✒كل من يقرأ الآن قد يظن أني حصرت هذا المقال للحديث عن أمي و أبيرحمهما الله و الحقيقة يا كرام أنني أقصد كل أم و أب، نعم أمك و أبوك المقصودان يا من تقرأ. أليس كل جمال يذكرك بهما؟ نسمات الصباح الباردة، و هواؤه العليل، ليلة باسمة مشرقة بإضاءة البدر في تمامه، وردة فاح عبقها قبل اكتمال تفتحها، كل هذا و غيره من الجمال يذكرنا، بل و ينافسنا على جمال و محبة الوالدين، فسبحان من أودع ذلك في قلوبنا. المتفق عليه غالبًا هو شيء واحد جميل، مواصفاته متفق عليها من الجميع، لكن الوالدين متفق على محبتهما و برهما، مع اختلافهما، ألا ترون أنهم يختلفون في الجنسيات و الأشكال و الألوان و الطبائع؛ بل والديانات و مع ذلك لا أحد يُجمع على عقوقهم و إيذائهم، بل العكس تمامًا. والمسلم مأمورٌ بالإحسان إلى والديه وبرهما حتى لو كانا كافرين ، ولا يحل له أن يعقهما أو يسيء إليهما في القول أو الفعل ، على أن ذلك لا يعني أن يطيعهما في المعصية أو يداهنهما في الكفر الذي يعتنقانه . قال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : " نعم ، صِلي أمك " أيها الأبناء : يخفي الوالدان دموعهما رحمة بأبنائهم، فتتفطر قلوبهم دمًا داخليًا، لا يشعر به غيرهم، و بالمقابل نجد قلبًا قاسيًا من أحد الأبناء، وصل به العقوق إلى مساواة الوالدين بغيرهم من العلاقات ( صداقة أو زمالة، أو علاقة مصلحة و غيرها...) و تعظم المصيبة حينما تعلو منزلة هؤلاء على منزلة الوالدين.. كم هي حياة مشرقة تلك التي نعيشها مع وجود الوالدين، و ما أشد مرارة الفقد عند رحيلهما. هل استوعبنا ذلك المعنى لندرك الحياة قبل الندم؟ أم هو تسويف يسوقنا لمتاهة لا نهاية لها سوى الألم؟ أيها الأبناء : لا أحد يحمل لكم الحب مع معاناته معكم و تحمل أعبائكم سوى الوالدين. قلب الأم يفوق قلوب النساء، و قلب الأب لن نجده عند كل الرجال.. حب الوالدين فطرة، و حب غيرهما شعور تقلبه، و تغيره المزاجية، حب الوالدين لا يقبل المساومة أبدًا، و حب غيرهم قد تشوبه الشوائب.. يا ترى : هل يعلم من عقَّ والديه أنه ( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ) فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ أيها القراء : قصص العقوق كثيرة، و لا مجال هنا لسردها، لكن تأكدوا أن البر ، و العقوق دين سيوفَّى.. و أن الجميع سائرون في ذات الطريق، و هم من يحدد نوع الطريق الذي سيسلكونه مع أبنائهم، كما سلكه آباؤهم معهم.. أخيرًا : لا تجعل مشاغلك و حياتك الخاصة حاجزًا دون البر بوالديك.. البر أيها الأبناء ليس فرض كفاية؛ بل واجب لابد أن تزاحموا من حولكم عليه. {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}