كم كانت مفاجئة اطلالة المفكر الأميركي من أصل لبناني نسيم طالب في الحلقة الأخيرة من برنامج «كلام الناس» الذي يعدّه ويقدّمه الاعلامي مارسيل غانم على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال (إل.بي.سي). إنها المرة الأولى يحاور اعلامي لبناني أو عربي هذا المفكر الذي يشغل الأوساط الاقتصادية والفكرية في أميركا والعالم، متيحاً للجمهور فرصة للتعرف اليه والى فكره الطليعي الذي ما زال مجهولاً، لبنانياً وعربياً. هذه بادرة فريدة تسجّل فعلاً للاعلامي مارسيل غانم المعروف بهمّه الثقافي وشغفه المعرفي، وليته يفاجئنا دوماً بما يماثلها، وهو لم يقصّر أصلاً في هذا القبيل. أطلّ نسيم طالب صاحب كتاب «البجعة السوداء» الذي قطف شهرة كبيرة في العالم وبيعت منه ملايين النسخ في الولاياتالمتحدة وحدها وترجم الى عشرات اللغات، أطل ببساطته أو تواضعه، وتحدث بلغته الأم التي لم تساعده كثيراً في التعبير عن أفكاره ومبادئه العلمية، وعن رؤيته «اللايقينية» الى العالم المعاصر والانسان والثورات الحديثة في حقل الاعلام و«المعلوماتية» والفكر السياسي والاقتصادي. لكن هذا المفكر والأستاذ الجامعي حاول أقصى ما أمكنه أن يوضح «خطابه» الصعب والمعقّد الذي لم يألفه الجمهور التلفزيوني. وقد ساعده مارسيل في تبسيط هذا «الخطاب» وفي ايصال أفكاره الى المشاهدين، وايجاد بعض المفردات والتعابير العربية التي كادت تنسيه اياها غربته الأميركية. لكن هذا المفكر الذي أحدث ثورة في ميدان العلم «اللايقيني» ودعا الى الشك في البديهيات الثابتة، فكرياً واقتصادياً، بدا طليقاً في اللغة الانكليزية التي تحدّث بها في اللقاءات التي أجرتها معه مؤسسات عالمية كبيرة مثل «سي إن إن» و«بي بي سي» وسواهما. وقد بُثّت هذه اللقاءات ضمن برنامج «كلام الناس» كي تتيح للمشاهدين أن يدركوا حجمه كمفكر عالمي، استطاع أن يتوقع حدوث الكارثة الاقتصادية الأخيرة التي أنهكت أميركا وأوروبا وآسيا وسائر أقطار العالم. لم يسع مارسيل غانم الى مدح نسيم طالب والتغني بمآثره على طريقة المدّاحين اللبنانيين تلامذة «الخرافة» اللبنانية، بل حاول قراءة كتابه «البجعة السوداء» بحضوره، وتفنيد أفكاره الفريدة. ليت مارسيل غانم يتحف جمهوره دوماً بحلقات مماثلة، معرفية وثقافية، فيستضيف مرة كل شهر، شخصية غير سياسية، لامعة في حقلها، أياً يكن هذا الحقل، علمياً أو اقتصادياً أو أدبياً أو فنياً... فالجمهور الذي سئم السياسيين اللبنانيين الغارقين في «فناجين» السياسة ينتظر مثل هذه الوجوه التي تخاطبه وتفيده ولا تضيع وقته. يحتاج المشاهدون فعلاً أن يستريحوا من الثرثرة السياسية المضجرة والفارغة، ومن الأكاذيب و«التلفيقات» والمعارك الهوائية التي باتت تهيمن على الحياة السياسية في لبنان، هذه الحياة التي هزلت وتضاءلت جداً.