الهلال «المنقوص» يقصى الاتحاد ويحجز مقعداً في نهائي «أغلى الكؤوس»    سمو محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة سمو أمير المنطقة    سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير شرطة المنطقة ويتسلم التقرير السنوي لعام 2023    الأمان في دار سلمان    المملكة ترشد 8 ملايين م3 من المياه    مشروع سياحي استثنائي ب"جبل خيرة"    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    الهلال يتفوق على الاتحاد ويتأهل لنهائي كأس الملك    الدراسة عن بُعد بالرياض والقصيم بسبب الأمطار    الوسط الثقافي والعلمي يُفجع برحيل د. عبدالله المعطاني    من أحلام «السنافر».. مانجا تعزز دورها في صناعة الألعاب    خبير قانون دولي ل«عكاظ»: أدلة قوية لإدانة نتنياهو أمام «الجنايات الدولية»    مدرب بلجيكا يؤكد غياب تيبو كورتوا عن يورو 2024    أمريكا تطلب وقف إمداد الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة    نمر يثير الذعر بمطار هندي    تطوير العمل الإسعافي ب4 مناطق    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية المكسيك يناقشان آخر التطورات في قطاع غزة ومحيطها    موسم الرياض يطرح تذاكر نزال الملاكمة العالمي five-versus-five    مهتمون يشيدون ببرنامج الأمير سلطان لدعم اللغة العربية في اليونيسكو    41 مليون عملية إلكترونية لخدمة مستفيدي الجوازات    محافظ الريث يستقبل مفوض الإفتاء الشيخ محمد شامي شيبة    عسيري: مناهضو اللقاحات لن يتوقفوا.. و«أسترازينيكا» غير مخيف    «جامعة نايف العربية» تفتتح ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب.. في الرياض    أغلى 6 لاعبين في الكلاسيكو    دوريات «المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    ميتروفيتش ومالكوم يقودان تشكيلة الهلال ضد الاتحاد بنصف نهائي كأس الملك    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لجودة الحياه    مساعد وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية في إسبانيا    نائب أمير مكة يطلع على الاستعدادات المبكرة لحج 1445    وزير الصناعة والثروة المعدنية يرعى أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2024    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    مجلس الوزراء يجدد حرص المملكة على نشر الأمن والسلم في الشرق الأوسط والعالم    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    فهد بن سلطان يطلع على الاستراتيجية الوطنية للشباب    وزير الطاقة: لا للتضحية بأمن الطاقة لصالح المناخ    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في منظمة سيجما الدولية    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    الذهب يتراجع 4.6 % من قمته التاريخية    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    وهَم التفرُّد    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    لوحة فنية بصرية    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد وعي يتسع لقراءة العالم
مصطفى الضبع ل«الجزيرة»:
نشر في الجزيرة يوم 15 - 02 - 2020

منذ نعومة أظافره، وهو يعيش مع النص، يقرأ النص بكل حواسه الخمس، يطرح ويسائل شخصياته، لذا تكونت لديه موهبة النقد قبل أن يدرسها، ويتفوق بها، هو ناقد بارع لدرجة أنه قادر على تفكيك جزئيات النص وإعادة تركيبها مرة أخرى، وفهم الغامض منها، لم يبخل على وطنه العربي بعلمه، فهو عضو فاعل في العديد من اللجان التحكيمية، والكثير من المجلات العربية، والجامعات . الدكتور مصطفى الضبع في حديثه معنا، يضع النقاط على الحروف في مهمة الناقد الكاتب، وما هي مهمة كل واحد منهم.
* هل قالت الرواية العربية ما قاله محمود درويش في قصائده؟ فكيف ونحن في زمن الرواية؟
- للرواية مقولاتها، وللشعر مقولاته المغايرة، محمود درويش وظف ممكناته في مقاربة الإنسان أولا والإنسان العربي ثانيا والفلسطيني ثالثا، مشكلة الرواية العربية في كونها أصبحت مساحة لا ضابط لدخولها، فالجميع – مؤهلا وغير مؤهل - يكتب رواية، وفي ظل غياب المتابعة النقدية وإغراء الجوائز ازدحمت الساحة العربية بكثير من الروايات البعيدة تماما عن الفن الروائي .
مقولة زمن الرواية مقولة ليست دقيقة تماما فالمقولة في جانب كبير منها تشير إلى توزيع الرواية بالأساس واتساع قرائها وهو ما لم يتحقق تماما في وطننا العربي، وعلينا العودة إلى إحصائيات التوزيع للرواية العربية أولا وإحصائيات المترجم من الرواية الأجنبية للغة العربية، وكذلك ترجمة الرواية العربية للغات أخرى، وإذا نظرنا إلى المقولة بوصفها تطرح سطوة الرواية فإن السطوة الآن للصورة، للميديا بمعناها العصري وليس للرواية.
* في دراستك عن الفلاح في الرواية العربية، إلى ماذا توصلت؟ وهل الإنسان البسيط معطى حقه بالرواية؟ أم أن المثقف والأفكار الأيديولوجية هي من تهيمن على بنية الرواية؟
- كان لدراسة الفلاح في الرواية فضل اكتشاف العالم الروائي والتأسيس لمقولات نقدية:
1- الإنسان مكاني بطبعه، ربما كانت هذه نتيجة طبيعية لمقولة: الإنسان ابن بيئته، ولكن الرواية تكشف عن جماليات المكانية هذه، وتعيد طرح المقولة بصورة جمالية فالفلاح في الريف المصري يعتمد معجمه اللغوي على مفردات العربية الفصحى (وضعت في الدراسة معجما للغة الفلاح في الرواية تشكلت من 300 مفردة جاء 296 منها مستمداً من العربية الفصحى).
2- رصدت الرواية العربية ثلاث بيئات للفلاح: القرية في الدلتا المصرية – القرية في صعيد مصر - القرية في الصحراء المصرية، وهو ما يعني مقاربة الرواية العربية لهذه البيئات بشكل مبكر جدا.
3- على غرار الفلاح استثمرت الرواية العربية الإنسان المهمش موظفته توظيفا جماليا تبلور في عدد كبير من الروايات العربية.
4- الفلاح في الرواية قبل عام 1950 كان شخصية ديكورية وجوده محكوم بوجود القرية خلافا لما جاء عليه الأمر في المرحلة التالية إذ أصبح شخصية فاعلة لها تأثيرها الجمالي على الرواية، والدراسة كانت معنية بالوقوف على إجابة سؤالين:
- كيف صورت الرواية الفلاح؟
- ماذا أضافت شخصية الفلاح للرواية؟
وهو طرح يصلح لدراسة كثير من الموضوعات المشابهة بحثا عن صورة الشخصية في الرواية.
* إلى أي مدى استطاع الروائي العربي توظيف المكان في خدمة العمل الروائي؟ وهل البطولة ممكن أن تكون للمكان؟ وإذا كان ذلك مَن من الروائيين العرب أجاد وأبدع فيه؟
المكان ليس بطلا فحسب ومقولة البطولة المكانية ليست دقيقة تماما فالمكان ليس موضوعا روائيا بقدر ما هو تقنية روائية، والروائيون يكتبون بالمكان وليس عن المكان، وبين حرفي الجر (عن - الباء) انتقال يكشف عن طبيعة الدراسة وقدرتها على مكاشفة الفن الروائي جماليا، واستكشاف جماليات المكان سرديا.
بطولة المكان لا تتكشف عبر رصد المكان وتفاصيله وتصوير جغرافيته، وإنما هي تتشكل عبر الإنسان الذي يمثل مظهرا حسيا لقيمة المكان وتأثيراته، الأمكنة لا تحمل البشر بقدر ما يحملها البشر داخلهم، والروائيون يتفاعلون مع روح المكان أكثر من تفاعلهم مع جغرافيته الصماء.
المشكلة أن الذين تحدثوا عن بطولة المكان اكتفوا بفكرة أن الرواية ترصد جغرافية المكان وتفاصيله فقط دون النظر إلى تجلياته عبر الأشخاص، وللأسف صدر البعض هذه الفكرة حتى استقرت في أذهان النقاد والدارسين متضمنة كثيراً من المغالطة السائدة.
بقيت الإشارة إلى أن المكان وتجلياته واحدة من وسائل النقد للكشف عن قدرات الروائيين عبر توظيف المكان وإنسانه بالأساس.
* في حوار سابق لي مع الروائي اليمني محمد الغربي عمران قال: إن النقد في الوطن العربي مصاب بالشلل، ومن تسمعهم يرددون بعض المناهج والنظريات النقدية يعرفون ب أن الزمن عفا عليها، وأسأل أين اجتهادهم في النقد؟ ولماذا لا يشتغلون على أساليب تخصهم بدل تقليد التقليد؟ ما هو ردك عليه وأنت ناقد؟.
- الغربي عمران محق تماما فحالة النقد العربي يرثى لها، فالساحة النقدية تعاني الكثير خاصة أن مصنع النقاد أعني الجامعة يعاني من أسباب الخلل.
- صناعة الناقد ليست قراراً سياسياً أو حتى علمياً، صناعة الناقد علم تتضافر مجموعة عوامل لإنتاجه ومما يؤسف له أن الجامعة (الجهة الأساسية للإنتاج) فقدت الكثير مما كان يجعلها منتجة، وكان من المنطقي أن مئات أقسام اللغات في جامعاتنا العربية يقدم كل منها للساحة النقدية باحثا ولو كل خمس سنوات، نعم لدينا آلاف من أساتذة النقد ولكن القليل منهم نقاد .
- كثير ممن يشتغلون بالنقد يحفظون النظريات ولا يطبقونها، الفيصل في التطبيق، في الاشتباك مع النص، في الحوار معه، البعض يعتقد أن تلقي النظريات يصنع الناقد، ليس لدي مشكلة في أن يقرأ الناقد كل النظريات ولكن عندما يكتب أو ينقد يكون نفسه، وأن يدرك كيف يتعامل مع النص متخلصا من مقولات النقد التي قد لا تناسب النص ولا تفك مغاليقه، النقد مفهوم أوسع من أن يحصر في كتاب نقرأه ونعلق عليه، النقد وعي يتسع لقراءة العالم، هو طفرة جينية يقوم عليها تطور الإنسانية .
- كثير من النقاد مغرمون بترديد مقولات نظرية مجرد مقولات لا صدى لها في النص ولا تصلح إلا عكاكيز لهم، هؤلاء يتعاملون مع النقد بوصفه موضة، النص ليس صخرة مطلوب من الناقد تفتيتها، النص كائن حي، حياة إن لم تعشها فلن تدركها، وإن لم تدركها لن تحياها، وإن لم تصل لهذه المرتبة فلن تكتب عنها.
* في المملكة، حيث تقيم الآن بمدينة الدمام، وتعمل أستاذاً في كلية الآداب جامعة الإمام عبد الرحمن الفيصل، ما هي الأسماء الأدبية التي لفتت نظرك كناقد وتفكر بعمل دراسة أو مقالة نقدية عنها؟
في مشروعي النقدي أتحرك هذه الفترة بين دائرتين:
- دائرة الأدب السعودي بحكم الإقامة.
- دائرة الأدب العربي بحكم التخصص.
في الدائرة الأولى أنجزت عددا من الدراسات حول:
جبير المليحان - محمد الدميني- حسن السبع- محمد إبراهيم يعقوب. إبراهيم مضواح الألمعي – ظافر الجبيري- زكية العتيبي- سهام العبودي
وهناك دراسات موسعة حول:
1- دراسة حول «جماليات القصة القصيرة السعودية النسخة الأنثوية» تناولت عددا من نتاج الكاتبات السعوديات، والدراسة تتضمن ببليوجرافيا للقصة القصيرة السعودية النسائية (نشرت ضمن أعمال المؤتمر الأول لدراسات المرأة السعودية المنعقد في جامعة الأميرة نورة أكتوبر 2018).
2- دراسة حول : «السردجرافيا في كتابات خالد اليوسف» نشرت ضمن كتاب تكريم خالد اليوسف الصادر عن نادي الباحة ديسمبر 2019.
3- دراسة حول «العلامة الشعرية في القصيدة السعودية مطلع الألفية الثالثة» وتتضمن ببليوجرافيا للشعراء السعوديين الذين بدأوا نشر دواوينهم مطلع الألفية الثالثة، ضمن أعمال ملتقى النص (16) المنعقد بنادي جدة الأدبي.
4- دراسات لم تنشر عن أعمال أدباء سعوديين.
5- وهناك مشروع مع مجلة فرقد الالكترونية الصادرة عن نادي الطائف الأدبي نصف شهريا حيث أتناول كل عدد نصا شعريا لواحد من شعراء المملكة، وهي محاولة اكتشاف خارطة الشعر السعودي العامرة بالأسماء الشعرية وخاصة في مطلع الألفية الثالثة، تناولت السلسلة حتى الآن أعمال عدد كبير من الشعراء، منهم: عبد اللطيف بن يوسف- إبراهيم بوشفيع - موسى الشافعي - محمد الزمزمي - مشعل العنيزان - خليفة الغالب - أحمد الهلالي - عمر النحوي - علي المنكوتة الزهراني.
* أي من الشخصيات الروائية العربية أو المصرية أو العالمية التي أثرت في مصطفى الضبع ودفعته لاقتحام عالم النقد والأدب؟
- رحلتي مع الرواية عربيا وعالميا واسعة لا حدود لها، علاقتي بالرواية قديمة جدا، بدأت من سنوات الدراسة الأولى، ولم تتوقف عالميا وعربيا، ما يميزها أنها كانت علاقة مقصودة لذاتها لم تكن بهدف الدراسة أو العمل وهو ما انعكس على معرفتي بالرواية وتشكيل ذائقتي النصية، تعايشت مع مئات الشخصيات الروائية وكتبت نصا سرديا لم ينشر بعد عن علاقتي بكثير من الشخصيات الروائية العالمية والعربية، ولكن تظل الشخصية الروائية الأكثر تأثيرا هي شخصية شهرزاد بوصفه الشخصية الورقية التي تحولت إلى حقيقة استلهمها كثير من الكتاب، شهرزاد من وجهة نظري هي المرأة الأذكى في تاريخ البشرية ليس لأنها نجحت في حماية نفسها من القتل بالحكاية التي أصبحت مقاوما للفناء وإنما لكونها أعادت تشكيل الرجل وتحويله من قاتل إلى إنسان سوي، لكونها تربوية لم ترسخ في شهريار عقدته ونقطة ضعفه وإنما عالجته نفسيا بما يضمن له حياة حقيقية خالية من أمراض النفس، تليها شخصية السندباد الذي يولد ولادة جديدة مع السفر، وهي شخصية أراها شخصية شهرزادية من أحد وجوهها ففي الليالي يسير السندباد على نهج شهرزاد عندما يحمي نفسه من الحسد بالحكاية، ويكون الوجه النهاري للحكي مقابل شهرزاد ليلية الحكي، شهرزاد تغير العالم من حولها، والسندباد يغير نفسه بتغيير العالم، وكلاهما يتحرك حركة تكمل الآخر، شهرزاد ترتحل ذهنيا عبر الحكايات صانعة حياة جديدة، السندباد يتحرك حركة مادية صانعا حياة جديدة ومغايرة .
9- كثرة الجوائز العربية اليوم في مجال الشعر، والرواية، والمسرح، فكيف يمكن ضبطها كي تذهب إلى من يستحقها وأنت عضو في أكثر من لجنة عربية تمنح تلك الجوائز؟.
- يؤسفني القول إن كثيرا من الجوائز تفتقد إلى كثير من الضوابط الأخلاقية ليس على مستوى وضعها ولكن تنفيذها وأحيانا تكون مشكلة الجوائز في الشلة التي تقوم عليها، المنطقي أن تتغير لجان التحكيم كل دورة أو دورتين، سقطت بعض الجوائز العربية في أسر الشللية وتوزيع الأنصبة، وخاصة الاعتماد على محكمين يشتغلون بتاريخهم فهناك محكم لا يقرأ، وضعف ذائقة بعض النقاد تنعكس على مستوى التحكيم (هناك جوائز عربية ذهبت لأعمال ضعيفة المستوى ) وهو ما ينتج عنه كوارث شديدة الخطورة (ناقد ضعيف المستوى يفوز بجائزة فيصدق نفسه ويروح يملأ الأرض كتابة (نقدية) ما هي بنقد ولا علاقة لها بالنقد ويروح يوسع الدنيا نقدا، وكتاب ضعيف المستوى يفوز صاحبه بجائزة فيصدق نفسه، ومقالات تسود عشرات الأعمدة حتى اختلطت الأوراق ليكتمل مشهد الفوضى وندور في حلقة مفرغة، كاتب يدشن ناقدا ليأتي دور الناقد ويرد له التدشين، مدعي النقد يدشن مدعي الكتابة فيتبادل الاثنان التعظيم والتكريم والتفخيم ويفقد الأدب شأنه العظيم).
* هل الرواية العربية قائمة على الماضي أم المستقبل؟
- الرواية العربية تتحرك في مساحة زمنية واسعة وهناك مساحات وأسماء وأعمال لم تكتشف بسبب غياب المشروع النقدي، أعني عملية المتابعة النقدية التي تقع مسؤوليتها على النقاد أولا وعلى الصحافة الأدبية ثانيا، وعلى الناشرين ثالثا، تحدثنا سابقا عن أزمة النقد، أما الصحافة الأدبية العربية فكم دورية عربية لديها الاستعداد أو فكرت في إنجاز مشروع نقدي منظم يقوم على استكتاب فريق من النقاد لمتابعة الإصدارات الأدبية بصورة دورية، أما الناشر فيتحمل مسؤولية مزدوجة:
نشر أعمال ضعيفة المستوى لغياب لجان الفحص قبل النشر، وبعض دور النشر تستهدف الربح المادي قبل أداء رسالتها الفكرية.
التوقف عند النشر دون القيام بما يسمى خدمة ما بعد النشر أي الترويج للأعمال وتقديمها إعلاميا (يكتفي البعض بحفلات توقيع هي مجرد شو إعلامي تتساوى فيه المطبوعات، وهي حفلات توقيع تتشابه في مضمونها لذا تتراجع خدمتها للنص الأدبي).
11- هل الرواية ممكن أن تشكل ذاكرة اجتماعية وسياسية واقتصادية ممكن الرجوع إليها في أبحاثنا العلمية لو تعذرت المصادر الرئيسية؟ أم أنها تبقى في إطار الكلام الذي نفهم من خلاله كيف هي حياة الأمم والشعوب؟
- الرواية تشكل ذاكرة ثرية تسجل الفكر الإنساني، وحتى في ظل توفر المصادر الرئيسية تظل للرواية وظيفتها التسجيلية، ومع تعدد وظائف الرواية وأدوارها يمكننا التوقف عند اثنتين منها:
- كونها سجلاً للحياة الإنسانية، يجعلها أكثر صدقا من التاريخ في تسجيل الأحداث وكتابة تاريخ الشخصية الإنسانية، إنها تاريخ من لا تاريخ له من أفراد المجتمع الإنساني، يرى فيها الأفراد مصائرهم ويرون فيها حياتهم (لاحظ ارتباط القارئ بروايات لم تكتب في لغته وإنما ترجمت من لغات أخرى عابرة إليه من ثقافات مغايرة ) إننا نرى أنفسنا في الرواية أكثر من رؤيتنا لأنفسنا في الشعر، تأثير الشعر لحظي، مقارنة بتأثير الرواية الممتد، الصورة الشعرية اختزال للحظة إنسانية، الرواية اختزال لحياة إنسانية كاملة أو هي حياة إنسانية كاملة.
- كونها مصنعاً للخيال الإنساني، عبر طريقتين أساسيتين ينمو الخيال: القراءة والسماع، وتظل الرواية سيدة الموقف في تنمية الخيال الإنساني الذي لا تطور للحياة دونه .
* ما هي الخطوات التي يجب أن تأخذها المجتمعات العربية للتخلص من أثر الأصولية المتطرفة؟
- عندما تتخلص المؤسسات التعليمية من طرائق التربية البائدة وفي مقدمتها التلقين، وعندما تتحول المقررات الدراسية لدى الطلاب لمواد تثقيفية بمعنى أن الطالب لا يتعامل معها بوصفها مهمة مؤقتة، وعندما تدرك المجتمعات أنها تبني بشرا وعندما تدرك المجتمعات قيمة الثروة البشرية التي تمتلكها، وعندما تتخلص المؤسسات التعليمية من مفهوم التعليم القائم على أن التعليم جمع معلومات وبثها للمتعلمين، وأن تغير المؤسسات من رؤيتها للعلم بوصفه ليس منفصلا عن الحياة، لأضرب لك مثالاً، معظم طلاب العربية يرون أن النحو مقرر غير مفيد ويردد البعض منهم مقولة تتكرر بصور مختلفة (هل أتعلم النحو لأتكلم بالفصحى)، الفكرة التي لا يدركها معظم الناس أن العلوم تتواصل وتتوحد، وليس هناك علم لا صلة له بالواقع وليس له صدى في حياتنا، من لا ي ستخدم النحو يفيد من قوانينه بوصفه نظاما للحياة الإنسانية والوحدة تعني أن التواصل قائم بين كل العلوم والفنون .
- البحث العلمي القائم على أسس من العلم وأخلاقيات البحث واحد من أهم وسائل الخروج بالمجتمعات إلى المستقبل، لذا لا بديل عن الاهتمام بالبحث العلمي في كل مجالات الحياة الإنسانية .
- القراءة ثم القراءة، وعندما أقول القراءة لا اقصد الاكتفاء بنوع واحد من الكتب، وإنما التنوع، تنويع مصادر المعرفة، من يكتفي بنوع واحد من المعارف يكون كمن يكتفي بنوع واحد من الغذاء (هل يصح جسم إنسان يكتفي ينوع واحد من الغذاء ؟ )
13- هل الجامعات العربية والأكاديميين فيها يقومون بدورهم اتجاه مجتمعاتهم ثقافيًا، أم هي جامعات معزولة عن محيطها العربي، وتأثيرها لا يتجاوز حرم الجامعة؟
الجامعات العربية في كثير منها جزر منعزلة، هناك أساتذة وباحثون مجيدون، وهناك موهوبون، ولكن للأسف لا استثمار أمثل لهذه الثروة البشرية .
- هناك غلبة فئوية، حيث الفئة خارج نطاق التأثير أكبر من الفئة المؤثرة، فهناك الكثير من الأكاديميين يحصرون دورهم في قاعات الدرس فقط، وإن خرج بعضهم فإنهم يعملون بقانون القاعة وما يحفظونه من مقررات يلقنونها طلابهم، المجتمع خارج الجامعة يفتقر إلى الأفكار الإبداعية وليس إلى المحفوظات والمسكوكات.
- الجامعة قاطرة التقدم وصانعة الفكر الإنساني والمحافظة عليه، الفكر الإنساني الذي يمثل السوفت وير أو برنامج التشغيل للحياة في كل جوانبها (كل ما يحيط بنا من أشياء مادية (المدن والطرقات والآلات والملابس) بمثابة هاردوير، والقوانين والأفكار هي السوفتوير أو برنامج التشغيل، نطور أفكارنا وقوانيننا فتتطور كل الأشياء، السوفتوير المتطور لا يصلح لهاردوير قديم متهالك).
- آن لنا آن نغير مفهومنا عن التعليم، المفهوم المعتمد على أن التعليم يعني نقل المعلومات وأن المعلم مجرد ناقل للمعلومات، المعلومات ليست بعيدة عن طفل صغير في يده جوال متصل بشبكة الانترنت ، التعليم يعني اكتساب مهارات وتنمية قدرات واكتشاف مواهب ونقل خبرات إنسانية .
- الجامعات التي لا تعتمد على تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات جامعات خارج نطاق الخدمة ولا تنتظر منها تخريج أجيال صالحة ما لم تطور من أدواتها، الأستاذ لابد أن يكون سابقا لكل الأجيال مطورا أدواته للعمل في بيئة من التكنولوجيا، إذا تساوت عقلية الطالب مع عقلية الأستاذ فهذا في صالح الطالب وضد عقلية الأستاذ، الأستاذ العصري والحقيقي هو الذي يستزيد ويتعلم ويتطور مع طلابه طوال الوقت مما يعني مسايرته للتطور، ومن الظلم للأجيال في الألفية الثالثة أن تجبر على العودة للوراء عبر أنظمة تعليم بالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.