** (إننا نحيا أقل كلما تكلمنا بعضلة اللسان أكثر كما أننا نحيا أكثر كلما تعطل فينا اللسان زمناً أطول) إبراهيم الكوني ** تنطوي ساعات أيامنا مدونة في سجل الحياة خطواتنا... نقدم على فعل أشياء كثيرة لم تخطط لها مسبقاً أو لم نتوقع حدوثها يوماً وربما نندم لأننا فرطنا في وقتنا حين تعاملنا معها بكل نقاء لتبقى قسوة النهاية تجربة تصقلنا لتعمق إحساسنا بالأشياء أكثر وأكثر.. أفراد كثيرون - أحسبني منهم - لا يحبون أن يمارسوا ثرثرتهم مع الأشخاص ليس لأنهم لا يجيدون الثرثرة بل لأنهم لا يجدون روحاً صادقة يسكبون وجعهم فيها.. يلجؤون دائماً إلى التأمل والكلام بصمت مع الجمادات: الجدران.. السماء.. الحجارة.. وربما كوب القهوة التي يفضلونها ولا يبدؤون يومهم إلا بارتشافها.. ربما استغربتم حين ذكرت لكم الحجارة تلك التي أعشق جمعها منذ زمن أدون على بعضها التواريخ المهمة في حياتي وعلى بعضها الآخر أسماء الأشخاص الذين تركوا بصماتهم عالقة في ذهني - بصمات الحزن أو الفرح -... استمتع كثيراً بالثرثرة معها وأجدها كل مرة توصيني بأن أكون قوية متماسكة مهما تكالبت عليّ الظروف ويكفيني من صدقها ووفائها أنها لا تمارس الهروب مني وتبقى هادئة في صندوقها ريثما تتسلل كفي لالتقاطها.. الأشخاص الذين يتكلمون دائماً يندمون.. هكذا أنا فبمجرد أن أتكلم بكل شفافية وبراءة وأندم بعمق... وأبكي حتى تتغير ملامح وجهي... ربما هو انتقام الصمت من لساني... ذلك لأني أخون صديقي الصمت فيمارس جلدي بسياطه.. غبي هو الإنسان حين يغفل عن سواد الآخرين ويتكلم بعفوية عنهم دون أن يدرس مآرب الشخص الماثل أمامه ليقول له في النهاية: (القانون لا يحمي المغفلين)!!؟ سقف غرفتي مكان أحبذ كثيراً الثرثرة عليه خاصة فترة ما قبل النوم، التأمل والحلم الذي يمتد من اليقظة إلى النوم ولا تقطعه سوى صوت منبه الساعة معلناً أن الأرض لبست ثوب الصباح.. السقف يأتي في المرتبة الثانية بعد الثرثرة بالحرف المكتوب.. الحرف أولاً والسقف ثانياً وبعدها هواياتي الصغيرة والتي يرى البعض أنها سخافات وتفاهات لا يلقون لها بالاً.. الجمادات هي الوحيدة التي تحفظ أسرارنا ومخبوءات روحناً، من منكم أفضى بسره إلى جماد وفضحه؟! بالتأكيد لا يوجد... صحيح أنهم يقولون بأن للجدران آذان وهم في ذلك محقون لكن الحقيقة التي لم يتفوهوا بها أن هذه الجدران ليس لها لسان.. متعب هو التعامل مع البشر... ومتعبة هي الثقة بهم حين لا تكون في موضعها.. ومتعبة تلك المضغة الصغيرة التي تتلون وتتشكل حسب هوى صاحبها لتخونه ألف مرة وتذيقه صنوف العذاب... إذاً.. أليس معي الحق حين لجأت إلى الجمادات؟!!..