استمرار تأثير الرياح المثيرة للأتربة والغبار على الشرقية والرياض    «السياحة»: «الممكنات» يخلق استثمارات تتجاوز 42 مليار ريال و120 ألف وظيفة    «التعليم»: اعتماد حركة النقل الداخلي للمعلمين    فائدة جديدة لحقنة مونجارو    علامات ضعف الجهاز المناعي    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    حضور قوي للصناعات السعودية في الأسواق العالمية    السعودية تستضيف الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي    معرض برنامج آمن.. الوقاية من التصيُّد الإلكتروني    معادلة سعودية    رئيس الطيران المدني: إستراتيجيتنا تُركز على تمكين المنافسة والكفاءة    قطع السيارات والأغذية أكثر السلع.. تقليداً وغشاً    المملكة تجدد مطالباتها بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيّين في غزة    عدوان الاحتلال.. جرائم إبادة جماعية    القوات الجوية تشارك في "علَم الصحراء"    المطبخ العالمي    شاهد | أهداف مباراة أرسنال وتشيلسي (5-0)    «خيسوس» يحدد عودة ميتروفيتش في «الدوري أو الكأس»    في انطلاق بطولة المربع الذهبي لكرة السلة.. الأهلي والاتحاد يواجهان النصر والهلال    الهلال يستضيف الفيصلي .. والابتسام يواجه الأهلي .. في ممتاز الطائرة    يوفنتوس يبلغ نهائي كأس إيطاليا بتجاوزه لاتسيو    مبادرة 30x30 تجسد ريادة المملكة العالمية في تحقيق التنمية المستدامة    إنسانية دولة    مجلس الوزراء: 200 ألف ريال لأهالي «طابة» المتضررة مزارعهم وبيوتهم التراثية    تفاهم لتعزيز التعاون العدلي بين السعودية وهونغ كونغ    مكافحة إدمان الطلاب للجوال بحصص إضافية    وزارة البيئة والمياه والزراعة وجولات غير مسبوقة    أضغاث أحلام    الدرعية تكشف تفاصيل مشروع الزلال    تأثير الحياة على الثقافة والأدب    إشادة عالمية بإدارة الحشود ( 1 2 )    المجمع الفقهي والقضايا المعاصرة    دورة حياة جديدة    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان التعاون والتطورات    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان هاتفيا العلاقات الاستراتيجية بين البلدين    طريقة عمل ديناميت شرمب    طريقة عمل كرات الترافل بنكهة الليمون    طريقة عمل مهلبية الكريمة بالمستكه وماء الورد    محافظ الأحساء يكرم الفائزين بجوائز "قبس"    مركز التواصل الحكومي.. ضرورة تحققت    أتعبني فراقك يا محمد !    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة 45 من طلبة جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    متى تصبح «شنغن» إلكترونية !    أمانة المدينة تطرح فرصة استثمارية لإنشاء مدينة تشليح    عبدالعزيز بن سعد يناقش مستقبل التنمية والتطوير بحائل    الشورى يدعو «منشآت» لدراسة تمكين موظفي الجهات الحكومية من ريادة الأعمال    مجلس الشيوخ الأمريكي يمرر حزمة مساعدات أوكرانيا    الشرطة تقتل رجلاً مسلحاً في جامعة ألمانية    سورية.. الميدان الحقيقي للصراع الإيراني الإسرائيلي    سعود بن نايف يشدد على تعريف الأجيال بالمقومات التراثية للمملكة    أمير الرياض يستقبل عددًا من أصحاب السمو والفضيلة وأهالي المنطقة    العين الإماراتي إلى نهائي دوري أبطال آسيا والهلال يودّع المسابقة    أخضر تحت 23 يستعد لأوزباكستان ويستبعد مران    مهمة صعبة لليفربول في (ديربي ميرسيسايد)    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتقي منسوبي فرع الرئاسة العامة بمنطقة جازان    السديس يُثمِّن جهود القيادة الرشيدة لتعزيز رسالة الإسلام الوسطية وتكريس قيم التسامح    الإعلام والنمطية    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. الراجح: أدرك نادي مكة هذا الأمر فأحيا لياليه بالمحاضرات المفيدة
الركود الثقافي في رمضان لماذا؟.. وما أسبابه؟
نشر في الجزيرة يوم 25 - 10 - 2005

ساحتنا الثقافية لعل المتتبع لمجرياتها يلمس القصور في معظم أيام السنة, ولكن هذا القصور والركود يزداد أحياناً مع أنه لا مبرر له, وسيتضح القصور جلياً في شهر رمضان، فليس هناك ما ينافي شعائر هذا الشهر, ومع ذلك نجد الركود يخيم على الأندية الأدبية بدل أن تكون لياليها شعلة من النشاط.
تساؤلات طرحتها (الجزيرة) حول هذه الظاهرة من حيث التشخيص والأسباب والعلاج، فكانت الآراء في مجملها تتجه إلى أن الأمر - يبدو- يا صديقي- أنها (حالة اجتماعية) عامة يصاب بها الناس في بلادي, فلا تفرق بين مثقف وأديب, ولا بين فنان ومبدع, ولا بين موظف تقليدي حكومي أو غير حكومي... ويضيف الأديب عبدالله الجفري لكنه (شيء) من الدعة والكسل ينبع من نظرة الناس إلى رد فعلهم نحو هذا الشهر الكريم, بادعاء الصوم والعطش والجوع.. ونحسب أن خلو المعدة يساعد على الحركة أكثر.. لكنها تعلاّت يبتكرها الناس حتى لا يعملوا, والخطورة أن تعمم هذه التعلاّت لتتحول إلى (سلوك) اجتماعي!
وأحدثك عن تجربتي الشخصية.. فأنا أكثر إنتاجاً في رمضان؛ قراءة وكتابة, أشعر بصفاء لا مثيل له في الأيام العادية, وأمتلك الوقت الأكثر مما نحن نهدره طوال العام!
وأحسبها خطورة شديدة، أن تتعمق في نفوس الناس (رغبة) الدعة, ومخاصمة العمل بإصرار، بحجة (الصيام), وهي حجة تكرس في داخلنا التواكل, وانخفاض الإنتاج, بل وربما بلغت حدود (حبس) التفكير والإغلاق عليه طوال ساعات الصيام!
وأتذكر عبارة قديمة نسيت اسم قائلها بهذا المعنى: (الظواهر توحي بظهور أغلبية ساحقة أمية, تتراكم أميتها من خمول نشاطها والركون إلى المزاج أو الدعة)!!
ولكن هناك عبارة (كوميدية) قرأتها للكاتب اليمني الساخر المختفي عبدالكريم الرازحي, استعاذ فيها من (شر) الأشخاص الجادين!!! وكأن الجدية أو الجد تهمة مثيرة, وليستا مفتاح العمل والإنتاج!
أما عن الحلول المقترحة التي سألتني عنها... فأحسبها تنبع من ذات المثقف, والأديب والمبدع.. وتقع المسؤولية على المؤسسات الثقافية التي ينبغي لها أن تكرس نشاطاتها في أمسيات رمضان, وكذلك الملاحق الثقافية المطلوب منها أن تبتعد عن هذه العدوى واسمها الركود!!
فيما يؤكد هذا الرأي أن رمضان شهر عمل لا شهر كسل معالي د. راشد الراجح - رئيس نادي مكة الأدبي إذ يقول: لا شك أن رمضان شهر العمل لا شهر الكسل... وهو في تاريخنا الإسلامي شهر الغزوات والفتوحات والانتصارات... هكذا هو أو هكذا يجب أن يكون شهر إنتاج وعطاءات, كما هو شهر طاعات وعبادات... ويوم رمضان فيه بركة, ويمكن استثماره بكل نافع مفيد لنا في دنيانا وآخرتنا, إذا أحسنا تنظيم ساعاته وجدولة أوقاته... بحيث نجعل للعبادات أوقات, وللأعمال الأخرى ساعات... وتوقف عجلة الحركة الثقافية في شهر رمضان المبارك ليس له ما يبرره... لأن الثقافة, إذا كانت أصلية ومثمرة غذاء للعقل... والأدب غذاء للروح... وهي متطلبات يحتاج إليها الإنسان, في رمضان وفي غير رمضان..
ولقد أدرك (نادي مكة الثقافي الأدبي) هذا الأمر, فأحيا أمسيات رمضان بالمحاضرات المفيدة, والأمسيات الماتعة, والمسابقات الهادفة.. ويأتي في مقدمة هذه الفعاليات مسابقة تكريم حفظة القرآن الكريم التي ينظمها النادي في رمضان (شهر القرآن) من كل عام برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة... كما يشرف على تنظيم مسابقة لحافظات القرآن الكريم حرم سمو أمير المنطقة بالتعاون مع إدارة التربية والتعليم للبنات بالعاصمة المقدسة.
هذا إضافة إلى أن مكتبة النادي تفتح أبوابها, للطلاب والراغبين في الاطلاع على فترتين صباحية ومسائية وحتى بعد منتصف الليل... ولا بد من الإشارة إلى أن نادي مكة الثقافي الأدبي, تستمر نشاطاته على مدار العام بما فيها الأعياد, ويعد برامج خاصة بالمناسبات والمواسم كرمضان والحج, والصيف واليوم الوطني.. إلخ، مع اهتمام خاص بالشباب, ويعمل على غرس الكلمة الهادفة في نتاجهم, ويسهم في إبراز إبداعاتهم... والله ولي التوفيق.
- كما أشار الكاتب زكي الميلاد أن هناك جدلاً ونقاشاً بين النخب المثقفة والأدبية في المملكة حول صورة وطبيعة المشهد الثقافي والأدبي عندنا في المملكة, في هل هناك ما يمكن أن تسميه بالمشهد الثقافي والأدبي في المملكة، بما يحمله مفهوم المشهد من تشكُّل ومن طبيعة ومن حراك أم أن صورة المشهد أو واقع المشهد إنما هو تعبير عن الصورة العامة السائدة بغض النظر عن وجود وتمثل هذا المشهد.. بمعنى آخر؛ هل يمكن الادعاء بوجود مشهد ثقافي دون حراك ودون وجود زخم من النشاط الفكري والثقافي المتعدد والمختلف والمتباين كذلك, وبتعبير ثالث، هل يمكن أن يتشكل مشهد دون أن يكون هناك قدر غير قليل من التنوع والتباين أم أن من شروط تشكل هذا المشهد هو هذا الاختلاف الذي يعطي ويضفي على المشهد حالة الثراء والإبداع والتجدد وخلق حوافز وبواعث التطوير والإنماء.
وهذا هو جدل ونقاش صحيح بهذه الصورة ويتسم بنوع من الوعي, وفي تقديري هذا هو جوهر النقاش إذا أردنا أن نبحث ونتأمل في الحالة الثقافية عندنا أو في المشهد الثقافي والأدبي, فالانطباع السائد أو العام, ولعل الانطباع الذي يلقى قدراً كبيراً من التوافق قد يصل إلى حالة من الإجماع هو أن الحالة الثقافية عندنا بصورة عامة تميل إلى حالة الركود والهدوء والبرود، لكنها في شهر رمضان تتجلى بصورة أوضح وأكبر وأوسع بالشكل الذي يثير مثل هذه التساؤلات المطروحة، وهذا يدعونا للعودة إلى التساؤلات التي يمكن أن نسميها بالتساؤلات الجوهرية أو العميقة في تحليل هذه الظاهرة أو هذا المشهد، فالسؤال عمّا هو تفسير غياب الحراك الثقافي والأدبي في مشهدنا مع كل ما لدينا من تنوع وتعدد في نسيجنا الاجتماعي, وكأن هذا النسيج الاجتماعي المتنوع غير قادر على أن ينقل لنا حراكاً ثقافياً وأدبياً يبعث لنا زخماً وحيوية في مشهدنا الثقافي والأدبي.. ومن هذه التساؤلات الجوهرية الأخرى التي ينبغي أن نتأمل فيها بعمق: كيف نفسر انسحاب المفكر السعودي والمثقف السعودي والأديب السعودي عن المشهد الثقافي عندنا، فهناك ما يمكن أن نسميه بحالة الانسحاب عن هذا المشهد, وهذه ظاهرة من السهولة تشخيصها لكنها بحاجة إلى مزيد من النظر والتأمل فلا يمكن أن نشكل مشهداً أو نبعث حراكاً في هذا المشهد في ظل هذا الانسحاب, وهناك أيضاً تساؤلات من نوع ثالث حول طبيعة التثاقف بين مشهدنا الثقافي الداخلي وبين المشهد الثقافي العربي العام والتساؤلات في هذا الشأن تتصل بماذا نحن قد أخذنا من المشهد الثقافي العربي العام وما قدمنا له، بمعنى: هل المشهد الثقافي العربي العام له تأثير أو حضور أو له حراك في مشهدنا الثقافي الداخلي, وهل مشهدنا الثقافي الداخلي يمثل مكوناً فاعلاً في المشهد الثقافي العربي العام لأننا بحاجة إلى هذا النمط من التثاقف لبعث الحركة في مشهدنا الثقافي؟
- ربما هذه هي نظرة الأكثرية أن الركود ليس وليد رمضان كما يؤكد ذلك الأستاذ غالب حمزة أبو الفرج - رئيس تحرير جريدة البلاد والمدينة سابقاً، إذ يرى أن الركود يتغلغل في شبابنا وأبنائنا وبناتنا طوال العام لأنهم بعيدون عن الوجود الحقيقي لهذا العمل, واستدرك بأن ثمة من يقول إن هنالك نوادي أدبية وجمعيات للثقافة والفنون ومناشط أخرى، ولكن ليس كل الأندية تعرف كيف تمضي طريقها لأن القائمين عليها يحتاجون إلى ثقافة بمعنى الثقافة الحقيقة, وربما لأن بلادنا عاشت فترة ولم تكن هناك جهة مسؤولة تساهم في هذا الموضوع الذي هو من الأمور المهمة. وأكد أبو الفرج على أن الإنسان لا يعيش بالتعليم وحده وإنما مع التعليم يجب أن تكون الثقافة، فالثقافة وليدة حضارة طويلة وعريضة نلمسها عندما نسافر إلى أي مكان في الدنيا, ولو سألت أي كاتب أو أديب كم بعت من كتابك لابتسم، وقال: الحقيقة مخجلة.
فأكثر الشباب في بلادنا لا يقرؤون وبعكسهم آخرون.. وفي بلدان أخرى غيرهم يقرؤون في كل مكان، فعلى الأب أن يعلم ولده قيمة القراءة وشراء الكتاب وكيف يعيش في دنيا مليئة بالثقافة، فهي الشيء الوحيد الذي يمنح الإنسان الحرية كما يريد. ونحن نتحدث عن الثقافة في رمضان ولا شك أن الركود طوال العام ولكن هل يقل أو يكثر؟!
وأضاف أبو الفرج: إننا نتفاءل بوزارة الثقافة ونتمنى أن يشرق على هذه المؤسسة أناس يعرفون كيف يعملون من أجل الثقافة ويصنعون كل شيء من أجل الحضارة.
الوزارة تستطيع ذلك والطريق ليس بالطويل ولكن يحتاج لأناس يؤمنون بأن هذه الأرض أوجدت الحضارة التي جابت أوروبا وصنعت الشيء الكثير في كثير من العالم.
وختم أبو الفرج بقول: هل ستعود؟ هذا ما أرجوه.. وإننا في حاجة إلى إصلاح في وسائل إيصال الثقافة إلى المواطنين والمواطنات, ونحن في أمس الحاجة إلى أن تكون الثقافة جزءاً من مهمة المدرسة والجامعة, ونحن في حاجة إلى الآباء والأمهات الذين يدفعون أبناءهم إلى القراءة والفهم والإدراك، ونحن في حاجة إلى هؤلاء الآباء والأمهات الذين وجب عليهم أن يصنعوا شيئاً من أجل ثقافتهم هم, فمن خلال تثقفهم يتثقف أطفالهم ربما كان ذلك ليس عسيراً على من يشرف على الثقافة اليوم، ونأمل أن يسير في طريقه الصحيح، لأننا في أمس الحاجة لأن نكون في الطريق الصحيح.
- الأستاذ صالح بن سعيد الهنيدي - المشرف العام على منتديات مرافئ الوجدان وعضو النادي الأدبي بالباحة يرى أن المتتبع للحركة الثقافية في بلادنا يجد أنها في تباين مستمر, حيث يتكثف الحراك الثقافي في وقت معين, ويخف في أوقات أخرى تبعاً لاعتبارات لا تمت إلى الثقافة بأية صلة, وهذا ما نلمسه جلياً في شهر رمضان المبارك إذ يأخذ مؤشر أسهم الحركة الثقافية في الانخفاض التدريجي حتى يصل إلى أدنى مستوى ثقافي. وأعتقد أن للأندية الأدبية وجمعيات الثقافة الدور الكبير في هذا الانخفاض لعدم استطاعة المزج بين شعائر شهر رمضان الكريم والهم الثقافي العام. ولم يدر في خلد أصحاب القرار في أنديتنا الأدبية وجمعيات الثقافة أن إشاعة (ثقافة الصوم) من أهم ما يجب نشره في شهر رمضان الكريم.
فأرى أنه لا تعارض أبداً بين مفهوم الثقافة وبين إثراء شهر رمضان الكريم بالعديد من الأنشطة الثقافية التي تثري جوانب يحتاجها المتابع لتنمية الحس الشعوري بأهمية الصيام, ولتكون فرصة لاستغلال الأوقات المهدرة في هذا الشهر الفضيل.
ولا يفوتني أن أشير إلى الدور الذي تقوم به بعض الملاحق الثقافية لتحريك عجلة الثقافة إلى الأمام ومن أبرزها (المجلة الثقافية) بصحيفة الجزيرة التي تقوم بجهد ملحوظ في تعويض القارئ عما يفتقده في منابر الثقافة الأخرى.
فيما يرى د. حسن غزالة عضو هيئة التدريس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة أم القرى أن شعائر الشهر الحرام لا تتعارض والثقافة، بل إن ديننا الحنيف يحض على العلم والتعلم والثقافة فلا تعارض إذاً، بل تكامل كما أن شهر رمضان شهر عمل وجهاد وبناء منذ أن فرض صيامه على المسلمين ولا ندري من أين أتت هذه الأفكار المغلوطة المشوهة لصورة هذا الشهر العظيم على أنه شهر خمول ونوم وأكل وبعض الركيعات التي يأتي بها بعضهم وهم في غاية الشوق إلى الانتهاء منها للالتفات إلى قضاء الليل في السهر والسمر والبلع حتى الفجر بحجة التعويض لصيام النهار، هذا ليس رمضان على حقيقته، رمضان شهر الخير والعمل والجد في العبادة والطاعة والبذل ومواصلة الحياة بشكل طبيعي لا شيء يتوقف.
أسباب ركود النشاط الثقافي في رمضان عديدة منها:
1- انشغال الناس معظم الوقت في تأمين طلبات مائدة رمضان التي لو نقص منها شيء يا ويله وسواد ليله لرب الأسرة!
2- اهتمام الناس بعد الإفطار بالتوجه للمساجد لأداء صلاة العشاء ثم التراويح، وهذا من خصوصيات المملكة أكثر من غيرها من البلدان.
3- التوجه إلى المنزل أو إلى مكان آخر يبحث فيه الناس عن الراحة والترويح والاسترخاء بدنياً وفكرياً.
4- المفهوم السائد عند الكثيرين ان هذا هو رمضان، ولا يوجد شيء آخر يستحق الذكر، ولاسيما تشغيل المخ في أمور العلم والفكر والثقافة، وهذا وضع مزمن ما المخرج إذاً؟
حلول مقترحة: لعل الأمر يحتاج إلى بذل جهود غير عادية وهذه بعض المقترحات:
1- ربط النشاط الثقافي في رمضان بشهر رمضان بطريقة مباشرة من حيث اختيار المحاور وربطها بجو الطاعة والعبادة في رمضان ولو بشكل جزئي.
2- دعوة علماء ومفكرين ودعاة ومحاضرين معروفين لتفعيل النشاط الثقافي، هات لي الشيخ سلمان العودة أو الشيخ عايض القرني أو المفكر الإسلامي محمد عمارة أو الداعية عمرو خالد وأمثالهم، وخذ أكبر جمهور في رمضان يترك اختيار الموضوع للضيف المدعو.
3- اختيار الوقت المناسب، وهو بعد صلاة التراويح بساعة مثلاً، واليوم المناسب واستثناء العشر الأواخر من رمضان.
4- تفعيل أمسيات ثقافية قائمة على الحوار والنقاش الجاد بين محاضرين معروفين أو أكثر.
5- تفعيل حوارات ثقافية بين الجمهور حصراً يحدد موضوعها مسبقاً ويكون أحد الموضوعات الساخنة على الساحة الرمضانية المحلية أو الدولية الطارئة التي تثير اهتمام الناس.
6- استبعاد المحاور الروتينية التي مل منها الجمهور بصرف النظر عن أهميتها دولياً، واختيار موضوعات جادة تهمه وتشغله ويتناقلها يومياً ويحب أن يستمع إليها أو يحاور بشأنها والله أعلم وشكراً.
د. يوسف العارف مدير الثقافة بتعليم جدة يقول: كنت في حديث هاتفي مع الشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان العالم الفقيه عضو هيئة كبار العلماء، أحاول أن أدعوه للمشاركة في ندوة ثقافية تقيمها إدارة الثقافة وتعليم جدة بمناسبة الاحتفاء بمكة عاصمة للثقافة الإسلامية وذلك خلال أمسيات هذا الشهر الكريم رمضان، فقال: إن أستاذه العلامة المكي حسن مشاط كان يقول لا تشغل رمضان بغير رمضان!
لقد فهمت من هذه العبارة أن رمضان لابد أن يعمر بالعبادة والطاعة والتفرغ للذكر والروحانية. ولعل هذا أحد الأسباب التي تجعل من ساحتنا الثقافية تشهد ركوداً غير مبرر كما تقول في سؤالك.
لكن الواقع الذي أعتقده أن أي عمل ثقافي وفكري هو بالتأكيد عبادة فليس هناك أي تعارض بين المناشط الثقافية في رمضان أو غيره من الشهور.
أنا اعتقد أن الأندية الأدبية في أغلبها تعيش حالة ركود قبل رمضان وبعده ولعل التجديد الذي ينتظره المثقفون من وزارة الثقافة والإعلام كفيل بتحريك الساحة الثقافية.
وهنا أقترحُ أن نحي ما يسمى بالثقافة الرمضانية بحيث تقوم الأندية الأديبة وجمعيات الثقافة والفنون بإقامة المسابقات الدينية والمحاضرات الدعوية في اماسي واصبوحات هذا الشهر الكريم.
وهناك الكثير من الفعاليات الثقافية التي يمكن إدراجها في الموسم الثقافي من خلال هذا الشهر الكريم بحيث نخرج كمثقفين من فترة الركود الممقوتة ثقافياً.
* فيما يرى الأستاذ أشرف السيد سالم - الباحث الإعلامي وعضو جماعة حوار بنادي جدة الأدبي..
ان هذه الظاهرة مشاهدة بالفعل، وقد نجد لها ما يبررها حيث إن الكثيرين يفضلون التفرغ في هذا الشهر الكريم للطاعات والشعائر التعبدية لينالوا بركة الشهر الفضيل في عظيم الأجر وجزيل الثواب حتى ان بعض علماء السلف الصالح كانوا يتوقفون في هذا الشهر عن مدارسة كتب العلم من فقه وحديث وغيره لينقطعوا لقراءة القرآن والذكر والدعاء، ومن جهة أخرى فإن شهر رمضان يؤدي إلى تغيير في نظام الوقت والحياة اليومية والعادات المنتظمة مما قد يصعب معه مواظبة المثقفين ومنتدياتهم على مواصلة النشاط الثقافي المعتاد بشكلٍ منتظم.
ولكن من جهةٍ أخرى فإن واقع الحال يشهد أن معظم الناس يقضون الكثير من أوقاتهم في هذا الشهر في مشاركات اجتماعية ومتابعات للبرامج الترفيهية والأعمال الدرامية والأنشطة الرياضية وغيرها، مما يعني إمكانية جذب اهتمامهم للفعاليات الثقافية إذا قدم لهم ما يغريهم بالفائدة.
ومن هذا المنطلق تبرز مسؤولية المنتديات الثقافية كالنوادي الأدبية والجمعيات المختصة بالآداب والفنون، حيث ينبغي لها التخطيط الجيد للعمل في هذا الشهر والإعلان المبكر عن خطتها، ويمكن أن تخصص فعالياتها لهذا الشهر الفضيل بما يتناسب مع ما للشهر من وهج وألق وأجواء روحانية، والمحاور الثقافية والإبداعات الفنية والأدبية في هذا المجال عديدة ومتنوعة، يمكن الرجوع فيها للمتخصصين في التاريخ والتراث وفي الفنون والآداب الإسلامية، وأخيراً فإن المحاور الثقافية الممتدة زمنياً المترابطة موضوعياً تحفظ المثقفين على المشاركة بغض النظر عن التوقيت، وهذا ما يحدث سنوياً في ملتقى (جماعة حوار) بنادي جدة الأدبي الثقافي التي أتشرف بعضويتها.
د. ظافر الشهري رئيس كلية اللغة العربية بجامعة الملك فيصل بالأحساء أشاد بنادي جدة الأدبي كنموذج لمن يمارسون الأنشطة الثقافية في شهر رمضان المبارك، وقال إن الذين يعمدون إلى إيقاف الندوات في رمضان لم يفهموا رمضان حق الفهم، فرمضان شهر عبادة وشهر عمل، ويكفي أن الغزوات كانت في رمضان والتاريخ في رمضان.
وأضاف أن ليالي رمضان يفترض أن تكون شعلة في الأندية الأدبية.
ووقف عند مشكلة لدى بعض الأندية وهي أن بعضها تغلق أبوابها في الصيف ثم في رمضان ثم في مواسم الإجازات إذن ماذا بقي؟!
وختم بأن شهر رمضان شهر عبادة وشهر إبداع وشهر إنتاج.
الأستاذ سحمي الهاجري عضو جماعة حوار بنادي جدة الأدبي يرى أنه من الطبيعي هذا الأمر:
فمن الطبيعي أن يكون هناك ركود في الكثير من الأنشطة والفعاليات في هذا الشهر الكريم، ومنها الأنشطة الثقافية، وذلك لاختلاف طبيعة شهر رمضان عن بقية الشهور سواء بالنسبة لمواعيد الأعمال والنشاطات، أو لزيادة الأوقات المخصصة للصيام والعبادات، مثل صلوات التراويح والتهجد والعمرة، وخصوصاً أن أغلب هذه الأمور تقتضي الارتباط العائلي مما يحد من استمرار المساهمات الفردية من المثقفين.
ولكن رغم كل ذلك لا يخلو الأمر عادة من بعض الفعاليات المتفرقة، ومنها على سبيل المثال جماعة حوار التي لديها جلستان حواريتان في محور هذا العام (الأنا والآخر: في سياق الآداب والفنون). وهذا ما درجت عليه الجماعة في السنوات الماضية، وقبل ذلك أثناء ورشة النادي برئاسة الدكتور عبدالعزيز السبيل.
وأرى أنها فرصة أيضاً للصحافة الأدبية لنشر بعض الكتابات، والمساهمات التي لم تتمكن من نشرها في الفترات السابقة، والأمر لا يخلو من منفعة على أي حال.
الشاعر إبراهيم مفتاح قال: من المألوف أننا - وربما غيرنا - نعاني مما يسمى عدم انتظام أو عدم استقرار (ساعاتنا البيولوجية) في حياتنا العامة أثناء الإجازات أو العطلات أو حتى في رمضان نفسه، وأبرز شيء في ذلك تغير ساعات نومنا وصحونا وممارسات أعمالنا، فإذا ما حاولنا العودة إلى طبيعة حياتنا العادية وجدنا شيئاً من الصعوبة في التكيف مع حياتنا المألوفة.
في ظني أن هذا التغير الذي يحدث في حياتنا العامة وما يصاحبه من تغير نفسي وسلوكي يحدث مثله أو ما يشبهه في مسار (ساعاتنا البيولوجية الفكرية) - إن جاز هذا التعبير - إذ إننا بمجرد استشعارنا لقرب شهر رمضان الكريم نحس -من حيث شئنا أم لم نشأ - بأن شيئاً من الروحانية والشفافية والصفاء المغاير لما ألفناه في حياتنا العامة، إذ تتلبس الفكر حالة من السمو الإيماني الذي يهوّم بالنفس في فضاءات وآفاق يكون فيها الفكر أقرب ما يكون فيها إلى الله. وهذا قد يؤدي به إلى الابتعاد عن شؤون دنياه والاحتكاك بواقعه المعاش الذي يعتبر الطاقة المحركة لعمله، طاقته التي تستمد إيماءاتها من حركة الحياة وتفاعلها مع الأحداث ومعايشة الواقع.. وهذا - كما اعتقد - هو السبب في هدوء الحركة الفكرية التي تعيش في رمضان في حالة مغيرة لواقعها في غيره من الشهور، خاصة في المجتمع السعودي الذي تتجه كل أحاسيسه ومشاعره إلى قداسة هذا الشهر وروحانيته التي تحاول أن تتجرد من أوضار الحياة وشوائبها، وتحاول أيضاً أن تعيد النظر في علاقاتها بإيمانها.. يضاف إلى ذلك ما يحصل من تغير واهتمام بمسار الحياة اليومية من مأكل ومشرب ومستجدات تطرأ على نمط الحياة العامة والسلوك الإنساني الذي يستعيد متانته أو شيئاً من متانته فيما يتعلق بالحياة الأسرية وعلاقات القربى والصداقات التي أنهكتها مشاغل العصر ومستحدثاته.
هذه العوامل جميعها لها تأثيراتها المباشرة أو غير المباشرة على الحياة الفكرية التي تجد متنفساً تهرب في مداه من ضغوط واقعها المرير المزدحم بالمنغصات والمتناقضات، وهذه عناصر رغم التبرم بها إلا أنها تعتبر العامل الفاعل لإشعال جذوة الفكر وتوهجه المستمد طاقته الخلاقة من تفاعلات حركة الحياة ومتغيراتها.
من هذا كله أستطيع أن أقول: إن شهر رمضان الكريم من حيث لا نشعر تتغير فيه ساعاتنا البيولوجية الفكرية وتتخذ لها مسارات أخرى ترتبط بالذات، ومراجعة حسابات النفس بكل جوانبها الإيمانية، وهذه إيجابيات تنعكس سلبياتها على العطاء الفكري والثقافي خلال هذا الشهر المبارك.
إذا اعتبرنا ذلك إشكالية فهي إشكالية يصعب وضع الحلول لها لأنها مرتبطة بالفطرة التي فطر الله الناس عليها.
فيما يرى الأستاذ مشهور الحارثي المشرف على منتدى الشيخ محمد صالح باشراحيل أن شهر رمضان الكريم شهر ثقافة دينية من حيث الاطلاع والممارسة والتي تنسجم وروحانية هذا الشهر الفضيل وخصوصيته وما يتضمنه من شعائر تعبدية أبرزها جوانب التأمل والتفكير، فالحياة الثقافية في حالة تجديد وهدوء إيجابي داخلي، ودائماً ما نجد أن في رمضان بداية انطلاق مشروع ثقافي أو مسك ختام لعمل ثقافي يخرج إلى الضوء ويقدم للساحة الثقافية.
لكن الإشكالية تكمن في عدم وجود آليات التقديم والظهور والمشاركة من خلال المؤسسات الثقافية رغم توفر فترة مسائية مناسبة يمكن الاستفادة منها في إعداد وتنفيذ البرامج والفعاليات الثقافية المختلفة والمتنوعة.
وقد يكون الإرث الاجتماعي المصاحب لهذا الشهر من خلال الزيارات العائلية والارتباطات الأسرية والتي قد تتهيأ لها فرص التلاقي على مائدة واحدة في كل يوم من أيام رمضان وتداعيات هذا الإرث الاجتماعي، عاملا مؤديا إلى الابتعاد عن الممارسات الفعلية لجوانب الحياة الثقافية.
وكم أتمنى أن نرى بالفعل حركة ثقافية ومنجزات معرفية وطنية تساير وتتناغم مع روحانية شهر المكرمات رمضان، فأغلب انتصارات الأمة العربية والإسلامية تجلت وتحققت في شهر رمضان.
د. سعيد عطية أبو عالي - نائب رئيس نادي الباحة الأدبي قال: في هذه البلاد حركة الثقافة وعجلتها البرامجية لا تهدأ ولا تتوقف، فنحن في الشهر الكريم نستشعر روحانية رمضان بما يحفل به من التفرغ للعبادة من صيام وقيام وأداء لمناسك العمرة وتلاوة للقرآن الكريم.. وهذه الثقافة الإسلامية يمارسها الجميع، رجالاً ونساء، من خلال التكاليف الشرعية ولم يقتصر تفعيل هذه الثقافة على النخبة كما هو في الأمسيات الشعرية والثقافية التي يشارك فيها المثقفون ويحضرها الجمهور المتابع لمثل هذه الأنشطة ونحن في النادي الأدبي بالباحة نشاطنا قائم من خلال لقاءاتنا بعد صلاة التراويح كل يوم وحتى منتصف الليل، ولدينا أعمال تخص اللجان من تأليف ونشر وإعداد للمسابقات وتخطيط لبرامج ما بعد الشهر الكريم. وكما ترون فإن رمضان ينحصر العمل فيه على مستوى الإدارات على ثلثي الشهر فيما تعطل الأعمال لإتاحة الفرصة للتفرغ للعشرة الأواخر، ولقد كانت لنا تجربة في إيجاد محاضرات تخص الشهر ولكن كان الحضور دون المأمول ولا أعتقد أن توقف النشاط أسبوعين أو ثلاثة في هذا الشهر يؤثر على النشاط العام الذي يدوم طوال العام، ونحن نرحب بالمثقفين في أي وقت. فالنادي أبوابه مفتوحة للجميع ولا نفرض حلولاً معينة لأنه في الأصل لا توجد مشكلة.
الكاتب المعروف عبد المؤمن بن عبد الله القين
قال: إن شهر رمضان يمتاز بالسمو الروحي والفكري اللذين يمثلان لبنة أساسية في المعنى الديني العميق لهذا الشهر الذي نزل القرآن فيه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في إحدى ليالي العشر الأواخر منه، وابتدأ بكلمة (اقرأ)، فهل ما زلنا نحن أمة (اقرأ) كما أمرنا الله تبارك وتعالى بذلك؟ فالقراءة والعلم والقلم، هي الأمور الأولية للقيام بأعباء الرسالة التي كلف بها النبي صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل، وهنا نكتشف أن الثقافة أمر مهم بل هو الأهم في مخاطبة الآخرين والتفاهم معهم لإقناعهم ونشر الدعوة في أرجاء المعمورة.
فما دام هذا هو الحال والحكمة في نزول القرآن في شهر رمضان، فلماذا يكون هناك ركود ثقافي؟ فلا يطلق المثقف لنفسه العنان للتأمل والتدبر في قراءة القرآن مستثمراً بركة الوقت في شهر الصوم وفضيلة القراءة فيه والكتابة في موضوعات اجتماعية ودينية وفكرية مختلفة يستطيع أن يستلهمها من قراءة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك!
وليس معنى أن يبدع المثقف في هذا الشهر لكي يكتفي بحضور الأمسيات الأدبية في النوادي الأدبية - مثلاً - أو يدبج مقالة في إحدى الصحف أو المجلات أو يظهر في إحدى القنوات التلفازية، فيتحدث عن رمضان وقدسية العبادة فيه، أو يتحدث في الإذاعة عن ذكرياته في رمضان.. فكل هذا تحصيل حاصل، لكن المهم أن يساهم في إصلاح خلل ما، فيشير بإصبعه إليه وأن يجد من يأخذ برأيه من قبل مَنْ هو أهل لذلك، (فآفة العلم روايته لغير أهله)، كما يقال!!
وبالنسبة لأسباب الركود الثقافي في رمضان، فإنها كثيرة، ولعل أهمها الاكتفاء بالتعبد والتفاني فيه في هذا الشهر.. فرمضان شهر حركة وعمل وجهاد، ولا سيما إذا ما أدرك المسلم كيف يستثمر بركة الوقت فيه، فلا يصرف وقته في الأسواق أو الزيارات أو ما شابه ذلك، وإذا حدث له من ذلك شيء، فليقصر زيارته للأسواق على الضرورة، ويستثني زيارات الأهل والأقارب والأصدقاء من ذلك لما فيه من صلة رحم ووفاء.
أما إن كان سبب الركود هو عدم تحقيق مصلحة مادية ومجد شخصي، فينزوي المثقف بعيداً عن المساهمة في الحركة الثقافية، فهو مخطئ في ذلك، لأن ليس كل شيء هو تحقيق المصلحة المادية والمجد الشخصي، فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، ولنا في أويس القرني خير مثال على ذلك، وقصته معروفة عندما قدم إلى المدينة المنورة بين حجاج اليمن في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فطلب منه أن يدعو له، وذلك بناء على إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لعمر عنه.
وهناك سبب خطير بدأت بوادره تغزو أوساط المثقفين، وهو أن أية مساهمة تخلو من رؤية (عولمية) لا يلتفت إليها.. فكأنما خلا الميدان من كل مبادرة أو مساهمة إلا إذا كانت تتماشى مع روح العصر العولمية. إن الطريق إلى مواجهة العولمة لا شك أنه صعب وشاق، وهذه المواجهة هي الواجبة على المثقف المسلم الحق أن يبدأ بها ويتدرب عليها متسلحاً بما أمره الله به من الصبر والتقوى ليكون عمله من (عزم الأمور)، قال تعالى: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}(189) سورة آل عمران.
إن دور المثقف المسلم في شهر رمضان أن يستعيد تاريخه، لا ليقف عنده معجباً بأمجاده، لا، ولكن ليستفيد من التعرف على تلك الأمجاد وما فيها من إبداع وسبق للأمم المعاصرة التي تدعي ابتكارها لكل شيء، وتهدف إلى القضاء على ماضي وحاضر ومستقبل أية أمة أخرى لا تسير في فلكها، على الرغم من أن الحضارات كانت ولا تزال تتبادل المنافع والأدوار الإنسانية بصفة عامة لتبني لهذه الإنسانية ما يحقق لها رخاء العيش والقضاء على الفقر والتقدم العلمي والتقني دون استخدام هذا التقدم في تدمير الأمم كما حدث في إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي باليابان.
إن الإسلام لا ينظر إلى الناس كافة نظرة ضيقة، فالبعد العالمي فيه ركيزة أساسية ولبنة قوية يتعامل بموجبهما دون استعلاء ولا غطرسة، وإنما ببذل المعروف حتى لغير أهله ليكون المسلم أهلاً للمعروف، يسدد ويقارب ولا يباعد.. هكذا ربى المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه ولنا فيه الأسوة الحسنة..
ولا شك أن عقلاء الغرب أنفسهم يسلمون بعقلانية المنهج الإسلامي في التعامل مع الآخرين وفي كل شؤون الحياة، لذا فإن بعض المفكرين ينظر بتفاؤل إلى أن الإسلام سيحكم العالم في القرن الحادي والعشرين ولا سيما آخره.. وغني عن القول: إن قانون نابليون مأخوذ من فقه الإمام مالك رضي الله عنه، وهذا يعطينا مثالاً قوياً على تفاعل الحضارات واستفادتها من بعضها البعض الآخر. والإسلام لا يزال يفتح بابه لأي فكر إنساني لا يتعارض معه، قال تعالى: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي }(24) سورة الأنبياء.
فالمعاصرة بناء على هذه الآية الكريمة يجب عرضها على منهج الإسلام للوقوف على كونها متفقة معه، فيأخذ بها، أو متعارضة معه، فيستغني عنها، كما إن الإسلام أبقى على قيم الجاهلية الإيجابية وقضى على السلبية منها كما هو معروف.... والله ولي التوفيق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.