استبشر العاطلون العام الماضي بأمر والدهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بصرف إعانة «بطالة» لهم قدرها ألفا ريال لمدة عام هجري كامل، إلا أن التطبيق الفعلي من الإدارة المسؤولة عن «حافز» كان دون المستوى. فالملاحظ أن إدارة «حافز» أغفلت أن البرنامج تتداخل فيه عوامل اقتصادية واجتماعية وأمنية وتنموية لم تأخذها في حسبانها، وهو ما حوّل البرنامج من برنامج دعم إلى برنامج «توفير»، فالإدارة - للأسف - كان همها الأول أن تقطع الدعم أو تخصم على المستفيد لتوفر من مبلغ الدعم، ولا أذكر أنه مر يوم خلال العام لم نقرأ أو نسمع فيه شكوى من مستفيد أو أكثر عن قطع الدعم أو خصم الإعانة لأسباب لم تكن مبررة قطعاً، فالخصم يجب أن يكون آخر الخطوات لا أولها، سيما وأن البرنامج - كما ذكرت - ليس برنامجاً ربحياً يديره مصرف تجاري، وإنما هو برنامج دعم اجتماعي من الحكومة لمواطنيها العاطلين حتى يوجد لهم العمل المناسب. وأما العوامل التي أشرت إلى أن إدارة البرنامج أغفلتها فهي: أولاً: العامل الاجتماعي، فالإعانة هي دعم اجتماعي من الحكومة لمواطنيها من العاطلين، حتى يجدوا العمل المناسب، ولأن حجم البطالة كبير، وفرص العمل محدودة، سيما إذا أخذنا في الحسبان أن غالبية المستفيدين من «حافز» هن النساء، فهذا يوجب تغليب مصلحة المستفيدات، والنظر بواقعية إلى عدم وجود فرص العمل المناسبة لهن، وعدم مناسبتها إن وجدت لبعدها جغرافياً أو لرفض كثير من المستفيدات العمل في بيئة مختلطة، أو لعدم مناسبة الوظيفة للمؤهل، أو لقلة مردودها التي لا تفرق كثيراً عن مبلغ «حافز». وهذه الأسباب منفردة ومجتمعة لم تراعها إدارة «حافز»، ويكفي استعراض أرشيف أية صحيفة سعودية خلال العام الماضي، لتجد الصراخ والشكوى والغضب التي خلقها سوء تصرف الإدارة. ثانياً: العامل الاقتصادي، وهو أن هذه الإعانة تكفي المستفيد لشراء حاجات حياته الضرورية من مأكل ومشرب وملبس، وترفع عن كاهل أسرته بعض التكاليف، وتخفف معاناة كثير من الأسر في ظل الغلاء الكبير الذي تشهده السوق، وهذه النقطة لم تنظر إليها إدارة «حافز»، ولم تأخذها في حسبانها وهي تخصم وتلغي معونات كثير من المستفيدين لسبب أو لآخر. ثالثاً: الجانب الأمني، وهو مرتبط بالعامل الاقتصادي، ففي نظرية المستهلك لدينا ما يعرف بالاستهلاك التلقائي غير المرتبط بالدخل، وهو استهلاك الضروريات اللازمة لحفظ الحياة، وهذا الاستهلاك يتم تلبيته عادة عن طريق إنفاق الأسرة على أبنائها، ولكن إذا كانت الأسرة غير قادرة على الإنفاق عليهم، فالبديل لجوء هؤلاء العاطلين إلى السرقة والسطو والجرائم الأخرى، وهذا ما لم تفكر فيه أو تأخذه إدارة «حافز» في حسبانها في تعاملها مع المستفيدين. رابعاً: العامل التنموي، وهو أن إعانة «حافز» قليلة أصلاً، وبالكاد تكفي لحاجات المستفيد الضرورية، وهذا يعني أنها ستنفق في السوق السعودية ولن تخرج خارج الحدود، وفي هذا الإنفاق الداخلي إنعاش للحركة الاقتصادية والتنموية وتدوير للنقود بما يسهم في تنشيط عجلة الاقتصاد. ولأن «حافز» هو برنامج دعم ومعونة، فأرجو أن تأخذ إدارته لدورته الجديدة في حسبانها العوامل السابقة مجتمعة، وأن تتوقف عن الخصم والإلغاء على المستفيدين، حتى لا تفسد بإجراءاتها تلك المعونة، فالإدارة خلقت شكاوى وتذمراً وغضباً شعبياً ضد «حافز»، وهو ما يتنافى مع الهدف الذي أقر من أجله البرنامج. وأختم بعدم معارضة الإدارة في إجراءاتها لتوظيف العاطلين المسجلين في «حافز»، ولكن ليس بطريقة الخصم إن لم تحدث بياناتك، والخصم وإلغاء المعونة إن لم تقبل بالوظيفة المعروضة، فالواقع يقول إن جهود إدارة «حافز» ما هي إلا سعي إلى توظيف موقت، سرعان ما يتركها العاطل ليعود إلى عطالته مرة أخرى، وأما ما يذكر عن رفض بعض العاطلين في قوائم «حافز» لوظائف تصل رواتبها إلى 8 آلاف ريال، فعلى الإدارة أن تبحث عن السبب الحقيقي لعدم رغبة العاطلين في هذه الوظائف، سيما وأن كثيراً من العاطلين يقبل أو قبل فعلاً بوظائف لا تدر نصف هذا الراتب. أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. ibnrubbiandr@