منذ سنوات ألف الحكم الفرنسي الشهير ميشال فوترو كتابا بعنوان "الحق في الخطأ" ردا على أولئك الذين يعتقدون أن حكام الكرة معصومون من الخطأ، وإذا ما أخطأوا فسرعان ما يتداركون، وإذا أخطأوا ولم يراجعوا أنفسهم حق عليهم الرجم في نهاية المباراة.. غير أن الصافرة استمرت ولم يتوقف الخطأ. فماذا يفعل بلاتيني وحياتو وبن همام وبلاتر؟ لن يفعلوا أكثر مما فعله هافيلانج وسابقوه.. سيدونون احتجاجات المتضررين أخطاء الحكام، ويعدون بدراستها ومعاقبة المتسببين، ويصرحون بأهمية تطوير التحكيم، بإضافة حكام على الأطراف، وإدخال الفيديو "حكما إلكترونيا منصفا" عند الشك والاختلاف في عدم احتساب هدف رآه كل الناس إلا الحكم بسبب انغلاق زاوية الرؤية أو فشل مساعديه في ضبط الخطأ.. وهو ما يكون سببا في تعريض كثير من الخلق إلى سكتات قلبية، أو انهيارات عصبية، وأقلها الإصابة بارتفاع الضغط أو السكري.. وهذه الأيام، عاد الجدل قويا حول أخطاء الحكام بعد أن تمكن تيري هنري من خداع حكم مباراة فرنسا وإيرلندا السويدي هانسون باستخدام "يد الضفدع" وسحب الكرة بيده وتمريرها لزميله جالاس الذي أوصل منتخب الديكة التعبان لنهائيات المونديال على حساب الإيرلنديين الذين لم يتجاوز احتجاجهم أسوار طبلة أذني بلاتيني.. ولم ينفعهم "ادعاء" هنري الندم ودعوته لإعادة اللقاء.. ولا ما اعترف به هانسون من أن الرؤية كانت معدومة وأن ما حدث كان مؤسفاً، والتكفير عن الذنب باعتزال مبكر. لكن ما فائدة الضرب بعد كسر الجرة. خرج دعاة التكنولوجيا يصرخون في المحافظين "يا بشر.. لماذا ترفضون استخدام التقنية الحديثة، وتكرسون أخطاء الحكام، ولا تسعون لإنصاف المظلومين.. خذوا العبرة من لعبة التنس والريجبي؟ّ" فيرد الرافضون لأي إدخال للفيديو قائلين "أنتم تريدون قتل لعبة كرة القدم وتعجلون بموتها. إن أخطاء الحكام جزء من المباراة، وما فعله مارادونا وميسي وهنري هو الذي يصنع المتعة اليوم..". ولم يتوقف التكنولوجيون عند المطالبة بإدراج "الفيديو- الحكم" بل طالبوا بوضع شريحة في الجلد المنفوخ لضبط سلامة الهدف والاحتكام إليها إذا وقع نزاع بين الفريقين.. وتخيلوا معي تطبيق نظام الفيديو- الحكم بأثر رجعي.. حينها ستخسر أنجلترا كأس العالم 1966 وتخسر الأرجنتين في مونديال 1986 ويغرق بلاتر في طلب التعويض عن أهداف ملغاة أو غير محتسبة أو لم تشاهد ... وأشياء كثيرة. ولأنني من المحافظين، الرافضين لتقييد حكم المباراة بوسائل تكنولوجية متطورة، ولو كانت فاصلة وكاشفة للخطأ، فأنا مع رأي الحكم فوترو بأن الإنسان يخطئ، وإذا لم نقبل بخطئه فعلينا الاستعانة بمن هم من صنف الملائكة الذين لا يخطئون.. وأقترح بديلا لكل هذا الاجتهاد التكنولوجي، عرض اللاعبين والحكام والإداريين وحتى الجمهور على أجهزة كشف الكذب، لأنني رأيت أن تيري هنري قال "نعم أنا لمست الكرة، لكنني لست الحكم" أي أنه تغطى بحكم المباراة، وبدا للناس أنه اعتراف بالخطأ بينما اعترف بنصفه، فتعاطفوا معه.. فالذي لم يجرؤ هنري على قوله، هو أنه تعمد تحويل مسار الكرة بيده ليدمر منتخب إيرلندا بالغش البريئ. وحدث لغط كبير بسبب لاعب كبير، وكم هي مثيرة أخطاء الكبار، نقبلها لأنها جزء من اللعبة، ومع ذلك فإنها تدور.. [email protected]