الخريف يبحث في هولندا توطين الصناعات الطبية    الطرق تُعلن البدء بالتوسع في تنفيذ مبادرة تبريد الطرق    سفارة السعودية في المجر تنبه المواطنين بضرورة الابتعاد عن مناطق المظاهرات في بودابست    انتظام لاعبي الأخضر في معسكر الرياض    الانضباط ترفض شكوى الاتحاد ضد مالكوم وسعود    جوازات مطار الملك عبدالعزيز بجدة تستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين من سوريا    هلال الباحة يشارك في اليوم العالمي للتمريض    تراجع أسعار الذهب للجلسة الثانية على التوالي    "فلكية جدة": القمر في التربيع الأخير.. اليوم    تدشين فرع الصندوق الجديد بالهوية المعمارية المحدثة في جدة    فرع الإفتاء بمكة المكرمة ينفذ سلسلة دروس علمية    سفير المملكة لدى المغرب: مبادرة طريق مكة أسهمت في تقديم خدمات متطورة ذات جودة عالية    وزير الخارجية يشارك في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني    محافظ الدوادمي يترأس الاجتماع الثاني للمجلس المحلي    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة نابلس شمال الضفة الغربية    وزير الخارجية يصل الصين للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي    رياح مثيرة للأتربة على منطقتي مكة والمدينة وارتفاع ملموس في درجات الحرارة العظمى بالشرقية    مطالبة شورية بزيادة الرحلات الداخلية وإنشاء مطارات    أمير حائل يدشن عدداً من المشروعات التنموية    عقار جديد يعالج الاكتئاب الحاد    ابتكره علماء صينيون.. ما قصة الفايروس الجديد الذي يقتل الإنسان في 72 ساعة؟    على ملعب نادي القيصومة .. انطلاق المرحلة ال14 من برنامج اكتشاف المواهب    20 مليار دولار طلبات اكتتاب على «إصدار الصكوك الدولية»    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية    إمارة منطقة مكة تشارك بمعرض ( لاحج بلا تصريح ) بمحافظة الطائف    أمير عسير يخرج الدفعة ال 10 من طلاب وطالبات جامعة بيشة    وزارة الموارد البشرية والجمعيات الخيرية يطلعوا على تجربة منتجع اكرام الوطني    عبدالعزيز بن سعود يلتقي مدير عام مكافحة المخدرات في منطقة جازان    حل طبي يمكّن المكفوف من «رؤية» الأجسام    إسرائيل .. المأزق والعزلة    حسام بن سعود يكرّم 29 فائزاً وفائزة بجائزة الباحة    صوت صفير البلبل.. التفكير خارج الصندوق    أمير حائل يرعى التخرّج الموحد للتدريب التقني    جانب الظل    بين الإيمان والثقة    حجاج بنغلاديش: «ضيوف خادم الحرمين» امتداد لعطاءات المملكة بخدمة الإسلام والمسلمين    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات في منطقة جازان    خالد بن سطام يشهد تخريج 7,066 من المنشآت التدريبية    العلاج بالخلايا الجذعية إنجاز علمي للشفاء من السُّكري تماماً    هذا السبب يجعلك تنام وفمك مفتوح !    محاولات فك الشراكة السعودية - الأمريكية !    لا تستفزوا الهلال !    أهمية الطيران في الاقتصاد السعودي    أمير القصيم يرعى حفل جائزة إبراهيم العبودي للتفوق العلمي بتعليم المذنب    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تكريم الكفاءات المتميزة بتعليم المدينة    رونالدو يتسلم جائزة هداف دوري روشن    إطلاق جائزة الفريق التطوعي بالقصيم    ربط رقمي بين الصندوق الصناعي و«تنفيذ»    تعزيز التعاون القانوني مع كوريا    ضمن رؤية المملكة 2030 .. الهلال الأحمر يستعد لخدمة ضيوف الرحمن    أمير الشرقية يتفقد خدمات المستفيدين بالإمارة    تكثيف الحشد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين    بداية من الموسم الرياضي الجديد 2024-2025 .."حراس المرمى" في دوري "يلو" سعوديون    المدافع الإيطالي المخضرم ليوناردو بونوتشي يعلن اعتزاله    مايو زعيم التوعية الصحية عالميا    وزير الداخلية يلتقي القيادات الأمنية في منطقة جازان    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    جامعة الفيصل.. نموذج في التعليم الجامعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات البلدية.. غرس نواة لانتخابات غير متشنجة
حسين العذل في حديث شامل ل( الجزيرة ) عن الاقتصاد والمجتمع والفكر والثقافة:
نشر في الجزيرة يوم 15 - 03 - 2005

أين نحن من ذلك الجيل الذي أحاطت به شجرة المعرفة وجلس على ظلها الوارف، فرماها بحجر ليتذوق ثمارها هنيئاً سهلاً ومغذياً لا كدر في رحيقها ولا مضافات تنتقص من نكهتها، هؤلاء هم من ينبغي أن نستمع إليهم صبحاً وعشية لنستلهم العبر ونتحسس الطريق، لأنهم يعرفون ومجربون، مشوا بأرجلهم، فكانوا أكثر قرباً لجغرافيا الوطن، وحدقوا ملياً في الناس والمعالم فكانوا أكثر ألفة للمكان، قرؤوا الكتاب بتمعن وتأنٍّ وصبر ولم يتعجلوا متونه وهوامشه.
وقد حاولنا في هذا اللقاء مع أمين عام الغرفة التجارية الصناعية بالرياض والأديب المثقف حسين بن عبدالرحمن العذل أن نقلب صفحات كتاب تجربة ثرية، فيها ما فيها من التنوع والاختلاف، لكنها تتأطر بسياج محكم من الشروط الإنسانية الرحبة في كل ميادينها العملية والمعرفية.
وقد اخترنا أن تكون محطتنا الأولى في الحوار هي تجربة غرفة الرياض التي نلمح توجهاً متنامياً فيها الآن نحو الجمع بين وظيفتي العمل الاجتماعي والاقتصادي.. وهل ثمة مفارقة بين خطين يبدوان متوازيين في حين انهما يمضيان لوجهتين متباينتين؟
****
يقول أبو فهد في بداية إجابته:
هذا سؤال جيد.. الحقيقة دائماً هاجس الشخص ألا يفرط في مسؤولياته الأساسية، لكن وصلنا مرحلة من النضج بحيث إن أساسيات عملنا الخاصة المتعلقة بالقطاع الاقتصادي وخدمة منتسبينا من رجال الأعمال تأصلت وأصبحت تقوم به إدارات متخصصة ويقوم عليها مساعدون للأمين العام، ويعدّ أعلى مستوى إداري، واللجان يرأسها أعضاء من مجلس الإدارة قادرون في توجيهها الوجهة الصحيحة، هذا فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي، بقي العمل الاجتماعي، وهو هاجس وجانب أصيل من اهتمامات رجال الأعمال لأنهم كأفراد منخرطين في العمل الاجتماعي ولكن لا يسجل (طبعاً ليس الفرض التسجيل بقدر ما هو دحض بعض المقولات)، فوجدنا أن القناة المثلى هي تركيز هذا العمل من خلال قناة واحدة تكون شبيهة بما يعمل به الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر في الدول فيما يتعلق بتبرعات وإعانات ومساهمات الدول من وجهة نظر رسمية.
فما لدينا هو محاولة بلورة جميع أنشطة رجال الأعمال من خلال هذه القناة، لأنه ليس بالضرورة أن نقوم بجميع أنشطة خدمة المجتمع التي تقوم عليها الغرفة ولكن نحن المظلة والقناة ونساهم في التنظيم.
طلب المزيد
* وهل لامستم رضا من رجال الأعمال؟
- نلمس دائماً طلب المزيد وهذا الذي يشجعنا أن نتوسع أحياناً إلى درجة قد يعتقد البعض أن هناك خروجاً أو بعداً عن المهمة الأساسية، لكن نحب أن نطمئن الجميع أن المهمة الأساسية استقرت وهي في أيادٍ أمينة وقائمين عليها بمنهجية معينة وفق خطط.
مشاركة المرأة
* لو تحدثنا عن الحدث الأهم في الانتخابات الأخيرة لأعضاء مجلس إدارة الغرفة، وهو مشاركة المرأة (سيدة الأعمال) في هذه الانتخابات بشكل مباشر دون وسيط أو وكيل شرعي، فهل كنتم متوقعين هذا التفاعل من سيدات الأعمال اللاتي لم تتجاوز مشاركتهن في هذه الانتخابات 40 صوتاً؟
- أولاً لكل شيء بداية، ونحن سعدنا في غرفة الرياض عندما يسر الله أمورنا وفتحنا القسم النسائي، وسعدنا أكثر أننا وفقنا في مديرة القسم الأميرة هيلة بنت عبد الرحمن الفرحان آل سعود التي استطاعت أن تحافظ على متطلبات الجميع وتتيح الفرصة لسيدات الأعمال أن يشاركن في الفعاليات الاقتصادية وأيضاً تحافظ على الثوابت واضعة في الحسبان نوع المجتمع وثقافته ومتطلبات المجتمع وقيم المجتمع الذي نعيش فيه، طبعاً البداية دائماً تكون متواضعة، ولذلك لا أخفيك أننا كنّا متوقعين أن تكون مجرد مشاركة رمزية ولكن الحمد لله وجدنا أنه بسبب وعي المجتمع وتلمسه لحاجات النصف الآخر أصبحت النساء بما فيهن منتسبات الغرف جاهزات لممارسات هذا الدور وسعدنا جداً أن بعضاً منهن مارسن هذا الدور، ونتأمل في المراحل القادمة أن يمارسن حقهن ليس كمنتجات، بل أيضاً كمنتخبات، وعندما تتيسر الأمور ويتيسر التنظيم بالغرفة فلا أشك مطلقاً أنه سيكون هناك مقاعد للنساء وتكون المشاركة النسائية لها صوت.
جهد المقل
* لو ابتعدنا عن الغرفة، بين يدي السيرة الذاتية لكم.. عضو في مجلس الإدارة لمجلس الصندوق الخيري لمعالجة الفقر ومركز الأمير سلمان الاجتماعي وجمعية الهلال الأحمر ومجمع الأمل وكلية اليمامة والتدريب الوطني المشترك واللجنة الاستشارية المشتركة بين الخطوط السعودية والقطاع الخاص واللجنة السعودية لتطوير التجارة السعودية وهناك لجان وجمعيات أخرى تشتركون في عضويتها، فهل انضمامكم لكل هذه اللجان يعني انضماماً شرفياً فقط؟
- في الحقيقة.. صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكوا للرسول وقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الرشود بالأجور.. يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، وهذا حال من يعمل مع رجال الأعمال مثلي، لا أدعي أنني من غير الموسرين لكن ليس للدرجة التي تجعلني أستطيع المشاركة والمساهمة الفاعلة من الناحية المادية، بقي جانب آخر وهو عندما ردّ الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال: إنه في كل تسبيحة صدقة وفي كل تهليلة صدقة وان إماطة الأذى عن الطريق صدقة والكلمة الطيبة صدقة، وأشار إلى مناحي الخير المعنوي، هذا مدخل جيد بالنسبة لنا، ونحن نقول كما يقول حافظ إبراهيم:
لو ملكنا غير المقال لجدنا
أن جهد المقل حسن المقال
فعزمت على نفسي أنه عندما تتاح لي الفرصة أن أكون فاعلاً وليس شرفياً، بحيث أشارك في أي جمعية أو مؤسسة أو فريق عمل له نشاط اجتماعي، ولا أدّعي فضلاً ولا أدّعي كمالاً ولا أدّعي إنتاجية غير عادية، ولكن أشعر أنني أساهم كما يساهم الاخوة الآخرين.. لست أقل عطاء بالتأكيد، لذلك ليست مساهمة شرفية، لأن مثل هذه الجمعيات غنية من مساهمة أمثالي وتود أن تكون هناك إنسان ينخرط ويساهم في الفكر والاتصال والعمل والتحليل والقراءة والاطلاع والمساهمة وأرجو من الله أن أكون عضواً عاملاً على ما آخذه على عاتقي أن أشارك فيه.
أتت متأخرة
* لو سألتك عن الكليات والجامعات الأهلية لدينا، هل ظهورها متأخرة أمر إيجابي؟
- أولاً غرفة الرياض كانت سباقة لقرع الجرس قبل ما يزيد عن عشر سنوات، وبالتحديد قبل مجيئي للغرفة، عندما كان الأستاذ صالح الطعيمي أميناً عاماً للغرفة طرح موضوع الكليات الأهلية وأخذت الغرفة على عاتقها إجراء دراسة جدوى مثل هذه الكليات وعرضت على وزارة التعليم العالي في حينه ولكن لم يكن ذلك الوقت المناسب لأسباب كثيرة لا نود الخوض فيها، نعم أتت متأخرة لكنّ هناك مثلاً فرنسياً يقول: (تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي)، فمن وجهة نظري
التعليم الأهلي يحمل في طياته أمرين:
الأمر الأول: سد فراغ وحل إشكالية قائمة وإتاحة مقاعد أكثر لشبابنا ولشاباتنا.
الشي الثاني: أن هذا المجتمع الإسلامي قام على الأوقاف في التعليم وفي الخدمات الاجتماعية والصحية وتفوق على جميع المجتمعات التي عاصرته إبان عصر أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان وتبعه من تبعه من الخلفاء المؤمنين في النصف الأول وفي ثلثي النصف الأول من العصر العباسي حتى بلغت القمة بوقف على أدوات التنظيف، وبوقف على أماكن الدراسة وأماكن الاستشفاء وغيرها، ولذلك أنا سعيد جداً أن نحيي هذه السنّة الحسنة التي قام عليها جانب أساسي من حضارة الإسلام، طبعاً بالعلم والمال نبني المجد، ولذلك مبدأ لا ضرر ولا ضرار، نتلمس حاجة المستثمر وحاجة المجتمع وإن شاء الله سننتهي بأن يصبح هناك العديد من الأوقاف على مثل هذه الكليات الأهلية وتعود حضارة الإسلام وتزدهر في نفس المكان التي بدأت فيه، وسبق لي عندما كنت أدرس في جامعة سياتل الأمريكية أن وقعت يدي على مقال جيد عنوانه شكراً للوقف الإسلامي، ويتحدث الكاتب في المقال عن الوقف الإسلامي، ويقول: إنه فتح لهم آفاق ما يعرف ب(الترست) وهو شبيه بالوقف، لكن ليس تحت غطاء ديني، والذي يستطيع المكلف أن يفرد جزءاً من ماله ويتعامل معه وكأنه مؤسسة وينمي موارده ويقوم بالصرف من ريعه، إما على الخير أو على أولاده، كأن يجعل وقفاً لتعليم الأولاد أو وقفاً لتطبيب الأولاد لو احتاجوا لا سمح الله أو وقفاً للشيخوخة، فإذا كان الغرب وجد ضالته في مثل هذا العلم الذي طرقه علماء المسلمين وفقهاؤهم وأئمتهم قبل قرون فحري بنا أن نعود إلى ما بدأنا.
الفكر العربي
* معلوم أنكم عضو في مؤسسة الفكر العربي، فما هو عمل الأعضاء في هذه المؤسسة؟
- بدية أود القول: إن مؤسسة الفكر العربي فكرة خلاقة لمحاولة المواءمة بين المال والفكر دون أن يكون لأحدهما سلطة توجيهية على الآخر، طبعاً يصعب أن تجد من يملك زمام الأمرين، لكن وفق صاحب الفكرة وهو الأمير خالد الفيصل إلى حد ما.
في البداية ما زال أمامها مشوار طويل، لأنها ليست مؤسسة محلية وإنما عربية الفكر وعربية التكوين وعربية التأسيس، رئيسها من السعوديين وأنشئت في لبنان وأنشطتها في البلاد العربية عامة، حاولت وتحاول أن تحتوي المفكرين وتشجعهم وتمد يد المؤازرة لهم، لكن تحتاج مثل هذه الثقافة ثقافة المشاركة بالفكر، وما من بأس الانتساب المادي، ولكن المسيرة الطويلة ستكون للمساهمة الفكرية، أنا مثلاً متطفل لكن طالما أتيحت لي الفرصة أن ألج هذا الباب من حقي كمواطن عربي أن ألج هذا الباب وأتمنى أن يأتي يوم من الأيام أستطيع وأمثالي ممن أتيحت لهم فرصة العمل في القطاعين الحكومي والخاص في بلورة هذه التجارب وطرحها في نهج فكري لمساعدة التنمية الفكرية والإدارية العربية والفكر العربي بوجه عام.
أما عمل الأعضاء فهو المشاركة فقط، المشاركة بالأطروحات أحياناً، المشاركة بأوراق عمل، وبالتأكيد إثراء النقاش عندما تطرح أفكار معينة واجتماعات معينة.
* هل القطاع الخاص شريك لهذه المؤسسة؟
- لا، هي ليست شريكاً للقطاع الخاص وإنما أتاحت الفرصة لأهل المال أن يلجوا باب الثقافة وأتاحت الفرصة أن يجدوا فرصة قناة سالكة للتحدث مع أرباب المال.
مشاركة جزلة
* وهل أصحاب المال أدوا الدور المطلوب تجاه هذه المؤسسة؟
- بنظرة سريعة لمجلس أمناء المؤسسة تجد دهاقنة المال في العالم العربي شاركوا مشاركة جزلة، ناهيك عن أن عضوية مجلس الأمناء لا يتشرف بها إلا من دفع مليون ريال أو أكثر والعدد ليس بقليل، بل في تزايد.
التوافق العربي
* ما الذي يمكن أن تحققه هذه المؤسسة الفكرية من التوافق العربي على المستوى السياسي وليس على المستوى الثقافي؟
- أولاً مجتمعنا مجتمع حياء، ولذلك عندما تطرح قضية سياسية في سياق فكري وعندما تغلف بغلاف أدبي يصعب على أكبر السياسيين المجابهة، ويكفينا عندما تصل الفكرة إلى أصحاب القرار، وأصحاب القرار ليسوا من الأشرار، لنفترض كلّهم من الأخيار، من ناحية المبدأ فالإنسان المسلم والعربي حسن الظن بأخوته، فنحن نقول: منتدى أو مسرح لتلاقح الأفكار وبلورتها وعندما تطرح على السياسي ليس كمطلب شعبي يسقط حكومة وينجح حكومة أخرى وإنما مطلب فكري والفكر عادة لا يصاحب صاحب ولا يعادي، لأنه يطرح الفكرة ويطرح الفلسفة ويطرح المجال للأخذ منها أو تركها للآخرين.
تجربتي الحكومية
* لو انتقلنا للحديث عن تجربتكم في العمل الحكومي، كيف تنظرون الآن لتلك التجربة؟
- ممكن أقسمها إلى قسمين:
القسم الأول: عندما انتهيت من الدراسة كان هناك فرصة للابتعاث لكن لأسباب عديدة لم ابتعث خارج المملكة، فالتحقت بالعمل في وزارة الداخلية وتنقلت داخل فروع وزارة الداخلية في ذلك الوقت وهي الداخلية والجوازات والبلديات والأمن العام وجميعها مربوطة بوزارة الداخلية.
والمرحلة الثانية: عندما أتيحت لي الفرصة للابتعاث وأنا على رأس العمل في وزارة الداخلية ووفقت في إكمال دراستي الجامعية والماجستير، ثم عدت لأعمل خمس سنوات أخرى، المرحلة الأولى لا تعدى أن تكون مرحلة تقليديه جداً تعلمت من خلالها - إذا صح التعبير - جميع أسس تعامل القطاع الحكومي البيروقراطي، وكيف تدار الأمور؟ وكيف تسجل المعلومات؟ وكيف تتخذ القرارات؟ طبعاً في محيطي المتواضع، أما عندما عدت من أمريكا واكتسبت تجربة اجتماعية رائدة ذهبت مع أسرتي وأطفالي وكانت مرحلة نضج، لذلك فإن الفائدة كانت مضاعفة وخصوصاً في الفترة التي كنت فيها، وهي فترة ما بعد حرب فيتنام وبعد إرهاصات الستينات الميلادية وبدء تكوين استقرار المجتمع الأمريكي بفلسفة معينة ونهج معين.
فترة إنتاج
* إذاً المرحلة الثانية كانت في السبعينات الميلادية؟
- وصلت هناك في نهاية صيف 71 وعدت إلى المملكة نهاية 77م، كانت فترة قصيرة، لكن نظراً لأنني كنت في مرحلة نضج، كان جلّ الوقت رهين الدراسة، لذلك كنت آخذ أكثر مما يأخذه غيري، ووفقت لإكمال الدراسة في وقت قياسي، ثم عدت إلى هنا، كانت فترة إنتاج وخصومة ومشاركة فعالة في وزارة الداخلية، عندها خيّرت آنذاك أن أعمل مديراً عاماً لمكتب الاستقدام أو مديراً عاماً للشؤون المالية أو مديراً عاماً لشؤون السجناء، اخترت الأخيرة لأنها تلامس شيئاً في نفسي وهي امتداد لتلك الرغبة، لأنني أعشق العمل الاجتماعي وتيسر لي أن أساهم في تأصيل العمل الاجتماعي فيما يخص شريحة معاقة، فالسجناء يعدون معاقين عن ممارسة حقهم الطبيعي باعتبارهم ارتكبوا ما يتطلب حجزهم خلف القضبان ولهم أسر يستحقون هذه الرعاية، هذا الكلام كان - كما ذكرت - بعدما عدت إلى المملكة عام 1778م، واستمررت لمدة خمس سنوات وتركت العمل الحكومي مختاراً عام 1403ه، لأنني وجدت أفق ما أعمله محدوداً وقد يكون الأفق واسعاً في القطاع الخاص، ثم هناك حاجة إلى تحسين الوضع وبناء الأسرة، نعم الفكر جيد، لكن هناك متطلبات للأسرة ولم أستطع الوفاء بتلك الالتزامات من سيارة وتحسين دراسة الأولاد إلى آخره فاتجهت إلى القطاع الخاص.
السجون
* بحكم تجربتكم العملية في السجون.. كيف تقيّمون وضعها الآن؟
- بعد هذا الانقطاع الطويل، فلست ملماً بالوضع ولكنني أشارك في ندوة أو محاضرة، وعندي هذا الهاجس، خاصة عندما قرأت مؤخراً في إحدى المجلات البحث عن بدائل لمن عقوبته لا تتطلب السجن.
المؤسف أن السجن هو الحل الأول لجميع مشكلات المجتمع، وهذا يسبب تكدس السجون، ويؤلمني أن قاعدة التجريم في مجتمعنا عريضة جداً حتى وإن كانت لمخالفات بسيطة، يسجن الإنسان ولا يتعلم من السجن في الغالب إلا أشياء سيئة، وبالرغم من أننا نقول: إن هناك وعظاً وإرشاداً وهناك من يحفظ القرآن لكن يظل جميع هؤلاء الناس دون التمييز وبشرائح مختلفة تحت سقف واحد قد يضيق، ومن وجهة نظري المتواضعة أود أن يقتصر السجن فعلاً على من يصدر ضده حكم شرعي لمخالفته، أما الأمور الاجتماعية وهي مهمة جداً فليس السجن هو المكان الملائم لها، فمثلاً.. أدخله دورة اجتماعية بدل السجن أفضل. وأتمنى أن تكون العقوبات بمثل هذا الشكل، فنحن نخسر في السجن ولا نستفيد كثيراً، هذا غير أن المجتمع غالباً يعاقب المسجون بعد خروجه أكثر من عقوبة الشرع، لكن سنجد الذين يستحقون السجن هم قلة وأتمنى إن شاء الله أن تكون السجون فعلاً تخرج أناساً صالحين وليس أناساً خارجين عن القانون.
ليست حقيقة مطلقة
* وهل هذا يجعل السجون غير مكدسة، ودور المؤسسات الخيرية في هذا المجال لا يكفي؟ - أود إيضاح نقطة سابقة، وهي أنني لما قلت تكدس السجون، لا يعني هذا أنها الحقيقة المطلقة، لكن أقول توسيع قاعدة التجريم تجعل دائماً السجون متكدسة، مثلاً عندنا عفو سنوي، لكن بعد العفو بفترة قليلة تمتلئ السجون، فما أقصده تجفيف المصدر ولا يعني كلامي هذا أن نقول للمخطئ: أحسنت، بل نبحث عن وسائل رادعة أخرى تقلل العائدين إلى السجن، بحيث نخاطب سلوكيات، نخاطب أشياء معينة في داخل المذنب الذي قد تكون فيه جوانب خيّرة نود تفعيلها، طبعاً من الجميل أن يكون هناك مؤسسة خيرية، وهناك بالفعل مؤسسة خيرية يرأسها الزميل عبد الله سليمان المقيرن العضو السابق لمجلس الإدارة ويشرف على إدارة خدمة المجتمع في الغرفة ويعمل مستشاراً لمجلس إدارة الغرفة في النواحي الاجتماعية وهي اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم بمنطقة الرياض، لكن هذا لا يكفي ونود أن يكون في صلب نظام العقوبات جزاء إصلاحي أكثر منه وقائي.
11 سبتمبر
* لو انتقلنا إلى موضوع آخر.. فالعالم صار يتسارع بعد 11 سبتمبر، وتواجه المملكة حملات شرسة ومسمومة، فهل نحن قادرون على ردع هذه الحملات؟
- أولاً: العالم يتسارع قبل 11 سبتمبر، ولكن كما يقول الحارث بن عباد البكري:
لم أكن من جناتها علم الله
ولكني بحرها اليوم صالي
نحن جرتنا الأحداث بحيث جعلتنا في قلب الحدث، عندما تكون في قلب الحدث لا تستطيع أن تدعي الكمال، لا كمجتمع ولا كقيادة، طبعاً ما يقال له جانبان، جانب حق يُراد به حق وهذا مقبول منّا ومحبب ورحم الله من أهدى إلى عيوبي، وحق يُراد به باطل، وهنا يجب أن ننبه إلى مخاطر الانزلاق إلى من يحاول هذا الذي يود الباطل أن يجرنا إليه ولكن لا نغفل أن ما يقوله حق ويجب أن نكمل ما يقول إذا كانت ملاحظات ليس إرضاء له ولكن أيضاً الحقيقة ضالة المؤمن أين ما وجدها يأخذها من أي فم ومن أي إنسان، أما الجانب الآخر فهو باطل يُراد به باطل وتهويش وادعاء على الإسلام أو الحكم أو المجتمع وهذا قادرون بما أوتينا من قدرات وكفاءات والتزام وعقيدة وسماحة بالإسلام قادرون على أن نقارع الحجة بالحجة وألا نتبرم من نقد الناقد، بل بالعكس، فالرسول صلى الله عليه وسلم قضى جلّ عمره داعية وكان أبو بكر رضي الله عنه معه ينافح في أمور لا يود الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخوض فيها، مثل أمور الأنساب والقبائل والمرافعات، نحن نقول: يجب أن يكون صدرنا واسعاً، لأننا أصحاب رسالة لا تقتصر على هذا المجتمع وإنما تمتد إلى أي إنسان في الكرة الأرضية، فلسنا أوصياء ولكن عندما تتاح لنا فرصة التذكير والتنوير وبث هذه الرسالة أن نبثها، وطبعاً بدأ الإسلام عندما كان الغالب أو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن تكون الغالبة هي دولة الإسلام أمر بالجهاد، فقال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) الآية، أيضاً قوله تعالى: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فإنهمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ) الآية، وبدأت المعارك الإسلامية التي كانت كلّها خير وبني المجتمع الإسلامي.
اختلفت الصورة الآن واختلف الوضع الاجتماعي واختلفت الوتيرة والوقت، والله سبحانه وتعالى يقول: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)، وبقاء الحال من المحال، ونحن الآن نمر بمرحلة ضعف وليست مرحلة قوة، ولكن هذا يلزمنا، بل واجب أن نكافح بالأسلحة المتاحة، وسلاح الفكر هو المتاح الآن، تقول الآية الكريمة (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وفي آية أخرى يقول تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تبيّن الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فالرفق والفكر مطلوب، والله سبحانه وتعالى امتدح الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية إحدى السور الطوال بقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..) الآية، ويقول الله في آخر سورة التوبة مخاطباً المؤمنين أيضاً ويريهم الفضل الذي تفضل به عليهم: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، فالله سبحانه وتعالى كما أمر الرسول المصطفى أن يصدع بالرسالة وأمر المؤمنين أن يجاهدوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، أيضاً عندما مكّن الله لهذا الدين وأصل ثقافة هذا الدين أمر بالمجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة ولدينا مساحة عريضة كبيرة لا يعترض عليها أحد، فنحن الآن قد تنبهنا لأمر يمكن أن نكون قد جانبناه قليلاً واعتقدنا أننا لا نحتاجه والعود أحمد، نعود إليه الآن على المسيرة، ولا تقف مسيرتنا والاختلاط بالعالم لا يقف والاستفادة من الآخرين لا تقف، حضارة الإسلام بنيت على الترجمة في منتصف العصر العباسي وعلى وقت الخليفة المأمون تخصيصاً، حتى إن جزءاً من دهاقنة اللغة العربية كابن المقفع وسيبوبه كانا من الفرس ولم يمنعهما هذا من التلذذ والغوص في بحور اللغة العربية، فلا يمنع أن نستفيد من ثقافة العالم الذي حولنا وأخذ الجيد منها، وأيضاً الدفع بقيمنا وحضارتنا، لأن الله سبحانه وتعالى كمل لنا هذا الدين: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا) انتهى وليس هناك مشاحة بأن هذا هو الدين الكامل. السؤال: كيف نستطيع بالكلمة الحسنة أن نقدم هذا الدين؟ يعني تسويقاً، ونحن مأجورين على هذا، وفي معنى الحديث الشريف: لئن يهدي الله رجلاً على يديك خير لك من حمر النعم، ويتم ذلك عن طريق مفكري المسلمين وعن طريق المجتمع الإسلامي، ومثلاً مكرمة الأمير عبد الله لعلاج البولنديتين لعبت دوراً أكبر مما يمكن أن تلعبه ملايين الريالات في مجتمع مسيحي محافظ، وأعني المجتمع البولندي، ويكفيك أن بابا الفاتيكان من أصل بولندي وعاش في بولندا، وعندما رأى هذا المجتمع ما قدم للطفلتين البولنديتين قبل وبعد فصلهما عرف القيم الإنسانية التي يتمتع بها المجتمع السعودي، وهذا نوع من الجهاد وصحيح أنه كلف مالياً وجسدياً، ولكنه وفر الكثير من الوسائل التي قد نفشل في إنجازها لإظهار قيمنا الإنسانية عند الآخرين، فالآن عندما نقول: إننا من مجتمع الأمير عبد الله الذي فصل التوأمتين اختصرنا مسافة طويلة لبقية ما نقوله من معلومة، وممكن لنا أن نعمل الكثير والكثير في هذا السبيل، وأعطيك مثلاً آخر كالخادمات والسائقين في المنازل.. لو كان التعامل حسناً ولطيفاً معهم وأجزم أن الغالبية يقومون بذلك لفعّلنا دوراً جميلاً لصورتنا، وهذه فرصة أتيحت لنا ولم تتح للكثير من بلدان العالم، القرآن الكريم يحثّنا على ذلك بقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إليهمْ}.
الحوار الوطني
* أرغب في الاستماع منكم لما يحصل حالياً من حوار وطني، الذي ينظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني؟
- بداية، جيد أن نحضر سوياً، ومع من كان صعباً عليهم أن تجعلهم على مائدة واحدة وطرح موضوع واحد، وهذا تم أو على الأقل أتى جزء من ثماره من أجل أن يكون الواحد منطقياً، وقد تشرفت بالمشاركة في إحدى فقرات هذا الحوار فيما يتعلق بالمرأة، ولكن لأجل أن يكون ذا جدوى يجب أن ترفع عنه الوصاية، توضع القوانين أو المعايير العامة وترفع الوصاية عن الاختيار وأن يسمع صوت الجميع وأن تكون الإدارة ليست دائماً رسمية ولها صبغة معينة، ليس بالضرورة ً أن يكون أحد علمائنا، علماء الدين الأفاضل، من الممكن أن يكون مثقفاً أو أديباً.. ممكن شاعر، ممكن خطيب، ممكن رجال أعمال، ويدير الحوار ويُطرح قضايا، ترتب أهم عشر قضايا ويختار منها واحدة أو اثنتين من الحضور.. كيف صلحت أوروبا؟ - إن كانت صلحت - في نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين أو بالأصح القرن الثامن عشر أو التاسع عشر وبداية القرن العشرين، هناك ما يسمونهم بالمصلحين الاجتماعيين أو (الرينسانس)، هؤلاء كتاب مثل: جان جاك روسو مثل: شانز، كتاب كثيرون من مختلف المشارب، منهم الشيوعي ومنهم الاشتراكي ومنهم المتدين وغير المتدين ومنهم فولتير وغيره وغيره، هؤلاء أتيح لهم مناخ أنه لا يزايد عليهم أحد، لكن لا يدعون إلى محرم يعني لم يقولوا كلاماً في المسيح عليه السلام ولم يقولوا كلاماً يخدش الحياء.. التهجم على مريم عليها السلام لم يقولوا في عذريتها أو ما حباها الله من مكارم أو من آيات.. لم يمسوا جوهر الدين النصراني أو النصرانية ولذلك انطلقوا من قيم النصرانية وبدؤوا يكرّسون الكتابة عن القيم الاجتماعية وأسس التعامل وعن الصدق في التعامل أو شيء نسميه نحن أو درسناه وهو الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ولا ترى أثره، وعندما أقول: ما تشوف أثره لا أعني لا الناهية أو لا النافية للجنس وإنما أعني الغالبية يجب أن يأتي الوقت الذي نشعر إذا أتينا نشتري أو نبيع أنه لا يوجد غش، أنك تأخذ حقك لكن ليس عن طريق الغش ولا عن اليمين الغموس ولا المزايدة على بعض ولا يجوز أن ينصب الواحد نفسه إلهاً على الناس ويبدأ يعطي هذا شهادة حسن سيرة وسلوك وهذا لا يظن بالناس خيراً ويظن بالمجتمع خيراً، عندما يُتاح هذا المناخ للمفكر يبدأ الإبداع، وأبو حنيفة رحمة الله يقول: (أما الكتاب فلا مشاحة وأما السنّة فما ثبت عن رسول الله وأما الاجتهاد فهم رجال لهم عقول ولنا عقول) واجتهد فيما يرضي الله في وقته فاتحف الفقه الإسلامي بصفحة كتبت من نور.
ما أقصده عندما تكون الدولة عزيزة وقوية متمكنة والمجتمع متمكن يصبح متسامحاً والتسامح لا يعني التفريط في شرع الله، التسامح يعني إحسان الظن في الجميع والدعوة بالأسوة الحسنى، لأننا لا نخشى على الدين في بلدنا أن يضمحل ولا نخشى في يوم من الأيام أن تقفل المساجد ولا في يوم من الأيام ألا يصلي الناس، بالعكس نحن نشاهد أكثرية الناس تعود إلى الإسلام وهذا خير وخير كثير، نود أيضاً عندما تتاح لنا الفرصة أن تتاح أيضاً لعلمائنا ولمفكرينا ولأدبائنا وشعرائنا.. لا ننمسك بالألفاظ وحرفية الألفاظ.. نتيح المجال للغة العربية، فهي ذهب.. بحر زاخر عندما تُصاغ وتكتب، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: فيما معناه: كنت أرى قس بن ساعدة الأيادي وهو على جبل أورق في سوق عكاظ عندما قال خطبته المشهورة: ما لي أرى الناس أو ليل داجٍ وسماء ذات أبراج مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمنامي، فناموا أرضوا بالمقامي.. فقاموا لا بد للكون من صانع، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلذذ وهو يسمع مثل هذا الكلام، ويقال: إن قس بن ساعدة هو من قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر وثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف وأصبحت إحدى قواعد الشريعة الإسلامية، فلا يعني أن نؤاخذ الناس على الحرف.
امرؤ القيس استخدم ألفاظاً قرآنية وبقيت إلى الأبد، مثل:
يطعمون الناس غباً في السنين الممحلات
بجفان كالجواب وقدر الراسيات
ومع الأسف رأيت في إحدى الفضائيات في أحد الأيام أحد أقباط مصر وكان يستهجن ما ورد في القرآن الكريم عن رواسي الأرض، ويقول: كيف ذلك والأرض تدور مع علمه أنه لو قرأ هذا البيت لكفاه، فاللغة العربية تعني بالرواسي ليس التثبيت عن الحركة وإنما وضع الحركة المتوازنة، بحيث إنها إذا دارت لا تدور وينقطع بعضها على بعض، فالمفكرون والأدباء والشعراء وعلماء اللغة لديهم الكثير والكثير عندما تتاح لهم الفرصة، فهاجسي أن يكون هناك مناخ للتسامح لا التفريط وهناك فرق كبير بينهم.. مناخ من التسامح لأجل أن تنمو الأفكار وتتلاقح لإصلاح المسيرة، هي صالحة ولكن لإضافة جوانب حضارية لها، لأن نعيش في عالم نود أن نكون فيه الأسوة الحسنة عملاً بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). الآية.
الانتخابات البلدية
* ألا تعتقد أن الانتخابات البلدية جاءت متأخرة؟
- جاءت فجأة بلا شك، وأعتقد لو خطط لها تخطيطاً جيداً لما اعتمدنا على نظام البلدية الصادر عام 1397ه، لكن جيد منّا عندما أصبح المجتمع يتقبل مثل هذه التحول واننا أسرعنا في وضع البنية التحتية ولذلك لا أعول الكثير على هذه الانتخابات إلا غرس نواة الانتخابات غير المتشنجة، هذا جانب والجانب الآخر ما سيتاح للمجالس البلدية من مساحة للنقد المتوازن والمشاركة في تسيير الأمور سيكون له تأثير كبير في الانتخابات التي تليها ودائماً مشوار الألف ميل يبدأ بأول ميل.
الثقافة الاقتصادية
* الثقافة الاقتصادية - إن صح هذا الاسم - هل يمكن للعائلة السعودية أن تكون لها ثقافة اقتصادية، وهل هذه الثقافة موجودة؟
- أعتقد أنها ما ولدت لسبب بسيط جداً، أولئك الذين أتيحت لهم فرصة التعليم والتعليم المنهجي الحقيقي في الأمور الاقتصادية ظروفهم المعيشية جيدة جداً ولا يحتاجون إلى مواءمة الأمور ولذلك غالباً عندهم الاستثمارات التي تنمو ودخلهم الشهري غالباً يذهب كلّه مصاريف، الغالبية العظمى هم الذين من اليد للفم، يعني ما هناك وسيلة أيضاً دخل عليهم هاجس مزعج جداً وهو العيشة على الاقتراض، إما عن طريق البطاقات الائتمانية أو عن طريق الاقتراض، وألاحظها من خلال عملي بالغرفة، فكثيرون يحسبون حساب الإقراض أحد جوانب التموين لأمور ليست ضرورية وليست حياة أو موتاً بالنسبة للتطبيب وليست أكلاً أو شرباً بالنسبة للأولاد، لا، سيارة بدل الخضراء حمراء قد تكون ما يسمى سابقاً بالكماليات وأصبحت حالياً الآن في إطار الضروريات ولكن يجب أن نقف أمامها وقفة طويلة جداً ونعيد التصنيف خاصة إذا رأينا ما على الطرق من مركبات ما قدر ما يصرف بها وما هو مُتاح الآن في موضوع التنقل وموضوع البيئة وموضوع صغر الحجم لأجل المواقف وغيرها ورأينا أننا نمعن في الاتجاه المعاكس فما لم يولد الإنسان لم يولد في بلدنا أو في مجتمعنا، لا يزال العيب والحياء ومجاراة عيال العم وعيال الخال والآخرين والقبيلة والفرقة والجيران وفلان، طبعاً تطلع جلية جداً على ما نلبس وعلى ما نأكل وعلى ما نركب وخصوصاً في الأعراس والسكن ونمط السكن والمبالغة في أماكن السكن، والبلديات الآن عليها دور.. دور إرشادي على الأقل، ومن وجهة نظري الحرية غير المقننة تعد فوضى وما نعيشه في معظم مناحي الحياة يعدّ فوضى وليس حرية بما فيها الاقتصاد، الآن نرى أناساً ينتحرون باستثماراتهم لأنه قائم استثمارات أخرى متعثرة ويصر على الاستثمار ولا يزال يؤمن بالبركة والصدفة والخوارق فيضيع الأول والتالي.
قراءة القرآن
* نلاحظ عليكم أنكم دائماً ما تستشهدون بآيات من القرآن الكريم وأحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام.. هل تحفظ القرآن الكريم؟
- لا، لكن تعليمنا كان يركز على قراءة القرآن بشكل مستمر، وفي ذلك الوقت قيض لي أن أحفظ 15 جزءاً من القرآن الكريم، ولكن مع الأسف ومع تسابق الوقت ومشاغل الحياة لم يتح لي إكمال حفظه ولكن القرآن الكريم عندما يحفظ يصبح له سياق وله حلاوة معينة بحيث إنه لو أخطأ أحد تستطيع أن ترد عليه، وأتمنى من الله أن يعطيني القدرة على إعادة حفظه خاصة طوال السور.
* والأحاديث النبوية؟
- توجد في المكتبة صحاح الكتب وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحفظ ما تيسر لي منها.
ديوان العرب
* أيضاً يلاحظ استشهادكم بأبيات شعرية، مثل، أشعار حافظ إبراهيم وشوقي والمتنبي، وغيرهم، هل تقرؤون لهم؟
- نعم، نظراً لأن الشعر ديوان العرب واللغة العربية هي التي التقى عليها العرب وهي لغة القرآن لذلك لا يستطيع أحد أن يجيد اللغة العربية ويتلذذ بها دون معرفة ديوان العرب وديوان العرب هو الشعر، أيضاً عودة إلى التعليم في مناهجنا كان لتعليم الشعر فسحة.
أقرأ كمتذوق
* لمن تقرأ من الشعراء السابقين والحاليين؟
- قرأت للكثيرين، طبعاً المعلقات والطبقات وموسوعة الشعر العربي، لا أقول قرأتها قراءة الحافظ ولكن المتذوق، منها أحلى عشرين قصيده لفاروق أبوشوشة، أيضاً قراءة الشعر تعتمد على الوضع النفسي الذي أنت عليه قد تقرأ غزل، هجاء، رثاء، وغيرها بحيث تمر على شيء وسيتوقفك وخصوصاً المعلقات وأكثر ما يمر في ذهني طرفة بن العبد، حيث إنه قريب من الآداب الاجتماعية والمشكلات الاجتماعية ويحترم قيم المجتمع وتجد دائماً في شعره ما يعكس واقع الحال.
الإنجليزية فقط
* واستشهادكم بالأمثلة الغربية، هل يعني أنكم تجيدون لغات غير الإنجليزية؟
- لا، اللغة الإنجليزية فقط، كان تركيزي عليها فقط بحيث أكون متمكناً وذلك بحكم الدراسة، ولا أقول: إنني متضلع في اللغة الإنجليزية، ولكن أستطيع على الأقل القراءة المرتاحة باللغة الإنجليزية، أما الاستشهاد بأمثال الأمم الأخرى، لأنها عادة ترد على لسان الكتّاب وعلى لسان كتّاب القصة والمصلحين الاجتماعيين، وجيلنا قرأ الكثير لأمثال طه حسين وعباس محمود العقاد والرافعي وغيرهم، وهؤلاء كانوا يتعبون أنفسهم عندما يكتبون الكلمة، فكان الواحد منهم يتعب وهو لا يكتب مقالة، بل بحث يشبعه من جميع الجوانب ويستشهد بالكثير من الأمثال والعادات والتقاليد وما كتب للشعوب الأخرى، ولذلك يتأصل عند من لديه ملكة حافظة ولماح للكثير من هذه الأمور، وتجدها عند الكثير من جيلنا وممن سبقونا أيضاً، وفي جيلنا على وجه الخصوص لانتشار الكتاب والطباعة ولم يكن هناك ملهيات ولا مشهيات اجتماعية، فكان دائماً المتعة بالاستزادة، التي تضع لك مكانة فكرية بين زملائك وإخوانك ويتنافسون الناس في هذا الأمر المحبب، ثم تنتهي من الرغبة بالبروز والرغبة بالإجادة إلى الحب والتعلق، لأن الفكر منهل عندما ينهل منه الإنسان لا يقف، ويجد دائماً في خضم حياته اليومية وعمله ومشاغله وقت للقراءة ويفتقدها ويفتعل الأسباب للقراءة، ولذلك هي نتاج تربية جيل.
هواية بالصميم
* أبو فهد.. هل لديك هوايات غير القراءة وخارج زحمة العمل اليومي؟
- يمكن تستغرب أنني من جماعة اعمل كل شيء بيدك ودائماً في صراع مع زوجتي بالذات على أعمال السباكة، لأنها تأخذها من مأخذ أن الله معطيك وتستطيع أن تؤجر أحداً يعمل هذه الأمور ولماذا تتعب نفسك؟ وتنسى أنها هواية في الصميم، لدرجة أنني الآن أفكر أن أصمم بيتي أو بيت العمر بالتصميم الذي أحلم به، وأن أصونه بنفسي دون الحاجة إلى الاستعانة بكهربائي أو سباك ولذلك أحب دائماً أن أعمل أعمالاً يدوية بنفسي سواء نجارة أو سباكة أو كهرباء.
الإنترنت
* بالنسبة للإنترنت هل تتعامل معها؟
- لأجل أكون أميناً معك فعندي ما عند جيلي، لسنا أصدقاء للحاسب ولسنا أصدقاء للإنترنت ولسنا أصدقاء للتقنية الحديثة إلا في حدود الاضطرار.
* هل هناك تحفظ؟
- لا.
القلب مفتوح
* إذاً لا يوجد هناك قمع على الآخرين خصوصاً الأبناء؟
- بالعكس استعين بهم في معرفة بعض الأمور كما استعين بالزملاء لمعرفة بعض الأمور هنا، لكن لأجل أن أكون منصفاً يظهر لي أن السلوك في مرحلة معينة يصعب الإضافة الجوهرية له يعني:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت
ولا تلين إذا كانت من الخشب
يمكن نحن ما صرنا إلى الآن خشب يسهل الكسر لكن لسنا غصناً مؤكداً.. إننا غصن جاف أو بدأ يجف، لكن القلب مفتوح والإيمان بالوسيلة هذه لأنها هي وسيلة التخاطب ويمكن عندما يتقاعد الإنسان التقاعد الحقيقي أي فعلاً يتوقف عن القيام بأعمال لها إطار زمني محدد وهي وظيفة أو ما يشبه الوظيفة يمكن وقد لا أجد صعوبة في الانخراط وخصوصاً عندما اضطر الآن أن أقدم عرضاً إلكترونياً أتعب نفسي وأجهد نفسي بحيث إنني أستطيع أتعامل مع الآلة وأتعامل مع الوسيلة وأتعامل مع مصدر المعلومة بشكل مريح لأجل إنجاح المسعى من العرض.
لا تثقلوا كاهل القارئ
* في النهاية نتمنى لك طول العمر، ونترك (فسحة) لتقول ما تود أن نختم به هذا اللقاء؟
- أنا أقول النصيحة: ألا تثقلوا كاهل القارئ بما لا يفيد، ترى كل إنسان له تجربة ثرية من وجهة نظره في حياته إن لم يكن أثرت على المجتمع أثرت على أسرته وجزء من الأصحاب أو على أسرته وجزء من الجيران أو على أسرته وجزء من مرتادي المسجد، لكن لا تزعجوا القارئ بما لا خير فيه، يعني عندما تستعرض ما تعرضنا، هناك أمور من لغو الحديث وتكرار لا تفيد القارئ فأشفقوا على القارئ.. أشفقوا على المطبوعة بأن يحط فيها سفسطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.