لا شيء يتكرر على صعيد التناول في مشهدنا المحلي كخطبة الجمعة، والتي تتفق الأغلبية على محدودية تأثيرها وأنها تعاد بصيغ مختلفة، وأصبحت مواضيعها لا تعني للمتلقي شيئاً عدا أنه مجبر على سماعها، وتجاوز لحظاتها بالتثاؤب أو التفكير خارج محيطها، وتحمل وقتها غير الثابت من خطيب لآخر. بالأمس حذّرت وزارة الشؤون الإسلامية خطباء الجمعة من الخوض في المسائل السياسة والتعرض للدول والأشخاص بالتصريح أو التلميح، بعد أن شبعنا من هذا الخوض، ولكن لا يعنيني التحذير قدر ما تعنيني المتابعة والمساءلة والعقاب، لأن المسؤولية لا تتوقف عند سطر التحذير، بل تتجاوز إلى تبعات ما بعد الخطب المتشنجة والمنبعثة من حماسة زائدة واندفاع لا متوازن، والقناعة المستمرة من خطباء الجمعة في أن المنبر متاح للخوض في أي مجال مع قراءة الأحداث كيفما اتفق، واستخدام الخطبة للتحليل السياسي المربوط بحبل ديني حتى تصبغ الخطبة وتغلف بطابع إسلامي لا يتجاوز حاجز الصوت. خطبة الجمعة - ولكل قاعدة استثناء - إما أن تكون باردة وبعيدة عن خريطة الجذب والاستيعاب، أو متجهة إلى محاور وزوايا لم تكن من صلب خطب الجمعة وأهدافها العامة وسيرها وفق الهدي النبوي. يراهن العقلاء على دور خطبة الجمعة الريادي منذ زمن بعيد، لكن الرهان متعلق بخطباء يتم انتقاؤهم بعناية، لا أن يكون حضورهم على منبر الخطبة لأن المكان شاغر أو أن الظروف تستدعي ألا يمضي الوقت من دون خطبة. مفاهيم الوعظ والإرشاد والتذكير بأحكام الدين وفضائله تتطلب طرحاً متوافقاً مع المجتمع المرتفع الذائقة، والذي لم يعد يحتمل الإلقاء التقليدي والتشنج الزائد، وإعادة ما يمكن سماعه عبر أية بوابة أخرى، وأعلم أن ذلك صعب لكنه ليس مستحيلاً، فالتدرج في المعالجة والمتابعة الجادة مع إشراك المجتمع في انتقاء المواضيع التي هو بحاجة أن تطل طرحاً ونقاشاً عبر منبر الجمعة، خطوات مهمة في طريق التصحيح. بدأ الملل ينتاب الناس بعد أن تأكدوا من أن خطب الجمعة إن خرجت من إطارها الشكلي فهي تمضي إلى عناوين شائكة، وتتدخل في ما لم يكن يوماً ما هدفاً من أهدافها، وإذا كان كثير من المتلقين يعانون ازدواجية في بعض المفاهيم العامة للدين، وتتداخل لديهم، فهل يعنيهم أن تتطرق الخطبة إلى المسائل السياسية والحزبية والعنصرية والعصبية والمؤسسات والدول. استحضار ما يحدث في العالم من أحداث ومتغيرات مطلوب، ولكن بهدوء وفن، وبعيداً عن الشحن النفسي، بل بما ينقل الحقائق ويعزز المفاهيم الدينية الأصيلة ويضع الإسلام ديناً للحق والعدل والجذب، وليت أن وزارة الشؤون الإسلامية تسأل كل خطيب هذا السؤال: ما هو دورك كخطيب جمعة؟ من لا يملك إجابة فلا أظنه يستحق المنبر، ومن يملك الإجابة فهو أحد اثنين، إما مستوعب للدور بطريقة آمنة وهذا يدعم ويشكر، وإما شخص لديه لبس في المفهوم، فيصحح له أو يعفى! [email protected] @alialqassmi