نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10427) نقطة    ولي العهد يرأس وفد المملكة في القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة    مانجا للإنتاج تفوز بجائزة المؤسسات الثقافية الربحية ضمن الجوائز الثقافية الوطنية لعام 2025    ولي العهد يرأس وفد المملكة المشارك في الدورة الاستثنائية الخليجية    وزير الطاقة: السعودية تبني أول محطة للطاقة النووية للأغراض السلمية    انطلاق شهر اللغة العربية في إيطاليا    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025 الأكبر من نوعه في العالم    الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر تشارك في الملتقى السنوي للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين    رئيس الوزراء السوداني يزور المسجد النبوي    "الموارد البشرية" تُعلن انتهاء فترة تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس    وزير المالية يفتتح أعمال مؤتمر موني 20/20 الشرق الأوسط بالرياض    فرص عقارية مميزة شمال الرياض بمزاد عبق الرياض العلني الهجين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية كوستاريكا بذكرى استقلال بلاده    الوعلان للتجارة تعلن عن وصول "لوتس إيفيجا" أقوى سيارة كهربائية في العالم إلى السعودية    جدة تستضيف مؤتمر ومعرض المكتبات المتخصصة 2025 غدًا    السعودية تختتم مشاركتها في الجامبوري العالمي بإندونيسيا    وفد من ديوان المظالم يشارك في المؤتمر الدولي الثاني للتدريب القضائي    خرق مسيّرة أجواء رومانيا هو "استفزاز" أوكراني    سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة تزور الملحقية العسكرية السعودية في واشنطن    مؤتمر حائل لأمراض القلب : منصة علمية لتعزيز التقدم الطبي في أمراض القلب .    "غراء عظمي".. ابتكار صيني لعلاج الكسور في 3 دقائق    أمانة القصيم تنجز مشروع مضمار بطول 800 متر في الظاهرية    من جاكرتا.. أضواء الخير وتكامل الصحية يختتمان رحلة عطاء ملهمة    الوفد الكشفي السعودي يزور الحديقة النباتية في بوجور ضمن فعاليات الجامبوري العالمي    النفط يحافظ على مكاسبه    الأهلي يبدأ رحلة الحفاظ على اللقب الآسيوي بملاقاة ناساف    هالاند يقود سيتي لسحق اليونايتد    جلوي بن عبدالعزيز: المهرجانات الصيفية تصنع روح المنافسة    الطائف تمثل المملكة في «شبكة المدن المبدعة» ب«ليوبليانا»    «استمرارية 25».. للإبداع والتجلي في فنون الوسائط الجديدة    المفتي يستقبل مدير عام الدفاع المدني    الزميل سعود العتيبي في ذمة الله    أمير الشمالية يستقبل قائد لواء الملك عبدالله الآلي بالحرس الوطني    رباعية الأخدود والفتح جرس إنذار.. هشاشة الدفاع تؤرق «لوران بلان»    فسوحات كيميائية لتمكين الصناعيين    هددت بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.. إيران ترد على مجموعة السبع وتحذر من آلية الزناد    إسرائيل تصعد عملياتها في القطاع.. قصف مكثف ونزوح جماعي من غزة    مسيرات الدعم السريع تستهدف مواقع حيوية    تغلب على ضمك بثنائية.. نيوم يحقق فوزاً تاريخياً في دوري المحترفين    «حين يكتب الحب».. فيلم في الطريق    في انطلاقة دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يستهل حملة الدفاع عن اللقب بمواجهة ناساف    المفتي يستعرض جهود وأعمال الدفاع المدني    مفتي عام المملكة يستقبل مدير عام الدفاع المدني    هروب عريس قبل ساعات من زواجه    تعطل «حضوري» يؤثر على التوثيق الإلكتروني    جهود متواصلة لتعزيز الرعاية العاجلة.. تدريب 434 ألفاً على الإسعافات الأولية    «الغذاء»: 24 ألف بلاغ عن أعراض«الأدوية»    بدء تقديم لقاح الإنفلونزا الموسمية    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل    ميقاتي يواجه تحقيقاً قضائياً في فرنسا    الجيش اللبناني يتسلّم دفعة من أسلحة المخيمات الفلسطينية    من المسارح البريئة يدق ناقوس الخطر    كلمات ولي العهد تسطر بمداد من مسك    مثقفون وإعلاميون يحتفون بالسريحي وبروايته الجداوية    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الزامل    الإرث بين الحق والتحدي    خطاب يستحضر التاريخ: السعودية ونهضة عالمية برؤية 2030    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. خالد بن عبدالعزيز الشريدة
صناعة الاعتدال
نشر في الجزيرة يوم 04 - 07 - 2003

إزهاق نفس بغير حق حدث مؤسف بكل المقاييس، ولو كان الأصل في حق من لا يؤمن بالله ألا يعيش حياته لاستجاب الله لإبراهيم دعوته بمنع رزقه عن الكفار وتمتعهم بالخيرات والثمرات (البقرة 126) ولكن الله كتب أن يمتع الكافرين في الدنيا قليلا ولهم ما يستحقون في الآخرة.
وربما لا يعرف حقيقة الحياة أو الموت من لا يعيش معنى الحياة الحقة إذ كلا المعنيين لديه سواء، فهو وإن كان حقيقة يدب على الأرض فهو ميت من ناحية الشعور والمشاعر وذلك أس الحياة الذي يضفي عليها معناها.
يسوؤك قنوط بعض المسلمين من معنى الحياة فيؤثر إما الانقطاع عنها وإما مواجهتها بالقوة وفي كلا المنحيين خلل.. ففي الأول نحن مأمورون بالخلطة «فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من نقيضه»، وفي الثاني أمرنا بالدعوة بالحكمة والرحمة، فلن نكره الناس على ما أفسح الله لهم فيه!.. ولكن هذين التوجهين يعكسان خللا في التركيبة النفسية أو الفكرية تتجه إما إلى الهروب من/ عن الحقيقة أو مواجهتها بالقسوة.
إننا حينما نتأمل حقيقة الإسلام نجد أنه معنى للحياة ابتداء لا الموت، فنفس او نَفَسٌ يذكر الله خير من الدنيا وما فيها.. وإذا كنا نحمل راية الهروب من أو المواجهة للناس فذلك ما يصدهم عن دين الله ويخالف الرسالة الحقة التي أرادها الله لعباده، وتلك جناية على المعنى الذي أراده الله منها «رحمة للعالمين» ليصيغه البعض كما يريد «مهلكة للعالمين»!، وشتان بين من حاديه الهوى لا الهدى أيا كان!
إن نصاعة دين الإسلام تؤثر فيها محلياً وعالمياً سلوكيات شاذة أو أحداث غير مسؤولة فتصد عن الدين الذي ترى أنها تحمله إن منطق القوة والانتشار في دين الله لا أحد يمكن أن ينكره أو يمنعه، بل قالها أحد رؤساء الغرب إن «الإسلام أسرع وأكثر الأديان انتشاراً في العالم..» ولما كان هذا الانتشار السلمي العالمي للإسلام تفنن الغرب في استثارة بعض المسلمين ليبرروا هيجانهم على عالمنا وتلك جناية لا حد لوقفاتها، إن مواجهة المحتل في بقعة الأقصى شيء واستثارة الآمنين في بلاد الحرمين شيء آخر.
.. إن من الجدير اليوم أن نتأمل في «ما» الذي يصرف بعض الناس إلى تبني رؤى تكون في الاحتداد غارقة؟! وما الذي يجرئ النفس على تبني سلوكيات تخالف حقيقة المعتقدات ونصاعتها!
إن الحديث عن أي سبب قد يشكِّل جزءاً من الحقيقة أو نسبة منها! ولكن المشكل الذي يلحظ على الطروحات الملفوظة والمكتوبة والكاريكاتورية أنها تتجه بنسب متفاوتة إلى إلغاء التحليلات والتعرض للمسلمات فتثير وتستثير في وقت نحتاج فيه إلى خلق التوسط والاعتدال لا التطرف في الأقوال أو الأفعال.. ومن غرائب هذه الرؤى جر المشاحنات إلى مواطن لا تمت إلى الأحداث بصلة، ومنها أن ينسب الخلل إلى مناهج تربي في النفس قيم الخير والحب والاعتزاز في غفلة عن مناهج وبرامج تربي على الدونية والتفسخ والانهزامية.. وذلك نوع من التطرف الذي نحتاج إلى توسيطه من أجل ان لا يولد تطرفاً آخر، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى تكثيف الطروحات التربوية والقيمية لنعمق في ناشئتنا الاتزان في الرؤية والولاء للأمة في عصر يشهد متغيِّرات كل لحظة، «لأن الذي ليس لديه أساس يتأثر عند أدنى التباس».. على أن هذا التأصيل ربما يعني تطرفا لدى ليبراليي زماننا الأحرار، حيث عُلَّمنا في الغرب بأن الإلزام أو الالتزام الأخلاقي هو فرض من الوصاية على الحرية الفردية وذلك ما يتنافى مع الحقوق والحريات الشخصية!!! إن أشد الخطر أن يترك للإنسان أن يفعل أي شيء يريد بحجة «الحرية».. فما ينتج من حرية التفكير المؤدي إلى التكفير أو التدمير أياً كان مصدره يجب على دولة الإسلام منعه.
إن مما مكّن أو يمكن الاتجاه إلى أطراف الأقوال الموغلة في الجهلانية المتعلمنة أو الدينية المغالية هو غياب أو تغييب المنطقة الوسط سواء بطروحاتها أو برامجها أو مسؤولياتها التي تستوعب عامة الناس وبالتالي تحميهم من مناطق الأطراف النائية التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية فتتنج عادة ثالوث الفقر والجهل والمرض الذي يعكس نفسية التخلف.
إن الألوان التي تتراوح بين البياض والسواد يصعب في حقيقة الأمر عدها ولكن ظروفاً عدة بدءاً بالبيت وانتهاءً بكرسي المسؤولية أياً كان أصَّلت في عدد من الناس معنى السواد أو البياض لا غير.. فنعم بلا تردد لما «يريد» و«لا» بلا تردد لما «لا يريد» وهنا يخلق الإنسان في نفسه علم أو لم يعلم أحد المعاني التي لا تصح إلا لخالقه حيث لا معقب لحكمه وهو أحكم الحاكمين.
إن الحقيقة التي يجب أن نحاسب عليها أنفسنا كما نحاسب عليها الآخرين أننا نقصِّر وبدرجة عالية في عرض ما لدينا من خير!، وكم نلوم «وبحق» أحداثا مؤسفة في الداخل أو الخارج.. ولكننا نعمى عن هذا «الحق» في لوم أنفسنا، وقعودنا عن النزول إلى الناس وتبصيرهم والوقوف معهم وتحمل مصائبهم ومشاركتهم مشاعرهم وإسعادهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، كل ذلك هو حق لهم علينا كمسؤولين وكلنا كذلك ووقاية لهم من أن تستجيب أوضاعهم لخيارات بائسة ويائسة تغالب الساحة اليوم أكثر من ذي قبل!.. إننا نبدع في الرد ونبقى في دائرته ونعمى عن العطاء ونحن الأولى به. ومما لا يختلف فيه العقلاء أن معرفة الحق والصواب لا تعني شيئاً البتة إذا لم يكن هناك شجاعة للقيام بما يكفي تجاهه.
إن مما يؤكِّد عليه الاجتماعيون والتربويون أن خيارات الإنسان تبدو أمامه من خلال البيئة التي أمامه! فإذا لم يجد الإنسان خياراً جميلاً أمامه فماذا عله يختار؟!
إن عددا من الانحرافات التي يعيشها شبابنا أو طلابنا هي في غالب الأحيان نتيجة لتقصير القائمين على المسؤوليات في رعاية شؤونهم والاستجابة لمتطلباتهم ورعاية قدراتهم وصقل إبداعهم.
إن من الاستحالة أن ترى الأطراف حينما يكون أفق الوسيطة واسعاً!، وحينما يغيب الوسط تظهر الأطراف، وكما العرف الرياضي أن من يتحكم في منطقة الوسط يتحكم في الملعب!
والاتجاه إلى الأطراف في حياة الناس دائماً ما يخلق الأزمات ويولد الانحرافات، فعلى سبيل المثال، من الناس من لا يريد أن تتنفس زوجته خارج البيت، ومنهم من لا يمانع أن تغرق خارجه! وفي كل تطرف.. فليس الأول بأفضل حالاً في اتزان رؤيته من الآخر، ففي الأولى تختنق وفي الأخرى تحترق، وفي كلا الحالتين جناية على المرأة والأسرة.
إن الحالة النفسية المتردية التي يعيشها قطاع عريض من أبناء الأمة هي نتاج مصانعها البيت، السوق، المجتمع بمختلف مؤسساته والتي تحتاج إلى مطارحة ومصارحة لا لكشف الحقيقة فقط.. فمعرفة الحقيقة لا تعني شيئاً إذا لم يكن هناك من الجهود ما يفعِّلها وينميها ويجعلها تسري في جسد الأمة لتصل إلى ما تستطيع من أطرافه لتعيد نبض القلب الحاني إلى كل لبنة من لبناته، وذلك ما نأمله ونتأمله من كل راع ومسؤول، «وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وفي ذلك ومع ذلك صناعة للاعتدال ووقاية من التطرف.
(*) قسم الاجتماع - القصيم/ بريدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.