سعادة الأستاذ خالد حمد المالك الموقر رئيس تحرير الجزيرة الغراء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يسعدني في البداية أن أنوه بالتطور الملحوظ الذي تشهده جريدة «الجزيرة» في كل المجالات واهتمامها وعنايتها بربوع وطننا الكبير حتى صارت «الجزيرة» جريدة المجتمع لا يستغني الكبير ولا الصغير عنها.وقد أسعدني وأسعد الكثير من القراء الأفاضل بوجه خاص ما تخصصونه لربوع وطننا الغالي لتعريف المواطن ببلاده وزيادة حبه لها وانتمائه. وحيث اننا نعيش هذه الأيام ذكرى الأيام المجيدة لأبنائنا وأجدادنا في يوم الوطن فقد قرأت بامعان ما كتبه مندوب الجزيرة عن بلدة القصب في عدد «الجزيرة» ذي الرقم 10911 وتاريخ 14/6/1423ه أن الملك عبد العزيز زار القصب مرة واحدة سنة 1322ه وهذا فيه قصور عن الحقيقة والواقع والصحيح أن الملك عبد العزيز - رحمه الله - زار القصب ثلاث مرات كالتالي: المرة الأولى: كانت في محرم سنة 1321ه وكانت القصب وقتها تحت حكم ابن رشيد شأنها شأن معظم قرى نجد في ذلك الوقت فعزل أمير ابن رشيد ويدعى «عبد الرحمن بن منيع» رحمه الله وكلف أحد رجاله ويدعى عمر بن يوسف بالبحث عن ورثة محمد بن راشد رحمه الله الذي كان أميراً على القصب ابان حكم الإمام فيصل بن تركي وأبنائه الإمام عبد الله والإمام سعود - رحمهم الله - ولما مثل عدد من أبناء محمد بن راشد - رحمه الله - بين يدي الملك عبد العزيز - رحمه الله - جعل أحدهم وهو راشد بن محمد بن راشد أميراً على القصب وكان أهل القصب سعداء وفرحين لانضمامهم لحكم آل سعود وقد ظل راشد بن محمد أميراً على القصب إلى أن توفي سنة 1335 - رحمه الله - فجعل خلفاً عنه ابنه عثمان بن راشد ومكث أميراً للقصب حتى سنة 1347ه. هذه زيارة الملك عبد العزيز الأولى للقصب أثناء جهاده المبرور لتوحيد هذا الكيان الكبير، وقد مكث خلالها سبعة عشر يوماً وكان نازلاً في مزرعة شمال غربي القصب تسمى «المنقع» وهي مزرعة للراشد وشركائهم العتيق وكان خلال فترة اقامته يستعد لفتح بعض البلدان ويجهز جيشه بالمؤن اللازمة لذلك، وقد وجد من إبراهيم بن راشد الدعم والمؤازرة وزود الجيش بما يلزمه «من طعام وحب وشعير». كما زار الملك عبد العزيز - رحمه الله - القصب المرة الثانية سنة 1327ه مستريحاً فيها قبل أن يواصل مقصده الكريم في غزواته لأطراف القصيم والشمال لتوحيد المملكة، ولم يمكث هذه المرة إلا يومين وليلة، وقد نزل مع جيشه في موقع يسمى «العفجة» وهي أيضاً مزرعة للراشد بها بئر ماؤها عذب فسقوا منها الجيش والخيل وتزودوا من مائها،وقد هب أهالي القصب للسلام عليه وتباروا في دعوته لقبول ضيافتهم فاعتذر لهم شاكراً إلا أنه قبل دعوة إبراهيم بن محمد بن راشد شقيق أمير القصب راشد بن محمد وأجابه إلى مأدبة عشاء ولما دخل بيته هو وبعض خاصته ورجاله وتناول العشاء دار بينهم أحاديث لا يسمح المجال بذكرها، وعند مغادرته للمنزل قال الملك عبد العزيز لابن راشد ابن منزلاً جديداً كبيراً وأحبسه على الشيوخ، وتزود منه أيضاً بالمؤن اللازمة لجهاده المبارك.وقد طلب أهل القصب من الملك عبد العزيز قبول دعوتهم فقال - رحمه الله - الزم ما علينا خيلنا إن قدرتم على شيء من الشعير فقابلينه منكم فقدموا لجلالته ما اكتفى به منهم حتى قال - رحمه الله -: يكفي ما قدمتم. أما الزيارة الثالثة فقد نزل - رحمه الله - سنة 1332 بالقرب من بلدة المشاش وتقع غرب القصب بمسافة قصيرة، وقد ذهب إليه إبراهيم بن راشد ودعاه للغداء فقدم - رحمه الله - للقصب ونزل في موضوع غرب البلد بجيشه ودخل هو وعدد كبير من رجاله إلى بيت إبراهيم بن راشد ومن حسن الحظ أنه كان قد أنهى بناء بيته الجديد، كما أمر بذلك الملك عبد العزيز فأعجبه البيت وسعته وسرعة بنائه وقد تجول فيه وكان واسعاً جداً ودخل «الروشن» وقد أقيم على (24) عمود «سارية» وهو موجود الآن في وسط البلدة القديمة فتغدى وطلب من إبراهيم بن راشد «زهاباً» من القمح للجيش للرجل خمسة أصواع ومكث أربعة أيام حتى اكتمل «زهاب» الجيش كله من إبراهيم بن راشد وسار لتأديب بعض البوادي وهي غزوة «كنزان» المعروفة التي فقد فيها أخاه سعد بن عبد الرحمن - رحمه الله - وجلالته جرح فيها جرحاً بسيطاً حيث أنجاه الله من أعدائه، والقصب تعد من قديم الزمان من البلدان المحبة والموالية لآل سعود فما عُرف عنهم أي مخالفة منذ تأسيس آل سعود في الدولة الأولى وحتى الآن. ويذكر أنه في زمن فيصل بن تركي في الدولة «السعودية الثانية» وكان محمد بن راشد أميراً عليها أمر «بزهاب» الجيش من أهالي القصب «دقيق وجريش» فلبوا طلبه ونقلوا عن احدى نساء القصب وهي تطحن الحب لجيش الأمير فيصل بن تركي قولها: نطحن زهاب مكربين الأشده ولولا حشيمة فيصل ما طحناه الملك لله ثم له عقب جده ولو جا يحكمنا غيرهم ما بغيناه ومن راس تنوره إلى سيف جده تحت ولايتهم من أدناه لأقصاه هذا ما لزم ايضاحه وبيانه مؤكداً أن أهل القصب وأسرة الراشد قدمت للملك عبد العزيز الولاء والطاعة والدعم ابان جهاده العظيم، وقد كان إبراهيم الراشد مخلصاً جداً للملك ويعد من خاصته متفانياً في مؤازرته بنفسه وماله. أما أخوه عبد الله الراشد الملقب «بالفرائضي» لعلمه الشرعي وخاصة في المواريث، فقد أوفده الملك عبد العزيز إلى عسير ممثلاً شخصياً له حيث قام بأعمال جليلة وكبيرة وبذل جهوداً متواصلة تكللت بالنجاح والتوفيق في تلك المنطقة حتى توفي هناك - رحمه الله - كما أود أن أنوه أن لدينا الكثير الكثير من الوثائق التاريخية المتعلقة بما أشرت إليه ونحن بصدد إعداد كتاب عن بلدة القصب نوضح فيه تاريخها وأحداثها وأسرها والمواقع المهمة والتاريخية بها وسوف ننشر في هذا الكتاب عدداً من الوثائق التاريخية فيما يتعلق ببلدة القصب عامة وبهذا الموضوع خاصة إن شاء الله.ولعل مؤرخنا الكبير والمهتم بالتاريخ السعودي بوجه عام وعسير بوجه خاص الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة عضو مجلس الشورى لديه الشيء الكثير عن الشيخ عبد الله بن راشد وجهوده في المنطقة الجنوبية التي نتمنى أن يبرزها في كتاباته، ومؤلفاته، ومقالاته التي يقرأها الكثير من المواطنين، وتتسم بالدقة والانصاف والأمانة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كاتبه /عبد الله بن إبراهيم بن محمد الراشد - القصب