في كل دول العالم، كان للمؤسسة العسكرية أدوار وطنية في تدعيم الأمن والاستقرار، وفي البناء والتنمية، فالمؤسسات العسكرية عدا عن كونها مؤسسات دفاعية، إلا أنها أيضاً مؤسسات تدريب وتطوير وتنمية، ففي الجزائر كانت زراعة الغابات واحدة من مهام الجيش الجزائري، وفي ألمانيا نشأت من خلال المؤسسة العسكرية مؤسسات التدريب المهني، وفي مصر هناك مصانع عديدة وناجحة تحت إشراف المؤسسة العسكرية. وأيضاً في كوريا الجنوبية كانت هناك صناعة أحواض بناء السفن التي كانت طريق كوريا التنموي على يد مجموعة من الخبراء العسكريين، ناهيك أن العسكريين دائماً لديهم حرص وطني عال، وتضحية كبيرة، ورغبة دائمة في البناء، وليس المقصود أن تكون الصناعات ذات طبيعة عسكرية، وإنما قد تكون ذات طبيعة مدنية وإستراتيجية في مختبرات عسكرية. وعليه، فإن كل مواطن يشعر بالفخر والاعتزاز عندما يلحظ مشروعاً للصناعة الوطنية، ويشعر بالفخر عندما يشاهد مواطن فذ يقودها، وشبابنا السعودي اليوم يأخذ طريقه في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والإستراتيجي، ويشعر بالارتياح والإعجاب عندما يشاهد قواتنا المسلحة تنظّم معرضاً عن الصناعات الوطنية، والذي كان غاية في الدقة، والاحتراف والمهنية، وفي الأهداف المحددة بعيداً كل البعد عن مؤتمرات الصور والدعاية الإعلامية. فقبل أيام وتحت رعاية كريمة من سمو ولي ولي العهد ووزير الدفاع - حفظه الله - افتتح أعمال معرض القوات المسلحة للصناعات الوطنية في مدينة الرياض، حيث يأتي المعرض مواكباً لتفعيل أهداف برامج التحول الاقتصادي الذي يقوده سمو الأمير محمد بن سلمان، ويتبنى فيه دعم إستراتيجية المملكة لتوطين الصناعة والتقنية، وإيجاد صناعات متقدمة، وحديثة تمكننا من إبراز قدراتنا المحلية، وقدرات كوادرنا الوطنية. حضر المعرض الكثير من المسؤولين، وأبرز القطاعات الإستراتيجية، ورؤساء الشركات المحلية والأجنبية من شركة أرامكو، وسابك، والسلام للطائرات، والإلكترونيات المتقدمة، ومجموعة الزامل والسعودية للكهرباء، وتحلية المياه، ومدينة الملك عبد العزيز، والغرفة التجارية بالرياض، والعديد من المصانع والشركات الصناعية الأخرى، وسعى المعرض إلى جذب الاستثمارات الإستراتيجية والصناعية الحديثة، لدعم التنوع الاقتصادي الوطني. لقد كان هدف معرض القوات المسلحة تفعيل دور المصانع الصغيرة، والمتوسطة والكبيرة المحلية للمساهمة في تحقيق متطلبات الصناعات الوطنية الحديثة، وتهيئة الأعمال لأبناء الوطن، ودعم الاقتصاد المعرفي، والابتكار والإنتاج المحلي، وكسب الخبرة والتجارب من مشاركة الصناعات العالمية، حيث إن المعرض يعتبر الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط. معظم الدول تقدمت في مجال الصناعة، وقطعت أشواطًا كبيرة، بينما نحن ما زلنا نسير ببطء ويعيق تقدمنا عدة أسباب، منها تدني الإنفاق على البحوث، والدراسات الصناعية، وسيطرة قطاع النفط والبتروكيماويات على مجمل الصناعة، وهجرة الكثير من رؤوس الأموال المحلية، وصعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية. نحن هنا نسأل أين خطط إنتاجنا للصناعات الوطنية المتقدمة؟ مثل صناعة السيارات والإلكترونيات، وغيرها من الصناعات المتقدمة، فهناك دول فقيرة سبقتنا لا تمتلك نفطًا، ومواردها الطبيعية محدودة، كما أن الجيل الجديد من شباب، وشابات الوطن يمتلكون مهارات عالية وتقنية حديثة، ومتفوقون في أداء أعمالهم، لذا يفترض منحهم فرصة للعمل في الصناعات الوطنية لدفع عملية تنويع مصادر الدخل. فالأمر يتطلب مزيدًا من التشريعات، والنظم في مجال تسهيل الاستثمار الصناعي، وبناء المدن الصناعية المتخصصة، وتحفيز الراغبين في الاستثمار في الصناعات الوطنية، حيث إن المملكة دولة رائدة، ولديها القدرة على إحداث أثر اقتصادي إيجابي على الصعيدين المحلي والدولي، ولذا يجب دعم الصناعة الوطنية، والإنتاج المحلي، وتفعيل التكامل بين القطاعات الصناعية الحكومية، والقطاع الخاص. نتمنى أن يكون معرض الصناعات الوطنية، الذي نظّمته وزارة الدفاع مؤخراً طريقاً لانطلاق الكثير من فرص الصناعات الوطنية القيمة، وسبل تطويرها، وتعزيز أهميتها في تنويع مصادر الدخل الوطني، وقدرته على إبراز الدور التقني والمهني لها، وداعماً للصناعة الوطنية، والناتج المحلي، ورافدًا لموارد الاقتصاد الوطني، وحل لمشكلة البطالة، وبوابة لإيجاد العمل المناسب لجميع المواطنين. ونحن هنا نطالب بمزيد من الدعم الحكومي للقطاع الخاص لتوطين الصناعة، وتحفيزهم بالتمويل والتسهيلات المالية والمصرفية، وإزالة جميع العقبات أمامهم، وذلك للتوسع في الاستثمارات الصناعية الوطنية، بما يفتح آفاقاً، وفرصاً استثمارية واعدة، من شأنها أن تسهم في نمو الصناعة الوطنية في جميع مناطق المملكة، ونطالب المؤسسة العسكرية المعروف عنها الانضباط، قيادة خطوط التنمية الصناعية، لتكون طريقاً معبداً للشركات العملاقة مستقبلاً، وذلك لتحقيق التطور الصناعي الوطني، والتنمية الاقتصادية المستدامة.