يجول الموفد العربي – الدولي الأخضر الإبراهيمي، منذ شهور عدة، في عواصم القرار محاولاً إيجاد حل مقبول من أطراف النزاع في سورية لإنهاء الأزمة الدموية التي تتخبط فيها بلادهم منذ 22 شهراً، ونجم عنها مقتل أكثر من 60 ألف مواطن سوري، وفق الأممالمتحدة. وعلى رغم جولات الإبراهيمي المكوكية، لم تظهر في الأفق أي بوادر لحل قريب يعيد الأمن والاستقرار إلى الربوع السورية. ويحاول الديبلوماسي المخضرم إيجاد صيغة لحل الأزمة توافق عليها واشنطنوموسكو، باعتبارهما صاحبتي القرار الحاسم في هذا الشأن، مستنداً إلى توافق مجوعة العمل في جنيف في نهاية حزيران (يونيو) الماضي في ما عرف ب «اتفاق جنيف» الذي بقي حبراً على ورق، على رغم موافقة العاصمتين عليه، نتيجة تباين وجهات نظرهما في ما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، إذ اعتبرت واشنطن أن تأليف حكومة انتقالية في سورية، وهو أحد بنود الاتفاق، يعني تنحي الأسد عن السلطة، في حين تمسكت موسكو ببقائه جنباً إلى جنب الحكومة. وتتصارع على الساحة السورية قوى داخلية وخارجية يسعى كل منها إلى تنفيذ أجندته وتحقيق أهدافه. ففي الداخل يعتمد النظام على الحل الأمني، مستخدماً السلاح الثقيل والطائرات المقاتلة وكل أساليب العنف والبطش، من أجل القضاء على الثورة، وهو واثق من قوته نتيجة التفاف الجيش حوله. وفي المقابل، تسعى المعارضة إلى إسقاط النظام بالوسائل العسكرية ذاتها، على رغم الهوة بينها وبين النظام في نوعية الأسلحة وكميتها، معتمدة على معنويات مقاتليها العالية وتصميمهم على التحرر من الحكم الشمولي المستبد، وعلى الدعم العربي والدولي. أما القوى الخارجية، فهي عديدة وأكثرها تأثيراً في مسار الأزمة السورية الولاياتالمتحدة التي تتعامل مع الثورة السورية بحذر خوفاً من الوقوع في مطبات الشرق الأوسط ورماله المتحركة، وتمتنع عن مدها بصواريخ متطورة ضد الطائرات والدبابات، خوفاً من وصولها إلى أيدي الإسلاميين المتشددين، خصوصاً «جبهة النصرة». وروسيا، ثانية الدول الكبرى، ترفض تنحي الأسد عن السلطة وتدعم حكومته في مجلس الأمن وتزود قواته العسكرية أسلحة ثقيلة، ويعود ذلك إلى الحفاظ على مصالحها في الإقليم وخوفها من أخطار تتجاوز المشرق العربي إلى «جمهورياتها» الإسلامية، خصوصاً أن عدداً من أبناء هذه الجمهوريات يقاتلون في سورية، وتتخوف موسكو بالتالي من أن تؤدي عودتهم إلى بلادهم إلى قلاقل واضطرابات. وتمدّ إيران، وهي دولة إقليمية كبرى، النظام السوري بالمال والسلاح والخبراء العسكريين، من أجل الحفاظ على نفوذها في المنطقة العربية، ومعلوم أن هذا النفوذ جعل منها دولة مؤثرة في الإقليم. كما يشارك حليفها في لبنان «حزب الله» في القتال إلى جانب النظام السوري، حفاظاً على وجوده ونفوذه ونفوذ طهران في لبنان. أما تركيا، وهي أيضاً دولة إقليمية كبرى، فتقف بجانب الثورة السورية، وتدعمها سياسياً في المحافل الدولية، ولوجستياً من خلال فتح حدودها أمام عبور قوافل السلاح والمجاهدين إلى الداخل السوري. وتأمل تركيا من هذا الدعم تقوية مركزها ونفوذها في سورية المستقبل وبقية الدول العربية، الأمر الذي يساهم في إنعاش تجارتها مع هذه الدول وتعزيز صادراتها إليها. ويقف الإبراهيمي، في خضم هذه الصراعات، عاجزاً عن تحقيق أي اختراق يعزز مسيرته السياسية الطويلة الحافلة بالمنجزات، ويوقف حمام الدم ويعيد الراحة إلى نفوس السوريين والبسمة إلى وجوههم. ونضع مثابرته على مهمته وعدم التخلي عنها في خانة التحسّس بآلام السوريين، والخوف على وحدة وطنهم، والحفاظ على استقرار المنطقة، وإنهاء مسيرته السياسية بإنجاز كبير. فشل الإبراهيمي في إقناع القيادة السورية، لدى زيارته الأخيرة دمشق في نهاية كانون الأول (ديسمبر) المنصرم، بمشروعه للتسوية الذي يتضمن تأليف حكومة انتقالية ذات صلاحيات واسعة، تشرف على انتخابات نيابية نزيهة ومن ثم انتخابات رئاسية يمتنع الأسد عن خوضها. وجاء الفشل نتيجة تشبث الأسد بموقعه وصلاحياته وتصميمه على خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، لاعتقاده بصلابة نظامه وقدرته على استعادة الأراضي من الثوار. ويؤدي عدم التزام الأسد ما تتضمنه المرحلة الانتقالية المقترحة إلى استمرار تردي الأمور على الأرض من دون تغيير حتى إشعار آخر. ويعتقد كثيرون أن من أسباب استمرار الأزمة السورية عناد الأسد، وتهميش دور المستشارين السياسيين المحنكين والحكماء والاستعاضة عنهم بحلقة صغيرة من الأقرباء والمستفيدين تشجعه على مواصلة الحل الأمني ورفض التسويات السياسية، وامتلاكه صلاحيات واسعة تمكنه من السيطرة بصورة مطلقة على مفاصل الدولة السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية. وقد تدفع صلاحيات الرئيس السوري الواسعة الإبراهيمي إلى لحظ الانتقال بسورية من نظام رئاسي إلى نظام برلماني في مشروعه المرتقب. تتشابك بالأزمة السورية مصالح محلية وإقليمية ودولية، لذا فإن أي تسوية لا تنخرط فيها الجهات المعنية، قد تؤدي إلى «صوملة» سورية، وربما إلى انفجار شامل قد يصل إلى حدود حرب ذات أبعاد إقليمية ودولية. وتبقى الأسئلة المحيرة: هل يواصل الأخضر الإبراهيمي مهمته؟ وهل ينجح فيها إذا قرر المتابعة؟ أم أنه سيستقيل ويلتحق خائباً بسلفه كوفي أنان؟ وكيف سيكون مصير سورية والمنطقة؟ * كاتب لبناني