رابطةُ العالم الإسلامي تُدين قرارَ حكومةِ الاحتلال الإسرائيلي احتلالِ قطاعِ غزّة بالكامل    رونالدو يُعدد ميزات جواو فيليكس    تحديد موقف حسن كادش من التواجد في كأس السوبر    "القرني" يختتم دورة تدريب المدربين    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    الخلاف يزداد بين برشلونة وحارسه شتيغن    المصالح الوطنية السعودية    "ورث" يختتم برنامجًا لتأهيل كوادر وطنية في توثيق التراث    النفط يتكبد خسارة أسبوعية حادة    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    سحب ورياح نشطة على اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    استقبال البلاغات على مدار الساعة بكل اللغات    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    الأسبوع الخامس يعيد رسم ملامح المنافسة في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    عرض صقر يقطع أكثر من 600 كيلومتر في 8 ساعات    %83 من القراء هجروا المجلات    ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي في "محمية الإمام تركي الملكية"    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    النصر يكسب ودية "رايو آفي" البرتغالي برباعية    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    ريال مدريد يواصل مقاطعته لحفل الكرة الذهبية    ترامب: مستعد للقاء بوتين حتى لو رفض الأخير لقاء زيلينسكي    (عشان نصور،،،،،،!)    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    «المساحة الجيولوجية»: رصد زلزال في الإمارات بقوة 3.4 درجات    البرازيل والهند تتوافقان على "الدفاع عن التعددية" في وجه رسوم ترمب    تشيلسي يعلن إصابة لاعبه بقطع في الرباط الصليبي    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    بهدف تطوير الخدمات الرقمية وتعزيز جودة الحياة.. أمانة منطقة عسير توقّع مذكرة تفاهم مع "بلدي" بحضور وزير البلديات والإسكان    أمانة منطقة عسير توقّع اتفاقية تعاون مع جامعة الملك خالد بحضور وزير البلديات والإسكان    جمعية التوفيق للأيتام تنظم حفل تعارف للأيتام    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    منتخب الناشئات تحت 17 عاماً يشارك في تصفيات كأس آسيا 2026    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    موسكو تدرس تقديم تنازلات لترمب بشأن أوكرانيا    قوى و مساند تحققان نتائج متقدمة في مؤشر نضج التجربة الرقمية لعام 2025    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    2 مليون دولار لتأمين «ابتسامة» نجمة هوليود    طهران تعدم متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    احتفال الفرا وعمران    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    أم ومعلمة تقتحمان مدرسة لسرقة «امتحانات»    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    فريق سفراء الإعلام والتطوع" يزور مركز هيئة التراث بجازان    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    مركزي جازان ينجح في إزالة ثلاث عقد في الغدة الدرقية الحميدة بالتردد الحراري دون تدخل جراحي    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.سعد بن عبدالقادر القويعي
نايف.. معادلة الحكمة في معالجة قضايا الإرهاب!
نشر في الجزيرة يوم 31 - 10 - 2011

لم يُشكل قرار تعيين - الأمير - نايف بن عبد العزيز، منصب ولاية العهد من لدن خادم الحرمين الشريفين - الملك - عبد الله بن عبد العزيز، أية مفاجئة تُذكر، كونه أحد رجالات الدولة القياديين، الذين يملكون الحكمة في القول والعمل، - إضافة - إلى الكم الهائل من الخبرة، وسداد الرأي، والوفاء، والإخلاص.
- ولذا - لم يكن غريبا، تأكيّد سماحة المفتي العام - الشيخ - عبد العزيز آل الشيخ في خطبة الجمعة، الموافق: 1-12-1432 ه، بأن الله أنعم على خادم الحرمين الشريفين - الملك - عبد الله بن عبد العزيز، ووفقه في اختيار ولي عهده صاحب السمو الملكي - الأمير - نايف بن عبد العزيز, لما عُرِفَ عن سموه من الحكمة، والصدق، وسداد الرأي، والعزيمة القوية، والإخلاص. كما عَرف الناس جميعاً - الأمير - نايف بن عبد العزيز، في كل المسؤوليات التي تولاها، والمناصب التي تقلدها بحكمته، وإخلاصه، ونشاطه، وتحمله، ومواجهته الصعوبات العظيمة، ومعالجتها بحكمةٍ، وسداد، مؤكداً سماحته: أن اختيار خادم الحرمين، - الأمير - نايف اختيارٌ مسدّدٌ، ومناسبٌ، عندما قال: «إن ما اختاره إمامنا، كُلّهُ خيرٌ».
لا أبالغ إن وصفت سموه: برجل الأمن الأول، وصاحب المهمات الصعبة، لما عُرف عنه من جهوده الكبيرة في القضاء على القاعدة في المملكة، وقيامه بإنشاء برامج؛ لتأهيل الموقوفين بقضايا إرهابية، وهو ما أشادت به كثير من المنظمات العالمية، عندما أثنت على تلك الجهود، والتي نجحت في إعادة الكثير من المغرر بهم إلى دائرة الصواب. بل إن مستشارين، وخبراء إستراتيجيين متابعين للجهود التي قام بها - الأمير - نايف بن عبد العزيز، طيلة فترة عمله وزيرا للداخلية، أجمعوا على: أن الرجل أسهم في تطوير الجهاز الأمني، ومكافحة أعمال الإرهاب. وتحدثوا عن أبرز القرارات التاريخية، والتوجيهات التي أصدرها، فذكروا أن أبرز القرارات التاريخية، التي اتخذها - الأمير - نايف طيلة العقود الماضية: تضمنت حزمه، وإصراره على منع أي تدخل خارجي في شؤون المملكة، - سواء - كانت تلك الدول صديقة، أو عدوة.
على أي حال، فإن تجريم الإرهاب - بكافة - أشكاله، و صوره، وشجب تلك الأعمال غير الأخلاقية، والتي تتنافى مع مبادئ، وسماحة، وأحكام الدين الإسلامي، التي تحرم قتل المدنيين الأبرياء، وتنبذ كل أشكال العنف، والإرهاب، وتدعوا إلى حماية حقوق الإنسان، يدل على أن مراجعة، وتحديث الإستراتيجية التي نتبعها في محاربة الإرهاب، مطلب مهم؛ من أجل القضاء على تلك الآفة الخطيرة، واجتثاث جذور الإرهاب داخليا، وخارجيا، بعد أن عانى العالم من عدد من النكسات الحرجة بسبب تلك الظاهرة.
من الناحية التاريخية، لا زلت أتذكر ظهور - الأمير - نايف بن عبد العزيز في بدايات عام 1400 ه، وكان يومها وزيرا للداخلية؛ ليعلن تطهير المسجد الحرام من جميع عناصر، وأتباع جهيمان العتيبي، ويسدل الستار على أصعب مراحل التاريخ السعودي الحديث، ويدير بعدها أهم ملفات الأمن الداخلي للدولة. أما من الناحية الفكرية، فإن أوجه التشابه الفكري، والحركي بين - تنظيمي - جهيمان، والقاعدة متقاربة، فتنظيم جهيمان قائم على أسس، وأفكار متطرفة، انشقت عن الدولة، والجماعة. وحرمت الكثير من مظاهر العصر، والواقع المتمدن، كرفض التصوير، والتلفاز، والإذاعة، والصحف، والأوراق النقدية، وكتب المعاصرين، ورفض العمل في الوظائف الحكومية، - إضافة - إلى انعزالها عن المجتمع، بحجة تفشي الفساد، والرذيلة فيه، وبعده عن الصراط المستقيم.
إن فكر جهيمان، لا يعدو أن يكون امتدادا لتيار الإخوان القديم، ك «فيصل الدويش، وسلطان بن بجاد». إلى أن حدث للتنظيم اختراق من قبل الجماعات التكفيرية، التي فرت من مصر في أواسط، وبداية السبعينيات الميلادية. وأصبح تنظيم جهيمان بداية لجماعات العمل المسلح، وقصة تمدد عالمي للقاعدة، والفكر التكفيري، مع أنه لا يمثل أي مرجعية لهذه الجماعات التكفيرية. وهو ما أكده «ياروسلاف تروفيموف»، - الصحفي الإيطالي -الذي نشر كتابا متخصصا حول حادثة حصار الحرم، في حديث نشره موقع «بي بي سي»، باللغة العربية: «إنها المرة الأولى التي تظهر فيها جماعة إسلامية دولية للعمل بشكل مسلح»، - وأضاف -: «إن جماعة جهيمان العتيبي ضمت مقاتلين من عناصر الجماعة الإسلامية في مصر, وأشخاص من باكستان والسودان ولبنان وشخصين أمريكيين».
إلا أن أخطر ما في التنظيم، هو: استخدام جهيمان لرجل يدعى «محمد بن عبدالله القحطاني»، الذي كان مجرد أداة في تنفيذ أغراض سياسية للتنظيم، متحصنين خلف فكرة مهووسة، أنتجتها مجموعة مصابة بالهوس بنصوص المهدي، - وبالتالي - فإن خلاص الأمة سيكون من خلاله، لا من خلال إقامة دولة.
وحتى نكون قادرين على قراءة الأمور بشكل صحيح، فإن أهم ما يمكن الخروج به من دروس في هذه الأزمة، والتأكيد عليه، هو: أن الفكر المتطرف، يمكن أن يهيئ أرضية للانغلاق، المفضي إلى فقه التشدد، وسيؤدي إلى العنف في نهاية المطاف. هذا العنف ليس له هوية سوى الجهل، عن طريق لي أعناق النصوص، وتوظيف دلالاتها؛ لخدمة مقاصد فكر منحرف، يطل برأسه بين الحين، والآخر. مما يستلزم مدافعة منطلقاته الفكرية، وحقائقه الواقعية بإزالة أسبابة، وبطريقة تراكمية هادئة. - ولذا - كان - شيخ الإسلام - ابن تيمية، - والإمام - الشاطبي - رحمهما الله - يريان: أن تغيير المنكر بإزالة أصله، أجدى من تغيير عينه.
أذكر مرة عندما أسف سمو - الأمير - نايف بن عبدالعزيز، بأن هناك أشخاصا: «يستهدفون العالم الإسلامي، والعالم العربي، والمملكة - بشكل خاص -، من خلال شباب غرر بهم، وغسلت أدمغتهم، ووضعت فيها أفكار إرهابية، وتخريبية، بزعمهم أنها ستوصلهم إلى الجنة»، فما عبّر عنه سموه، لم يكن نابعا من فراغ. بل إن لغة الإرهاب، هي فكرة قادرة على التوسع، أكثر من كونه عملا تنظيميا، يمكن استهدافه، والتصدي له. - ولذا - فإن التحليل المنطقي لفكرة الإرهاب، لا يمكن القضاء عليه إلا بتحديد مسبباته، ومصادره، حتى تحقق الحرب على الإرهاب نجاحات ملموسة.
هذه الآفة، عانت منها دول العالم أجمع - بلا شك -، - إضافة - إلى قلقها في كيفية معالجة هذه الآفة، فأصبحت مشكلة عالمية. وإذا كنا نأمل في تعاون دولي؛ لتجفيف منابع الإرهاب، فإن سياسة الكيل بمكيالين، واعتبار ذات العمل إرهابيا في بلد، وغير إرهابي في بلد سواه، يستدعي التأكيد على أهمية: وضع مفهوم دولي موحد للإرهاب، وتعريف قانوني دقيق له، يمكن لجميع الدول معرفة ما يجب محاربته، بهدف القضاء عليه؛ منعا؛ للاستغلال السيئ له، وفقا للمصالح الخاصة بكل دولة. وهذا ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية - للأسف - من محاولات سافرة؛ للتحرش بمقدرات الأمة، وقيمها، وثوابتها. واستطاعت تحويل أفغانستان، والعراق إلى أهم بؤرتين للإرهاب في العالم، بقراراتها الخاطئة. واستخدمت العنف بحق المدنيين بقصد الترويع، بغية الوصول إلى أهداف سياسية.
إن الدعوة إلى مواجهة تيارات التطرف، والتطرف المضاد، ومحاربة الأفكار الدخيلة، أصبحت من الدعوات المهمة، والضرورات الإنسانية؛ للمحافظة على مكتسبات الأمنية، واستقرار المجتمعات. وهو جزء من العمل على تحسين صورة الإسلام، والتعرف على حقيقته، وتجنب التشويه المتعمد لصورته. وهذا يستوجب عدم اختزال مكافحة الإرهاب في الحلول الأمنية - فقط -، بل لابد من معالجة النواة الأيدلوجية لهذه الظاهرة. ولا يكون ذلك إلا بلغة «الحوار»؛ لاقتلاع الجذور الفكرية المنحرفة، التي تؤسس للتطرف، والإرهاب. فمدافعة الفكر، لا يكون إلا بالفكر، وتحصين الذات من وقوعها أسيرة لأفكار التطرف، على منهج الاعتدال والوسطية، مطلب مهم.
ما سبق بيانه، هو المنهج الصحيح الذي تبناه وزير الداخلية السعودي - الأمير - نايف بن عبد العزيز، بالتوفيق بين المعالجة الأمنية، والمعالجة الفكرية؛ لاجتثاث جذور الفكر المتطرف، ونشر الفكر المعتدل، تحت شعار: «إستراتيجية الوقاية، وإعادة التأهيل، والنقاهة». وهي الإستراتيجية التي ارتكزت على جانبين، الأول: اقتناع المسئولين السعوديين، بأن مواجهة التطرف، والإرهاب، لا يمكن أن يتم بالوسائل الأمنية التقليدية بمفردها، ولكنه يتطلب وسائل أخرى، أقرب ما تكون إلى المواجهة، والحرب الفكرية. والثاني: عدم الاقتصار على إعادة تأهيل المعتقلين، ولكن لا بد من تبني نهج وقائي، يحاول اقتلاع التطرف من جذوره، ونشر الفكر المعتدل؛ مما فرض مشاركة - كافة - مؤسسات الدولة في هذه التجربة.
وعندما يوصي المشاركون لفريق الخبراء الدائم، في اجتماع - الأمانة العامة لجامعة الدول العربية -، بوضع مشروع إستراتيجية إعلامية عربية مشتركة؛ لمواجهة ظاهرة الإرهاب، تعمل على تصحيح صورة العرب، والمسلمين أمام الرأي العام الدولي، فإن ذلك يؤكد على أن: ظاهرة الإرهاب أصبحت ظاهرة عالمية، بحكم تزايدها وتناميها بشكل ملفت خلال العقد الأخير. - ولذا - فإن أسلوب المواجهة في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، والتي أصبحت تهدد أمن الشعوب، والمجتمعات، يعتبر مطلبا مهما - ولاشك -؛ إذ إن الإرهاب، والتطرف، طرفا معادلة، ونتاج؛ لتضافر جملة من الظروف المتداخلة، منها: ما هو اجتماعي، واقتصادي، وإعلامي، وسياسي، ومنها: ما هو تربوي، وثقافي، وفكري؛ كل ذلك؛ من أجل نشر الأفكار الهدامة، والقيام بعمليات التخريب، وتحقيق أهدافهم غير المشروعة.
وهو ما يدل: على أن الكثير من المؤشرات تدفع نحو الخطر الكبير، الذي أصبح يشكله الإرهاب، بتفاعله مع عدد من المؤثرات المحلية، والخارجية، فأصبح - للأسف - «كحصان طروادة»، الذي يركبه صاحبه خدمة، وتحقيقا لأهدافه اللامشروعة. ومع أن الإرهاب - غالبا - ما يكون مرادفا للعنف، ومصاحبا له، إلا أن العنف أكثر شمولية منه؛ لفرزه إرهابا في الغالب، بخلاف العكس. - ولذا - اعتبرته المنظمات الدولية - كالأمم المتحدة -، شكلا من أشكال العنف المنظم.
على هذا النحو، فإن قراءة الإرهاب قراءة حيادية، وموضوعية، ستوصلنا إلى نفس النتيجة التي تؤكد، على أن: كافة الأعمال الإرهابية الإجرامية، هي ممارسة غير شرعية، ولا قانونية. فالإرهاب يبدأ من فكرة، ثم يصبح قناعة، ثم يتحول إلى ممارسة، يرضخ لإيديولوجية مبرمجة ضمن إطار فكري؛ من أجل الوصول إلى هدف معين، وتنتقل من قوة العقل إلى عقل القوة.
أكرر مرة أخرى، إن إدانة الإرهاب - بكافة - أشكاله، وأساليبه، ومظاهره - السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية -، وإيضاح أسبابه، ومنابعه، ومخاطره. وبيان الضوابط الشرعية لقضايا التكفير. ووضع إستراتيجية واضحة المعالم، ومحددة المقاصد، تقوم على ترسيخ ثقافة الحوار، وقيم التفاهم، وإذكاء روح التسامح. وتفعيل الحس الأمني في المنظومة الأمنية المتكاملة، أمور في غاية الأهمية عند رجل الأمن الأول، - لاسيما - وأن تعزيز الأمن الفكري، يبقى القاسم المشترك بين كل الأجهزة.
كما أن التوسع في تجريم الأفعال التي تساعد على تحقيق الإرهاب، يعتبر من أهم الوسائل لمواجهة الإرهاب، والتي تحول - بإذن الله - دون وقوعه، - لاسيما - وقد أصبح للإرهاب واقع سياسي، واجتماعي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ما تمثله هذه الظاهرة من خطر عظيم على المجتمعات. - ولذا - فإنني أذكر قبل سنتين، نتائج بيان مجلس «وزراء الداخلية العرب» الختامي لأعمال الدورة الخامسة والعشرين في تونس، حين أقر تعديل «المادة الأولى» من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب. وبموجب هذا التعديل، تم تجريم التحريض على الجرائم الإرهابية، أو الإشادة بها، ونشر، أو طبع، أو إعداد محررات، أو مطبوعات، أو تسجيلات أيا يكن نوعها للتوزيع، أو لاطلاع الغير عليها، بهدف تشجيع ارتكاب تلك الجرائم.
إن بناء قناعات صحيحة في خطابنا مع أصحاب الفكر الضال، عن طريق المجادلة بالتي هي أحسن، والموعظة الحسنة، والحوار، واستدراجهم نحو الاعتدال، والوسطية، كان مطلبا في غاية الأهمية، زمن أولويات إستراتيجية - الأمير - نايف بن عبد العزيز. هذا الخطاب، هو الذي جعل السعودية من أوائل الدول، التي نجحت تجربتها في مكافحة الإرهاب بكل صوره، وأشكاله، - من خلال - تبني برامج فكرية، وحوارية؛ لتعزيز القيم الصحيحة للدين الإسلامي، وترسيخ مبادئ الوسطية، والاعتدال، وانتزاعهم من ثقافات سلبية من حيث المحتوى المعرفي.
- ولذا - فإن الحديث عن الإرهاب لا يكتمل، دون المرور على برنامج المناصحة، فهو جزء من إستراتيجية متكاملة لمحاربة الإرهاب، ومقارعة الفكر بالفكر. بل إن السفير الأمريكي (فراكر)، أكد - ذات مرة - على: «أن المملكة تمكنت من هزيمة القاعدة، وهي التجربة الوحيدة التي هزمت فيها القاعدة، ليس بالوسائل الأمنية وحدها، وإنما بالحوار الديني، والفكري»، - وأضاف -: «أعتقد أن تجربة السعوديين في مواجهة القاعدة، تستحق أن تدرس بعناية، كنموذج على سبل مكافحة الإرهاب؛ لتطبيقها في دول أخرى». ونشرت مجلة «نيوريببلك» الأمريكية تقريرا، ذكرت فيه: «إن إدارة الرئيس أوباما، تعتزم نقل عدد من المعتقلين العرب في سجن غوانتانامو إلى السعودية؛ تمهيدا لإغلاق المعتقل، وترغب في الاستفادة من برامج التأهيل التي تقوم بها السعودية مع المطلوبين أمنيا».
إن مطلب الشعوب في العالم، هو تحقيق الأمن - بنوعيه -، - ولذا - فإن الحفاظ على المكونات الثقافية الأصلية في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة - أيا كانت - هو أمن فكري، يهدف إلى حماية، وتحصين الهوية الثقافية من الاختراق، وصيانتها من الانحراف. وبعبارة أخرى، فإن استقرار حياة الإنسان، وسلامة سلوكه، ومقصده - من خلال فهمه للإسلام -، وتصوره للحياة، والهدف منها، وعلاقته بربه، وبالآخرين، ومعرفة ماله من حقوق، وما عليه من واجبات، هو: «الأمن الفكري».
ويعتبر الأمن الفكري من أهم أنواع الأمن بمفهومه الشامل. فبه يعيش الناس في أوطانهم آمنين على مكونات أصالتهم، وثقافتهم النوعية، ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من عقيدتهم وهويتهم وثقافتهم داخل مجتمعهم. ولقد حرصت الشريعة الإسلامية على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. بل إن مدارها على تلك القاعدة العظيمة، فما أمرت الشريعة الإسلامية شيئا، أو أباحته إلا وفيه مصلحة محققة، أو راجحة على مفسدة مرجوحة. ولا نهت عن شيء، أو منعته إلا وفيه مفسدة محققة، أو راجحة على مصلحة مرجوحة. وبهذه المعادلة المترابطة تتضح ملامح الأمن الفكري.
من جانب آخر، فإن الأمن الفكري، يقتضي تحصين أبناء المجتمع من فكر وافد، فليس أضر على الأمة من رواج فكر دخيل، يبلبل العقول ويوحش القلوب، على أيدي جهلة وأنصاف متعلمين. ولقد قيل مرارا: إن الفكر لا يعالج إلا بفكر، كما ذكرت - سابقا -، - لذا - لا بد من الاعتراف بوجود الأفكار الدخيلة - أيا كانت - كظاهرة، ومعرفة حجم الظاهرة، وآثارها، حتى ننادي بعد ذلك بمشروع جماعي وطني، يخاطب الفكر، ولا يسفهه؛ لأن المطلوب هو حلحلة تلك الأفكار، وتعريتها، متجاوزين الوسائل التقليدية في التوعية، والعلاج.
كما أن الأمن الفكري في نهاية المطاف، مسؤولية الجميع. ونحن مدعوون إلى التحرك السريع الفاعل الإيجابي، ووضع خطط قائمة على أسس علمية، وتربوية؛ لحماية أمننا الفكري، - سواء - كان وقائيا، أو علاجيا، وهذا هو التحدي الأهم.
وإذا كان ثمة ما ينبغي الإشارة إليه، تلك الصورة الرائعة، والتي تمثلت في علاقة الحب بين المسؤول، والمواطن، عبر صور وفاء، وتضحية متنوعة، تمثل ذلك من خلال تسابق شرائح المجتمع، من أجل التعبير عن فرحتها بتعيين - الأمير- نايف بن عبد العزيز، ولياً للعهد، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للداخلية، والذي استطاع خلال فترة وجيزة، تفكيك بؤر الإرهاب في المملكة، وبتر تلك الشجرة الخبيثة، بعد أن اشتد عودها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.