رحم الله الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، كان مؤرخًا وأديبًا مشهورًا ذا دراية واسعة بالكثير من العلوم والمعارف وكان صاحب مكانة رفيعة بين أفراد المجتمع السعودي. ولد -رحمه الله- في الدرعية عام 1928 وتوفي مساء يوم الاثنين 26 - 12-2016 وهو خريج كلية اللغة العربية انتظام وكلية الشريعة انتساب عام 1377 ه مما أسهم في جعله ينتج هذا الكم الهائل من المؤلفات والمقالات التي أثرى فيها الساحة الأدبية والفكرية على مدى أربعين عامًا مضت التي نال على إثرها الشيخ عبدالرحمن الرويشد عديدًا من الجوائز، فقد نال جائزة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لدراسات تاريخ الجزيرة العربية في دورتها الثانية، وحصل على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى بمناسبة مرور مائة عام على توحيد السعودية (المئوية) التي بالمناسبة كان هو وبحسب ما ذكره عن نفسه عبر حوار صحفي بجريدة عكاظ يوم الخميس 6 - 1 - 2011 من أنه صاحب فكرة احتفالات المملكة بمئوية دخول الملك عبدالعزيز للرياض عام 1419 ه وآخر ما حصل عليه من تكريم كان توجيه أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود بتسمية شارع من شوارع الرياض باسم المؤرخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد تقديرًا لجهوده وما قدمه في المجالات الثقافية والبحوث العلمية والتاريخية. * وفي الجانب الوظيفي تقلد منصب مدير المعهد العلمي بالأحساء في 1381 ه وفي عام 1390 ه أصبح مديرًا لإدارة الكتب والمقررات المدرسية ثم انتقل بعدها لوزارة الداخلية في عام 1390 لكي يصبح مساعدًا لمدير عام الحقوق وأيضًا ترأس تحرير مجلة الدعوة عام 1398 ه ثم مساعدًا للأمين العام لمجلس الأمن الوطني ومستشارًا غير متفرغ لدارة الملك عبدالعزيز إلى أن تقاعد وتفرغ للقراءة والبحث والتأليف. وباستقراء ما كتبه شيخنا في مختلف المجالات ترى أنه ناقش كثيرًا من مختلف الأدبيات مما جعله متميزًا بين قرنائه من (وجهة نظرنا). ففي الأدب العربي على سبيل المثال كتب ونشر عديدًا من القصائد منها على سبيل المثال أبيات جميلة قيلت في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم نشرت في جريدة الجزيرة يوم الاثنين 30 مارس عام 2015 قال فيها: وفي التاريخ له تحقيقات عن تاريخ الدولة والشخصيات السعودية مثل كتابه بعنوان (عبدالله السليمان الحمدان صفحة مشرقة في تاريخ المملكة)، الذي كان أول وزير للمالية في أول تشكيل وزاري بتاريخ المملكة العربية السعودية، أيضًا في الكتابة عن الأنساب فقد كانت له الأسبقية في أن يكون المرجع الأول لنسب العائلة المالكة السعودية وقد كتب بهذا الصدد كتابًا اسماه (الجداول الأسرية لسلالات العائلة المالكة السعودية)، الذي يعد مرجعًا للمهتمين بنسب العائلة المالكة السعودية. ويحكي عنه عن الشيخ عبدالرحمن أنه منذ بداية شبابه كان يبدي اهتمامًا كبيرًا بتاريخ الجزيرة العربية بشكل عام وتاريخ المملكة بشكل خاص ومن هذا المنطلق أيضًا كان يسهم في الإيضاحات الخاصة بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وفيما يلي سردًا لبعض مؤلفاته فقد كتب -رحمه الله- كتابًا اسماه: 1. (الستون رجلاً خالدو الذكر) تحدث فيها عن الرجال الذين كانوا مع الملك عبدالعزيز عندما ذهب للرياض واستعادها من آل رشيد وأطاح بعاملهم عليها عجلان وهو يعد من أهم الكتب التي وثقت هذه المرحلة التاريخية لأنه اختلفت الأقاويل حول من كان مع الملك عبدالعزيز رحمه الله بين الناس. وأيضًا له كتاب عن تاريخ قصر الحكم بعنوان: 2. (قصر الحكم في الرياض: أصالة الماضي وروعة الحاضر). ويعد هذا القصر من أهم معالم مدينة الرياض لأنه رمز سياسي تاريخي قديم شيد في عهد حاكم الرياض السابق دهام بن دواس عام 1160 ه. 3. كتاب (قصر المربع) والذي بناه أستاذ البناء والتعمير الأول في ذلك الوقت الشيخ حمد بن محمد بن قباع الملقب ب(كسار الصخور) وقد أطلق عليه اسم قصر المربع لإحاطته بأبراج أربعة مربعة الشكل وقد اتخذه الملك عبدالعزيز مقرًا دائمًا له. 4. كتاب (إمارات اليمامة من حكم الفوضى حتى قيام الدولة السعودية). الذي تحدث فيها عن تاريخ اليمامة (الرياض حاليًا) حتى قيام الدولة السعودية بشكل تفصيلي وسلس ولم تقتصر مؤلفاته على الأشخاص أو المناطق والقصور. 5. (تاريخ الراية السعودية أعلام وأوسمة وشارات وطنية). يعد كتابًا فريدًا من نوعه حسب ما ذكره الأستاذ بدر الخريف في تحقيق له نشر في جريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة 2 أكتوبر عام 2009 العدد رقم 11266. لأنه يتحدث عن علم الرايات والأوسمة والرتب منذ عهد الفراعنة إلى هذا العصر الحديث وقد ذكر أن الشيخ عبدالرحمن على الرغم من صعوبة الحصول على المعلومة بسبب عدم وجود وثائق مكتوبة إلا أنه استطاع أن يحصل على المعلومات اللازمة من خلال النقل الشفهي من الثقات المعمرين ممن ولدوا بالدولة السعودية الثانية وأدركوا من كان موجودًا في الدولة السعودية الأولى وهذا جهد كبير يحسب له. 6. المقارن للتاريخ الهجري بالميلادي: الأزمنة والفصول وخواص البروج). ومن المؤلفات التي كتبها وبيّن فيها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله. 7. كتاب بعنوان (الوهابية حركة الفكر والدولة الإسلامية). والتي أوضح الكاتب سليمان الضحيان في مقال نشر في جريدة مكة 24 سبتمبر عام 2014 من أن الشيخ عبدالرحمن بين في هذا الكتاب أصالة الفكرة الوهابية وأنها ليست كما يشيع خصومها أنها مذهب جديد، بل هي دعوة للعودة للدين السليم القائم على مذهب أهل السنّة والجماعة. 8. (الجذور الأصلية للتعليم في وسط الجزيرة العربية). ولم يقتصر عمل الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد على الجانب التأليفي فقط بل لعلمه بأهمية دور قنوات الإعلام المختلفة أسس مجلة تربوية اسمها (مجلة الشبل). وهي مجلة شبه شهرية صدر العدد الأول منها في غرة صفر عام 1403ه وهي موجهة لطفل العربي المسلم وأني أرى أنها ذات رسالة وهدف سامٍ عظيم وهي تنشئة أطفالنا النشأة الصالحة القائمة على المحبة والأخلاق الحميدة التي هي ديدن ديننا الحنيف. وقد كان يمتلك مطبعة متكاملة لطباعة الكتب والمجلات أسماها (دار الشبل لنشر والتوزيع) وقد أسسها سنة 1403ه قام من خلالها بإعادة طباعة عديد من الكتب القيمة مثل ديوان (العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين) الذي يحتوي على جميع قصائد الشاعر محمد بن عثيمين -رحمه الله- الذي قام بجمعه هو الشيخ سعد بن عبدالعزيز الرويشد -رحمه الله- عام 1955 إضافة إلى طباعته لإصداراته الخاصة به مثل رواياته الموجهة للأطفال. عندما علمت بنبأ وفاة المؤرخ الكبير الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد أصابني الأسى والحزن لأن هذا الرجل وإن كان قد تجاوز السابعة والثمانين من عمره فلقد كان مفعمًا بالنشاط والحيوية وهمته كانت كبيرة كالجبال ولقد كان -رحمه الله- كما ذكر لي بعض أقاربه يصل الرحم وكان يجمع عائلته وأقاربه ومعارفه كل أسبوع يوم الجمعة وكان مجلسه يضج بالناس من مختلف الفئات وكل الطبقات فقد كان مجلسه عامرًا بالناس -رحمه الله- وإن كرمه لم يكن فقط كرمًا حاتميًا بواجب الضيافة وتلبية طلب طالب الحاجة فقط، بل كان أيضًا كريمًا بالأخلاق ورقي التعامل وحسن الإنصات والتحدث لكل من يتشرف بهم ويتشرفون به في مجلسه. وقد جمعتنا به زيارة عائلية في لندن أواخر عام 2015 كان فيها قمة بالأخلاق والتواضع والكرم وعندما قابلته عرفت لماذا إذا أحب الله عبدًا حبب إليه خلقه ومن أكبر وأعظم نعم الله على العبد محبة الناس لأن ذلك رزق لا يشتري بأموال الدنيا وقد كانت زيارتنا له قرابة الساعتين لم نشعر بها قط فقد مرت كلمح البصر وقد كان -رحمة الله- وقتها يتحدث بإسهاب عن جدي الشيخ محمد بن صالح بن شلهوب الذي كان يحبه ويكثر من الحديث عنه في مجالسه الخاصة والعامة وقد أثنى عليه كثيرًا وقال لي بكل تواضع أنه كان سعيدًا وفخورًا بتوثيقه لسيرة رجل عظيم من رجالات الدولة السعودية الذي كان مضربًا للأمثال في السابق، وقد ذكر لي أن الرحالة والمؤرخ أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب قال يصفه: (أما شلهوب فهو مثل يوسف عند ملك مصر وملكناه وجعلناه على خزائن الأرض) وهنا تكمن أهمية شلهوب حسب ما قال. وقد كتب الشيخ ترجمة مفصلة لسيرة رجل الدولة الشيخ محمد بن صالح بن شلهوب الذي كان يلقبه الملك عبدالعزيز بعصابة رأسي نظرًا لاعتماده المطلق عليه في تسيير أمور الدولة الفتية آنذاك في جريدة الجزيرة يوم السبت 14-11-2009 العدد رقم 13561 ويوم الأحد 15-11-2009 العدد رقم13562. وقد تحدث أيضًا عن أباه الشيخ صالح بن شلهوب أمير بريدة في عهد الإمام فيصل بن تركي وذكر لنا أمورًا كثيرة لأول مرة أعرفها عنه وأنا من أحفاده ولكن لا يسع المجال لذكرها الآن. ولقد أخبرني الشيخ بتواضع الكبار أن ما دونه في سيرة الشيخ محمد بن صالح بن شلهوب وأباه مجرد نقطة في بحر وأنه يجب علينا نحن أحفاده أن نوثق سيرتهم بكتاب يليق بهم ووعدته خيرًا. الشيخ عبدالرحمن الرويشد عمل طوال حياته بصمت لم يكن يحب الضجيج، لم يكن صاحب عداوات ولَم نسمع عنه يومًا قط من أنه أذى أو جرح أو تكبِر ضد أي شخص مهما علا أو صغر قدره فقد كان مثالاً للأخلاق الإسلامية الحقة. وفي الختام نعتذر عن أي قصور أو نسيان فالراحل لن توفيه الكلمات والمقالات ولو كان جزءًا بسيطًا من حقه. أسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. همسة يقول المؤرخ الفرنسي Ernest Renan: الوثائق أداة خرساء في يد من لا يعرف كيف يحييها، وينفخ من روحه فيها".