة العاملة تحمل وتتعب وتغيب، وتمرض وتغيب، ويمرض ابنها وتغيب، وتمرض والدتها فتبقى لرعايتها، ويمرض زوجها فتغيب لرعايته، ولو مرض أحد أبناء العاملين في إدارة تعليم البنات ممن أمهاتهم معلمات - لا سمح الله - هل سيبقى والده بجانب ابنه المريض الذي تحتاج حرارته إلى متابعة مستمرة حتى لا يتعرض لحالة تشنُّج أم ستبقى والدته المعلمة؟ في الغالب فإن الأم هي التي تبقى، ولا أدري مَن يصدر هذه التعاميم، ولا كيف تصدر، وأعتقد أنها لم تكن لتصدر لو عاد الأمر للمسؤولين في إدارة التعليم، بل إن النساء أشد قسوة على النساء، وتلك التعاميم غالباً ما تصدر من خلال اقتراح مكاتب الإشراف النسائي أو تصرُّف فردي من مديرة المدرسة، وخصوصاً أن بعض التعليمات والتعاميم تطبق في مدرسة ولا تطبق في أخرى حسب قناعة مديرة المدرسة بأهمية التعميم الذي قد تشم منه المدير رائحة (الكيد النسائي)، ولا أذكر تعميماً صدر من إدارة التعليم جاء في صالح المعلمة، فالكثير يتمنون أن تدرس وزارة التربية والتعليم ما يحفز المعلمات بدلاً من هذه الإجراءات المحبطة التي تصدرها إدارة التعليم جزافاً بناء على اقتراحات نسائية غير ناضجة. لماذا لا تدرس وزارة التربية والتعليم التخفيف عن المعلمة فترة الدوام الرسمي في رمضان المبارك، وخصوصاً إذا ما علمنا ما تعانيه بعد العودة من المدرسة في إعداد الفطور ورعاية الأبناء؟ هل فكرت وزارة التربية والتعليم في السنوات التي أمضتها المعلمة على بند (105)؟ هل درست استفادتها من هذه المدة المهدرة في التقاعد على أن تدفع المعلمة الاستحقاقات التقاعدية عن تلك الفترة للمؤسسة العامة للتقاعد ليتم احتسابها ضمن فترة الخدمة؟ هل فكرت وزارة التربية والتعليم في إيجاد حضانات في المدارس حتى يكون الطفل قريباً من والدته المعلمة ولا تضطر إلى أن تذهب به إلى والدتها أو والدة زوجها أو حتى تبقيه عند الجيران؟ ماذا قدمت وزارة التربية والتعليم لمن أُحلن إلى التقاعد من المعلمات ولو تقديراً معنوياً بسيطاً؟ ماذا قدمت الوزارة في تعميم الحاسب الآلي على مدارس البنات لكي يتم إرسال التعاميم والبيانات آلياً بدلاً من الوضع القائم حالياً؟ يجب أن تطبق اللوائح الخاصة بالعمل التي سبق اعتمادها والعمل بها من قبل كافة الأجهزة الحكومية، وألاَّ تخالف مدارس البنات ما ورد في اللوائح، ولكي أكون أكثر دقة فيما ذكرت عن بعض المخالفات الحاصلة في بعض مدارس البنات وكأن هذه المدارس تعمل في المريخ ولا تطبق الأنظمة المعمول بها في كافة الأجهزة الحكومية، وخصوصاً أن لائحة التقارير الطبية قد عدل اسمها إلى (لائحة منح الإجازات المرضية) مع تعديل المادة (13) والعمل بها اعتباراً من 1-8-1423ه وذلك بالاتفاق مع وزارة الصحة والجهات الطبية الأخرى؛ حيث نصت المادة الخامسة من اللائحة على ما يلي: الجهات الطبية المختصة بمنح الإجازات المرضية بعد القيام بالكشف الطبي هي: المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، طبيب المستوصف في البلدة التي لا يوجد بها مستشفى عام، المستشفيات والمستوصفات الخاصة والعيادات المجمعة المصرح لها من وزارة الصحة، المستشفيات والخدمات الطبية الأخرى التابعة للوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة. وهذه المادة لا تطبقها المدارس؛ حيث لا تعترف الكثير من المديرات بالمراكز الصحية والمستوصفات الخاصة، وحتى المستشفيات الكبيرة يطلب فيها تصديق التقرير من مديرية الشؤون الصحية، علماً أن هناك تعديلات تم إجراؤها على المادة (13) من اللائحة لتكون بالنص التالي: (في حالة عدم اقتناع جهة عمل الموظف بصحة وسلامة التقرير فعليها مخاطبة الجهة الطبية التي صدر عنها للتأكد من ذلك، فإذا اتضح لها عدم صحته أو به ما يشوب سلامته فتعتبر المدة التي انقطع فيها الموظف عن العمل بناءً على ما أوصي به في ذلك التقرير غياباً بدون عذر على أن تتم مساءلته ومخاطبة الجهة المشرفة على الجهة الطبية التي صدر عنها التقرير لتطبيق الإجراءات النظامية بحق المخالفين). فلماذا لا تتبع ذلك إدارة التعليم بدلاً من طلب تصديق التقارير؟! إن الأمر لا يتعدى كونه تعطيلاً للآخرين ومعاقبتهم للقيام بهذه المراجعات حتى لا يمرضوا مستقبلاً!! كما نصَّت المادة السادسة من اللائحة على ما يلي: يكون اختصاص الأطباء في منح الإجازات على الوجه التالي: (ثلاثة أيام من تاريخ الانقطاع - كحد أقصى - لطبيب المستشفى أو المركز الصحي أو المستوصف الحكومي أو الوحدة الصحية أو العيادات المجمعة الأهلية المصرح لها بإجراء عمليات اليوم الواحد لمن تُجرى لهم تلك العمليات، ويجوز تمديدها في حدود ثلاثة أيام أخرى. أما عدا ذلك فتقتصر صلاحية الأطباء في المستوصفات والعيادات المجمعة الأهلية عند منح الإجازة على يوم واحد فقط، (ووضعت هذه الفقرة حسب التعديل الذي تم بموجب قرار وزير الخدمة المدنية برقم 20876 في 18-5-1414ه)، وسبعة أيام من تاريخ الانقطاع - كحد أقصى - لطبيب إخصائي بالمستشفى مصدقاً على توقيعه من مدير المستشفى، ويجوز تمديدها في حدود سبعة أيام أخرى، وما زاد عن ذلك حتى ثلاثين يوماً لطبيبين أحدهما الإخصائي المعالج مصدقاً على توقيعهما من مدير المستشفى. أما إذا زاد عن ثلاثين يوماً فيكون النظر في اعتماده من اختصاص الهيئة الطبية العامة). والسؤال المطروح: هل هو هذا ما يطبق في المدارس الآن؟ والجواب: طبعاً لا!!. لا تعفوه من منصبه!! نشرت جريدة (الجزيرة) في عددها (12255) الصادر يوم الثلاثاء 20-3- 1427ه طلباً من أحد مديري المدارس يطلب فيه من وزير التربية والتعليم عدم قبول طلب مدير عام التربية والتعليم بمنطقة الجوف بإعفائه من منصبه بسبب الانفجار الذي حدث في مقصف المدرسة، وقد علَّل مدير المدرسة بأن الخطأ الذي أحدث انفجاراً محدوداً في مقصف المدرسة خارج عن الإرادة ونادر الحدوث ولا يتحمله مدير التعليم، وخصوصاً أن مدير التعليم قد جنَّد نفسه لخدمة أبنائه الطلبة والحفاظ على سلامتهم من خلال المتابعة المستمرة لهم. وعلى رغم أن هذا الانفجار ربما قد حدث من الثلاجة أو المكيف أو أنبوبة الغاز أو غيرها فإنه يثير لنا تساؤلاً مهماً: ترى كم من المسؤولين في الإدارات الحكومية من لديه الشجاعة الكافية ليطلب إعفاءه من منصبه كما فعل مدير تعليم الجوف؟! إن طلبه هذا الإعفاء يدل على اعترافه بتحمل كامل المسؤولية، واعتراف بالقصور في الصيانة الوقائية أو حتى ما قد يتعرض له الطلاب من خطر. إن مسؤولاً بهذه الدرجة من الشفافية والشجاعة بالاعتراف بالخطأ حريٌّ بالتقدير، وما اعترافه بالخطأ إلا دليل على شجاعته في تحمل كافة التبعات بدلاً من أن يتنصل من المسؤولية ويحملها مدير المدرسة ليحملها غيره من الموظفين كما يفعل بعض المسؤولين. إننا نضم صوتنا إلى صوت مدير المدرسة، فمسؤول بهذه المواصفات هو ما يجب الاحتفاظ به وتقديره، ولو كنت مكان وزير التربية والتعليم لما قبلت الطلب.