على رغم أن بعض العادات انطوت مع الأيام، إلا أن بعض العوائل المدينية ما زالت تحتفظ وتتفاءل بها، فعادات أي منطقة تعبر بطريقةٍ أو بأخرى عن حضارتها وعقديتها ومنهج حياتها إلى حدٍ كبير. أهل المدينة يتفاءلون ب «شرب الحليب» في بداية العام الهجري الجديد، مع الورد والفل والنعناع في عادةٍ سنوية محببة يحرصون عليها ويقومون بفعلها من باب التفاؤل والاستبشار. ودأب المدينيون على نثر الروائح العطرة والطعم اللذيذ للحليب الدافئ الذي يوضع على مائدة الإفطار في الصباح، ويقوم رب البيت في صباح اليوم الأول من العام الجديد بالذهاب إلى السوق لشراء الورد المديني والنعناع والحليب والفل والخضراوات الطازجة وجلبها إلى المنزل، فيما توزع الزوجة الفل والورد في أرجاء البيت، وتقوم بتسخين الحليب لأفراد العائلة حتى يشربوا منه في أول يوم، وحتى من لا يحب شرب الحليب فهو مجبر بطبيعة الحال في ذلك اليوم على شربه من باب التفاؤل بسنةٍ بيضاء وجميلة على صاحبها كما يعتقد أهل المدينة. ويتحدث أبو أواب عن هذه العادة، ويقول ل «الحياة»: «منذ أن كنت طفلاً صغيراً وأنا أشاهد والدي رحمه الله يقوم بجلب الحليب والورد المديني والفل والنعناع بأنواعه صباح أول يوم من السنة الهجرية الجديدة، وكان يحرص على الإفطار معنا، ويعتبر أهم شيء يوضع على سفرة الإفطار الحليب الدافئ والجبن الأبيض والشريك والفتوت، وعلى الغداء لا بد من طهو أصناف متنوعة من الخضراوات الطازجة، وأصبحت هذه عادة عندي بعد وفاة والدي حتى اليوم، تيمناً بأن تكون السنة الجديدة سنة خيرٍ على الجميع». وينتظر طارق شروق شمس اليوم الأول من العام الهجري الجديد ليذهب إلى السوق من أجل شراء الخضراوات والورد والحليب بكمياتٍ كبيرة، ويصف كيف يقضي هذا اليوم بقوله: «أقوم في اليوم الأول من السنة الهجرية الجديدة بالنزول إلى السوق من أجل شراء الخضراوات الطازجة مثل النعناع والجرجير والكرنب والخس والخيار والملوخية، وأشتري الورد والفل والحليب، وأوزعها على جدتي ووالدتي وزوجتي وأخواتي وأذهب إليهم في الصباح الباكر لأبارك لهم بالعام الجديد، وتقديم الحليب والخضراوات والورد لهم، فبداية أول يوم في العام الجديد بالورود البيضاء والخضراوات تريح النظر وتبهج النفس». ويشرح أبو قصي بائع الورد والنعناع حكاية هذه العادة، وتوافد الزبائن عليه في أول يوم من السنة الهجرية الجديدة، «يتعامل معي أشخاص منذ سنوات كثيرة يقومون بشراء الورد والنعناع مني في صباح أول يوم من السنة الجديدة، لذلك أفتح بسطتي في وقتٍ باكر جداً لوجود إقبالٍ كبير على شراء النعناع والورد والفل، وتعتبر هذه عادةً حسنةً وجميلة، فكأنهم يعطرون هذا اليوم بالعطر والنعناع، ليبثا في النفوس الأمل والتفاؤل اللذين نفتقدهما هذه الأيام، وهي أشياء بسيطة تجلب السعادة والتفاؤل في النفوس». وأضاف أبو قصي: «نتفاءل بهذا اليوم معشر بائعي الورود، ونحرص على بيع سلعنا في وقت باكر، ونسمي ذلك الاستفتاح، فإذا فتح أحدنا حانوته، وقام بأول عملية بيع في هذا اليوم، قال «استفتحت»، ويسأل الله أن يجعله استفتاح خير وبركة، والجميل في الأمر أنه من استفتح وجاءه مشترٍ آخر أرسله إلى جاره ليشتري منه، بدعوى أنه قد استفتح، فإن كان جاره غائباً دخل الحانوت هو واستفتح لجاره».