تعرف الإنسان في المواقف..، وكثيرا ما تُشجُّ بين مفاجآتك عنه، وتوقعاتك منه، هاويات عميقة، حين يأتيك منه ما لم تتوقع..، ونادرا ما تتوطد بينك وبين قناعاتك فيه قواعد وأسس... «الإنسان موقفه».. عنوان مقالة طويلة، كنت قد كتبتها في جريدة الرياض، نحوا تباعد من الزمن، أكثر من عقدين، كان دافعها تلك المفارقات الكثيرة التي تمر بالمرء في الحياة العملية،..وفي كل مراحل عمرك..، تتعرف الناس أكثر، وإن جاءك نبأهم عن قرائك، أو مريديك.. وتجد أنَّ المواقف تكتظُّ في صدورهم..، قليلها مبهج، وكثيرها مؤلم.. فكثير لا يعنيه في الحياة إلا أن يحصد أي نوع من الحصاد يشاء..، وإن غاص من أجله في ماء آسن، يركل الآخر بطرف خفي أو ظاهر..، دون أن يحسب له حقه، أو دوره، أو وقته،.. وحين يختنق بالأسن يصيح.. هذا الإنسان، متى له أن يعلم أ ن ليس من سيقف منه موقف المنقذ، وهو قد كان نهَّابا في المواقف، نهّازا للفرص..؟ يخطف من النملة قوتها، ويكشح على الفراشة ناره..؟ النبلاء وحدهم الذي يسيرون هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما..، مشرقة مواقفهم لا يحصدون غير ثمار أعمالهم، لا يجترئون على حصاد غيرهم، ولا يتخلون عن مؤآزرة المتعثرين في طرقاتهم.. الإنسان موقفه،..إن امتلأ قلبه نورا، كان في موقفه الشعلة التي تضيء..، وإن فرغ داخله، عمَّت في المواقف ظلمته.. تلمس متغيرات الواقع، في مواقف إنسان الواقع..، إذ لا يكثر وجود ذي النخوة عند الحاجة، ولا ذي العطاء في العثرات، ولا ذي البرد والسلام على من حوله، في وهج حر الفقر، وحرقة النكبات..، غير أنه موجود وبكثرة، الكريم المبذر في مواقف التظاهر، المعين المؤازر حين مواقف التنافس،.. وموجود في الأغلب، الذي تطلبه الحق فلا يعطيك، إلا متى قدمت له المقابل، الذي تتجنب خذلانه، فلا يكون متى اتقيته بأجر، الذي يهديك إن كانت له حاجة، ويمنعك إن كانت لك الحاجة.. والإنسان في الأول، وفي الآخر هو مواقفه.. ولأن موجات التغيير تعصف به، فهو في مهب التحرك، لا يثبت إلا ذو عقل وقلب، ذو العقل بحكمة المعرفة، وذو القلب بنبض السكينة والثقة... فأنت في العمل، وفي الحياة، في الصَّحب، وفي القربى، في مؤسسات التعامل مع خدماتك، واحتياجاتك..خارج بيتك، وداخل مجتمعك، تقابل كل لحظة في يومك، مواقف الآخرين،، فبمثل ما تحب أن يقفوا منك ومعك، قف معهم ولهم.. وفي النهاية يكون حصادك باللون والهيئة التي كان عطاؤك.. فالإنسان موقفه، فأي الأثر تود أن يكون لك..؟