تقييم: رصد عدد من المواقع الوهمية التي تنتحل هوية موقع "تقدير" لتقييم أضرار حوادث المركبات    نائب أمير مكة يطمئن على سير العمل في صالات الحج    %3.71 انخفاض سعر اكتتاب «أرامكو» عن آخر إغلاق    «الوزاري الخليجي» يبحث خطة العمل المشترك وتعزيز التعاون مع تركيا    مانشيني يخطط لنقاط الأردن    الجبير يرأس وفد المملكة في ملتقى «منغمسون في التغيير»    «الداخلية»: أمن الوطن والحجاج خط أحمر.. سنقف بحزم ضد الإخلال بالنظام    شرائح إنترنت واتصال مجانية لضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    5 فواكه قليلة السكر هي الأفضل    دراسة جديدة تشكك في مدى دقة أدوات الذكاء الاصطناعي للبحث القانوني    السعودية للكهرباء (SEC) تكمل استعداداتها لموسم حج 1445ه ب20 مشروعاً جديداً    الطقس : حار إلى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    3.4٪ نمو الأنشطة غير النفطية خلال الربع الأول من العام 2024    مستشفيات وعيادات دله تواصل تقديم رعايتها الصحية خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    تعامل سريع لإنهاء إجراءات الحاج في صالات مطار جدة    صور مولود عابس.. تجذب ملايين المشاهدات !    رصد 1000 مخالفة نقل بمكة والمدينة    قميص النصر يخطف الأنظار في ودية البرتغال    مليون ريال مخالفات أسواق ومسالخ الرياض    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    ختام العام الدراسي الحالي غداً.. العام الجديد في 14 صفر    بعدما صفع معجباً على وجهه.. هل يمثُل عمرو دياب أمام النيابة المصرية؟    الجبير يؤكد التزام المملكة بالتعاون مع المجتمع الدولي لحماية المحيطات والموارد البحرية    حارس الشباب رسميًا في الإتحاد    إعلانات الشركات على واتساب ب«الذكاء»    تحتفل برحيل زوجها وتوزع الحلوى    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    الجامعات منارات التقدم    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    وزير الدفاع يؤكد دعم المملكة للحكومة اليمنية    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    نادي الرياض يُتَوّج بكأس بطولة المملكة لسلة الكراسي    "صحة المدينة" تدشن "الربوت الذكي" بالمنطقة المركزية    "أرشدني".. آليات ذكية لإرشاد حافلات الحجاج    مناقشة الأمراض والتحديات الشائعة في موسم الحج    فرنسا وإنجلترا أبرز مرشحين للفوز بكأس أوروبا 2024    أزمة تنتظر لجان المسابقات بالشرقية.. القادسية والخليج دون ملعب!!    "جوتا" الاتحاد.. مطلوب في الدوري الإنجليزي    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    رسائل الإسلام    المها الوضيحي يستظل تحت شجر الطلح في "محمية الإمام تركي"    رئيس وزراء باكستان يعود إلى بلاده بعد زيارة رسمية للصين    القلعة الأثرية    الأردن يدين الاعتداء الإسرائيلي الوحشي الذي استهدف مخيم النصيرات وسط غزة    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    فيصل بن مشعل يقف على مدينة حجاج البر.. ويشيد بجهود بلدية المذنب    هجوم شرس على عمرو دياب بسبب «صفعة» لمعجب    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء «تنمية الموارد المالية»    "البحر الأحمر": جولة ثالثة لدعم مشاريع الأفلام    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الخلافة والاستخلاف... حنين تاريخي ورمزية مفوتة
نشر في الحياة يوم 23 - 08 - 2014

أعاد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مع بداية شهر رمضان المبارك، الخلافة الإسلامية وتنصيب أبو بكر البغدادي خليفة للدولة الإسلامية العتيدة، أعاد هذا الإعلان حنين البحث لدى الجماعات الإسلامية ومنظريها ومؤيديها عن مدى انطباق ما تم إعلانه من «واجب شرعي» بحسب بيان إعلان الخلافة والدولة، وبين ما تم في الواقع. لا يمكن إنكار رمزية مثل هذا الإعلان وتوقيته في وقت يتصاعد فيه نفوذ الدولة الإسلامية في العراق والشام في الشرق الأوسط وباتت تستقطب مئات وربما آلاف المجاهدين الغيورين على «بيضة الدين» وواجباته الشرعية، فالعديد من المسلمين المقيمين في دول كتايلند وأندونيسيا وماليزيا وحتى مجاهل أفريقيا، سارعوا إلى إعلان الولاء والمبايعة «الالكترونية» لخليفة المسلمين الجديد المتمتع بكل صفات الإمامة والخلافة الراشدة بحسب النصوص التي استند إليها منظرو الدولة الإسلامية!
يستند الجذر اللغوي لمصطلح الخلافة الاسلامية إلى كلمة مشتقة من الفعل «خَلَفَ» اي اتبع في الحكم. ومصطلح الاستخلاف في المفهوم الاسلامي هو سبب من الأسباب الرئيسية التي خلق الله تعالى بني البشر على الارض من أجلها، كي يعبدوه ويطبقوا احكامه التي ارسلها إلى الانبياء والرسل على مر الزمن.
في القرآن الكريم، الذي يعتبر دستور الجماعات الإسلامية والتي لا تؤمن بشيء خارج إطار تعاليمه، لا يوجد استعمال مباشر لمصطلح الخلافة بمدلوله السياسي، بل مجرد تلميح إلى معانٍ حضارية وإنسانية تقوم على الالتزام بالمنهج القويم الذي بعثه الله مع رسله وأنبيائه، فيقول الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴿30﴾- سورة البقرة، ويقول أيضاً: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴿26﴾- سورة ص. ويتضح من مفهوم الآية البعد القضائي لمعنى الاستخلاف وهو الالتزام بمنهاج الله عز وجل.
ويقول الله تعالى ايضاً: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿55﴾- سورة النور، وهو معنى يفيد بالتمكين الدنيوي وارتفاع شأن الدين وأنصاره من دون وجود أي مدلول سياسي.
في السنة النبوية التي يتبلور معنى سياسي للمطالبين بإعادة إحياء نظام الخلافة الإسلامية الذي ألغاه مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، يتضح وجود ملابسات وإشكالات عدة، فأوضح نص يستند إليه إعلان تنظيم «داعش» والجماعات الإسلامية الأخرى هو ما رواه الإمام أحمد في مسنده: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت».
هذا النص الذي يعبر عن رواية تاريخية لا تكاد تسلم من التأويل الذي هو سلاح أي فريق سياسي، يخوض في معانٍ اختلف العلماء على تبيينها وتوضيح ملامح كل فترة زمنية، وبخاصة في ما يتعلق «بالملك العاض» و «الملك الجبري»، كما أن السكوت في معرض الحاجة إلى بيان، بحسب القواعد الأصولية (من علم أصول الفقه) بيان في الأصل، ما لم تترتب على هذا السكوت دلالات أخرى لم تتضح من رواة الحديث نفسه وجعلت المحدثين أنفسهم يخوضون في تأويل معناه (السكوت).
بقية الأحاديث تتكلم عن قيام «خلافة» ثم اتباعها بالملك العضوض، او كون الأئمة من قريش، او أن عددهم 12 شخصاً، إلى غير ذلك من الأمور الشكلية التي لا توضح ماهية حكم الخلافة ومضمونه، ما جعل رواد الفقه السياسي الإسلامي يجتهدون في ملئه وتوضيحه، يقول أبو الحسن الماوردي: «الإمامة: موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»، وسمّيت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين ويخلف النبيَّ في إدارة شؤونهم، وتسمّى الإمامة لأن الخليفة كان يسمى إماماً، ولأن طاعته واجبة ولأن الناس كانوا يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم في الصلاة، إلا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه لم ينص على «الخليفة» من بعده بحسب معتقدات أهل السنّة، بخلاف ما تقول الطائفة الإثنا عشرية.
إن استخلاف الإنسان للقيام بواجبه في عمارة الأرض أمر مسلم ولا خلاف فيه، لكن الإصرار على هياكل سياسية لم تكن موجودة إلا من خلال الاسم في كثير من مراحل التاريخ الإسلامي، إذا استثنينا مرحلة الخلافة الراشدة لرمزيتها، والتأكيد على وجوب تنصيب «خليفة» ومبايعته يشير إلى عمق أزمة الفقه السياسي الإسلامي في شقيه السني والشيعي، فالأول لا يزال مهجوساً بحلم استعادة التاريخ والماضوية الفكرية والسياسية، والعجز عن امتلاك أدوات العصر وعصرنة مفاهيمه التي قد لا يجد (إن حاول) أنها تختلف عن معاني العدل والعدالة والتسامح وإشاعة النظام، فكلما أطلق أحدهم دعوة إلى إعلان الخلافة أو تنصيب خليفة انقسم الإسلاميون بين «عاطفي» مؤيد للفكرة والخطوة بصرف النظر عن واقعيتها ومدى انطباقها، وبين معارض للخطوة وتوقيتها ومعاييرها، وهو ما جاء على لسان جميع الفصائل الإسلامية المقاتلة في سورية والعراق وفي مقدمها حزب التحرير الإسلامي الذي يقوم مشروعه على فكرة إحياء نظام الخلافة ذاته!
أما الفقه السياسي الشيعي، فقد كفى أتباعه شر التفكير بابتداع فكرة ولاية الفقيه واستئناف الوصاية على عقول وخيارات الشعوب من خلال أصحاب العمائم، مع تزيين غربي معاصر يكتفي بمجالس شكلية تأتمر بأوامر الولي الفقيه «المعصوم»، وهو ما ينطبق على الفرق الشيعية التي تبنت هذا الموقف (ولاية الفقيه)، فيما ظل الرافضون من الشيعة لهذه الفكرة في انتظار مجيء المهدي وقيامه بواجب الاستخلاف ونصرة الدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.