عندما وطأت قدما أركان كاريف اسرائيل قبل 15 عاماً، اعتبر أنه حقق حلمه، فهو من الصهاينة المتعصبين كونه من مؤسسي حزب "ريفوسينكس" المتشدد، ومن الذين حرمهم الاتحاد السوفياتي من الهجرة الى اسرائيل في الثمانينات. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي وتفتتت دوله في التسعينات، سنحت الفرصة لكاريف للهجرة التي طالما حلم بها، وسرعان ما بدأ حياته بنجاح كبير في القدسالمحتلة، وبرز كنجم تلفزيوني ومقدم برامج باللغة الروسية في القناة التاسعة. لكن قبل نحو ثلاثة اسابيع غادر كاريف 41 سنة اسرائيل الى الأبد. والى أين؟ الى موسكو بحثاً عن فرص عمل جديدة وحياة أفضل، وهو لحق بالآلاف ممن تركوا اسرائيل في هجرات معاكسة تسبب بها انهيار الاقتصاد والانتفاضة الفلسطينية التي زرعت الرعب في نفوسهم ففضلوا العودة الى مسقط رؤوسهم على وعود واهية ومبالغ بها. ويقول كاريف: "فجأة اصبحت اسرائيل دولة صغيرة، ففي كل الاوساط التي اتعامل معها كان الجميع يفكر بالرحيل مثلي، فهم عاشوا في اسرائيل لعشر سنوات ولا يرون ان معيشتهم تتحسن او انهم حققوا ما حلموا به وجاؤوا من أجله، وهم لا يرون مستقبلاً افضل لتحقيق اهدافهم". ولبلاد تأسست على مبدأ استيراد الهجرة لتشكيل مجتمعها، فان الهجرة المعاكسة، خصوصاً لاصحاب الحرف والمواهب، تعد نكسة كبيرة للدولة العبرية، خصوصاً ان رئيس الوزراء آرييل شارون روج لفكرة ان البلاد التي يسكنها 5.2 يهودي بحاجة الى مليون آخر خلال العقد المقبل، لكن الهجرة الى اسرائيل هبطت الى 23200 قادم جديد العام الماضي، وهو الاقل منذ 1990. وتسبب انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات بزيادة الهجرة الى اسرائيل التي بلغت ذروتها في العامين 1990 و1991، اذ بلغ عدد المهاجرين نحو 376 الفاً قدموا من الجمهوريات السوفياتية السابقة. ومنذ 1989 وحتى كانون الاول ديسمبر 2003، وصل الى اسرائيل 973 الف يهودي سوفياتي، لا يشعر معظمهم الآن بأنه مستقر ويفكر بالرحيل. وبحسب أرقام رسمية فان نحو 72 الفاً من اليهود السوفيات الذين جاءوا الى اسرائيل رحلوا الى كندا والولايات المتحدة واوروبا. وتقدر وزارة الهجرة الاسرائيلية ان نحو 13200 يهودي سوفياتي غادروا الدولة العبرية في العام 2002، وان ما بين 50 الفاً و90 الفاً يعيشون في موسكو الان. وتظل الارقام الدقيقة غير معروفة لان بعض المهاجرين يعود الى اسرائيل بعد مغادرتها، لكنه لا يحسب ضمن المهاجرين الجدد. وتظل الهجرات المعاكسة عقبة حقيقية تواجه اسرائيل، لأن هناك فقط 5,2 مليون اسرائيلي يهودي في مواجهة نحو 800 ألف عربي اسرائيلي و3.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وغزة، عدا نحو 6 ملايين لاجئ حول العالم يعتبرون فلسطين بلادهم الاصلية وينتظرون العودة اليها.