ديك تشيني هو "نائب الرئيس للتعذيب". وفي حين أن هذا رأيي الشخصي في الرجل، فإن العبارة ليست لي، وإنما هي رأي الأميرال ستانسفيلد تيرنر، رئيس "سي آي ايه" بين 1977 و 1981، وأعتقد بأنه تحدث عندما صدر قانون منع التعذيب فقال تشيني إن القانون سيكلف أرواح ألوف الناس. كنت عرضت ما يهم القارئ العربي من ادارة جورج بوش، أو ما بقي منها بعد فرار الجرذان من السفينة الغارقة، وأكمل اليوم بنائبه تشيني، مركزاً أيضاً على ما يهمنا من عمله، فكثيرون يقولون إن الادارة هي ادارة بوش/ تشيني، وبعض يصر على انها ادارة تشيني، وجورج بوش مجرد واجهة لنائبه زعيم عصابة الحرب. أستطيع أن أؤلف كتاباً عن ديك تشيني، ولكن لا أحتاج والقارئ الى كتاب جديد، فهناك كتب كثيرة عنه آخرها واحد يحمل اسمه وتستر عليه، كتبه ستيفن هايز، وهو من المحافظين الجدد، وآخر أكثر موضوعية عنوانه"الانتهازي"كتبه روبرت سام آنسون. وأفضل منهما كتاب"ثمن الولاء: جورج بوش والبيت الأبيض وتعليم بول أونيل"كتبه رون ساسكايند وروى فيه تجربة أونيل الذي كان أول وزير خزانة في ادارة بوش الأولى، واستقال وأماط الستار عن أسرارها. أونيل يقول صراحة إنه خلال أيام من دخول بوش البيت الأبيض بدأ يتحدث عن حرب على العراق وادارته بعد الحرب، وهذا قبل تسعة أشهر من ارهاب 11/9/2001، ونعرف الآن أن لجنة مكلفة بدراسة الطاقة أشرف عليها تشيني حتى حملت اسمه، فكانت تسمى المجموعة العاملة، أو الضاربة، لتشيني، أصدرت تقريراً في آذار مارس من تلك السنة يتحدث عن السيطرة على نفط العراق. تشيني قاد عصابة الحرب مع وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد، وهما حليفان منذ ادارة جيري فورد. ومرة أخرى أترك جانباً رأيي ورأي القارئ العربي أو المسلم في رجل تسبب في مقتل حوالى مليون عراقي في مأساة لم تكتمل فصولاً بعد، وأختار من كلام النائب الأميركي دنيس كوتشنك الذي طالب الكونغرس عبثاً بعزل تشيني، وقدم تصريحات تشيني كحجة عليه، فهو ضخم الأدلة المتوافرة كثيراً، واستمر في الاصرار على وجود برنامج أسلحة دمار شامل عند صدام حسين، وعلى علاقة مع القاعدة، على رغم ثبوت عدم صحة هذه التهم، ورأي النائب أن تشيني لم يخطئ بل كذب عمداً فقتل 3300 أميركي الرقم يقترب من أربعة آلاف الآن ويجب بالتالي عزل تشيني ومحاكمته. غير أن الكونغرس أحبط اقتراحه الأسبوع الماضي، ولم يناقشه. نائب الرئيس للتعذيب لم يكتف بالكذب، فهو أحاط نفسه بمستشارين من نوعه قدموا له دراسات تدافع عن التعذيب، أو ارسال المعتقلين الى بلادهم ليعذبوا فيها. وكان ديفيد ادنغتون بين هؤلاء، وهو عمل مستشاراً عندما كان تشيني وزير الدفاع في ادارة بوش الأب، وأصبح بعد ذلك مستشاراً عاماً للشؤون القانونية، وهو خلف لويس ليبي مديراً لمكتب نائب الرئيس بعد ادانة ليبي في قضية كشف اسم عملية الاستخبارات فاليري بلام. أما ألبرتو غونزاليس فقد أطاحه الكونغرس من وزارة العدل بعد أن عمل قرب بوش الابن منذ أيامه في تكساس، لأن الاعضاء لم يتحملوا مخالفته القانون الذي يفترض أن يمثله. وقد كتب أدنغتون وغونزاليس دراسات قانونية عجيبة لنائب الرئيس خلاصتها ان مواثيق جنيف مضى زمنها، والقانون نفسه لا ينطبق على الرئيس في حالة حرب، والنتيجة أن تشيني وراء التعذيب والتجسس على هواتف المواطنين وخطف كل من يصنّف على أنه"مقاتل عدو"، وحرمانه من أي حقوق قانونية، وغوانتانامو وغيرها. وهامش سريع قبل أن أعود الى ما يهم قارئ هذه السطور، فنحن نركز على احتلال وما جرّ من كوارث، إلا أن تشيني كارثة عامة تتجاوز مصيبتنا به، فهو شنّ حرباً موازية على البيئة لحماية صناعة النفط الخارج منها مع بوش الابن، والى درجة أن اريك شافر، المسؤول عن حماية البيئة، ثم كريستي وايتمان، رئيسة وكالة حماية الطاقة استقالا بسبب تدخل تشيني في عملهما ورفضه أي تقارير تقيد حرية الصناعة. تشيني قال عن نفسه في مقابلة تلفزيونية: هل أنا العبقري الشرير في زاوية لا يراه أحد يخرج منها؟ هي طريقة جيدة للعمل في الواقع. هي طريقته في العمل فعلاً، وقد ضبط بإتلاف وثائق، وأسماء أقرب العاملين معه غير مسجلة كبقية موظفي الدولة، وقد عارض تسجيل أسماء زواره، كما رفض تسليم أوراق عمله، وثمة اجماع على أنه لن يترك وراءه أي أثر بعد تركه العمل الرسمي. وبما أنه يتجنب الصحافيين، وإن فعل فعادة ما يكتفي بحلفاء ومتطرفين مثله، فإنه نادراً ما يقول شيئاً يندم عليه. ومع ذلك فقد أثار ضجة كبيرة في برنامج تلفزيوني"حميم"كان يفترض أن ينتهي من دون أن يسمع به أحد لولا أن مقدم البرنامج سكوت هينين سأله عرضاً: السيد نائب الرئيس، هل ترى أن التغطيس بالماء مقبول اذا أنقذ حياة؟ ورد تشيني موافقاً الكلمة بالانكليزية في السؤال والجواب كانت no-brainer، بمعنى مقبول أو لا يحتاج الى تفكير. هذا الرجل سعى الى الحرب من يومه الأول نائباً للرئيس، وردد كل الأكاذيب التي أصبحت معروفة الآن، بل هو أصر على اعادة ترديدها حتى عندما نفتها الاستخبارات الأميركية نفسها، مثل مقابلة محمد عطا رجال استخبارات عراقيين في براغ ومحاولة شراء يورانيوم من النيجر. هناك مواقع لا تحصى على الانترنت تطالب بعزله أو محاكمته، غير أن شيئاً من هذا لن يحدث وهو في الادارة التي تحمل اسم بوش، مع أنه يسيطر عليها. وأكمل غداً بعمل تشيني لبسط نفوذ الرئاسة على حساب الكونغرس، وكيف نجح في جعل منصب نائب الرئيس، وهو احتفالي في الأصل، يتحول الى سلطة تنفيذية ثانية.