%59 نمو تقنيات الواقع الافتراضي    50% من سعوديات القطاع الخاص بالرياض    تداول يغلق على ارتفاع ب40 نقطة    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    الفوزان مفتيا للمملكة    ترمب: لا أريد اجتماعاً «بلا نتيجة» مع بوتين    قبيل قمة «أبيك».. بيونغ يانغ تطلق صواريخ باليستية    كلاسيكو كبير وقمة شرقاوية للتصحيح    ولي العهد يعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ علي الصباح    دور المهرجانات في الحراك الثقافي    مجمع الملك سلمان العالمي نموذج للتميّز اللغوي    نائب وزير الخارجية يصل إلى مملكة إسواتيني في زيارة رسمية    النصر ينتصر على غوا الهندي ويعزز صدارته للمجموعة الرابعة بدوري أبطال آسيا 2    غداً .. انطلاق بطولة كأس العرب للهجن 2025 في وادي رم بمشاركة السعودية    قمة بروكسل: غزة في قلب الأجندة السياسية والإنسانية    إيران ترفض التفاوض وسط مطالب غير معقولة    السويد وأوكرانيا توقعان خطاب نوايا لشراء 150 مقاتلة «غريبن»    المملكة تدين مصادقة الكنيست على قوانين لفرض سيادة إسرائيل على الضفة    سمو الأميرة نجود بنت هذلول تزور أمانة الشرقية    الذهب يشهد انتعاشًا مع قوة الطلب وتراجع الدولار    كوليبالي: إنزاغي أعاد الثقة للفريق    الرابطة توقّع مذكرة تفاهم مع الجمعية السعودية للذوق العام    كأس آسيا 2 .. النصر يتغلب على جوا الهندي بثنائية ويعزّز صدارته    تحديث جداول المخالفات والعقوبات وقواعد التطبيق الخاصة بالأنشطة السياحية    ضبط 13 إثيوبياً في عسير لتهريبهم (195) كجم "قات"    فتح باب تسجيل المتطوعين لبطولة كأس آسيا تحت 23 عاما    مشاريع نوعية بأمانة جازان لرفع كفاءة الطرق وتحسين المشهد الحضري    تجمع الرياض الأول يعزّز التكامل الصحي في وادي الدواسر والسليل    نائب أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة    الأمير ناصر بن محمد يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    أمير حائل يستعرض خطط وبرامج جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة    نائب أمير منطقة الرياض يرعى حفل جائزة الاستدامة المالية    غرفة الطائف تبحث فرص الاستثمار في التعليم الأهلي    محافظ الأحساء يرعى توقيع اتفاقيات إستراتيجية لجمعية زهرة    "مركزي القطيف" يحقق إنجازا طبيا نوعيا متسلحا بكوادر طبية سعودية    الحقيل يختتم جولته الآسيوية بتوقيع اتفاقيات إسكانية نوعية تعزز الشراكات الدولية    "الوداد" تحصد جائزة الأميرة نورة للطفولة في مجال جودة الحياة والرفاه النفسي للطفل    "القارب الفارغ".. كيف تتقن فن الهدوء وسط زحام الغضب؟    تشغيل وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل للأطفال في مستشفى الأسياح العام    بهدف جميل أمام السد.. سافيتش يُظهر مهارته المُعتادة مع الهلال    الأمم المتحدة: إسرائيل تسعى لفصل المزارعين عن أراضيهم    الصليب الأحمر يؤكد تبادل 15 جثماناً لفلسطينيين.. «حماس» تسلم جثتي أسيرين إسرائيليين    جمجمة في سنارة صياد بدل السمكة    أكد دعم المملكة لجهود السلام بالعالم.. مجلس الوزراء: الموافقة على إنشاء فرع لجامعة ستراثكلايد بالرياض    تحايل قانوني.. قضية «شمس الزناتي» تشتعل    «رجال عبدالعزيز» في التلفزيون السعودي    السواحة للمبتعثين: الوطن يترقب إسهاماتكم المستقبلية    شريحة ذكية تعيد البصر ل84% من المكفوفين    جائزة صيتة بنت عبدالعزيز تستعد لملتقى دراية بحائل    سعود بن نايف: القطاع غير الربحي شريك في تحقيق مستهدفات رؤية 2030    محمد بن عبدالعزيز يشيد بمنجزات «محكمة إدارية جازان»    حراك متنامٍ    العنزي مديرا للإعلام والاتصال    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    محافظ بيش يستقبل شيخ شمل السادة الخلاوية والشابين المبدعين الشعفي    استقبل الفائز بالمركز الأول بمسابقة تلاوة القرآن بكازاخستان.. آل الشيخ: دعم القيادة لحفظة كتاب الله يحقق الإنجازات    استقبل وزير الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: العمل التكاملي يعزز جودة خدمات ضيوف الرحمن    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مرابع امرئ القيس إلى منازل حاتم الطائي
الحلقة الثامنة عشرة - يوميات عابر أطلال
نشر في الجزيرة يوم 18 - 04 - 2016

بعد أن شاهدنا وسْم إبل قبيلة: «الرشايدة» وقمنا بالتقاط بعض الصور صباح الأربعاء 24 أبريل 2013م في هذا المكان الضارب في عمق الصحراء الصخرية التي تتمدد فيها أحيانا بعض النباتات والأشجار والأودية، انطلقت سياراتنا إلى محافظة (خيبر) حيث مدينة خيبر القديمة المعروفة التي كان يسكنها اليهود قبل ظهور الإسلام، وقد حاربهم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) في عدة غزوات حتى هزيمتهم والقضاء عليهم بعد أن نكثوا بالعهد في غزوة الأحزاب وساعدوا المشركين ضد المسلمين.
وصلنا « خيبر» التي يهتف المتظاهرون باسمها في البلاد العربية تذكيرا لليهود بهزيمتهم: «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود» بالطبع كان هذا الشعار يدور برؤوسنا ونحن ذاهبون ل» خيبر» لكن الذهاب هذه المرة يجري ونحن على أرض المملكة العربية السعودية، ذهابٌ آمنٌ، وعودة آمنة.
كان الدكتور عيد اليحيى يتحدث طوال الطريق عن (خيبر) وقيمتها التاريخية والحصون السبعة التي تضمها. كان يشعر بالأسى الشديد لإهمال هذه المدينة التاريخية وإهمال آثارها قائلا: « ستبكون كثيرا حين تشاهدون هذه المدينة، وما تضمه من تراث وآثار مع ذلك فآثارها مهملة ومهمشة ومنسية!!».
بعد أن قطعنا حوالي 124 كم من مكاننا الذي تحركنا منه في (حرة بني رشيد) وصلنا ظهرًا إلى محافظة «خيبر» ورأيت من نافذة السيارة بعض المحال التي تُسمّى ب: «خيبر» وهي محافظة بها سكان ومطاعم ومحال تجارية وورش ومدارس أي أنها مدينة متكاملة.
نزلنا إلى المكان الذي توجد به « خيبر» القديمة التي كان يسكنها اليهود من بني قريظة وبني قنينقاع وبني النضير، بوصفهم ضيوفا حلوا كمهاجرين ثقلاء على بلاد قبيلتي: الأوس والخزرج، فوجدنا بيوتًا مبنية منذ 200-300 سنة، بيوتًا مهجورةً لها بوابات خشبية قديمة وهي من دور ومن دورين صُنعتْ أسقفها من فلق النخيل وشرفاتها من الخشب، وببعض شرفاتها أشكال (نجمة داود) ويبدو أن أصحابها الذين صنعوا هذه الشرفات قبل أكثر من 200 عام كانوا يعتقدون في هذه النجمة وأن لها خرافةً ما، أو سحرًا ما، ويبدو أنها نجمة عربية في الأساس أو صُنعتْ في منطقة ما يمنية أو في شمال الجزيرة قبل أن يلتقطها اليهود ويجعلونها شعارًا لهم.
كانت البيوتُ متراصّةً جنبا إلى جنب، في أزقّةٍ ضيّقةٍ، وبعضها مهدّم وبعضها لا يزال قابلًا لأن يُرمّمَ.
سار بنا الدكتور عيد اليحيى - وهو دليلنا طوال الرحلة - وأخذ يقصُّ علينا في أسىً بادٍ على وجهه وغضبه ما تعانيه هذه المدينة من إهمال لآثارها، فلم نجد مكتبًا أو مركزًا تابعًا لهيئة السياحة والآثار، ولم نجد حراسةً أو مركزًا للشرطة على الرغم مما تضمه هذه المدينة من كنوز.
سار بنا قليلا د. عيد ونحن وراءه وقال: إن هذا المسجد الذي ترونه بُنيَ في المكان الذي عسكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والجيش الإسلامي مدة أربعة أيام لأنه لم يستطع التقدم تجاه الحصون اليهودية المحصّنة التي كانت ترمي المسلمين بالسهام من أعلى. حتى قام عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) بمغامرة عسكرية ومناورة كبيرة استطاع خلالها أن يفتح باب الحصن الرئيسي ومن ثم دخول الجيش الإسلامي للقضاء على جيش اليهود.
ورأينا بجوار المسجد «بئر علي» الذي لا يزال يتدفق بالمياه إلى اليوم، اقتربت من البئر ومن المياه الجارية المتدفقة، التي تمضي إلى حيث وادي النخيل الكبير الكثيف الذي يمتلئ بآلاف النخلات الباسقة، ولكنها مهجورة لا أحد يعتني بها، بل إن بعضها به آثار حريق، يبدو أن هناك - كما ذكر لي د. عيد اليحيى - من قاموا به للتخلص من أية آثار حتى لو نباتية من آثار هذه المدينة، كما أن «بئر علي» تم تغطية جوانب منه بغطاء خرساني حتى تختفي بعض معالمه وللتعفية على آثاره ربما خوفًا من زيارات كثيفة للشيعة الذين يزور بعضهم هذا المكان.
كما أن المسجد الصغير جدا مسجد مهجور تكسرت بعض أبوابه، ولا أحد يرتاده.
واصلنا المضيّ داخل مدينة خيبر، واندهشتُ لوجود هذه المباني التاريخية المهملة التي أُحيط بعضها بأسوار من الأسلاك ربما حفظًا لما تحويه من كنوز وآثار، وعلى الرغم من ذلك كانت هناك أسلاك مقطوعة وأماكن لدخول العابثين والباحثين عن كنوز المكان من ذهب ولقى ومعادن نفيسة.
مضينا أكثر نحو أحد الحصون الشاهقة المنيعة، وقال لنا الدكتور عيد: إن بهذا الحصن المنيع يوجد بئر ماء كان اليهود يستقون منه أثناء الحصار الإسلامي لهم، وكانوا يطلقون السهام بكثافة على الجيش الإسلامي حتى فتح الله على المسلمين بفتح علي بن أبي طالب لباب الحصن.
توجد بمدينة خيبر حصون سبعة متنوعة، كما يوجد بها بيوت منتظمة وأسوار بنيت من الحجارة الصلدة، وقد بنيت الحصون على ارتفاعات شاهقة بمقاييس ذاك الزمان، قد يتجاوز بعضها المائة متر، وقد اختار اليهود الحجارة الكبيرة لأساسات هذه الحصون التي بني معظمها على تلال عالية، فيما إن جدران البيوت نفسها تمتزج بين الحجارة الصلبة الصغيرة وبين الطين، وقد أحيطت الحصون بالأسلاك من قبل هيئة السياحة والآثار لكن المكان الذي يحوي كل هذه الحصون والبيوت والأماكن الأثرية مهجور، حتى وادي النخيل الكثيف لا أحد يعتني به رغم أنه يشكل واحة مترامية.
لا توجد أية عناية سياحية بالمكان، رغم أنه من الممكن أن يحقق إيرادات ضخمة بالملايين.
بعد أن تجولنا في مدينة «خيبر» التاريخية والتقطنا الصور المتعددة، ذهبنا لتناول طعام الغداء في مطعم يسمى: «رغدان» يديره عمال وطباخون يمنيون، ويبدو أن الإخوة السعوديين يفضلون هذه المطاعم. كان الغداء أرزا ودجاجا مشويًّا ولحم تيس وشوربة.
تناولنا طعام الغداء، وكانت الساعة الثانية والربع ظهر الأربعاء 24 أبريل 2013م وركبنا السيارتين متوجهين إلى «تيماء».
بمجرد وصولنا إلى «تيماء» في الساعة الخامسة والربع ذهبنا لمشاهدة بئر «هدّاج» وسط المدينة، وقد اهتمت هيئة السياحة والآثار به فوضعت له سورًا ونسقت المكان بشكل جيد على عكس ما رأينا في «خيبر».
وبئر «هداج» كما يقول دليل محافظة تيماء: آثار وتراث: من أشهر الآبار التي عرفها العالم القديم، يعود في تاريخه إلى منتصف القرن السادس من الألف الأول قبل الميلاد، وقد تعرض البئر خلال تاريخه لكثير من الأحداث، حيث اندثر وطُمر عدة مرات، حتى تم إعادة حفره قبل 400 عام تقريبا، وما يزال يعمل حتى اليوم.
ومن بئر هدّاج انتقلنا للبحث عن قصر الشاعر اليهودي: «السموأل» الذي أودع امرؤ القيس دروعه وابنته «هند» عنده، وحفظها السموأل الذي كان قمة في الوفاء في عصره، حيث لم يسلمها لأعداء امرئ القيس رغم أسرهم ابنه ومن ثم قتله. حيث رأى السموأل أن يُقتل ابنه ولا يسلم دروع امرئ القيس لهم، في قصة مشهورة نرويها ونعلق عليها في مقام آخر غير هذه اليوميات.
وقد ورد قصر السموأل: «الأبلق» في عدة أبيات شعرية لدى عدد من الشعراء.
بحثنا عن القصر فلم نجد سوى أطلال أسوار تبدو من بعيد محاطة بالأسلاك الشبكية، قام د. عيد اليحيى بالاتصال بنائب رئيس الهيئة العليا للسياحة والآثار، وذهبنا إلى متحف «تيماء» وشاهدنا محتوياته وقمتُ بتصويرها.
والحصول على بعض الكتيبات الدعائية الخاصة به، وتبعا للاتصال الذي أجراه الدكتور عيد اليحيى خرج معنا موظفان من المتحف لفتح بوابة المكان الذي يحوي قصر السموأل (الأبلق الفرد) حيث قمنا بالوقوف على أطلاله والتجول بين غرفاته وأسواره وآثاره التي تم تغطيتها بقطع كبيرة من أبسطة البلاستيك، حيث إن بعثة آثارية ألمانية - سعودية تقوم بفحص آثار هذا المكان الذي لم يُعلن رسميا - حتى الآن - أنه قصر السموأل.
التقطتُ بعض الصور للمكان، ووجدتُ بعض النقوش يبدو أنها باللغة العبرية وقمت بتصويرها.
بعد أن تجولنا بالقصر التاريخي وبأطلاله الباقية، ذهبنا للبحث عن أجنحة مفروشة، فقال لنا موظف المتحف الذي كان يركب معنا: إن أحدث أجنحة مفروشة موجودة هناك في مدخل المحافظة، ذهبنا إليها حسب وصفه لنا، فوجدنا ويا للمفارقة: (أجنحة السموأل المفروشة) وفي دورها الأرضي: بقالة السموأل، وبروستد السموأل. يا لحظ الشاعر السموأل أن وجدت محلات وأجنحة تسمى باسمه.
بعد أن استروحنا قليلا، واغتسل من اغتسل، واستراح من استراح من عناء الرحلة المرهقة خاصة في ديار بني عبس وحرة بني رشيد وقرية خيبر وقصر السموأل، تناولنا طعام العشاء الخفيف: زبادي، وعسل، ومربى، وقشدة، وسلطة زيتون، شاي بالحليب، ومن أمامي كانت تبدو نشرة الأخبار في قناة العربية التي تحكي عن الرئيس المصري محمد مرسي العياط، واستقالات القضاة والمستشارين، فتمتمت في نفسي «يا الله.. مشاكل المدن لا تنتهي.. ما أجمل الصحراء»!
ثم ذهبت للنوم، وخلدتُ للراحة حتى استيقاظي في الساعة الخامسة صباح الخميس 25 أبريل 2013م لأصلي ثم أبدأ في كتابة هذه اليوميات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.