الداود يشكر القيادة لتعيينه نائب وزير الحرس الوطني بمرتبة وزير    برعاية خادم الحرمين.. نهائي كأس الملك يُقام 3 ذو الحجة في جدة        "ياقوت" من "زين السعودية" أول مشغل يتيح لزوار المملكة توثيق شرائح الجوال من خلال منصة "أبشر"    ورش عمل تثري زوار مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية بصبيا في يومه الثالث    إمير تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة التاسعة عشرة لطلاب وطالبات    أرتيتا: أرسنال الأفضل في دوري أبطال أوروبا    "تايكوندو الشباب يتألق ويعتلي صدارة الأوزان الأولمبية"    الاتحاد للاقتراب خطوة أكثر من لقب دوري روشن    الشلهوب لمواصلة الانتصارات في الهلال    الهلال الاحمر بمنطقة نجران ينظم فعالية اليوم العالمي للهلال الاحمر    الأمير فهد بن سعد يرفع شكره للقيادة على الثقة الملكية بتعيينه نائبًا لأمير منطقة القصيم    الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    مدير مركز التنمية الاجتماعية بجازان ورئيس التعاونيات يتفقدان ركن جمعية المانجو في مهرجان صبيا    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يتنافس مع 1700 طالب من 70 دولة    الأرصاد: رياح نشطة على الرياض والقصيم    غرفة حائل تناقش تحسين بيئة الأعمال في المرافق التعليمية    هيئة تنمية الصادرات السعودية تختتم أعمال البعثة التجارية إلى الولايات المتحدة الأمريكية    الأفواج الأمنية تشارك في مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية بمنطقة جازان    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم عبر "مدرسة أم سليم" في بينالي البندقية 2025    استشهاد ستة فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي خيمة للنازحين بمدينة غزة    برعاية اتحاد الغرف السعودية.. اتفاقيات محلية ودولية في اختتام المعرض الدولي الأول العائم للامتياز التجاري    الجيش الباكستاني: ثلاث من قواعدنا الجوية تعرضت لهجوم صاروخي هندي    بث مباشر من مدينة الملك عبدالله الطبية لعملية قسطرة قلبية معقدة    الخريف يبحث تعزيز التعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)    ميلان يقلب الطاولة على بولونيا في "بروفة" نهائي الكأس    الخليج يجدد عقد "بيدرو" حتى عام 2027    القبض على 3 هنود في عسير لترويجهم (63) كجم "حشيش"    باكستان: الهند أطلقت صواريخ باليستية سقطت في أراضيها    'التعليم' تعتمد الزي المدرسي والرياضي الجديد لطلاب المدارس    بعد تعيينها نائبًا لوزير التعليم بالمرتبة الممتازة .. من هي "إيناس بنت سليمان العيسى"    نادي القادسية يحصد ذهب ترانسفورم الشرق الأوسط وأفريقيا 2025    الهلال يعلن انتهاء موسم لاعبه"الشهراني" للإصابة    سقوط مسبار فضائي على الأرض غدا السبت 10 مايو    النادي الأدبي بجازان يقيم برنامج ما بين العيدين الثقافي    إيران والردع النووي: هل القنبلة نهاية طريق أم بداية مأزق    إمام المسجد الحرام: الأمن ركيزة الإيمان ودرع الأوطان في زمن الفتن    جازان تودّع ربع قرن من البناء.. وتستقبل أفقًا جديدًا من الطموح    هلال جازان يحتفي باليوم العالمي للهلال الأحمر في "الراشد مول"    الرواية والسينما وتشكيل الهوية البصرية    الحج لله.. والسلامة للجميع    أوامر ملكية: تغييرات في إمارات المناطق وتعيينات قيادية رفيعة    اضطرابات نفسية.. خطر صادم    مرضى الكلى.. والحج    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان    رئاسة الشؤون الدينية تدشن أكثر من 20 مبادرة إثرائية    جائزة البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية لمجمع الملك سلمان العالمي    جامعة نايف للعلوم الأمنية تنال اعتمادا دوليا لكافة برامجها    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    إحالة مواطن إلى النيابة العامة لترويجه "الحشيش"    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    تصاعد التوترات بين البلدين.. موسكو وكييف.. هجمات متبادلة تعطل مطارات وتحرق أحياء    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. فصل التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن    الرُّؤى والمتشهُّون    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات الشعبية العربية تنهي الاستثناء الإسرائيلي
نشر في الحياة يوم 13 - 12 - 2011

لعلّ من فضائل الثورات الشعبية الجارية، على ما فيها من عثرات وما يعترضها من مشكلات، أنها حشرت إسرائيل في زاوية حرجة لجهة تقويض الصورة التي طالما حاولت ترويجها عن نفسها باعتبارها بمثابة «واحة» للحداثة والديموقراطية، في «شرق أوسط» يرزح في ظلّ التخلّف والعنف والأصوليّة والاستبداد.
فهذه الثورات التي تحثّ الخطى نحو إقامة دولة مواطنين ديموقراطية مدنية، متوسّلة الطرق السلمية في سبيل ذلك، باتت تشكّل تحدياً استراتيجياً جديداً لإسرائيل يضعها أمام العالم وأمام محيطها وحتى إزاء ذاتها في دائرة الاختبار.
لم تشكّل هذه الثورات تهديداً لإسرائيل في شعاراتها ولم تلوّح بحلّ عسكري للصراع معها، ولكنها باتت تشكّل تهديداً جدياً لها عن طريق قوّة النموذج الذي تحاول خلقه في البلدان العربية، لجهة اكتشاف المجتمعات لذاتها، واستعادتها لدورها، وقيام الدولة المدنية فيها، أي دولة المؤسسات والقانون والمواطنين.
على ذلك فإن الثورات العربية تدقّ جرس «الإنذار» لإسرائيل بأن الوقت آيل للنفاذ، وأن ما قبل هذه الثورات ليس كما بعدها، لكن هذا الإنذار، ولأول مرة في تاريخ الصراع معها، يتم بعيداً عن لغة الحرب وبتوسّل «القوة الناعمة»، أي بطريقة غير مسبوقة، لم تعهدها إسرائيل، وليست مهيأة لها على ما يبدو.
وكانت إسرائيل، منذ قيامها، تفوّقت وتغطرست على العالم العربي بفضل تميّزها في هذين العاملين تحديداً (المجتمع والدولة)، اللذين امتلكتهما من دون العرب، أكثر بكثير من تفوّقها عليهم بالوسائل العسكرية وبعوامل تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي وبعلاقتها مع الولايات المتحدة، بل إن نجاحها في استثمار هذه العوامل لم يكن ممكناً لولا تميّزها في مجالي إدارة المجتمع والدولة.
معلوم أن النظام السياسي في إسرائيل تأسّس منذ البداية على الديموقراطية وتداول السلطة، وعلى دولة المواطنين والمؤسسات والقانون، وضمان حقوق الأفراد والحريات الشخصية وتكافؤ الفرص، وحل الخلافات وتعيين التوازنات في المجتمع عبر المؤسسات الشرعية التمثيلية وعبر صناديق الاقتراع.
طبعاً لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن إسرائيل هي تلك الدولة المثالية في هذه المنطقة، فهي ليست كذلك إطلاقاً، إذ أن هذه الدولة اصطنعت بوسائل القوة، وقامت بوسائل الدعم الخارجي. ومنذ البداية نشأت مع هذه الدولة تناقضاتها، فهي دولة علمانية في حين إنها تحيل مشروعية قيامها إلى الأساطير الدينية (اليهودية)، وتمنح مواطنيتها على أساس الانتماء الديني، وتصوغ الكثير من تشريعاتها بالاستناد إلى الشريعة اليهودية، ما يثير الشبهات حول علمانيتها. وقد عملت هذه الدولة على «قومنة» الدين و»تديين» القومية، باعتبارها الدين اليهودي بمثابة «قومية» فوق التاريخ وباعتبار اليهود «شعب الله المختار»!
كذلك فقد تأسّست هذه الدولة على تشريد معظم الفلسطينيين، ومصادرة حقوقهم واحتلال أراضيهم، وعملت على تغييبهم أو إزاحتهم من الزمان والمكان، لإضفاء المشروعية التاريخية والأخلاقية على إقامتها، كما قامت بالتمييز ضدهم، ما يثير الشبهات حول صدقيّة تبنيها للديموقراطية الليبرالية. فوق كل ذلك لا يمكن إنكار دور هذه الدولة في تعزيز نزعة العسكرة والحرب والاستبداد في هذه المنطقة، وأنها ظلّت بمثابة ذريعة، بالنسبة إلى أنظمتها لصدّ متطلبات التنمية والحريات ومسارات التكامل الاقتصادي.
الآن يبدو أن إسرائيل تشهد مساراً مختلفاً عما شهدته في طور صعودها في الخمسينات والستينات، وربما في السبعينات، إذ ثمة عوامل عديدة أدت إلى إحداث تحولات نوعية فيها أثّرت على مكانتها وعلى طبيعتها وتعريفها لذاتها.
فمثلاً، تعرضت إسرائيل في عقد التسعينات إلى تغيير ديموغرافي كبير نجم عن هجرة حوالى مليون يهودي من روسيا (وبلدان الكتلة الاشتراكية سابقاً) إليها. ومع أن هؤلاء أغنوها بجيش من الكفاءات إلا أن أنهم لم يأتوا من بيئة تشرّبت القيم الديموقراطية الليبرالية، وجاؤوا لأسباب نفعية استعمارية، ما جعلهم يصطفون على يمين خريطتها السياسية، وهؤلاء يشكلون اليوم قاعدة حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف، وهو ثالث اكبر حزب في إسرائيل (15 مقعداً في الكنيست)، ويتزعمه افيغدور ليبرمان وزير الخارجية، الذي هدّد مرة بتدمير السد العالي!
أيضاً، فإن إسرائيل لم تسلم من موجة صعود التيار الديني في المنطقة، ما يمكن ملاحظته بازدياد مظاهر التديّن فيها (58 من سكانها اليهود يعتبرون أنفسهم متدينين)، وكذلك بصعود نفوذ الحاخامات المتطرفين، وبتزايد مكانة الأحزاب الأصولية المتطرفة والتي باتت تتحكّم بالائتلافات الحكومية وتفرض شروطها عليها، لا سيما بخصوص موازنات المعاهد الدينية والتشريعات ونظم التعليم.
وقد تأثرت إسرائيل بمسارات العولمة، وبسياسات الليبرالية الجديدة، ما جعلها تذهب نحو تقليص التقديمات الاجتماعية، وانتهاج الخصخصة، والتخلّي عن المؤسسات العامة التي شكلت يوماً العمود الفقري للمشروع «الاشتراكي» الصهيوني (الكيبوتزات والهستدروت)، ما أدى إلى تزايد الفجوات في المجتمع، وارتفاع نسبة الفقر، وهو ما أطلق الثورة الاجتماعية التي شهدتها إسرائيل مؤخراً.
نستنتج من ذلك أن إسرائيل لم تعد ذاتها وإنها جنت على نفسها، فهذه الدولة التي حاولت تأسيس ذاتها كمشروع حداثي ديموقراطي وليبرالي يحرص على تأمين الرفاه لمواطنيها اليهود، كي تجعل من نفسها نموذجاً جاذباً لتشجيع يهود العالم على الهجرة إليها وكي تميّز نفسها عن الدول المحيطة بها، لم تنجح تماماً.
وفي الواقع فإن إسرائيل اليوم تكاد تتمظهر على شكل دولة شرق أوسطية قديمة في شرق أوسط جديد يحثّ الخطى نحو الحداثة والديموقراطية والليبرالية، وعلى شكل دولة ثيوقراطية يسيطر على توجهاتها الحاخامات والأحزاب الدينية. فها هي إسرائيل، وعبر الكنيست (الذي من المفترض انه معقل الديموقراطية) تقوم بالانقضاض على نمط الحياة الديموقراطية الليبرالية فيها عبر سنّ تشريعات تمسّ حرية الإعلام وتقيّد حرية الصحافيين وتضيّق على منظمات المجتمع المدني، ووصل الأمر حد التدخّل في تعيين القضاة والحد من صلاحيات محكمة العدل العليا (بدعوى أن اليسار يسيطر عليها!)، والتوجه إلى إدخال تغييرات في المناهج التربوية، ما يعني أن التمييز ضد الآخرين بات يطال مواطنيها اليهود أيضاً.
وها هي إسرائيل فوق كل ما تقدم تصرّ على الاعتراف بها كدولة يهودية حصراً، وتحاول سنّ تشريع يغير تعريفها من دولة يهودية ديموقراطية إلى دولة قومية يهودية، في دلالات عنصرية، تعلي من شأن القومية على حساب المواطنة.
هكذا، ربما ينبغي الانتباه جيداً إلى أننا ربما بتنا الآن في مواجهة ظاهرتين متعاكستين في هذه المنطقة، أولاهما تتمثّل بإسرائيل التي باتت، في سياساتها وقوانينها وأيديولوجيتها، تبدو بمثابة دولة شرق أوسطية، تنتمي إلى الماضي أكثر من انتمائها إلى الحاضر، أي منغلقة ومتزمّتة دينياً وعنيفة. وثانيتهما، وتتمثّل بمحاولة مجتمعات البلدان العربية التحرر من أسار الماضي والدخول في المستقبل، من خلال محاكاة العالم والإمساك بأسباب الحداثة، وهو ما تحاوله الثورات السلمية والديموقراطية على رغم كل التعقيدات والصعوبات المحيطة بها.
ويستنتج من كل ذلك أن الثورات الشعبية في المنطقة، والتي تسعى لبناء مستقبل جديد لبلدان ومجتمعات المنطقة يتأسّس على دولة المواطنين الديموقراطية والمدنية، باتت بمثابة تحدٍّ أو تهديد حقيقي لإسرائيل، باعتبارها تشكل النقيض الحقيقي والتاريخي لإسرائيل الاستعمارية والعنصرية والدينية.
حقاً لقد فقدت إسرائيل منذ زمن صورتها باعتبار نفسها بمثابة ضحيّة، وها هي مع الثورات الشعبية تفقد مكانتها كالديموقراطية الوحيدة وتبدو بمثابة ظاهرة رجعية في هذه المنطقة.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.