كلاكيت. ثاني مرة! القصة هي القصة! والسيناريو يحمل الكثير من أوجه الشبه بل والتطابق. أما فريق العمل فطرأت عليه تغيرات كثيرة. ال «كاستينغ» هذه المرة كان أكثر تدقيقاً في اختيار الأبطال ومساعديهم وطاقم «الكومبارس». حتى الإنتاج أعاد النظر في لوازم الثورة، فبدلاً من ال «كنتاكي» والمئة يورو وأقراص الترامادول، تمت الاستعانة ب «ملابس الثورة الداخلية» والمناشف والجبن النستو! لحظات صمت طويلة مرت كأنها دهور. شد وجذب بين العسكر وغير العسكر. ولأن غير العسكر بينهم «حرامية» ومواطنون عاديون، وجدوا أنفسهم بحكم الظرف الطارئ في كفة واحدة مع كل من هم من «غير العسكر»، فقد بدا الشارع المصري الثوري الشاب نفسه يصارع طواحين الهواء. فهو المصر على استكمال ثورة لم تكتمل، فيركض هنا وهناك، يعتصم اعتراضاً تارة، ويحتج غضباً تارة، ويطالب برغيف العيش ويجاهد من أجل هواء الحرية ويبحث هباء عن آثار العدالة الاجتماعية، لكنه يفاجأ بمقاومة عنيفة. أشقاء الأمس القريب في الميدان يضغطون لتخفيف حدة الاحتجاج وتخفيض سقف المطالب. «نهدأ شوية» كان الشعار الذي رفعه الأشقاء ممن رأوا كرسي السلطة في ما يرى النائم! انقسم الميدان. منهم من مل الهدوء الذي رأى أنه يسبق العاصفة، وأحبطته دعوات التهدئة على رغم وضوح الرؤية. فقد لاحت معالم صفقة ما في الأفق! لم تكن المعالم واضحة، لكن رائحة ما عفنة كانت تظلل المكان. استفتاء دنيوي اتشح برداء رباني، قل «نعم» للتعديلات الدستوية تضمن مكاناً في الجنة، واغضب ربك واخسر آخرتك واختر «لا» واضمن عذاباً أليماً مع الكفار الفجار في نار جهنم. ووجد الفصيل غير الديني من شباب الثورة أنفسهم يدورون في دائرة مفرغة، أولها سياسة تلتحف بالدين، وآخرها دين يتبرأ من السياسة. انتخابات على كل شكل ولون. برلمانية بالشاي والسكر والزيت، وشورى بوعود بخدمات بما لا يخالف شرع الله، ورئاسية باللحم وأجولة البطاطا، ورئاسية بفتنة دينية واستخدام كل الأدوات المشروعة وغير المشروعة في سبيل وصول الرئيس الأصلح لمصر ومواصفاته أن يكون حافظاً لكتاب الله ويصلي الفروض والسنن ويبدع في الخطابة من على المنابر و... فقط! الصدمة الشبابية المدنية لما آلت إليه الأمور بعد مرور نحو عامين على ثورة أدهشت العالم يوم قامت، وأحبطته يوم أجضهت بدأت تنزع عن نفسها رداء اليأس بعد تلقيها صدمات كهربائية متلاحقة. اليوم عاد الفصيل المدني من الشباب الثوري إلى الشارع بعدما عز العيش وشحت الحرية وانقشعت العدالة الاجتماعية. أما الفصيل الديني، فارتأى – بحسب ال «كاستينغ» الجديد- أن يلعب هو دور القامع. يصدر الرئيس «الثوري المنتخب» قرارات وضدها، وفي كل مرة يهرعون إلى الميادين والطرق يناصرونه ويؤيديونه ويقدمون الروح والدم فداء له. وقد كان، فقد أريقت دماء الشباب فداء لقرارات السيد الرئيس التي تراجع هو نفسه عنها، لكن للأسف أن الدماء المراقة لا تعود. العود الأحمد هو للثورة التي ترفع شعار «بعد عامين من التجديدات. ترقبوا الثورة في شكلها الجديد القديم». عاد هتاف «عيش حرية عدالة اجتماعية» يصدح في الأفق. صحيح أن هذه المرة صدح معه هتاف «يسقط حكم المرشد» و»باطل باطل حكم الإخوان باطل»، إلا أنه في المقابل صدحت الميادين والشوارع والباصات والميكروباصات ب «الشعب يؤيد قرارات الرئيس» و»مرسي وراه رجاله» و»قادم قادم يا إسلام» و»الشعب يريد تطبيق شرع الله». الهتافات الشبابية المتداخلة لم تعم العيون الثورية عن إعادة إطلاق الثورة الثانية. البشائر كلها تؤكد أنها ثورة! وأولى هذه البشائر هي لائحة الاتهامات الموجهة إلى الثوار «البلطجية» الذين نزلوا إلى الشوارع للخروج على الحاكم، وهذا «حرام» شرعاً. أما التهمة الثانية فجاهزة: «في الثورة الأولى ضد مبارك، كنا نتقاضى فلوساً من قطر وأميركا وكنتاكي. وفي الثورة التانية ضد الإخوان نأخذ 5000 جنيه من السويد وانكلترا، ويصرف علينا ساويرس والكويت والإمارات، في حين توفر لنا هولندا الجبن النستو». تبدو التهمة هزلية، أو كوميدية، أو تهريجية، لكن الكوميديا الحقيقية هي أنها حقيقية. وتبقى الحقيقة الواقعة هي أن ثورة مصرية جديدة تلوح في الأفق. قد تكون ثورة ممتدة، وقد يتم إجهاضها مجدداً، وقد تلجأ إلى سبل إبداعية خارج نطاق المتوقع، فتخرج بصورة أكثر إثارة للدهشة وأجدر بالإعجاب مما سبقتها. ومن أقدر على الإبداع والتفكير خارج الأطر التقليدية أكثر من الشباب؟! ولأن الإبداع لا يتواءم مع قيم السمع والطاعة، ولا ينسجم مع مبادئ الحشد والشحن، ولا يتفجر مع مشاعر الغل والكراهية، ولا يرى النور مع ظلمات الترهيب الديني فإن هناك من ينتظر ولادة قوية لثورة مصرية لكل المصريين، لا تضمن دخولهم الجنة ولا تقيهم نار جهنم، لكنها فقط تؤمن لهم مفاتيح الحياة الكريمة منزوعة الوصاية الدينية خالية من الديكتاتورية منقاة من سمة الركوب المجاني للثورات الشعبية.