نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    سمو أمير المنطقة الشرقية يفتتح " مشروع أرينا الخبر "    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    أمير حائل: المنطقة مقبلة على استثمارات نوعية واستحداث فرص العمل وضخ المشاريع الكبيرة    الهيئة السعودية للمياه تُعفي بعض المخالفين من الغرامات المالية    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    الإحصاء تنشر إحصاءات النقل الجوي 2024    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    "سدايا":11 مطاراً ضمن مبادرة "طريق مكة    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    تدشين خدمة الزائرين وضيوف الرحمن بالذكاء الاصطناعي    إطلاق النسخة التجريبية الأكبر لمشروع الذكاء الاصطناعي بالمسجد النبوي    ترمب.. الأمريكي المختلف!    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    بالاس يقهر السيتي ويتوج بلقبه الأول    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الخلود    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    الذهب يسجل أسوأ أسبوع في ستة أشهر مع انحسار التوترات التجارية    قوة المملكة وعودة سورية    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    "شؤون المسجد النبوي" تدشّن "المساعد الذكي الإثرائي"    فرع الشؤون الإسلامية بالشرقية يعلن جاهزيته لتنفيذ خطة الحج    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    المملكة.. الثاني عالميًا في «آيسف الكبرى»    وزارة الداخلية: لا حج بلا تصريح    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    440 مليار ريال استثمارات مدن    حين تلتقي المصالح وتستقر الموازين    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    تكريم إلهام علي وأخريات في حفل «المرأة في السينما» في كان    71 عملية جراحية وقسطرة قلبية لضيوف الرحمن بالمدينة    إغلاق وضم مدارس بالمجاردة    اختبارات نافس في 8 دول    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    سمو أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج 100 صحفي وإعلامي    أكثر من 6000 حاجاً يتلقون الخدمات الصحية بمدينة الحجاج بمركز الشقيق خلال يومين    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلوكيات التخمة تفسد بهجة العيد
شراهة الاستهلاك أصبحت سرطاناً يخترق جسد الأسر إعداد:د, زيد بن محمد الرماني
نشر في الجزيرة يوم 01 - 01 - 2001

يسود عالم اليوم بكافة دوله، متقدمة كانت أو نامية، ظاهرة حمّى الاستهلاك أو النهم الاستهلاكي، حيث صار الانسان المعاصر مجرد أداة استهلاكية لا همّ له إلاّ ان يقتل نفسه جهداً ليزيد دخله ويحصل على ما يشتري من أدوات استهلاك مادية غير ضرورية، تفرضها على تفكيره وسائل الإعلام وفنون الإعلان، بزعم انها مقاييس للمكانة الاجتماعية ومصادر للهناء الفردي.
وقد أدى ذلك إلى تداعي القيم الخلقية وانتشار القلق وتزايد الغنى وارتفاع معدلات الانتحار، فضلاً عن شيوع أسلوب البذخ وأمراض التخمة والسِّمنة وكل هذا يُعدّ تبديداً للثروة وضياع الفائض.
ان الانسان إذا أكثر من الطعام لم يستطع له هضماً، حيث يصاب بالتخمة وعُسر الهضم، وقد يحدث ان تصاب المعدة، فيفقد المرء شهيته للأكل وإن تناول طعاماً لم يستطع له هضماً فقد يصاب نتيجة لذلك بالإسهال أو الامساك، كما ان الاسراف في الطعام يؤدي إلى البدانة ومن ثم يتعرض البدين لأمراض القلب والسكر وأمراض الكلى وارتفاع الضغط.
ان العادات السيئة والمفاهيم الاجتماعية الخاطئة قد تسيطر على بعض الأفراد، بحيث تصبح هذه العادات قيماً اجتماعية تتمثل في هوى النفس وحب الظهور والتقليد الأعمى.
ومن هذه العادات المنافية للآداب الإسلامية عادة المبالغة في الأكل إلى حد التخمة والشره والبطنة، بحيث يتناول المرء الطعام عدة مرات إلى حد الامتلاء والشبع,وفي هذا التحقيق نسلّط بعض الظلال الاجتماعية والبيئية والإعلامية والاقتصادية والطبية والصحفية وبلا شك، الشرعية على ظاهرة التخمة وسلوكياتها.
ظلال اجتماعية لظاهرة تخمة الاستهلاك
يلاحظ اليوم ان الدنيا أصبحت عند كثير من الناس أكبر همهم ومبلغ علمهم، فأصبح الطعام لهم هدفاً لا وسيلة، فتراهم يبحثون في الأسواق عن أنواع الطعام، ويسرفون في قضاء أوقاتهم في المحلات التجارية والأسواق، يشترون ما استجدّت صناعته واختلف نوعه ولونه، وساعد على ذلك التطور الكبير في صناعات الأغذية، فترى أصناف الأجبان وكذا اللحوم والحلويات والمعلبات ومافتح الله به على الناس في هذا الزمان ما لم يشهده عصر سابق.
وكان الأجدر والأولى بهم ان يرعوا هذه النعم ويحافظوا عليها ويؤدوا حق شكرها ويستهلكوها على الوجه المفيد النافع دون مبالغة أو إسراف أو شراهة تؤدي بهم إلى التخمة ومن ثم السِّمنة والبدانة.
إذن: ماهي أبرز الآثار الاجتماعية لظاهرة تخمة الاستهلاك؟! يجيب الدكتور سمير رضوان قائلاً: ان من أبرز أوجه السلبيات التي تتعرض لها الأمم والحضارات، وتكون معول هدم لكل ما بُني وأنتج هو استشراء داء الاستهلاك في نفوس الأفراد فالاستهلاك الترفي ينمّي في الانسان الترهل ويبعده عن القيم, وقد قال سبحانه: ألهاكم التكاثر,, وقال تعالى: يحسب أن ماله أخلده,, ، والاستهلاك الترفي والشره والشبع، كما هو معلوم، مظاهر يسيرة لتخمة الاستهلاك.
وفي السياق نفسه يضيف د, زيد الرماني قائلاً: فما زلنا نجد عند أغلب الأسر، حتى ذات الدخل المحدود تصرفات لا مبرر لها سوى العادات والهوى والتقليد والمباهاة خدماً ومربيات وسائقين مستوردين من الخارج واحتفالات مكلفة وملابس للنساء والأطفال بأسعار مرتفعة جداً وبنوداً استهلاكية تثقل كاهل ميزانية الأسرة.
وما ذلك كله إلا لتلبية دواعي الاستعراض الاجتماعي وحب الظهور.
ظلال بيئية لظاهرة تخمة الاستهلاك
لقد أغرق السلوك الاستهلاكي المكثف الإنسان في طوفان من المشاكل المتعلقة بتلوث البيئة، وما لم يأخذ الإنسان حذره، فقد يغرقه هذا السلوك في طوفان حقيقي.
إن مشاكل التلوث البيئي في عصرنا هذا يعتبر أحد أسبابه الرئيسة هو الاستهلاك الشره للمواد الاصطناعية التي استخدمها التقدم العلمي والتقني، فهي مواد تستعصي على الهضم من قبل ميكروبات البيئة فتخلّف جوّاً من التلوث.
يقول د, محمد عبدالقادر الفقي انه كلما ازداد الاستهلاك نمت جبال النفايات على وجه الأرض بما تحويه من مواد مستعصية على التحلل والهضم، ومن مواد متباينة السُّمية.
ولا عجب أن أفرزت سلوكيات التخمة أطناناً من القمامة وجبالاً من النفايات وسموماً عديدة للبيئة والحياة والانسان.
بل وصل الأمر إلى تهديد بيئة الغد، وهذا خطر ينبغي الوقوف في وجهه بعزم وشدة وحزم، قبل ان يهدد أجيالنا المستقبلية.
يقول د, زيد الرماني معلِّقاً على ما سبق: في الواقع، فثمة أنماط من الاستهلاك ينجم عنها تلوث البيئة بمواد ضارة وسموم من مثل الاستهلاك الترفي للأثاث المنزلي في زمننا المعاصر، ومن مثل الأدوية والعقاقير التي تنتهي فترات صلاحيتها.
ولا غرو ان يقال ان الاستهلاك هو طوفان التلوث القادم.
ويؤكد هذا د, سمير رضوان بقوله: ان أهم خطايا التقدم العلمي والتقني الهائل ما ولّده لدى الانسان المعاصر من سلوك استهلاكي شره، أصبح ينمّي ويغذّي مشكلة التلوث البيئي، التي تُعَدّ مشكلة تهدد كوكب الأرض بمخاطر جمة، فالاستهلاك يهدد بطوفان مائي حقيقي نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجو وذوبان الجليد.
ظلال إعلامية لظاهرة تخمة الاستهلاك
ان الكم الهائل من الاعلانات التجارية الدعائية التي تزخر بها أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في جميع دول العالم هو أحد المقاييس الأمنية لتخمة الاستهلاك الي ألمت بالبشر في هذا الزمن إذ يلجأ المنتجون إلى كل وسيلة متاحة لحث الناس على الاستهلاك والمزيد منه.
ولكن كيف اسهمت وسائل الإعلام والدعاية والإعلان في التخبط الاستهلاكي والخداع الدعائي ومن ثم تخمة الاستهلاك؟, يقول د, نعيم أبو جمعة ان الإعلانات التجارية تمارس دوراً كبيراً في خداع المستهلك، بدفعه إلى المزيد من الشراء لأشياء كثيرة لا حاجة إليها فعلاً.
ويضيف د, نعيم قائلاً: بل وتمارس الإعلانات التجارية دوراً أكبر في تغليب البواعث الوجدانية كالتقليد والمحاكاة والمباهاة والزهو والتفاخر، وإثارة ذلك في نفسية المستهلك.
وللأسف، يقول د, نعيم ان الإعلان التجاري يُعدّ مسؤولاً إلى حد كبير عن تكوين عادات شرائية خاطئة، إذ قد يعمد المعلنون إلى تشكيك الناس في سلع قديمة أو سلع جديدة، لينصرفوا إلى شراء سلع معينة.
ويؤكد ذلك د, زيد الرماني بقوله: ولا يقتصر الأجر على الإعلانات التجارية والدعاية الجذابة، وإنما يتجاوز ذلك أساليب أخرى مثل التسهيلات في عمليات البيع وايصال السلع إلى منزل المستهلك، خدمة مجانية، وأساليب الدفع بالأقساط أو عن طريق البطاقات الائتمانية أو اغراء المستهلك والمشتري بمنحه مكافآت رمزية كلما كثّف من سلوكه الاستهلاكي.
وفي الواقع، فانه ما من سلعة إلا ابتكر منتجوها وسائل للدعاية تغري المستهلك باقتنائها حتى أصبح الانسان المعاصر ليس مجرد كائن استهلاكي بل متخبط في هذا الاستهلاك ومخدوع به.
ظلال اقتصادية لتخمة الاستهلاك
لقد شاعت في الغرب مقالة لقد وُلد الأمريكي لكي يشتري وهذه عبارة تدلنا على عقلية الغرب الاستهلاكية التي تنادي بالحرية دون شرط والنفعية الشخصية والملكية الخاصة غير المقيدة، فإذا كانت هذه العبارة صحيحة عند الغرب، فليس لها مصداقية عند المسلمين وفي ديار الإسلام.
فلاشك ان للمال سحراً وجاذبية قوية بالنسبة للانسان تجعله ينشد إليه ويسير باتجاهه، متصوراً ان المال سيحقق له كل طموحاته، وهذا التصور يُعدّ أحد أسباب وجود الثقافة الاستهلاكية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
إذن: ما علاقة الاستهلاك التبذيري وإدمان الاستهلاك لظاهرة التخمة؟ وهل يمكن تحديد مكامن الخطر فيما تتعلق بسلوكيات التخمة؟ وكيف تسهم مظاهر البذح من كل ما يحدث في الأفراح والولائم والمناسبات في نشر سلوكيات التخمة؟ وما أبرز أسباب وآثار فيروس الاستهلاك الذي يعتبر من أخطر الأمراض الاقتصادية الاجتماعية المعاصرة؟!
يجيب على ذلك د, زيد الرماني من خلال الأبعاد الاقتصادية التالية:
أولاً: هناك سلوكيات اقتصادية كثيرة في المجتمع تمثّل عبئاً اقتصادياً يمكن تخفيفه، وتعتبر سلوكيات التخمة وادمان الشراء والاستهلاك الشره أمثلة نموذجية لتلك السلوكيات الاقتصادية.
ثانياً: ان أوجه الصرف الباذخ أو غير الضروري ينبغي على الأفراد والأسر والمجتمعات إعادة النظر فيها للتخلص من الأنماط البذخية والاستهلاكية المفرطة ومظاهر المباهاة والتعالي المتمثلة في مناسبات الولائم والافراح.
ثالثاً: من المعروف اقتصادياً في معظم دول العالم بان أنسب وسيلة لتقريب القرارات الاستهلاكية للأفراد هي الرشد الاقتصادي المتمثل في الأسعار، بحيث تكون لهذه الأسعار فعالية في التخلص من الاستهلاك التبذيري أو لأغراض التفاخر والمباهاة.
رابعاً: ان ظاهرة تخمة الاستهلاك وعادة الصرف والإنفاق غير الموجّه، من العادات والظواهر التي أدت إليها ظروف الحياة الجديدة، نتيجة النقلة الاقتصادية التي مرت بها مجتمعاتنا، وقد ساعد على انتشار تلك الظواهر وبروز العقلية الاستهلاكية وانتشار الثقافة الاستهلاكية عوامل عديدة منها: إغراق السوق بصنوف الكماليات والإعلان عنها بطريقة مثيرة، وكذا انخفاض الوعي الاستهلاكي لدى أفراد المجتمع، وعدم توجيه أفراد المجتمع منذ نعومة أظفارهم وتعويدهم على السلوك الاستهلاكي الرشيد المنضبط المهتدي بآداب الإسلام المنظمة لعملية الاستهلاك.
وفي إضافة مهمة للموضوع تقول الاستاذة منى حسين: لقد ترتب على فشوّ الاستهلاك الشره المفرط وانتشاره في المجتمع عدد من الآثار والنتائج الضارة من مثل: انشغال العقلية الاستهلاكية بالتبذير وعدم الاكتراث بالنعم، وكذا الاتلاف والنبذ والاستبعاد لكثير من الطيبات والسلع، إضافة إلى التفكك الاجتماعي نتيجة بروز القيم المادية وسيادتها في المجتمع والاستهلاك يعتبر عائقاً أمام التوجيه الاجتماعي الايجابي، ومساوىء عديدة ظاهرة لكل متابع ومتأمل.
وللأسف، فقد انتشرت العقلية الاستهلاكية لدى أفراد المجتمعات الإسلامية المعاصرة نتيجة حالة الترف التي يعيشها بعضهم، أو نتيجة استيراد التقنية غير الملائمة، التي شجعت في الإنسان الميل للراحة والدعة والاستسلام للحياة المرفهة الناعمة والتي وفرت لأفراد المجتمع وسائل الرفاهية والنعيم وأنواع الطيبات والملذات وأصناف السلع الاستهلاكية، إضافة إلى عوامل أخرى من مثل: توافر السيولة المالية والتدفقات النقدية المرتفعة.
وللأسف فان أكثر ما يشغل تفكير العقلية المستهلكة هو توفير الاحتياجات المادية واقتناء كل ما يستجد عرضه في الأسواق.
ظلال طبية لتخمة الاستهلاك
تحدث البدانة عندما يختل الاتزان بين تناول الجسم للطاقة أي استهلاكه لها، إما بزيادة الأكل أو بتدني النشاط البدني، ومن ثم انخفاض معدل استهلاك الطاقة أي حرق الدهون وهو الاختلال، ويكون مصحوباً بعوامل وراثية تؤثر في حدوث البدانة ودرجتها .
يقول د, حسّان باشا في معرض إجابته على سؤال: ما السِّمنة أو البدانة وما أسبابها وأبرز مشاكلها، يقول د, حسان: السِّمنة تنجم عن تناول كميات من السعرات الحرارية في الطعام أكثر مما يحتاجها الجسم وأهم أسباب السمنة: الاستعداد البنيوي داخل الجسم والشراهة للطعام وكثرة الدهون وزيادة عدد الخلايا الشحمية في الجسم وقلة الحركة, وتبرز مشاكل السّمنة في علاقتها بأمراض القلب وارتفاع الضغط الدموي وأمراض المرارة ومرض النقرس وتأثيرها على التنفس, فمن ملأ معدته بالطعام والشراب لم يدع فيها متنفساً، شعر بعد ذلك بالتخمة وعُسر الهضم.
إذن: إذا استمر الشخص في تناول الطعام أكثر من حاجته اليومية،ودون أن يقابل ذلك زيادة في نشاطه البدني، فان الجسم يبدأ في تخزين الفائض من الطاقة في شكل مواد دهنية، وبالتالي تحصل البدانة أو ما يُعرف بالسمنة.
لذا، يؤكد د, سمير الحلو على أهمية تقليل الطعام المتناول، لأن ذلك يؤدي تلقائياً كما يذكر د, سمير إلى تقليل العوامل الخطرة التي تساعد في ظهور الأمراض.
يقول د, سمير ان الصوم الطبي يُعدّ امتناعاً عن الطعام بشكل ارادي، ويعتبر كذلك وسيلة مهمة لتقليل الطعام كما ان الصوم علاج للأمراض المزمنة والمستعصية.
ويمكن من الناحية الصحية تلخيص خطة نموذجية لإنقاص الوزن تعتمد على: كُل أقل مما كنت تأكل، وتجنّب الأطعمة الدسمة، وتجنّب السكر والنشويات، وتناول أغذية مفيدة واعتدل في تناول الطعام ومارس التمارين الرياضية، ومن ثم فان النتيجة من الناحية الصحية ستكون ايجابية بإذن الله.
ظلال شرعية لتخمة الاستهلاك
ان الشريعة الإسلامية ومن خلال الضوابط والتوجيهات التي افترضتها على نمط الاستهلاك وسلوك المستهلك المسلم تمارس تأثيراً مباشراً في تحديد نوعية الطلب وحجم نموه، وذلك يؤثر بالتالي في حجم الموارد المطلوبة وتخصيصها لانتاج الطيبات التي تشبع احتياجات المجتمع.
يقول الشيخ د, حمد بن عبدالرحمن الجنيدل في معرض اجابته عن: كيف يمكن التصدي لداء الاستهلاك الشره وكيف يمكن اقتلاع عادة الاستهلاك المفرط من النفوس؟!، يقول الشيخ حمد: ان التخمة والسِّمنة تعتبر مرضاً وضرراً وإسرافاً منهياً عنه، إذ يجدر بالمسلم ان يعرف حدوده ويلتزم هدي رسول الهدى عليه السلام وصحبه الكرام والسلف الصالح من التخفف في الطعام والابتعاد عن الشره.
فقد ورد عن رسول الله عليه السلام قوله لأحد أصحابه: كُفّ عنّا جُشاءك (صوت يخرج من المعدة عند امتلائها) فإن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا, كما أنه عليه السلام أومأ إلى رجل عظيم البطن فقال له: لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك.
والقاعدة الذهبية النبوية تنص على انه: ما ملأ آدميٌّ وعاءً قطُّ شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً،فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه .
وقد علّق ابن قيم الجوزية رحمه الله على هذا الحديث فقال: ان مراتب الغذاء كما يتضح من هذا الحديث ثلاث: إحداها: مرتبة الحاجة، والثانية: مرتبة الكفاية، والثالثة: مرتبة الفصلة.
وعن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورد قوله: إياكم والبِطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم، ومكسلة عن الصلاة.
وقد قيل: البطنة تُذهب الفطنة, كما ورد عن الشافعي رحمه الله قوله: ما أفلح سمين قط، فقيل له لِمَ؟ قال: لانه لا يعدو العاقل احدى حالتين: إما ان يهتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه، والشحم مع الهمّ لا ينعقد، فاذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم، فينعقد الشحم.
خاتمة
في ختام هذا التحقيق، فإننا نعرض بعضاً من النتائج المتوصل إليها والتوصيات المهمة، ومن ذلك:
(1) إن سعادة الانسان هي في اتباع شرع الله وهدي نبيه عليه الصلاة والسلام.
(2) تنجم السّمنة في معظم الأحيان عن اختلال بين ما نصرف من طاقة وبين ما نتناول من طعام.
(3) إن التعود على نمط الحياة الكسول والرغبة عن أداء المجهودات البدنية تجعل البدانة أمراً محتملاً.
(4) إن تقليل كمية الطعام المتناول إلى الثلث هو عماد الصحة والنشاط بشرط تنويع الطعام والاستفادة من العناصر المهمة فيه.
(5) صيام رمضان والنوافل والتطوع يتيح للمسلم فرصة حالة صحية ونفسية سامية.
(6) الآباء والأمهات هم قدوة الأبناء، فاذا مارسوا الرشد الاستهلاكي والصوم الصحي والاقتصاد في النفقات والاعتدال في الشراء والأكل والشرب، كانوا قدوة صالحين لأبنائهم.
(7) أفضل نظام غذائي هو ما يضمن للشخص حاجته من العناصر الغذائية المتكاملة: الكربوهيدرات + البروتين +المعادن +الأملاح +الفيتامينات.
(8) البرنامج الرياضي مهم، بشرط ان يكون متناسباً مع الشخص وان يبدأ به بشكل تدريجي.
(9) التأكيد على أهمية التوعية الدينية لأثرها في النفوس.
(10) التأكيد على دور وسائل الإعلام لبث الوعي الاستهلاكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.