شتاء درب زبيدة ينطلق بمحمية الإمام تركي    الشتاء يفتح جبهة جديدة على النازحين في غزة    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ مبادرة ( وعيك أمانك ) في مقر إدارة مساجد محافظتي الدرب وفرسان    «سواحل عسير» وجهة للسياحة الشتوية    «بيئة القصيم» تُفعّل يوم الغذاء العضوي    3 ملايين زائر لموسم الرياض 2025 خلال 35 يوما    المرأة روح المجتمع ونبضه    السودان بين احتدام القتال وتبادل الاتهامات    ترمب يطالب قناة إخبارية بريطانية بخمسة مليارات دولار تعويضًا عن التزييف لأحد خطاباته    نيابة عن وزير الداخلية.. الفالح يرأس وفد المملكة في مؤتمر لتعزيز التعاون الأمني    أمير الرياض يتوج (الطيار) بكأس الأمير محمد بن سعود الكبير    تهنئة ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    رينارد يريح الصقور    "دوريات جازان" تُحبط تهريب 33 كيلو جراماً من القات المخدر    حائل الفاتنة وقت المطر    ترحيل 14916 مخالفا للأنظمة    "الداخلية" تحصد جائزة أفضل جناح في مؤتمر الحج    "الشريك الأدبي".. الثقافة من برجها العاجي إلى الناس    ملامح حضارة الصين تتنفس في «بنان»    وزير الثقافة: الاستثمار الثقافي رافد الفرص الواعدة في المملكة    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل وزير الشؤون الدينية في بنغلاديش    وزير الحج: إنجاز إجراءات التعاقدات لأكثر من مليون حاج من مختلف الدول    "الحج والعمرة" وجامعة الملك عبدالعزيز توقعان مذكرة تفاهم لخدمة ضيوف الرحمن    تدشين صندوق دعم الأطفال المصابين بالسكري    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُجري جراحة متقدمة بالروبوت لإنهاء معاناة ثلاثينية مع ورم بالمبايض بطول 10سم    البرتغال تتحرّك لتخفيف عقوبة كريستيانو رونالدو    السعودية ترحب باتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس    لكل من يستطيع أن يقرأ اللوحة    دور ابن تيمية في النهضة الحضارية الحديثة    متنزه Six Flags في القدية يستقبل الزوار اعتبارًا من 31 ديسمبر المقبل    إنسانيةٌ تتوَّج... وقيادة تحسن الاختيار: العالم يكرّم الأمير تركي بن طلال    جمعية القطيف الخيرية تطلق أول سيارة لخدمة ذوي الهمم وكبار السن    مكانة الكلمة وخطورتها    الملك وولي العهد يعزيان رئيس العراق في وفاة شقيقه    وزير البلديات والإسكان: رؤية للتحول نحو أول وزارة ذكية في العالم    علاقة الإبداع بضعف الذاكرة    انتصار مهم لنادي بيش في الجولة الرابعة أمام الخالدي    وفاة 11 وفقد 12 إثر انهيار أرضي في إندونيسيا    هطول أمطار في 8 مناطق ومكة الأعلى كميةً ب58,6 ملم في رابغ    أمانة جدة تباشر جهودها الميدانية للتعامل مع حالة الأمطار    ابتدائية مصعب بن عمير تفعل اليوم العالمي للسكري عبر إذاعة مدرسية تثقيفية    أمير منطقة الجوف يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الصحي الشمالي    تجمع الرياض الصحي يبرز دور "المدرب الصحي" في الرعاية الوقائية    بلدية صبيا تنفّذ أعمال تطوير ممرات المشاة أمام المدارس    قسم الإعلام بجامعة الملك سعود يطلق برنامج "ماجستير الآداب في الإعلام"    مؤتمر الشرق الأوسط ال19 للتآكل يختتم أعماله في المنطقة الشرقية    بمشاركة 15 جهة انطلاق فعالية "بنكرياس .. حنا نوعي الناس" للتوعية بداء السكري    الأخضر السعودي يهزم ساحل العاج بهدف أبو الشامات وديًا    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب قبالة سواحل مملكة تونغا    أخضر اليد يتغلب على نظيره العراقي في «الرياض 2025»    مجمع هروب الطبي يفعّل مبادرتين صحيتين بالتزامن مع اليوم العالمي للسكري    جامعة محمد بن فهد تستذكر مؤسسها في احتفالية تخريج أبنائها وبناتها    الفن يُعالج... معارض تشكيلية في المستشفيات تعيد للمرضى الأمل    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    آل الشيخ ورئيسا «النواب» و«الشورى» يبحثون التعاون.. ولي عهد البحرين يستقبل رئيس مجلس الشورى    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد ست سنوات من اغلاقه اعادت اسرائيل افتتاحه معتقل "أنصار 3" مصنع التعذيب
نشر في الحياة يوم 29 - 04 - 2002

ألوف المعتقلين الفلسطينيين يُرسَلون الى "معسكرات اعتقال" مبنية من الخيام، في ظروف قاسية، أبشعها معتقل "أنصار 3" الصحراوي في النقب.
لا يعرف أحد ماذا يدور في هذا المعتقل لأن السلطات الاسرائيلية تمنع الوصول اليه باي شكل من الاشكال ، بمن في ذلك المحامون. لكن "خريجي" "أنصار-3" يستطيعون تصور ما يدور فيه. ويروون ل"الوسط".
من هناك، من بين رمال الصحراء، وفي ظل اشعة الشمس الحارقة، دوت الصرخات. حتى الطيور لم تسمعها، فالارض قاحلة واشعة الشمس حارقة، وسوى الخيام ومئات الشبان الفلسطينيين الذين يحتمون تحت خيام الجيش الاسرائيلي، لا يوجد بشر. هناك انشئ "مصنع" التعذيب والاذلال والقهر. من هذا المكان خرج اكثر من ألفي معتقل فلسطيني، صنعوا مع بقية ابناء شعبهم الفلسطيني، الانتفاضة الاولى. من معتقل "أنصار 3" جهنم الثانية تسجلت مرحلة مميزة في حياة المعتقلين الفلسطينيين. لا يوجد مثيل له بين السجون الاسرائيلية التي تعتبر من اقسى السجون. ثماني سنوات من وجوده كانت كافية كي تكون اسرائيل بين قائمة الدول "المتحضرة" التي تتفنن في تعذيب معتقليها خلافاً لكل القوانين الدولية والانسانية.
أُغلق بعد ثماني سنوات اثر اتفاقات اوسلو. لكنه لم يغلق الى الابد. فقبل اسبوعين أُعيد فتحه مرة اخرى. أُعيد فتح معتقل "أنصار-3" وكل التوقعات ان يكون هذه المرة اقسى بكثير. ففي حينه عندما افتتح كان الفلسطينيون يواجهون الدبابات الاسرائيلية بالحجارة فقط. وكان وزير الدفاع الاسرائيلي في حينه اسحق رابين يساوم المعتقلين على عدم رمي الحجارة مرة اخرى. اما هذه المرة، فحكومة ارييل شارون ترى في كل فلسطيني ارهابياً. واذا لم تخجل امام الكاميرات من التعامل مع المعتقلين في معسكرات الاعتقالات التي فتحتها منذ اجتياحها الاخير بكل قسوة، فما عساها تفعل داخل خيم لا تقدر اية قوة على الوصول اليها لمعرفة ما يدور داخلها.
التقارير المتوافرة لدى المؤسسات الفلسطينية الفاعلة بين الاسرى تشير الى ان السلطات الاسرائيلية اعتقلت منذ اجتياحها المناطق الفلسطينية ثمانية آلاف فلسطيني، اطلقت سراح اكثر من ثلاثة آلاف منهم ووزعت الباقي على معسكرات مختلفة كل حسب منطقة سكناه. اسرائيل تعترف باعتقال حوالي خمسة آلاف، تقول انها أبقت منهم 1800 واطلقت سراح الباقين فأقامت معسكر عوفرة في رام الله ومعسكر حوارة في نابلس ومعسكر سالم في جنين ومعسكر كدوميم في قلقيلية ومعسكر عتصيون في بيت لحم. اضافة الى ذلك اقامت اماكن احتجاز موقتة في المناطق المحتلة واماكن احتجاز في المستوطنات، وهناك من المعتقلين ممن وصلوا الى مراكز التحقيق في المسكوبية وبيتح تكفا وعسقلان والجلمة. وفقط قبل اسبوعين قررت السلطات الاسرائيلية اعادة فتح معتقل "أنصار 3"، وكان هذا القرار بمثابة تصريح واضح بصعوبة مصير المعتقلين الفلسطينيين.
اعتبر نادي الاسير الفلسطيني، معتقل "أنصار 3"، القبر الجماعي للاسرى، وشرع في اطلاق حملة دولية لاغلاق هذا المعتقل "الجهنمي" كما اسماه.
التفاصيل الدقيقة عن هذا المعتقل الذي يقع في صحراء النقب، جنوب اسرائيل غير معروفة، وكذلك عدد معتقليه، واذا ما كانت السلطات الاسرائيلية قد اختارتهم من بين المعتقلين او جرى تقسيمهم بشكل عشوائي، وكل التفاصيل لم تعرف بعد. وهذا الامر يثير القلق في نفوس الاهالي الذين تعرض احد ابنائهم او اكثر للاعتقال. فكل فلسطيني، طفلاً كان ام شاباً، امرأة ام مسناً، يعرف تماماً فظاعة هذا المعتقل، الذي ذاقت مراراته معظم العائلات الفلسطينية، عن طريق ابنائهم المعتقلين.
فائق حمامرة احد المعتقلين الذي عاش فترة اعتقاله في الانتفاضة الاولى في معتقل "أنصار 3" يتوقع ان تكون ظروف المعتقلين فيه أقسى وأخطر. يقول: في يوم 24-3-1988 وبعد عام على بداية الانتفاضة الاولى، كان القرار الاسرائيلي، بعد ان امتلأ السجن بالمعتقلين الفلسطينيين، فتح معتقل يستوعب اكبر عدد من المعتقلين في ظروف لا تسمح لأي فلسطيني بمجرد التفكير مرة اخرى في مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلي. وكانت بالفعل تجربة قاسية. يقول حمامرة:" دخلت الى معتقل "أنصار 3" مع اول فوج يصل اليه. قبل تسعة ايام من افتتاحه، اعتقلت في بيتي مثل المئات من الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الانتفاضة الاولى لمجرد انهم كانوا من الاسرى الامنيين السابقين في السجون الاسرائيلية. وفي يوم نقلنا الى "أنصار 3"، اعصبوا عيوننا وكبلوا ايدينا وارجلنا وادخلونا الى حافلات. مشينا ساعات طويلة، شعرنا بحرارة الشمس وبالارهاق وبالخوف من الابعاد. كنا قلقين جداً مما سيفعله بنا الجنود، فكلما سألنا احدهم بصوت عال لأن عيونهم معصوبة اين نحن كان يرد بالصراخ وبالتهديد اذا ما كررنا السؤال او مجرد تحدثنا، حتى وصلنا الى المعتقل. فكوا العصاب وانزلونا من الحافلات. كان الطقس شتوياً، وعندما شاهدنا الخيام وطبيعة الارض الصحراوية حسبنا اننا في مصر. وبقينا على هذه الحال ثلاثة اشهر، حتى وصل الينا اول محام وابلغنا اين نحن وما هو هذا المعتقل".
يحدثنا فائق ويضيف: "لم يتركوا اسلوب عنف الا واستعملوه معنا. قسمونا الى بضعة اقسام. كل قسم يحتوي على 224 سجيناً وزعونا على خيام، كل واحدة تضم 28 سجيناً. كان السياج يحيط كل قسم في المعتقل. فلا نتمكن من التحدث مع بعضنا بعضاً ولا نعرف من هم في القسم الاخر. بعد الساعة السابعة ممنوع اضاءة الكهرباء. ممنوع الحركة. ممنوع الخروج من الخيمة. وكل من يخالف الاوامر كان مصيره عسيرا. خمسة من السجناء قتلوا رمياً بالرصاص في الليل، لمجرد انهم أطلوا من الخيمة، احدهم غسل ملابسه واراد نشرها، وآخر خرج لينادي على الجندي ليسمح له بالخروج لقضاء حاجته. لم يتوفر لنا الفراش الكافي وفترة الشتاء كانت قاسية جداً، لأن المنطقة كانت تشهد فيضانات وفي هذه الفترة كنا نعيش مأساة حقيقية. المياه تدخل احيانا الى الخيام، والفراش المتوافر لنا لا يكفي بتاتاً وطوال الوقت كنا نشعر بالبرد القارس".
الشبح والهز
الكثيرون من المعتقلين مروا بفترة تعذيب قاسية. أخطرها الشبح، اي التعليق من الرجلين بحيث يكون الرأس مدلى فوق الارض. ثم سكب المياه الساخنة في النهار والباردة في الليل، الصلب، الهز، التعذيب النفسي. اما الطعام فيقول فائق: "حدث ولا حرج. شحيح، لا يكفي لطفل في الخامسة. والخبز كان، في اغلب الاحيان، غير صالح فهو معفن اويابس، لكن الجوع قاهر، فلم يكن امامنا الا ان نزيل القطع المتعفنة ونأكل البقية. انها فترة قاسية يصعب وصفها. ولكن من دون شك هذا المعتقل مركز للتعذيب".
كان الجنود الاسرائيليون يستغلون كل فرصة تتاح لهم لتعذيب المعتقلين، وكان أقسى هذا التعذيب عندما يفرض العقاب على المعتقل وكأن وجودنا داخل الخيم ليس هو العقاب الاقصى. يقول فائق متحدثاً عن تجربته القاسية التي مر بها: "في ذلك اليوم اعلن المعتقلون الاضراب عن الطعام، وكنت المسؤول عن العمل في المطبخ، ولأني اعددت الطعام كما هو، جاء الضابط وابلغني بأنني معاقب. فأخذوني الى برميل بلاستيكي من الحجم الكبير لخزن المياه ووضعوني في داخله. وكان هذا بمثابة بديل عن الزنزانة التي اقاموها فيما بعد. وبقيت في داخله لمدة ثلاثة ايام. لم أبال في حينه لا للطعام ولا حتى للماء، كان يقلقني ما سيحدث معي. فأحياناً كنت اشعر ان الموت يقترب مني لأن اشعة الشمس الحارقة في النهار كانت تذيب احيانا البرميل البلاستيكي. واذكر انني شعرت بانهيار كبير وكدت افقد الوعي. وكل صرخاتنا لم تحرك ضمير احد الجنود. كانوا يقتربون منا ويقهقهون ويرمون علينا القليل من الماء ويذهبون. وفي فترة وجودي في هذا المعتقل، اصيب احد المعتقلين الذين عوقبوا داخل هذا البرميل بانتكاسة صحية خطيرة. فكانت فترة عقابه في وقت حار جداً وكان البرميل بمثابة محرقة، اتذكر جيداً كيف كان يصرخ ويستغيث الى ان وصل الى حال لم نعد نسمع صراخه. فقط بعد ذلك توجهوا اليه وكانت حالته خطيرة فاضطروا الى نقله بالطائرة الى مستشفى اسرائيلي".
اصناف كثيرة من التعذيب شهدها معتقلو "أنصار 3". فالجنود الذين اعتبروا وجودهم في النقب، داخل صحراء تصل فيها درجة الحرارة في ساعات النهار الى 40 درجة مئوية بمثابة عقاب، كانوا يفرغون كل غضبهم على المعتقلين. فحتى عملية عد الاسرى التي تعتبر في كل سجون العالم عملية سهلة، ولا مجال او وقاحة للتعذيب فيها، استحدث الاسرائيليون فيها اساليب التعذيب. فبداية قرروا عد المعتقلين في اليوم ست مرات. في الصباح والظهر والمساء وبعد منتصف الليل: "كنا في عز نومنا، فيأتي الجندي ويصرخ بشكل هستيري فنعرف ان موعد العد قد حان. فنقف وكل واحد منا مرهق ويحتاج الى نوم، والويل لمن يتحرك اثناء العد. كان على المعتقل ان يكون يقظاً لأن الجندي يستعمل اساليب لتغليطه، فأحياناً يقول الجندي الرقم وعلينا قول الاسم ولمعتقل آخر يقول العكس، واذا ما اخطأ المعتقل فكرر مثلاً الرقم الذي قاله الجندي بدلاً من ان يقول اسمه فالويل له. الاهانات والضرب والتنكيل تنزل عليه كزخات المطر من ذلك الجندي. وهذه الاخطاء كانت تحدث عموماً بعد منتصف الليل او الثالثة قبل الفجر.
وحتى المراحيض غير كافية ولا تتوافر فيها الحاجيات الاساسية، وفي ساعات الصباح بشكل خاص، كانت معاناة المعتقلين الذين كانوا يقفون في طابور طويل ينتظرون دورهم.
انه اذلال، معاناة، تعذيب، انه موت بطيء لكل معتقل يدخل اليه" قال فائق.
170 الف معتقل
المنظمات الحقوقية التي اعدت تقاريرها الخاصة عن "أنصار 3" السابق قالت انه استوعب في حينه 7 آلاف معتقل، بينهم ثلاثة آلاف اداري، وخلال خمس سنوات استوعب المعتقل 170 ألف معتقل من الضفة الغربية وقطاع غزة. ويخضع المعتقل لادارة عسكرية يتولاها الجيش الاسرائيلي، ما ادى الى حرمان المعتقلين من ابسط حقوقهم في المأكل والمشرب والملبس والزيارات والشروط الصحية والحقوق التي تعترف بها القوانين الدولية.
ويرى المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ان اعادة فتح المعتقل ينذر باستمرار حملات الاعتقال العشوائية والجماعية بحق الفلسطينيين. فقد اعطى الامر العسكري الذي يحمل رقم 1500 صلاحيات واسعة لضباط الجيش بممارسة حملات الاعتقال من دون اية رقابة قضائية.
عيسى قراقع، رئيس نادي الاسير، من المعتقلين الفلسطينيين الذين مروا بتجربة قاسية في معتقل "أنصار 3" في الانتفاضة الاولى. قال: "عندما قلنا انه قبر جماعي للمعتقلين لم نبالغ، لأن ما يجري في هذا المعتقل هو أمر فظيع وخطير، واليوم هناك حاجة ماسة، مع كل الاوضاع اليومية التي نواجهها داخل المناطق الفلسطينية وتحتاج الى اهتمام وملاحقة علينا تكثيف جهودنا للوقوف عن كثب الى جانب المعتقلين الفلسطينيين، والعمل للكشف عما يحدث داخل معتقل "أنصار 3". ويفتقر المعسكر الى الحد الادنى من الشروط الانسانية، من علاج واغطية واسرة وملابس وحمامات". واضاف قراقع: "هذا المعتقل غير قانوني من الناحية الدولية ولا يخضع الا لقوانين ولوائح معدة في الجيش لتطوير عمليات القمع ويخضع لمزاج وطبيعة من يقوم بالمهام الادارية والقضائية والاجرائية. ونقولها بصراحة ان هذا المعتقل هو تجسيد حديث لمعسكرات الاعتقال النازية".
عملية الاعتقالات الواسعة التي نفذتها السلطات الاسرائيلية منذ اواخر شهر آذار مارس اثناء اجتياحها المناطق الفلسطينية كانت عشوائية، فلم يفرقوا بين فتى في الرابعة عشرة ولا مسن تجاوز الستين ولا مدير عام شركة ولا عامل ولا شاب. بالنسبة اليهم كل فلسطيني تجاوز الرابعة عشرة، مشكوك بأمره ومرشح للارهاب فيعتقلونه ويذلونه ويعذبونه وبعدها يقررون اذا كان يطلق سراحه ام لا. وكل هذا كان يجري امام أنظار الاطفال والنساء وفي ساعات الفجر والليل.
وفي بعض المناطق شملت الاعتقالات النساء والاطفال والفتيات القاصرات والمرضى والجرحى. وقد وصل الجنود الى داخل المستشفيات والعيادات الطبية واعتقلوا مرضى وهناك من تم اختطافهم من سيارات الاسعاف وهم جرحى.
وتشير الاحصاءات الى ان 95 في المئة من المعتقلين الفلسطينيين هم من السكان المدنيين. اما العسكريون المعتقلون فهم في الغالب من قوات الامن والشرطة الفلسطينية. وهناك عائلات تم اعتقالها وجرى تشتيتها وتوزيعها في مراكز اعتقال متفرقة وهناك اعداد كبيرة من المعتقلين مصيرها مجهول، فالاعتقال لم ينفذ في البيت ولا يعرف ذووهم اذا ما كانوا بين المعتقلين ام هم من الشهداء. في معظم العمليات كانت تسبق الاعتقال عمليات مداهمة للمنازل والبنايات السكنية في رام الله شهدت مثل هذه العمليات وبناية الطيراوي كانت واحدة من هذه البنايات التي لا يمكن للاطفال والنساء والرجال المقيمين فيها نسيان ذلك اليوم.
الساعة تقارب الثالثة فجرا وجميع سكان البناية نيام: "فزعنا لاصوات الرشاشات والرصاص الذي اطلق كزخ المطر" يحدثنا الدكتور محمد غضبية، مدير عام وزارة التخطيط والتعاون الدولي: "استيقظنا وتوقعنا وقوع كارثة فتوجهنا الى غرفة اطفالي الثلاثة وابعدناهم عن الغرفة حيث كان الرصاص باتجاهها ومن الشرفات. زحفنا نحوهم على الارض وأنزلناهم سحباً عن الاسرة وزحفنا معاً الى مكان آخر في البيت اكثر اماناً. ولم يتوقف اطلاق الرصاص ثم بدأوا يطلبون عبر مكبر الصوت من جميع السكان مغادرة بيوتهم والتوجه الى الشارع. كان مشهداً لا يمكن وصفه. فالجميع استيقظوا بحالة هلع من النوم وبعضهم لم يستطع حتى انتعال الحذاء، فيما كان الاطفال والنساء يبكون. ولما نزلنا الى الشارع، طلبوا من النساء والاطفال الوقوف جانباً والفتيان والشباب والرجال الاقتراب نحو الجنود. والحقيقة ان الامر كان محرجاً ومرعبا، فالكل توقع ارتكاب مجزرة. وتعالت صرخات النساء والاطفال لكن شيئاً لم يحرك ضمير الجنود. طلبوا منا جميعا رفع الايدي الى اعلى وكان بيننا فتى في الرابعة عشرة من عمره ومسن تجاوز الستين. ثم كبلوا ايدينا وعصبوا عيوننا واخذونا في سيارات الى معتقل عوفر".
ومعتقل عوفر عبارة عن خيام وبراكيات من الزنك بالقرب من رام الله، وعند بداية الاجتياح وضعوا جميع المعتقلين فيه ومن ثم تم توزيعهم. بقي الدكتور غضبية 18 يوماً داخل المعتقل من دون اية محاكمة. ظروف المعتقل، كا يقول كانت قاسية للغاية: "زجوا 350 معتقلاً في البراكية التي تواجدت فيها ومساحتها لا تتعدى 120 متراً. وطبعاً الظروف قاسية من ناحية الطعام والماء والاكتظاظ الكبير. وقد تعرض العديد من المعتقلين للتعذيب والاهانات من قبل الجنود الذين لم يكن امامهم ما يفعلونه في ساعة الفراغ سوى استفزاز المعتقلين والتلفّظ بكلمات بذيئة. احد المعتقلين كان جريحاً ورفضوا نقله للعلاج. ومعتقل آخر، تعرض لضرب مبرح، من دون اي مبرر، ادى الى تكسير في عظامه، كما تبين بعد الافراج عنه.
وكما يقول غضبية فان معظم الذين تواجدوا في هذا المعتقل كانوا من المواطنين الذين لا ينشطون سياسياً ولا علاقة لهم باي تنظيم فلسطيني. كان العقاب جماعياً، وكان واضح لنا ان ما تسعى اليه حكومة اسرائيل هو اذلال الفلسطينيين وكسر معنوياتهم من خلال ممارسة ارهاب معنوي ونفسي ضدهم. ولكن وجودنا معاً داخل معسكر كهذا كان اكبر دعم معنوي لصمودنا جميعا"
كيف اصبح المعتقل الفلسطيني محامياً
الظروف القاسية التي يمر بها المعتقلون الفلسطينيون الذين يقبعون في مختلف المعتقلات والمعسكرات تصل الى حد قد يعجز المعتقل عن وصفها. فهناك لا توجد اية ظروف انسانية. وحتى الحقوق الاساسية للمعتقل هي بكل بساطة مفقودة.
فالقوانين الدولية تلزم كل محكمة توفير محامي دفاع لكل متهم، واذا لم ينجح المعتقل باحضار المحامي فالمحكمة ملزمة بتوفيره. اما عندما يجري الحديث عن دولة "القانون الحضارية"، دولة اسرائيل ومحاكمها وعن معتقلين فلسطينيين فالامر هنا يصبح شاذاً. فلا محام ولا محكمة ولا قوانين. زج الشباب داخل معتقلات في مساحة صغيرة جداً، وتمديد اعتقالهم من دون اية محكمة لمدة 18 يوماً ومن ثم قبل التقرير باطلاق سراحهم تعقد محكمة، المكان داخل براكية. القاضي يحضر وكذلك المترجم ومدون الجلسة، لكن المعتقل الذي من المفروض ان يظهر مع محاميه، يضطر في هذه المحاكم ان يتحول بقدرة قادر الى محام يدافع عن متهم، يدافع عن نفسه، وليس مهماً ان كان قادراً على ذلك ام لا.
الدكتور محمد غضبية، الذي تحول الى محام لمدة نصف ساعة، وقف امام القاضي مذهولاً لا يعرف ماذا يفعل. القاضي يسأل وعليه ان يفكر ما يمكن ان يجيبه وكيف يمكن ان يكون حذراً حتى لا يتورط بأية كلمة قد تجعله سنوات في السجن: "انها مسخرة واستبداد واستهتار وديكتاتورية. انه امر لا يمكن ان يقبله اي عقل". يقول غضبية.
ويبقى السؤال اذا كان غضبية قادراً على الدفاع عن نفسه وحذراً باستعمال كل كلمة يطلقها، فما الذي يضمن ذلك لفتى في الرابعة عشرة او السادسة عشرة من عمره او مسن في الستين؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.