الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين أما بعد: فإن من أعظم الحقوق والواجبات بر الوالدين والاحسان إليهما والشفقة والعطف عليهما كيف لا وقد قرن الله حقهما بطاعته في آي القرآن العظيم ومحكم التنزيل قال تعالى {وقّضّى" رّبٍَكّ أّلاَّ تّعًبٍدٍوا إلاَّ إيَّاهٍ وبٌالًوّالٌدّيًنٌ إحًسّانْا إمَّا يّبًلٍغّنَّ عٌندّكّ پًكٌبّرّ أّحّدٍهٍمّا أّوً كٌلاهٍمّا فّلا تّقٍل لَّهٍمّا أٍفَُ ولا تّنًهّرًهٍمّا وقٍل لَّهٍمّا قّوًلاْ كّرٌيمْا (23) واخًفٌضً لّهٍمّا جّنّاحّ پذٍَلٌَ مٌنّ پرَّحًمّةٌ وقٍل رَّبٌَ \رًحّمًهٍمّا كّمّا رّبَّيّانٌي صّغٌيرْا (24)} [الإسراء ]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله». متفق عليه، فانظر رعاك الله كيف أن الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله مع أن المجاهد قد يخرج بنفسه وماله ولا يرجع من ذلك بشيء، الجهاد الذي تراق فيه الدماء وتفصل فيه الرؤوس عن الأجساد ومع ذلك قدم عليه بر الوالدين وما ذاك إلا لعظم شأنه، «إذ إن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد» متفق عليه، بل إن الإسلام يتشوف إلى بر الوالدين ولو كانا مشركين بالله تعالى القائل في كتابه {وإن جّاهّدّاكّ عّلّى" أّن تٍشًرٌكّ بٌي مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ فّلا تٍطٌعًهٍمّا وصّاحٌبًهٍمّا فٌي پدٍَنًيّا مّعًرٍوفْا (15)} [لقمان ]، وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله: إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك. متفق عليه، هذا مع كونها مشركة فكيف لو كانت مسلمة تعبدالله وتدين دين الإسلام فمن باب أولى صلتها وبرها والاحسان إليها، ووالله مهما بلغ الولد في بر أبويه ومهما بذل من الاحسان إليهما فلن يوفيهما حقهما البتة، كما قال عليه الصلاة والسلام :« لا يجزئ ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه» رواه مسلم. فمتى نقوم بواجبنا تجاه ابائنا أيها الأبناء؟ ومتى نوفيهم حقوقهم؟ ومتى نشعر أننا قد سددنا بعضا من ديون الخدمات التي قدموها لنا؟ هل يا ترى نتذكر ذلك عندما نرزق الأبناء والبنات فنحنو ونعطف عليهم، لعل ذلك يحرك عواطفنا تجاه آبائنا وأمهاتنا. وإن مما أحزنني وعصر قلبي ذلك المشهد المؤثر الذي لم يخطر على بالي أن أسمعه أو أراه، إذ رأيت رجلاً يطعن في السبعين من عمره دخل على أحد مراكز الشرطة متثاقلاً يتكئ على عصاه ويسحب رجله ودموعه سحاً وآثار الكدمات والضرب عليه، فقام بين يدي الضابط مستصرخاً مستنفراً يقول بأعلى صوته «اضربوه اسجنوه افعلوا به ما تشاؤون» فيسأل الضابط متبرماً من هو؟ من يكون يا شيخ؟ فيرد عليه إنه ابني وفلذة كبدي ضربني البارحة وأخرجني من المنزل وأقفل الباب في وجهي، ونمت البارحة في تلك الليلة الباردة في الشارع على الرصيف خارج المنزل فأنصفوني منه جزاكم الله خيراً!! فوالله لو لم أر هذا بأم عيني ربما لا أصدقه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كيف يصل بعض أبناء المسلمين من العقوق للوالدين وهذا المنكر إلى هذا الحد وإلى هذا المستوى؟! أما يخشى أمثال هذا العاق من العقوبة والعذاب في الدنيا والآخرة؟ أما يخشى أن يعقه أبناؤه كما عق أباه؟ أما يعلم أن العقوق من أكبر الكبائر والمنكرات وقد قرنها الرسول عليه الصلاة والسلام بالشرك بالله؟ قال: عليه الصلاة والسلام «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً: فقلنا: بلى يا رسول الله، قال الشرك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس قال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت»، متفق عليه. وقد صدق قول من قال: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على القلب من وقع الحسام المهند فدعوة من الأعماق يا شباب الإسلام ببر الوالدين والحرص على الاحسان إليهما والشفقة عليهما والحذر كل الحذر من العقوق والاساءة إليهما، لما في البرّ من الخير والبركة والثواب الجزيل والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ولما في العقوق من الشر والعقوبة والتعاسة في العاجل والآجل وبالله التوفيق.