يمتد شمال مالي على مساحة تعادل مساحة أفغانستان. الفارق بينهما هو أن السكان (في شمال مالي) لا يزيدون على مليون ونصف مليون شخص، أي بمعدل شخصين في الكيلومتر المربع. وفي شمال مالي ثلاث مدن فقط، هي: غاو، كيدال وتومبوكتو الشهيرة. إنها أراض شاسعة وخالية في قلب أفريقيا، تحولت ملجأ أفريقياً آخر يقع في يد الإسلاميين المتشددين. عدد المقاتلين بضعة آلاف على الأكثر، وأقل من ذلك هم نواتهم الصلبة. بعد سقوط القذافي في ليبيا والاضطرابات السياسية في عاصمة مالي باماكو، سيطرت 3 مجموعات إسلامية متشددة («تنظيم القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي» و «حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» و «أنصار الدين») على هذه المقاطعة الضخمة، وفرضت تطبيق الشريعة متوسلةً القوة سبيلاً. ثم دُمِّرت الأضرحة بذريعة أنها أماكن للعبادة الوثنية. وسيشعر (زعيم حركة طالبان) الملا عمر كأنه في بيته، فبعد11 عاماً من التدخل الغربي في أفغانستان، وبعد «النجاحات» التي نعرف، ها نحن أمام جبهة جديدة تبعد3 آلاف كيلومتر عن باريس. طرحنا منذ سنوات هذا السيناريو بقلق أمام الدوائر الاستراتيجية والمدارس الحربية: لقد تحقق الآن! وما العمل؟ لا شيء، وباستثناء دوران الطواحين الديبلوماسية الكبيرة العاجزة عن تغيير الوضع الميداني. على سبيل المثال، وصف الرئيس فرانسوا هولاند في 25 أيلول (سبتمبر) من على منبر الأممالمتحدة، الوضع في مالي بأنه «غير محتمل، وغير مقبول»، وأضاف: «علينا التحرك معاً والتحرك سريعاً». وبدا كأننا في أوبرا إيطالية، عندما تنفخ الآلات النحاسية على المسرح ويهرع الجنود إلى المعركة... يسيرون بشجاعة لكنهم يراوحون مكانهم!ولكن، ما هو الوضع الحقيقي؟ عشية الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعت الحكومة المالية –أو من يقوم مقامها منذ التمرد العسكري في آذار (مارس) الماضي والتقسيم الفعلي للبلاد- إلى تدخل خارجي لمساندتها في مواجهة الإسلاميين. وقبل الانصراف إلى العمل، ينبغي انتظار قرار من مجلس الأمن ضمن الفصل السابع الذي يبيح استخدام القوة المسلحة. وخلافاً لسورية، يجب ألاّ تعارض روسيا والصين تبني نص كهذا. ولكن متى؟ لا نعلم. المرحلة الثانية: تشكيل القوة. عثرنا على اسمها، وهذا كل ما توافر لدينا. فهي ستسمى «ميسيما»، وهو تصغير «بعثة اللجنة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى مالي» (باللغة الفرنسية)، وستكون قوة أفريقية من 3 آلاف رجل ستنشرها اللجنة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي تضم 15 من بلدان المنطقة. وسيدعم «ميسيما» بعض العرابين الغربيين، وأولهم فرنسا التي ستوفر المساعدة اللوجستية ووسائط جمع المعلومات. وتأمل فرنسا بانضمام دول أخرى أوروبية إلى المغامرة الأفريقية الجديدة هذه، وتتحمل العبء من دون أن تبذل جهداً لإقناع الشركاء قليلي الحماسة. والدول الأفريقية غير متحمسة ايضاً، وأولاها مالي ذاتها. ويعرف الجميع في باريس أن مالي تستفيد استفادة كبيرة من وجود «المجموعات الإرهابية» على أراضيها، خلافاً لموريتانيا المجاورة التي تطارد المجموعات تلك بلا رحمة. الجزائر شوكة أخرى في القدم. الجار الكبير ليس مستاء من «تصدير» الإرهابيين، الذين يتحدرون غالباً من أصول جزائرية، إلى خارج ترابه الوطني... وينظر بارتياب إلى كل تدخل عسكري فرنسي في ما تعتبره الجزائر حديقتها الخلفية. ويؤكد رئيس الدولة الفرنسية أن «التفاوض مع المجموعات الإرهابية غير وارد». ثم ماذا؟ مع من يتفاوض الموفدون الفرنسيون إلى تلك المنطقة أو يسعون إلى التفاوض معه؟ «فالمجموعات الإرهابية» هذه تحتجز 6 رهائن فرنسيين أنهى 4 منهم عامهم الثالث في الاحتجاز. ولم ينسَ خاطفوهم من «تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي» التذكير في 19 أيلول وعبر شريط فيديو، بأن أي عمل عسكري فرنسي في مالي سيسفر عن «موت الرهائن». وتمشي فرنسا ورئيسها اليوم على حد السيف: من المستحيل بالنسبة إليهما ترك «القاعدة» تتمركز في معقل جديد في أفريقيا، ومن المستحيل بالمقدار ذاته التضحية بحياة ست رهائن فرنسيين. هل تكفي الحصافة السياسية والحركات الديبلوماسية للخروج من الخيار المستحيل هذا؟ يسيطر العجز حتى الساعة، وهذا ليس نبأ طيباً لأحد. * صحافي ومدوّن، عن موقع «نوفوستي» الروسي، 1/10/2012، إعداد حسام عيتاني