يشكل الذهب الأسود (البترول) خصوصاً في العقود الخمسة الماضية وحتى يومنا هذا، مصدراً مهماً وأساسياً لدخلنا القومي، وداعماً قوياً لقوة اقتصادنا الوطني، لما يشكله هذا المصدر من تحقيق العديد من المنتجات الصناعية التي يصعب على الدول المصنعة الاستغناء عنه، وفي ظل الإيمان المطلق بهذا المنتج العالمي المطلوب، وأمام التحديات المتعددة التي تواجه آليات إنتاجه وطرق تسويقه ومن ثم تصديره، وإن كان مرحلياً لا يتطلب الأمر ذلك التسويق المتخصص نظراً للحاجة القائمة والمستمرة في الطلب عليه، خصوصاً من لدن الدول الصناعية الكبرى، هذا فضلاً عن أن مدى الحاجة الملحة عالمياً لهذا المنتج جعلت منه يأتي في قمة الهرم في تحديد مسارات الأوضاع الاقتصادية عالمياً، فنلحظ أن هبوك أسعاره يؤثر سلباً في مداخيل أي بلد خصوصاً الدخل القومي، وينعكس ذلك أيضاً سلباً على تدني الأسعار في أسواق البورصات خصوصاً ما يتعلق بأسواق أسهم الشركات، والدول النامية هي صاحبة الضرر الأكثر حدوثاً نظراً لاعتمادها الأساس على البترول بحكم أنه يشكل النسبة الأكبر وربما الوحيد في دخلها القومي، والبترول في تاريخه القديم والحديث يبرهن واقعه أنه لا يمكن أن يكون سلعة آمنة خصوصاً على المدى البعيد، من ذلك عدة أسباب أهمها: أنه سلعة تحتاج إلى تنقيب مستمر يتطلب الأمر معه نحو بحث متخصص بجهود بشرية وآلية عالية الكفاءة والتخصصية، كما أن خطورته تكمن في حدوث نضوب متوقع باستمرار لبعض من آباره مع مرور الزمن، فضلا عن حدوث انخفاض في عمليات إنتاجه أحياناً بسبب المؤثرات الجغرافية على إنتاجه شبه المنتظم خصوصاً عند حلول فصل الشتاء القارص مما يحدث معه تجمد شبه كلي في ينابيعه، ولتلكم الأسباب وأسباب أخرى اقتصادية واجتماعية تسعى الدول الصناعية الكبرى، والتي تمتلك العديد من المصادر الأخرى الصناعية والتقنية تسعى إلى عملية الاستغناء المرحلي عن البترول ومشتقاته، وبهذا فإنني أعتقد أنه من باب أولى أن تسعى الدول المنتجة والمصدرة للبترول إلى المبادرة والمسارعة في إيجاد العديد من الطرائق التي تجعلها بمنأى عن مخاطر شح انخفاض إنتاج البترول أو الاقبال عليه، ولهذا فإنني أجزم أن العامل البشري لا يمكن القول عنه أنه البديل بل هو الأساس للنهوض بأي دولة، وهذا يقودنا إلى الاشارة إلى أن هناك دولاً لا تحقق إلا نسباً محدودة للغاية في إنتاجها البترولي، ومع هذا نجدها تحقق نمواً اقتصادياً لا بأس به في دخلها القومي، مما انعكس الأمر معه إلى ارتفاع في نمو الناتج المحلي، وكذا الزيادة المستمرة في النمو الاقتصادي بشكل عام، ونحن في المملكة معروف أن البترول لدينا يشكل النسبة العظمى لاقتصادنا الوطني، وبهذا لن نكون بمنأى عن تلك المخاطر التي يتأثر بها البترول عامة وينجم منها سلبيات يكون لوقعها أثر سلبي كبير، لأن البدائل حتى الوقتية ليست متوافرة لدينا بالشكل الذي يجعلنا نتأقلم معها بالشكل المأمول حتى نصل ولو لمرحلة الاكتفاء الذاتي، وذلك تجاه موارد صناعية أو زراعية لربما تكون تعويضاً وقتياً، هذا إذا ما أدركنا مسألة شح المياه لدينا، وندرة مصادر المواد الخام لبعض من المتطلبات الصناعية، خصوصاً أننا في مراحل عديدة مضت نعتبر مستهلكين أكثر من منتجين، وبعد أن نتيقن من أن الغالبية العظمى من الموارد البشرية العاملة في مصانعنا ومعاملنا هي موارد بشرية وافدة، ولهذا كان لزاماً علينا أن نسعى قدماً في بناء شخصية نوعية لكفاءتنا البشرية، وأن يكون لها تواجد في كل ميدان صناعي وتقني، وأن نمتلك الخبرات الفاعلة لجعل منتجاتنا الوطنية منافسة من ناحية، ومحققة لنا البدائل المنتجة التي سوف تغنينا عن منتج واحد من ناحية أخرى، والتي قد لا يطول به الأمد الإنتاجي إلى زمن نكون فيه أشد حاجة مما مضى، ولا شك أن تحقيق ذلك يتطلب المزيد من تبني الشباب والشابات وتهيئتهم التهيئة العلمية والثقافية للعمل في أكثر من حقل تقني وصناعي وزراعي، وربما هذا الأمر لن يتأتى دون أن يكون هناك كليات علمية تكون ذات قلاع علمية تطبق فيها المعايير العالمية سواء في نوعية المؤسسات التعليمية من أن تكون ذات بيئة تعليمية صحية، ومن خلال مخرجات تعليمية قادرة على مواءمة متطلبات الأسواق عامة سواء سوق العمل أو سوق السلع والخدمات، بهذا نكون ذا جاهزية كبرى من أن البديل عن البترول متوافر، أما ما دون ذلك ومع استمرار عملية الاعتماد على البترول ومصادره فإننا سوف نواجه مخاطر جسيمة قد تحدق باقتصادنا الذي أضحى قوياً وواعداً ولله الحمد.