ها هي وسائل الإعلام تنقل صور القوات الإسرائيلية للعالم بأسره، جنود يطلقون الرصاص على رؤوس الجرحى، دبابات تسحق جدران المنازل والمكاتب، مقر عرفات، مئات الصبية والرجال معصوبي الرؤوس ويقادون تحت تهديد فوهات الأسلحة إلى معتقلات، ومروحيات تصوب نيرانها وتدمر الأسواق، ودبابات تتلف أشجار الزيتون والبرتقال والليمون، شوارع رام الله نهبت، مساجدها ومدارسها مخرمة من آثار الرصاصات، رسوم الأطفال ممزقة والحوائط ممهورة بتوقيع الناهبين، ملايين الفلسطينيين محاطون بالدبابات، الكهرباء مقطوعة، والمياه والهواتف والطعام، وانقضاض القوات سحق الأبواب والأثاث وأدوات الطهي، وكافة ما وصلت إليه أيديهم من أسباب الحياة. فهل يزعم أحد اليوم أنه لا يعلم أن الإسرائيليين كانوا ينفذون مذبحة ضد كل الشعب الذي تزاحم في الطوابق السفلي تحت أطلال المنازل؟ عندما واجههم الكاتب البرتغالي جوزيه سارماجو الحائز على نوبل بالحقيقة التاريخية «إن ما يحدث في فلسطين جريمة يمكن أن نقارنها بما حدث في «اوسشويتس». وبدلا من أن يتأمل الشعب الإسرائيلي في أعمال جيشه العنيفة تحولوا ضد سارماجو لأنه جرأ على مقارنتهم بالنازيين، وفي غمرة العمى الاخلاقي اتهم الكاتب الاسرائيلي عاموس اوز، الذي كان مناصرا للسلام أحيانا إلى أن دخلت إسرائيل الحرب، اتهم ساراماجو «بالعداء للسامية» و«بالعمى الأخلاقي الذي لا يصدق». إن عمق لا أخلاقية الحرب ضد شعب بأكمله يعد جريمة ضد الإنسانية ولا توجد هناك حالات استثنائية خاصة، وجريمة ما يقوم به هؤلاء الإسرائيليين ومثقفي الدياسبورا الذين يزعمون «التقدمية» والذين يظهرون عماهم الوطن وجبنهم الأخلاقي، حاجبين دفاعهم عن الإرهاب الإسرائيلي بأكفان ضحايا الهولوكوست منذ 50 عاما مضت. وليس على المرء إلا أن يقرأ الصحف الإسرائيلية ليفهم شرعية وقيمة مناظرة سارموجا التاريخية، ولتبرير حملة العنف المفرط يقوم قادة إسرائيل البارزون الذين اختارهم الناخب اليهودي بسبغ صفة البوهيمية على خصومهم كل يوم. وكانت صحيفة معاريف اليومية الإسرائيلية قد نقلت عن روبرت فيسك قوله إن ضابطا إسرائيليا نصح قواته بدراسة التكتيكات التي اتخذها النازي في حربه العالمية الثانية إذ قال «إذا كانت مهمتنا هي اقتحام معسكر ذي كثافة عالية أو اقتحام نابلس فعلى الجندي إذن أن يحلل ويدرس ويستخلص الدروس من معارك سابقة بل حتى يحلل ما فعله الجيش الألماني في جيتو وارسو». ولكن هل كانت الصحافة الإسرائيلية على استعداد لاتهام هذا الضابط الإسرائيلي وقواته بمثل الفرية التي اتهمت بها ساراموجا بسبب نفس المناظرة؟، وهل يدافع الضباط الإسرائيليين عن أنفسهم بأنهم «كانوا يتلقون الأوامر فقط» عندما نسفوا المباني وبداخلها أطفال ونساء؟ أصبحت إسرائيل مدانة في المجتمع الدولي بدءاً من الاتحاد الاوروبي والأممالمتحدة ومرورا بالعالم الثالث، بسبب قيامها بأعمال ضد الإنسانية، وسوف يكتشف المدافعون عن إسرائيل أن ما يسمونه «العداء للسامية» لم يعد يحرج الناس ، فقد رأى الرأي العام العالمي وقرأ كثيرا، ونحن نتحقق الآن من أن الضحايا يمكن ان يتحولوا إلى قتلة، وان الاحتلال العسكري يقود إلى تطهير عرقي وانفجار شامل وان الجروح الطفيفة يمكن أن تتحول إلى غرغرينا قاتلة. وكان من المتوقع أن تستجيب أمريكا للمنظمات اليهودية القوية بداخلها وإلى صقور اليمين المتطرف، وهي الحكومة الوحيدة التي تدعم ارهاب الدولة الاسرائيلي ضد قيادات الدين الإسلامي والمسيحي وضد مصالح كبرى شركات البترول وضد حلفائها العرب. وبينما تحتج مجموعة صغيرة من المنشقين الإسرائيليين ويرفض كثير من المحافظين الخدمة في جيش الاحتلال، ينطبق تعليق سرماجو على عموم الشعب الاسرائيلي وينطبق تماما على معظم مؤيدي يهود الدياسبورا، هناك «شعور بالنجاسة يميز شعب إسرائيل وجيشها هذه الأيام»، لقد تحولوا إلى متاجرين بالهولوكوست، وكما هي الموضة في كافة الدول البوليسية قامت إسرائيل بمصادرة كل كتب سارماجومن المكتبات والمتاجر، وبنفس الجدية وكمن يحضر لمذبحة منعت الدولة الإسرائيلية كل الصحفيين من متابعة الجيتو الفلسطيني فيما عدا هؤلاء الذين يكتبون بيانات عسكرية. ومثل نازي ألمانيا قامت بجمع كل الفلسطينيين الذكور من 16 إلى 60 عاما ،وجردوا كثيرين من ملابسهم وعروهم وقيدوهم في الأغلال، واستجوبوهم وعذبوهم، وتم احتجاز عائلات المقاتلين الفلسطينيين، من دون ماء ولا طعام ولا كهرباء. ونهب الجنود الإسرائيليون البيوت وسرقوا ما غلا ثمنه وحطموا الأثاث. ومن الواضح أن الغضب الإسرائيلي على معادلة سارماجو حول الإرهاب الإسرائيلي باوسشويتس طرق منطقة حساسة في الذاكرة: كره القتلة لأنفسهم عندما يدركون أنهم اصبحوا تلاميذ لمضطهديهم وأن عليهم أن ينفوا هذا عن أنفسهم بأي ثمن، ولم تجد حتى الآن ، كل النداءات التي أطلقتها الدول العربية المعتدلة لبوش ليتدخل وينهي المذبحة الإسرائيلية، وكررت واشنطن دعمها لشارون في اجتياحه وحربه ضد الفلسطينيين، فلا توجد قوة في الولاياتالمتحدة يمكنها أن تحصي الأموال والتأثير الذي يتمتع به اللوبي الصهيوني وحلفاؤه اليهود الأقوياء داخل الولاياتالمتحدة. ومن الواضح تماما انه فيما تمتلك تل أبيب الفعالية من خلال اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة وبينما تحصل على تأييد بوش فإن أي عدد من قرارات الأممالمتحدة واتفاقيات جنيف ودعوات أوروبا سوف يتم تجاهلها تماما. ويعتقد شارون بعقله المغلق وأتباعه المصابين بجنون الاضطهاد أن كل الناس معادون للسامية. إن معتنقي برتوكولات حكماء صهيون هؤلاء يحاولون أن يشوهوا إسرائيل من خلال إقامة دولة إسرائيل الكبرى وطرد الفلسطينيين من ارضهم، وينبغي ألا يقف الرأي العام العالمي سلبيا ويكرر مأساة القرن العشرين بالمحرقة التي يقوم بها اليهود في القرن الواحد والعشرين. مازال هناك وقت ولكن إلى أي مدى يمكن أن يقاوم الناس -حتى الأبطال منهم- بدون ماء ولا طعام؟، إن عرض شارون لعرفات بالحرية في أن يترك مكانه بلا عودة إنما هو يعني جميع أفراد الشعب الفلسطيني.