بادئ ذي بدء.. نحمد الله عز وجل على كشفه للغمة وإزالته للمحنة والتي أظلت بظلالها على محافظة الرس، ثم إن كان للمحن من منح فإن ما وقع قبل أيام قد كشف لنا أهالي الرس بقرب عن فظاعة الإرهاب وعن خطورة الإجرام المنظم، نعم لقد كنا نسمع ونرى عبر وسائل الإعلام حيث كنا بعيدين عن موقع الأحداث بيد أننا الآن على بعد خطوات فقط من موقع الجريمة فننام وأطفالنا على أصوات الطائرات ونستيقظ على دوي الرصاص ونذهب لأعمالنا وقلوبنا مع أولادنا الصغار، قد سيطرت على عامة الناس مشاعر الفزع وأبان لهم أهمية الأمن للناس والحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم. إن أحداث الرس هي تتويج لأعمال الإجرام والإفساد في الأرض والذي لا يمكن أن يقبله دين أو ترتضيه ملة، فقل لي بربك أي دين هذا الذي يدعون يوم أن روعوا الأطفال الصغار في مدارسهم؟ أي دين هذا الذي يزعمون حين أخافوا الأمهات والآباء؟ أي دين هذا عندما هجروا الأهالي عن بيوتهم؟ إن الإسلام عندما نزل كان من أصول أولى أولوياته الحفاظ على أمن الناس (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) فكم جنوا على الإسلام يوم أن نسبوا الإفساد إليه؟ هذا الدين الذي نزل ليقول لنا: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ) هذا الدين العظيم الذي جعل عقاب امرأة آذت هرة جعل عقابها النار، إنه الإسلام الذي جعل عقاب من ينظر إلى بيوت الآخرين أن تفقأ عينه حفاظاً على أعراضهم. هذه الشريعة التي جعلت عقاب سرقة دريهمات معدودة جعل عقابه أن تقطع يده، فالإسلام جاء لحفظ مصالح الناس لهذا حرم السرقة والغش والاعتداء على الآخرين وإلقاء الأذى في طريقهم وغير ذلك، بل إن الله تعالى وعد المؤمنين بالأمن: (وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، ثم إن العجب حقيقة ليس من انحراف فئة ولا شذوذ طائفة، بل إن العجب الذي لا ينقضي والدهشة التي لا تنتهي عندما تنسب هذه الأعمال الوحشية إلى الدين الحنيف فهل بعد هذا من إجرام؟ أي آية في كتاب الله أو حديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيح هذا أو يجيزه، فضلاً عن أن يكون أمراً مشروعاً؟ بيننا وبينهم كتاب الله فهو الحكم والفيصل: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) سبحان الله كيف تقلب الحقائق ويلبس على الناس دينهم فيعتبر المفسدون في الأرض مجاهدين في سبيل الله ويعتبر المدافعون عن بلادهم وأوطانهم وأعراضهم مستباحي الدماء (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)، هذه البلاد مآزر الإسلام وقبلة المسلمين يتوجه لها المسلمون كل يوم خمس مرات (رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا) لا ترى فيه صنما يعبد ولا قبرا يعظم ولا ضريحا يطاف به، فماذا بقي للمسلمين من بلاد إن استبيحت هذه البلاد وأي مكان يجمعهم إن تشتت أهلها وأصبحوا شيعا وأحزابا يأكل القوي منهم الضعيف؟ وإذا كان الدين يعتبر ترويع الآمنين جريمة في حق المجتمع فإن السكوت عن إنكار هذه الأعمال جريمة أخرى لا تقل عن الأولى في خطورتها وفداحتها أو حتى تبرير أفعالهم وعدوانهم ومحاولة تلمس الأعذار لهم، ثم إن العاقل يتساءل واللبيب يندهش.. أي جرم ارتكبه أهل هذه البلاد حتى يعاقبوا بهذا الإجرام وأي سوء قام به هذا المجتمع حتى تصوب نحوه النيران؟ إنه الضلال والانحراف نسأل الله السلامة والعافية. وإذا كانت الأمم والشعوب تفخر بأحد فإنه يحق لنا أن نفخر بأولئك الأبطال الذين يغامرون بحياتهم من أجل استقرار البلاد (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) هم الأبطال الحقيقيون والشجعان الصادقون يوم أن ضحوا بأعمارهم وأرواحهم وحياتهم فداء لبلاد الإسلام أن تخدش أو تتعرض لسوء أو مكروه، هؤلاء الرجال يجب أن تنظم القصائد في مدحهم وتدبج المقالات في الثناء عليهم، هم القدوة يوم تقاصرت الهمم، ودنت الطموحات وسفلت الأمنيات، فلهم منا دعوات صادقات بالتوفيق الدائم لما فيه خير البلاد والعباد. وإذا كان المجتمع يأنف من السارق وقاطع الطريق وغيرهما ممن جرمهم محدود، فإنه من باب أولى أن ينبذ مخربي العقول ومفسدي البلاد ومروعي العباد وأن يقف في وجههم ديانة لله عز وجل، فجرمهم عظيم وبلاؤهم مستطير ودليل هذا أن الأعداء قديماً وحديثاً لا يفرحون بشيء مثل فرحهم بالخلافات الداخلية والصراعات البينية. روت كتب التاريخ عن فتنة الإمام أحمد في القول بخلق القرآن يوم أن كان عقابه السجن والجلد حتى كان يغمى عليه من شدة السياط بيد أنه في إفاقته كان يدعو لجيوش الخليفة - الذي قام بسجنه - أن تنتصر في عمورية فلله درك من إمام ولله درك من علم وحكمة، كما روت كتب التاريخ أنه حضر في جنازته ألف ألف من البشر، بمعنى أنه كان قادراً على تجييش الناس وتسييرهم حيث أراد، هذا العلم أمن وأيقن بقوله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا.. كتاب الله وسنتي).