(حلبة السباق أصبحت اليوم بلا خط نهاية!!) لم يستطع أحد أن يصف شكل منافسة اقتصادية - في اعتقادي - بأفضل من هذا الوصف الذي جرى على لسان رئيس شركة Xerox في وصف منافسة كانت تواجهها شركته قبل أكثر من عقد ونصف من الزمان!!. من سمع ذلك التعبير من اقتصاديي المنطقة في حينه ربما لم تتجاوز في نظره المقارنة بواقعنا من مقارنة حياة أسماك في حوض.. بحياة أسماك في محيط!! عناصر الصورة واحدة ولكن حجم التفاصيل أكثر تعقيداً!! المنافسة الاقتصادية اليوم صنعت على أعين منظمة التجارة العالمية (WTO) المنظمة التي وصف باسكال لامي - التكنوقراطي الفرنسي الذي فاز برئاستها مؤخراً - يوماً مفاوضاتها برجعية القرون الوسطى!! المنظمة الضخمة التي لا يبلغ عدد موظفيها المائة بمن فيهم الرئيس!! هذا العدد من الموظفين قد يوحي بشيء للعارفين بشكل الاقتصاد الجديد الذي أضحى أكثر من 90% من حجم التجارة العالمية يدور في إطار المنظمة العالمية، المنظمة التي لا تزال المملكة العربية السعودية أكبر اقتصاد خارج إطارها والدولة الخليجية الوحيدة التي لم تنضم للركب بعد!! اقتصادنا اليوم على أعتاب الدخول إلى بوابة المنظمة، والمستقبل قد يبدأ بعد أسابيع حين تنتهي جميع مباحثات الانضمام، ولذلك حرصنا في (الجزيرة) أن نتحدث إلى رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض الأستاذ عبدالرحمن الجريسي الذي يتابع الأمر وتأثيره على الاقتصاد الوطني باهتمام ليحدث قارئ (الجزيرة) حول قضايا كثيرة تحتل مساحة كبيرة في النقاش اليوم. هذه معادلة البقاء!! في البدء تحدث الأستاذ عبدالرحمن الجريسي حول رحلة الانضمام الطويلة التي اقتربت اليوم من إكمال اثنتي عشرة سنة قائلاً: بالفعل فقد طالبت المملكة العربية السعودية بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية منذ العام 1993م، بل إنها شرعت في تطبيق المتطلبات المؤهلة للعضوية قبل أن تبدأ في تطبيق خطة التنمية السادسة (1995 - 2000) والملاحظ أنه ليست هنالك قواعد أو إجراءات محددة لتنظيم التأهل للانضمام، ولكن تقوم الدولة المرشحة لعضوية المنظمة بالتفاوض مع ثلاثة أطراف مختلفة: أولاً مع منظمة التجارة العالمية ككيان متكامل، وثانياً مع جميع الأعضاء كل على حدة، وثالثاً مع أهم شركائها التجاريين (التجمعات الاقتصادية الإقليمية) مثل الاتحاد الاوروبي، بهدف الحصول على كامل الأصوات لنيل عضوية المنظمة. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة من بين دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تتمتع بعضوية منظمة التجارة العالمية في الوقت الحالي، إلا أن حكومة المملكة تبذل جهوداً حثيثة لتنفيذ إصلاحات مهمة وفعالة تهدف إلى تسهيل الانضمام إلى المنظمة، وتأهيل الصناعات السعودية بطريقة تمكنها من مواجهة المنافسة العالمية. وتشمل سياسات التطوير التي تنفذها المملكة حالياً تخصيص بعض شركات القطاع العام، وتخفيض التعرفة الجمركية، وتقليص عدد شركات القطاع العام، وتخفيض الإعانات على السلع، وتعديل وتحرير الأنظمة التجارية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، إلى جانب إصدار نظام جديد للاستثمار الأجنبي وتغيير نظام الكفالة. وحول ما قامت به الغرفة التجارية الصناعية من جهود لتهيئة الوحدات الاقتصادية للواقع التنافسي الجديد يؤكد الأستاذ الجريسي أن دوراً جديداً تقوم به الغرفة اليوم يتجاوز الإطار التقليدي السابق، معلقاً: "وقد نظمنا بدورنا في رحاب الغرفة التجارية الصناعية بالرياض مؤخراً (ندوة منظمة التجارة العالمية وتأثير انضمام المملكة إليها) وهي الندوة التي تمثل حلقة في سلسلة الجهود التي تبذلها الغرفة لتهيئة قطاع الأعمال في منطقة الرياض للتكيف والتواؤم مع متطلبات انضمام المملكة لعضوية منظمة التجارة العالمية، وتحسين قدرتها على التعامل مع ما ستفرضه عضويتنا للمنظمة من تأثيرات وتحديات حقيقية تستدعي من الجميع التحرك الجاد للاستفادة من الإيجابيات وتعظيمها وحصر السلبيات في أضيق نطاق. وإذا كانت المملكة الآن قريبة من دخول المنظمة بعد أن قطعت شوطا كبيراً في المفاوضات بعد أن استفادت كثيراً من الوقت والجهد سواء على مستوى أمانة المنظمة أو على المستوى الثنائي مع الدول الأعضاء بالمنظمة ومنها الاتفاقية الأخيرة التي أبرمتها المملكة مع دول الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن التي تمثل خطوة متقدمة على طريق الانضمام للمنظمة، فإن قطاع الأعمال السعودي مطالب وبإلحاح أن يسرع الخطى للارتقاء بمساويات الجودة الصناعية ومراعاة تطبيق المواصفات والمقاييس العالمية. هذا الانضمام سيضع القطاع الصناعي أمام مفترق طرق، حيث أشار الأستاذ الجريسي إليه بقوله: (إن على القطاع الصناعي تحديداً البحث عن أساليب مبتكرة لتخفيض تكلفة المنتج الوطني ليكون قادراً على المنافسة الصعبة مع المنتجات الأجنبية سواء داخل أسواقنا المحلية، أو في الأسواق الخارجية إذا ما أردنا تثبيت أقدام منتجاتنا في الأسواق العالمية، أي أننا لابد أن نعمل من أجل تحقيق معادلة تقول: جودة عالية وسعر اقتصادي منافس، وهي معادلة ضرروية من أجل البقاء بقوة داخل سوق قادمة ستعج بالمنافسة. ولاشك أن تلك الندوة حول تأثير انضمام المملكة إضافة للجهود الأخرى التي بذلتها الغرفة مثل الإصدارات والدراسات التي أعدتها لصالح المنتسبين إليها، تعتبر فرصة ممتازة لإثارة هذه القضايا وغيرها بما يمكن من تحقيق الأهداف المرجوة من أجل مساعدة قطاع الأعمال السعودي، على التعامل بإيجابية عالية مع تأثيرات دخول المملكة إلى المنظمة. هذه الإصلاحات ستعيد الأموال السعودية!! لم يفت الأستاذ الجريسي الإشارة إلى التغيرات والتطورات التنظيمية التي يشهدها الاقتصاد السعودي في هذه المرحلة، مشيراً وكمال قال: إن المنطلق الأساسي نحو إحداث عمليات التطوير الاقتصادي التي تنفذها حكومة خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، هو رغبتها في وضع نظم تجعل اقتصادها متميزاً بالشفافية والفاعلية. وهناك نقطتان جوهريتان لا بد من تحققهما للوصول إلى ذلك الهدف: هما بحسب توصيات بعض الجهات تخفيض، ومن ثم إلغاء الرسوم الجمركية على منتجات البتروكيماويات السعودية، (التي تدعي الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أنها مدعومة بما يصل إلى 30%) ودعم متطلات عدم التمييز بحيث تُعطَى للمستثمرين المحليين والأجانب فرصاً متساويةً في القطاعات الاستثمارية، مثل: السياحة، والبنوك، والاتصالات، والتأمين، والنقل، والمواصلات. ولعل هذه القطاعات تتعلق بشكل مباشر بالمستثمرين الأجانب, وهذا يعني ضروة تعزيز الفرص أمام القطاع الخاص السعودي، الذي ربما يكون شريكاً في تلك الفرص لإيجاد المزيد من الوظائف والمهن وعدم الاعتماد على الحكومة في هذا الشأن، وقد أصدرت الدولة مؤخراً بعض الخطوات الجيدة في سبيل تفعيل مشاركة الأجانب والمقيمين في المملكة، منها صدور نظام تملك غير السعوديين للأراضي والعقار، وإتاحة الفرصة أمام مواطني الدول المختلفة للاستثمار في سوق الأسهم السعودية التي تعد الأكبر على مستوى المنطقة، من خلال اثني عشر صندوق استثمار مشترك. ومن المؤكد أن هناك صعوبات عديدة ستواكب هذه الخطوة التي بتنا بالفعل قريبين جداً منها بحسب تعبير المسؤول عن ملف المملكة، حيث من المتوقع الانتهاء من جميع المحادثات المتعلقة بإتمام الانضمام خلال أسابيع من الآن وذلك بعد التقدم الكبير الذي حققته المملكة في تحقيق المتطلبات والشروط الواجبة في هذا الصدد التي تقدم ذكرها. فالعديد من الشركات والمؤسسات الصغيرة التي لا تمتلك الإمكانيات لمنافسة الشركات الكبيرة والمتعددة الجنسيات ستضطر إلى تقليص أو إيقاف عملها، وسيجد العديد من أصحاب الشركات الصغيرة في وضع يجبرهم على العمل لصالح الشركات السعودية الكبيرة أو الشركات الأجنبية. بالقدر الذي تمثله تلك الآثار سيكون الأمر متبايناً في قضايا دون أخرى وهو الأمر الذي تناوله الأستاذ الجريسي بشكل أكثر تفصيلاً بقوله: (وقد يتوقع أن ينتج عن خفض التعرفة والرسوم الجمركية وتحرير صناعة التأمين وتطوير القوانين التشريعية انخفاض في أسعار السلع نتيجة لانخفاض التكلفة، الأمر الذي يعني أن المنتجين الوطنيين والمستهلكين سيجدون أن الأسعار المحلية قد انخفضت، بينما ارتفعت أسعار السلع المصدرة، وستسمح قوانين المنظمة للمملكة بدعم المنتجات التي تقدم حصرياً إلى السوق المحلية أو التي تلبي حاجة ثقافية معينة في المجتمع السعودي كما تشير إلى ذلك قوانين المنظمة نفسها. كما أن نظام الملكية الفكرية سيشهد تغيراً بدرجة كبيرة بسبب الانضمام، وستكون هناك تأثيرات مباشرة لتطبيق أنظمة براءة الاختراع والعلامة التجارية على الشركات المحلية التي ستسعى إلى الاندماج والتعاون مع الشركات العالمية حتى تتمكن من تقديم الخدمات والاستفادة من إمكانيات الوصول إلى العملاء التي تتمتع بها الشركات متعددة الجنسيات. وعلى المدى الطويل، كما تقول بعض التقارير، ستتجاوز الفوائد التي سيجنيها الاقتصاد السعودي الشكوك والمخاوف الأولية، حيث تشير إحدى الدراسات التي أجراها البنك الدولي إلى أن وجود نظام واضح وفعَّال تتبعه دولة ما لحماية الملكية الفكرية، يؤثر بدرجة كبيرة على نقل الشركات الكبيرة للتكنولوجيا إلى ذلك البلد، وأشارت هذه الدراسة إلى أن 68% على الأقل من كبريات شركات الكيماويات والأدوية في الولاياتالمتحدة وألمانيا واليابان ترى أن مستوى حماية الملكية الفكرية في دولة يؤثر كثيراً على قراراتها بالاستثمار في ذلك البلد. وفي تقديري فقد أصبح انضمام المملكة العربية السعودية كما تؤكد ذلك أيضاً العديد من الجهات في القطاعين الحكومي والخاص، إلى منظمة التجارة العالمية أمراً حتمياً وضرورةً ملحةً، بل إنه يعتبر خطوةً ضروريةً نظراً للأهمية الاقتصادية التي تتمتع بها المملكة على المستوى الدولي. وليتحقق ذلك فإن هناك ضرورة لتغيير العديد من الأنظمة المحلية لتتماشى جنباً إلى جنب مع الإصلاحات الاقتصادية من أجل تسهيل وتفعيل تلك الخطوات الإيجابية التي تبذلها المملكة، التي من شأنها أن تعطي شفافية للاقتصاد السعودي وتسهل عمليات تحركه وتوقع مساراته وهذه الإصلاحات ستساعد على إيجاد مناخ جاذب للمستثمرين الأجانب واستعادة الكثير من من الأموال السعودية المستثمرة في الخارج).