ولي العهد: هدفنا الوصول إلى اقتصاد عالمي متماسك من خلال تعزيز التعاون الدولي    اختتام أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض    وزير الخارجية: نرغب في تعزيز جهود حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين    7 دول طلبت من المحكمة الجنائية الدولية وقف اعتقال مسؤولين إسرائيليين    هل يُغادر صلاح ليفربول وينتقل إلى الاتحاد؟ صحفي إنجليزي يُجيب!    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي بالممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج    جازان: القبض على 8 مخالفين لنظام الحدود لتهريبهم 160 كيلوغراما من نبات القات    75.3 مليار ريال إيرادات السعودية للكهرباء في 2023    هيئة تطوير المنطقة الشرقية تشارك في منتدى التكامل اللوجستي 2024    الاحتلال اعتقل 8505 فلسطينيين في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر    أمير الشرقية يقلد قائد قوة أمن المنشآت برأس تنورة رتبة لواء    أمين منطقة حائل يفتتح معرض أسبوع البيئة 2024    الاعلان عن الأفضل في دوري روشن في أبريل    نصف نهائي "أغلى الكؤوس".. ظروف متباينة وطموح واحد    شراكة عالمية لجمع 500 مليون دولار لمبادراتٍ في مجال التعليم    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    «سلمان العالمي» يُطلق أوَّلَ مركز ذكاء اصطناعي لمعالجة اللغة العربية    أخبار سارة في تدريبات الهلال قبل الكلاسيكو    الكلية التقنية للبنات بجدة تطلق هاكاثون تكنلوجيا الأزياء.    زلزال بقوة 5 درجات يضرب شرق تايوان    أمير المدينة يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب بالجامعة الإسلامية    النيابة العامة: التستر وغسل الأموال يطيح بوافد و3 مواطنين لإخفائهم 200 مليون ريال    "جائزة الأميرة صيتة" تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    القبض على 8 أشخاص لقيامهم بالسرقة وسلب المارة تحت تهديد السلاح    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    بيئي الشرقية يدشن معرض ( تعرف بيئتك ) بالخُبر    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    الفيحاء يتوّج بدوري الدرجة الأولى للشباب    اللواء الزهراني يحتفل بزفاف نجله صلاح الدين    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    «رابطة العالم الإسلامي» تُعرِب عن قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    النقد وعصبية المسؤول    مهنة مستباحة    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    منجزات البلدية خلال الربع الأول بحاضرة الدمام    اكتمال جاهزية كانتي.. وبنزيما انتظار    جامعة «نورة» تفتتح منافسات الدورة الرياضية لطالبات الجامعات الخليجية    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    صحن طائر بسماء نيويورك    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    المسلسل    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفخ الاسرائيلي لتجنيد "العملاء" الفلسطينيين : جنس ومال
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 2002

سمير، معتقل فلسطيني، كان بين الشبان الذين واجهوا دبابات الاحتلال بكل ما فيهم من عزم. رمى الحجارة وهاجم الجنود وعرض نفسه لرشاشات المحتل ودباباته، إلى ان القي القبض عليه مع عشرات الفلسطينيين. خلال اشهر قليلة من وجوده داخل السجن تحول الى افضل عميل لإسرائيل، وقدّره رؤساء الاستخبارات الاسرائيلية، وقال عنه يعقوب بيري، الرئيس السابق ل"الموساد": "انه ابرع عميل فلسطيني عمل معنا".
تعرض سمير، كبقية المعتقلين الفلسطينيين لاعتداءات وتنكيل داخل السجن، ويبدو ان المحققين لاحظوا ضعفه فقرروا ان يعرضوا عليه العمل معهم في مقابل اطلاق سراحه وتزويده مبالغ نقدية، فوافق. وحتى لا تلفت عملية اطلاق سراحه نظر بقية المعتقلين والمحامي الذي كان يترافع عنه، تم تزييف عملية معقدة لهروبه من السجن ثم أعلن عن حال تأهب داخل السجن، واثيرت ضجة إعلامية حول نجاح عملية هرب هذا السجين الذي تحول في ما بعد بنظر الفلسطينيين وتنظيماتهم إلى بطل قومي. وافتعلت الاستخبارات الاسرائيلية من جهتها عملية تفتيش وتمشيط كبيرة عنه واعتبروه في الاعلام واحداً من اخطر "الارهابيين الفلسطينيين" الذين تبحث عنهم السلطات الاسرائيلية، وفي المقابل قام هو بمهمته بالتعاون مع الاستخبارات على افضل وجه. فبعدما كسب ثقة التنظيمات والمسؤولين الذين سعوا لحمايته خوفاً من اعتقاله، نجح بمساعدة الاستخبارات في إلقاء القبض على عدد كبير من الخلايا الفلسطينية. وخلال أكثر من سنة عمل في منطقة فلسطينية كاملة تعتبرها اسرائيل أخطر القطاعات في المناطق، فأوصل الاستخبارات الى مخابئ الفدائيين ومخازن الأسلحة، وحتى تبعد الاستخبارات الشكوك عنه كانت تقوم بتفتيش بيته بشكل مستمر بعدما تتفق معه على الابتعاد عن البيت. واعتقلوا والديه واخوانه بضع مرات، وهكذا حظي بدعم من كل التنظيمات.
هذه واحدة من مئات الحالات وربما الآلاف التي تحول خلالها فلسطينيون إلى متعاونين مع الاستخبارات الاسرائيلية، بعضهم وصل إلى رأس الهرم القيادي، مثل سمير، ومعظمهم لم يحتج الى ذلك. ويتضح ان اسرائيل بدأت في تجنيد العملاء قبل عشرات السنين. وفي فترة الانتفاضة الاولى زادت من جهودها ونجحت. ويتم حالياً تفعيل العديد من العملاء السابقين أيضاً في هذه الانتفاضة. وبفضل هؤلاء العملاء نجحت الاستخبارات الاسرائيلية بتنفيذ عمليات اغتيال عدة ومئات الاعتقالات. وفي اثناء ذلك ظهرت خلافات في الرأي بين التنظيمات والسلطة الفلسطينية حول سبب ارتفاع عدد المتعاونين والمسؤولين عن هذا الوضع، إذ رأى عدد من التنظيمات ان اتفاق اوسلو، الذي حدد صلاحيات السلطة الفلسطينية في التعاون مع هذه المجموعات، هو السبب الذي جعل العديد من المتعاونين لا يخشون أي عقاب، ما ساعد على زيادة عددهم وقبولهم للشروط التي تضعها الاستخبارات الاسرائيلية من دون رادع ولا وازع. وتلقي حركة "حماس"، التي تعرض العديد من نشطائها لاغتيالات واعتقالات، وتبين في ما بعد ان متعاونين ساعدوا على نجاح العمليات هذه، اللوم على السلطة الفلسطينية، وكما يقول أحد قادتها عبدالعزيز الرنتيسي، فإن "الارتفاع الكبير لعدد المتعاونين في الفترة الاخيرة ناتج عن عدم تعامل السلطة الفلسطينية بالشكل الصحيح تنفيذاً لما جاء في اتفاقات اوسلو حيث يشار بشكل واضح الى عدم ملاحقة السلطة لهؤلاء المتعاونين، فيما كان الوضع قبل اتفاق اوسلو يختلف، إذ كانت التنظيمات الفلسطينية تتابع الموضوع بنفسها، الأمر الذي كان على الاقل يرعب الشباب ويجعلهم يحسبون الف حساب قبل ان ينجروا وراء أي عروض يقدمها العدو".
إلا أن مسؤولي الامن في السلطة الفلسطينية يردون هذه الاتهامات الى اصحابها ويقولون إن أكبر عدد من العملاء هم عملاء "حماس". ويضيفون ان اتفاقات اوسلو ليست هي السبب، وإنما عمليات الاحتلال والمبالغ الضخمة التي يحصل عليها المتعاونون.
اسلوب الجنس
أساليب كثيرة تفننت الاستخبارات الاسرائيلية في استخدامها، لاسقاط الشابات والشبان الفلسطينيين في شباكها مستغلة ظروف احتلال المناطق الفلسطينية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي أدت في بعض الأحيان الى اضطرارهم للتنازل عن قيمهم وكرامتهم في مقابل المال. ويقول الضابط الاسرائيلي يهودا جيل: "هناك ثلاثة دوافع رئيسية نجحنا في استغلالها لتجنيد الفلسطينيين وهي، المال أو الحاجة المادية، العاطفة، سواء كانت الايديولوجية او الانتقام، والجنس والملذات الشخصية".
أما طرق التجنيد فتتم بطريقتين: الأولى بواسطة ضابط الاستخبارات الاسرائيلية للعميل مباشرة من دون تدخل وسيط وغير المباشرة وتتم عبر أحد العملاء الذين تم ربطهم واسقاطهم سلفاً، عبر المقابلات مع ضابط الاستخبارات أو الاعتقال أو التحقيق أو الابتزاز والضغط أو استغلال الخلافات العشائرية، كما فعلت اسرائيل في العشرات من الحالات.
لقد اعتمدت اسرائيل كل الاساليب، لكن أكثرها نجاحاً اسلوب الابتزاز الجنسي، أو كما يسمونه في المناطق الفلسطينية الاسقاط، ويعني الابتزاز أو الضغط من خلال وسائل جنسية من أجل تجنيد العملاء. ويقول يوسف عيسى، مدير دائرة النشاط الاسرائيلي في الأمن الوقائي: "إن الاستخبارات الاسرائيلية تقوم بتصوير الفتيات أو النساء عاريات، وأحياناً أثناء ممارستهن الجنس ثم تهددهن بنشر الصور إذا لم تتعاون معها أو مع من يمارس معهن الجنس من الاستخبارات، كما يلجأ ضابط الاستخبارات لجعل امرأة عميلة ترغم فتيات على مصاحبة شبان عملاء وبعد ذلك الضغط عليهن للتعاون مع اسرائيل". ويضيف: "هناك حالات ترسل فيها الاستخبارات عملاء ذكوراً أو اناثاً إلى زنازين الاعتقال لممارسة الجنس مع المعتقل ثم استغلال ذلك لكسر صموده في التحقيق فيرضخ لضغوطاتهم بالتعاون".
وفي كثير من الحالات قامت نساء فلسطينيات متعاونات بتصوير فتيات فلسطينيات في أوضاع فاضحة أو أثناء علاقة غير مقبولة في المجتمع الفلسطيني ثم قامت الاستخبارات بتهديدهن بتوزيع الصور. وتبين ان معظم الحالات التي نجحت الاستخبارات بتجنيدها في هذا الاسلوب كانت من المنحرفين جنسياً، إذ تعتبرهم الاستخبارات هدفاً سهلاً لها، وتبحث عنهم للتجنيد والاستثمار، خصوصاً إذا كان المنحرف ذا مركز اجتماعي أو أدبي مرموق. ويقول يوسف عيسى، إنه إلى جانب هذا الاسلوب، استغلت الاستخبارات الاسرائيلية مدمني المخدرات، فهذه كانت أسهل الطرق لتهديد هؤلاء وابتزازهم، ومن اجل نجاح هذا الاسلوب ادخلت الاستخبارات الاسرائيلية كميات كبيرة من المخدرات الى المناطق بواسطة عملاء وباتفاق مع الجنود على الحواجز يغضون الطرف.
مركز "بتسيلم" الاسرائيلي الفاعل في مجال حقوق الفلسطينيين، والذي اخترقته الاستخبارات الاسرائيلية بتجنيد أحد الفلسطينيين الذين عملوا في إعداد تحقيقات عن مواطنيه، ويدعى حيدر غانم، رصد هذا الموضوع من خلال الكشف عن الاساليب التي تتبعها اسرائيل لتجنيد الفلسطينيين للتعاون معها. فاشار المركز الى ان اسرائيل استغلت بشكل واسع العديد من المرضى الفلسطينيين الذين كانوا يضطرون لتلقي العلاج في اسرائيل فيعبرون يومياً الحواجز الاسرائيلية. وفي الكثير من الأحيان لم يدرك الفلسطيني الذي وقع في هذه الشباك انه سيتحول الى متعاون، فقد كانت عملية استغلاله تأتي عن طريقة الرد على أسئلة وكأن الموضوع ليس إلا تحقيقاً عادياً. وإضافة الى ذلك يرصد المركز عشرات الحالات التي تم استغلالها أثناء البحث عن العمل والوصول إلى الادارة المدنية للحصول على تصاريح، كما تم استغلال الفلسطينيين الذين توجهوا لطلب تصاريح جمع الشمل، وكما يقول يوسف عيسى، لا يوجد أي شخص في المناطق، تقدم بطلب خدمة أو تصريح من نوع ما من المؤسسة الاسرائيلية العسكرية، ولم يتلق عرضاً من جهاز الأمن العام للعمل كعميل في مقابل الاستجابة لطلبه. وحتى الطلاب الذين عبروا الجسور طلباً للعلم في دول عربية استغلتهم اسرائيل للتعاون معها. وفي إحدى الحالات التي عالجها مركز "بتسيلم" كانت لطالب قال إنه وصل الى الجسر ومعه تصاريح للمغادرة الى مصر للدراسة، إلا أن السلطات الاسرائيلية أعادت له التصريح من دون توضيح الأسباب. وقال هذا الشاب انه توجه الى الادارة المدنية للاستفسار "وبدأ مسلسل المماطلة والتسويف لكي اوافق على التعاون في مقابل السفر، ثم انتهى بي المطاف بعد معاناة الى ضابط الاستخبارات الذي قال لي إنه يعرف عني الكثير وانه يستطيع ان يرسلني الى المعتقل وانه ليس هناك غيره يستطيع ان يصرح بسفري، وان كل مستقبلي في يديه. وإذا أردت مساعدته الآن فهو يريد في المقابل أن أساعده. ثم قدم لي مالاً، وقال لي انني استطيع ان احصل على ما أريد وسيوفر لي سيارة جديدة وسيمنحني بطاقة هوية اسرائيلية تمكنني من السفر بحرية في اسرائيل".
ويقول الطالب إنه رفض كل هذه الاغراءات، وفي النهاية تنازل عن تعليمه خارج بلده وأكمل دراسته في الجامعات الفلسطينية.
ويبدو ان الاستخبارات، بعد فشلها مع العديد من الشبان الفلسطينيين الواعين، استغلت الفتيان ونجحت كثيراً. وكما يقول الرنتيسي، فإن الكثير من الحالات التي تم الكشف عنها تبين ان "الاستخبارات الاسرائيلية استعملت فيها أبشع وسائل الاستغلال، خصوصاً الاستغلال الجنسي، وبعدما نجحت في التقاط صور لهؤلاء الفتيان هددتهم بنشرها إذا لم يتعاونوا معها، وهكذا نجحت معهم، وكان ذلك بأعداد كبيرة منذ الانتفاضة الاولى، وهؤلاء أصبحوا اليوم شباناً ولا شك انه من الصعب الكشف عن الجميع".
سائق سيارة عرفات
منذ انطلاق انتفاضة الأقصى، مارست اسرائيل بشكل مكثف سياسة الاغتيال والاعتقال، إذ قتلت واعتقلت المئات من الفلسطينيين الذين كانوا يختبئون في مواقع يصعب جداً على السلطات الاسرائيلية الوصول اليها، وتبين بعد ذلك أن الاستخبارات الاسرائيلية حصلت على المعلومات الدقيقة للمستهدفين من متعاونين فلسطينيين. ومن أبشع عمليات الاغتيال التي ساهم متعاون فلسطيني بنجاحها، تلك التي قتل فيها قائد الجناح العسكري في "حماس"، صلاح شحادة مع 14 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء، وفقط بعد تنفيذ العملية القي القبض على المتعاون الذي اكتشفته تنظيم "حماس" بنفسها. وبمثل هذا الاسلوب نجحت اسرائيل في تحقيق أهدافها في الاغتيال والاعتقال. وفي معظم حالات الاغتيال كان يلقى القبض على المتعاون بعد تنفيذ عملية الاغتيال. ويبدو ان هذا الأمر جعل الاهتمام بهذه الظاهرة يزداد لدى المسؤولين الفلسطينيين، وليست صدفة انها اعتقلت اكثر من عشرين متعاوناً خلال أسبوع واحد، بينهم من عمل في مكتب الرئيس ياسر عرفات في بيت لحم ومن عمل في "القوة 17"، الأمر الذي جعل السؤال الذي يراود كثيرين يثار بشكل اوسع: "كيف يمكن ان ينجح المتعاونون في اختراق أكثر المؤسسات حساسية في السلطة الفلسطينية؟!".
قبل أن نسمع الرد على هذا السؤال، تجدر الاشارة الى ان النجاح في اختراق مكتب الرئيس الفلسطيني لم يبدأ منذ انطلاق الانتفاضة بل سبق ذلك بكثير. ففي العام 1977 نجحت الاستخبارات الاسرائيلية في تجنيد الشاب ضرار قاسم، الذي اعتبر آنذاك أبرع المتعاونين الفلسطينيين. فقد كان يدرس الفلسفة في بريطانيا حيث التقاه مصادفة ضابط من "الموساد"، وشعر ان لديه جشعاً كبيراً حيال المال. ووصل ضرار قاسم الى لبنان وانخرط في "القوة 17" وعمل سائقاً للرئيس عرفات. ونجح هذا المتعاون في ارسال التقارير يومياً للاستخبارات الاسرائيلية من خلال نظام لاسلكي متطور، وأحياناً كان يرسل المعلومات بواسطة الهاتف، أو يرسلها بشكل دوري بالبريد. وفي حصار بيروت كان قاسم مع عرفات طوال الوقت، وقدم التقارير ل"الموساد" من داخل قيادة منظمة التحرير.
"حماس" تتهم والاستخبارات ترد
وعلى على رغم التذمر الكبير للفلسطينيين من عدم علاج ظاهرة المتعاونين مع اسرائيل بالشكل المناسب ووضع حد لقتل واعتقال فلسطينيين من قبل ابناء شعبهم، إلا أن المسؤولين في التنظيمات والسلطة يرفضون التعامل مع القضية وكأنها ظاهرة، بل انها حقيقة قد تكون واقعية في ظل الاحتلال. وتوجهنا إلى بضعة تنظيمات ومؤسسات رسمية لحصر عدد هؤلاء المتعاونين، لكننا لم نجد ردوداً شافية على استفساراتنا، بل وجدنا حتى ان الموضوع لا يرد في رأس أولويات كثيرين، فالتعامل معه يتم وكأنه أمر مفروغ منه، لكن بعض التنظيمات التي نجحت إسرائيل في اغتيال بعض اعضائها أو اعتقالهم تلقي المسؤولية على السلطة الفلسطينية على رغم قناعتها بمدى تأثير الاحتلال على خلق ظاهرة كهذه.
يقول الرنتيسي إن "إسرائيل تتعامل مع قضية المتعاونين من باب الحرب النفسية على الشارع الفلسطيني"، ويضيف: "العمالة ليست ظاهرة فلسطينية، فكل الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال كان بينها عدد من أصحاب النفوس الضعيفة والمريضة الذين قبلوا التعامل مع العدو، كما كان حال الاحتلال الفرنسي في الجزائر. وعند الشعب الفلسطيني هذه الظاهرة بدأت منذ قدوم الاحتلال الاسرائيلي".
أما عن نجاح عمليات الاغتيال بالتنسيق مع متعاونين، فيقول الرنتيسي إن "نجاح العمليات يأتي بالأساس بسبب التكنولوجيا المتطورة لدى العدو وطبعاً بمساعدة العيون التي تراقب، ونحن على قناعة ان هؤلاء المتعاونين ليسوا إلا من أصحاب القدرات العقلية الضعيفة".
وعن سبب عدم القدرة على كشف المتعاونين قبل تنفيذ أي عملية اغتيال، يقول الرنتيسي: "إذا اجرينا مقارنة بين الوضع الحالي والوضع السابق قبل قيام السلطة الفلسطينية، يظهر بشكل واضح كيف أثرت اتفاقية اوسلو بشكل سلبي على هذا الموضوع. فهذه الاتفاقية ألزمت السلطة عدم متابعة العملاء والتعامل معهم كمواطنين عاديين وغض الطرف عنهم".
وحسب الحالات التي ترصدها حركة "حماس"، فإن معظم الفلسطينيين الذين تعاونوا مع اسرائيل رضخوا لأجهزة الاستخبارات بسبب ضعفهم أمام الجنس، وكان ذلك السبب الأكثر رواجاً للحالات المعروفة. ويقول الرنتيسي إن هذه الظاهرة "انتشرت قبل الانتفاضة بل منذ وطأت أقدام الاحتلال الضفة الغربية وغزة، إذ قام جيش العدو بتصوير شباب صغار أثناء ممارسة عمليات لاإنسانية اختلقها الجيش وكانت هذه الممارسات أحد أهم العوامل التي استغلت في الانتفاضة الاولى. ونحن في التنظيمات كنا نناقش الموضوع بشكل موسع، ورأينا انه اذا تركنا الوضع من دون مواجهة مع العدو سيسقط الشعب الفلسطيني بأكمله. أما اليوم فبات الوضع كله في أيدي السلطة التي لا تعالجه بالشكل الصحيح". ويضيف الرنتيسي: "نحن في حماس ضد عمليات إعدام المتعاونين من قبل التنظيمات والتنكيل بجثثهم أمام الناس. فهناك حاجة ماسة لسماع ما يقوله المتعامل ومحاكمته. فمثلاً العميل الذي وقف وراء اغتيال الشهيد صلاح شحادة ضبطناه نحن في "حماس" وسلمناه للسلطة، وطبعاً كلنا امل ان ينال العقاب الذي يستحقه".
ويقول يوسف عيسى إن علاج هذه الظاهرة من قبل الأجهزة الامنية اختلف ما بين فترتي وجود السلطة وقبل اقامتها، فاليوم لا يمكن علاج هذه الظاهرة إلا عن طريق القضاء والمحاكم، فإذا أخذنا قطاع غزة مثلاً، فمنذ قدوم السلطة تم تقديم 300 ملف لنيابة الدولة ضد متعاونين. وعلينا هنا التأكيد أن هناك العديد من الحالات التي تم قتل فلسطينيين من قبل التنظيمات ومن دون حتى سماع رأيهم، وتبين في ما بعد انهم ابرياء، الأمر الذي يؤكد ضرورة اتباع القضاء وسيلة لمحاربة هؤلاء.
أما بالنسبة لما تراه التنظيمات الفلسطينية من تأثير اتفاقية اوسلو على هذه الظاهرة فيقول عيسى ان اوسلو "خلقت أزمة في وضع الناس واستغلتها الاستخبارات الاسرائيلية، إذ أن العديد من الحالات التي نجحت الاستخبارات في استخدامها كانت توضح للفلسطيني انه في عمله هذا لا يخون شعبه، إنما يعمل في خدمة السلام. وفي كثير من الحالات كانت الاستخبارات تقدم لهؤلاء المتعاونين مثالاً عن طريقة التعاون الأمني بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وكأن هذا يعطي شرعية للمتعاون. ومن هنا أرى أنا شخصياً أن اوسلو قامت على تسوية أمنية وليست سياسية ولم تبحث عن اطار لحل نهائي للشعب الفلسطيني إنما على اطر وجداول اعمال".
من جهتها، ترد الاستخبارات الفلسطينية على اتهامات "حماس" باتهامات مقابلة. وكما قال لنا مسؤول كبير فيها: "يبدو ان الاخوة في "حماس" نسوا أن أحد أهم أهداف الاحتلال الاسرائيلي هو دق الاسافين وبث روح التشكيك داخلنا بحيث يشك كل واحد منا في الآخر. ولا أدري لماذا يتجاهل الرنتيسي حقيقة اكتشاف مئات المتعاونين من عناصر "حماس" نفسها. لقد قال إنهم سلمونا ذلك العميل المفسود الذي كان وراء اغتيال الشهيد صلاح شحادة ومعه 14 مواطناً آخر تسعة منهم اطفال. لكنه لم يشر الى ان ذلك العميل هو من عناصر "حماس" البارزة. ومثله يوجد مئات من النشطاء في "حماس" الذين تسببوا في اغتيال العشرات من قادة "فتح" و"الجهاد الاسلامي" و"حماس" نفسها. ونحن لا نقول هذا للتشفي، بل للرد على الاتهام الباطل بحقيقة واضحة وثابتة".
وأضاف مسؤول الاستخبارات الفلسطينية: "نحن لا نستطيع أن نتكلم بصراحة تامة حول ما فعلناه ونفعله لمواجهة ظاهرة العملاء. فهناك أمور يجب ان تظل طي الكتمان، على الأقل في هذه المرحلة. ولكن يكفي أن أشير إلى أن السلطات الاسرائيلية تطارد قائدنا في الضفة الغربية، العميد توفيق الطيراوي، وتحاول اعتقاله وربما اغتياله. فلماذا يا ترى؟ يقولون انه ارسل فدائيين لعمليات انتحارية. لكن هذا كذب مفضوح. الحقيقة انهم اغتاظوا منه لأن جهازه تمكن من اكتشاف واعتقال مئات كثيرة منهم، وما زال يحتفظ حتى الآن بمئة وعشرين منهم معتقلين في مكان ما في البلاد. فبهذا الاعتقال عرقل الكثير من مخططات الاحتلال الاجرامية".
ورفض هذا المسؤول أن تكون اتفاقيات اوسلو سبباً في انتشار ظاهرة العملاء. وقال: "بعد اوسلو بادرت السلطة الوطنية، مثل أي نظام حكم وطني، باعطاء فرصة أخرى للعملاء حتى يعودوا الى شعبهم ووطنهم ويتوقفوا عن جريمة الخيانة. ونحن نعرف ان كثيرين منهم تابوا فعلاً. وهناك اناس كذبوا ولم يتوبوا، فراقبناهم ووجدنا انهم عادوا إلى ممارسة العمالة. لكن هناك عملاء قاموا بقتل ضباط الاستخبارات الاسرائيلية الذين قاموا بتفعيلهم".
وأردف يقول: "إننا ننظر بخطورة بالغة إلى هذه الظاهرة. ونتابعها بكل ما نملك من قوة، علماً بأن قوتنا محدودة، خصوصاً في هذه الظروف. لكننا نعالجها بأسلوب حكيم، وليس بالبطش وبالاعدام. حاولنا وما زلنا اساليب الاقناع والتثقيف معهم، وفي الوقت نفسه تهديدهم بالمحاكمة والاعتقال اذا لم يرتدعوا. ولا تنسي اننا لم نعد نملك سجوناً ولا نستطيع حتى اجراء محاكمات طبيعية لهم منذ سنتين بسبب الحصار وإعادة الاحتلال. نحاول تجنيد ذويهم وأفراد عائلاتهم في هذه العملية. واخوتنا في "فتح"، يأخذون دورهم في متابعة الموضوع أيضاً"
متعاون من أجل الانتقام
العديد من الحالات التي كشفت عن متعاونين فلسطينيين تبين أن سببها الانتقام من تصرفات مارستها تنظيمات فلسطينية أو مسؤولون فلسطينيون.
أحد هؤلاء المتعاونين يقيم اليوم في تل أبيب وهو اتصل بالاستخبارات الاسرائيلية بنفسه طالباً التعاون معها.
هذا الشاب ولد في بيت فلسطيني فقير، وقبل ان يبلغ 13 عاماً قتل والده بأيدي فلسطينيين بتهمة تعاونه مع إسرائيل ثم توفيت والدته فانتقل مع شقيقه للعيش في مدرسة داخلية في القدس، وهناك انضم الى مجموعة من الشاذين ثم توجه الى الاستخبارات الاسرائيلية وأبلغها قصته، عارضاً عليها خدماته في التعاون معها. وقال إنه اتخذ هذا القرار لينتقم من الفلسطينيين الذين قتلوا والده. لكن عمله مع الاستخبارات لم ينجح. وهو يعيش اليوم وحيداً في تل ابيب، في حالة اقتصادية بائسة، وسجن في اسرائيل مرتين لشرائه حاجيات بواسطة بطاقة "فيزا" مزورة. وتعرض داخل السجن لثلاث عمليات اغتصاب شارك في احداها ضابط إسرائيلي وسجّانان. وقد تبين أن هذا الشاب لم يكن عميلاً ناجحاً لإسرائيل، لذلك رمته من دون أية ضمانات، فحتى الشكوى التي قدمها ضد مغتصبيه لم يجد من يدعمه فيها.
من قصص العمالة
يعيش في اسرائيل ألوف الفلسطينيين الهاربين من الضفة الغربية وقطاع غزة، اما لأنهم عملاء، واما لأنهم متهمون بالعمالة ظلما. إذ من الصعب تحديد ذلك بالضبط.
بين هؤلاء ستة فلسطينيين هم: س. م 35 عاماً، أ.أ.ع 50 عاماً، س.ا.ز 22 عاماً، أ.ح 23 عاماً، م.ع.م 18 عاماً، ن.ع 25 عاماً. في شهر آذار مارس الماضي كانوا سوية مع أربعة أشخاص آخرين معتقلين في سجن جنيد في نابلس. وفي منتصف الشهر بالضبط حلقت الطائرات الاسرائيلية المقاتلة فوق المدينة، فهرب كل رجال الأمن والسجانين الفلسطينيين من مقراتهم، لأنهم أدركوا ان ظهور الطائرات هو اشارة للغارات المدمرة المقبلة. وكان سجن جنيد أفرغ من جميع سجنائه ومعتقليه الذين هربوا وتركوا وراءهم هؤلاء العشرة داخل غرفة مغلقة. البعض يعتقد ان السجانين نسوا فتح الباب لاطلاق سراحهم، كما حصل لجميع السجناء الباقين، لكن هناك من يقول إن إدارة السجن تركتهم بشكل مقصود لأنهم عملاء للاحتلال وأربعة منهم محكومون بالإعدام.
إلا أن هؤلاء المتهمين يؤكدون، وهم داخل اسرائيل، انهم ليسوا عملاء. وينفون الاتهامات بأنهم ساعدوا اسرائيل على اغتيال قائد "فتح" في طولكرم الدكتور ثابت ثابت، وكيل وزارة الصحة، واغتيال صلاح دروزة من قادة "حماس" وغيرهما. ويقدم بعضهم اثباتات دامغة بأنهم لم يتواجدوا في البلدة طيلة يوم الاغتيال.
عندما بدأت الطائرات الاسرائيلية القصف واصابت قذائفها أيضاً سجن جنيد، قرر العشرة ان يغادورا بالقوة. فحطموا بوابة الحديد وهربوا باتجاه موقع عسكري اسرائيلي فوق جبل جرزيم. لكن الاسرائيليين، بعدما فحصوا اسماءهم مع الاستخبارات العامة الشاباك، قرروا عدم استقبالهم. وسلموهم لضابط ارتباط فلسطيني. لكن أحد الضباط الاسرائيليين همس في اذن أحدهم قائلاً: لا تذهبوا معه. فتشوا عن طريق توصلكم الى اسرائيل. فعملوا بنصيحته وشتموا الفلسطيني وهربوا باتجاه المنطقة الاسرائيلية، في حين غض الجنود الطرف عنهم. ودخلوا اسرائيل بعد جهد جهيد ليفتشوا عمن يساعدهم. ذهبوا الى بيت قريب لأحدهم في مدينة اللد فلم يجدوه. فراحوا يتسكعون في الشوارع، الى ان قرر أحدهم ان يأخذهم الى شخص يهودي كان يعمل لديه في الماضي. وسافروا الى نتانيا حيث التقوا الرجل. لكن هذا قال لهم إن استقبالهم غير قانوني. فعادوا ادراجهم يفتشون عن ملجأ آخر. واتصلوا بأحد العملاء فساعدهم. ووجد لهم بيتاً في يافا هو عبارة عن كرفان قديم، لا أثاث فيه ولا شروط صحية.
وقرروا خوض معركة إدارية وقضائية في اسرائيل للحصول على حق اللجوء والعمل أو حتى تصاريح إقامة. وساعدتهم في ذلك إحدى منظمات حقوق الإنسان الاسرائيلية التي تقول: "صحيح ان هؤلاء الاشخاص لم يكونوا عملاء، لذلك فإن الاستخبارات الاسرائيلية ليست ملزمة بشيء تجاههم، ولكنهم بشر. وبما أن حياتهم مهددة في مناطق الحكم الذاتي لمجرد الاشتباه بأنهم عملاء لإسرائيل، لذلك تتحمل إسرائيل مسؤوليتهم، وعليها توفير السكن والغذاء والعمل لكل واحد منهم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.