يخطئ من يظن أن الصمت فراغ وأنه وضع سلبي بحت.. إن الصمت في بعض حالاته امتلاء, إن لم نقل فيضاً وقد يبدو الصمت سفيراً معبراً عن موقف إرادي تبعاً لما يرافقه من ظروف وقد يبدو الصمت إباء يكون نعم الموقف الأخلاقي الذي يحجم الساكت عن الرد. يقول إيليا أبو ماضي في إبراز الصمت في مواساة حزين: إن للصمت في المأتم معنى تتعزّى به النفوس الحزينة ويقول أحد الشعراء: فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً فالصمت في حرم الجمال جمال ويشير آخر إذ يقول: فإذا لاح الجمال وضعت قلبي على كفي مخافة أن يذوب والسؤال المطروح لم حظي الصمت بهذا الدور الكبير في ساحة الحب ولم عظم شأنه في الإفصاح عن مكنون النفس وخلجات القلب وما هو سر تفوّقه على وسائل التعبير الأخرى. الرأي عندي أن العاطفة حين تضطرم، فإن التعبير للذود عنها لا يخلو من العجز. يقول الشاعر: ليس حبي لك تشبيها جميلاً واستعارة إنه أكبر من صوتي ومن إيقاع أحلامي ومن حجم العبارة وما دام الحب هو أكبر من حجم العبارة فخير للحب إذن أن يتذرع بالصمت، الصمت الذي يبقي المشاعر في أوج قوتها وغزارتها متنامية في خيال صاحبها الذي أبدع في تصور جمال من يحب. وينهض حينئذ حديث القلب تحت مظلة الصمت لكي يؤدي دوره المتفوّق في تبادل المشاعر، هذا ليس غريباً بعد ذلك أن يوصف الكلام على أنه قاتل للحب لا محيي له، وقد قيل لا تقل إني أحبك، بل دعني أشعر بذلك لأن الشعور بالحب والإحساس به هو بداية الطريق للحب نفسه، أحلى ما في الحب ألا تقول إنك تحب بلسانك اترك المهمة لعينيك لتصرفاتك لاهتمامك.وهذا شأن الصمت في لغة الحب لكن له شأن أكبر من ذلك في أمور أخرى. ولقد قيل في مضمون الصمت ومزاياه. الصمت هو العلم الأصعب من علم الكلام، يصعب أحياناً تفسيره وهو أفضل جواب لبعض الأسئلة، وقيل قديماً إن الصمت إجابة رائعة لا يتقنها الآخرون ومما قيل عنه نذكر: قال صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». وقال علي ابن أبي طالب كرَّم الله وجهه: إذا تم العقل نقص الكلام وقال: «بكثرة الصمت تكون الهيبة». الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع وإن أكثرت منه قتل (عمرو بن العاص). قال لقمان لولده «يا بني أذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك». بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها بالصمت والعاشر في عزلة الناس «وهب ابن الورد. إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم وإن شك لم يتكلم حتى تظهر». الإمام الشافعي. «الصمت فن عظيم من فنون الكلام». وليم هنريت. يقول الشافعي: قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم: إنَّ الجواب لباب الشر مفتاح والصمت عن جاهل أو أحمق شرف وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح أما ترى الأسود تخشى وهي صامتة والكلب يخسى لعمري وهو نباح وقال لقمان: الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مهذاراً ما إن ندمت على سكوتي مرة لكن ندمت على السكوت مراراً